صالح عبدالله سرية شخصية مثيرة للجدل وكاريزما نادرة وذكاء غير اعتيادي وطموح انقلابي عجيب! 1937 – 1974
قليل هم من يتذكرون اليوم من هو "صالح عبدالله سرية"؟
كان معلماً لنا فترة قصيرة من الزمن بالخمسينات في مدرسة التربية الاسلامية بالكرخ، وكنت احد طلابه في الابتدائية، وكان يلتقي مساءً غالباً في مقهى (ابو القاسم) الشهيرة عند ساحة الشهداء، حيث ملتقى كثير من الاساتذة والشخصيات الكرخية وبالاخص من اقرانه بالتعليم وعدد من الفلسطينيين المقيمين بالعراق.
دخل العراق بعد حرب فلسطين 1948 وقيل في بعض الروايات انه دخل العراق مع الجيش العراقي المنسحب بحكم توطيد علاقته بعدد من كبار ضباط الجيش العراقي الذي حارب في فلسطين، واكمل دراسته الثانوية ببغداد ودرس في كلية الشريعة ومن ثم انتمى الى كلية التربية بجامعة بغداد وبعدها دخل الكلية العسكرية وتخرج سنة 1959 برتبة ملازم ثاني ونسب لفوج التحرير الفلسطيني الذي اسسه عبدالكريم قاسم بطلب وتشاور مع مفتي فلسطين الحاج امين الحسيني..
تفوَّق في علم الحديث حيث درسه على يد العلامة الشيخ عبدالكريم الصاعقة يرحمه الله، وبرز في هذا العلم واتقنه، وكان يلقي محاضرات في علم الحديث منها في جامع المامون واتذكر انني كنت احضر محاضراته بعلم الحديث في جامع المامون اسبوعيا كل اثنين بعد صلاة العصر اواخر الستينات.
اتهم صالح عبدالله سرية بتورطه في مؤامرات ومحاولات انقلابية منها زمن عبدالكريم قاسم واعفى عنه بتوسط من المفتي الفلسطيني، وتكررت المحاولة في زمن عبدالسلام عارف كما تكررت في زمن احمد حسن البكر واعتقل بعدها ووردت محاولته ضمن كتاب برزان التكريتي الشهير (محاولات اغتيال الرئيس)، وختم هوايته بالمحاولات الانقلابية بالمحاولة الشهيرة للانقلاب على الرئيس انور السادات عام 1974 بالمؤامرة التى عرفت بعملية الكلية الفنية العسكرية وتم اعدامه عام 1976 بسببها.
فمن هو صالح عبدالله سرية؟
ولد فى قرية إجزم بقضاء حيفا بفلسطين عام 1937، ومكث بها حتى أكمل دراسته الابتدائية، ليهاجر في اعقاب النكبة 1948 الى العراق بغداد مع اسرته ليكمل بها تعليمه الثانوي ثم ليدخل كلية الشريعة بجامعة بغداد وقد أسس شابا، مجموعة فلسطينية سُميت بـ(جبهة التحرير الفلسطينية).
وبعد ثورة 14 تموز 1958 فى العراق دخل في جيش التحرير الفلسطيني الذي اسسه عبدالكريم قاسم بتاريخ 27 آذار 1961 بطلب من المفتي الحسيني، وادخل الكلية العسكرية العراقية ونال رتبة ملازم ثاني ودخل فوج التحرير الفلسطيني الذي كان مقر تدريبه في ملعب الادارة المحلية بالمسيب. ليكون جيش يمثل الذراع العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت قوات جيش التحرير من الناحية العملية تأتمر من طرف الحكومات المضيفة لها. وقد تولى الجيش العراقي تدريب جيش التحرير هذا وتسليحه
كما ان صالح سرية واصل طموحه التعليمي والتحق بكلية التربية في جامعة بغداد؛ حيث كان من العناصر النشطة فيها وتخرج منها ونال درجة الماجستير هناك عن أطروحته "تطوير التعليم الصناعي في العراق" (بغداد: دار الجاحظ، 1969)، والتي تعد من أوائل رسائل الماجستير التي تمنحها جامعة بغداد.
عبدالكريم قاسم والمفتي الحاج امين الحسيني
وفي عام 1965 تم اعتقاله بتهمة التامر على نظام الحكم، في عهد المشير الركن عبدالسلام محمدعارف، ولكن وبعد الإفراج عنه واصل التحصيل العلمي وحصل على الماجستير في الشريعة، وابتعد عن العمل السياسي لفترة قليلة، وبعد هزيمة 1967 عاد لنشاطه الفدائي وانضم إلى المجلس الوطني الفلسطيني، وحضر اجتماع المجلس بالقاهرة عام 1968 وفي 1969 بعد أن اتهم بالاشتراك في محاولة اغتيال أحمد حسن البكر، فرّ إلى سوريا، فالأردن وارتبط بحزب التحرير الإسلامي الذي أسسه "تقي الدين النبهاني" وقيل انه انشق عنه فيما بعد.
رحلته الى مصر:
جاء إلى مصر عام 1971 وواصل طموحه العلمي غير المحدود وانتسب إلى جامعة عين شمس في القاهرة، وحصل منها على درجة الدكتوراه في العلوم التربوية سنة 1972، وكان موضوع أطروحته “تعليم العرب في إسرائيل”. وحصل على وظيفة حيث عمل بمنظمة التربية والثقافة والعلوم (الأونيسكو) بجامعة الدول العربية بالقاهرة.
لم يغادره طموحه النادر بالمحاولات الانقلابية حتى في مصر، حيث اسس خلال فترة قصيرة تنظيم سري في نطاق الكلية الفنية العسكرية، تنظيم مستقل عن اي جماعة اخرى، يهدف الاطاحة بنظام حكم الرئيس محمد انور السادات. واستغل فرصة انعقاد مؤتمر يحضره السادات مع اعضاء مجلس الشعب بمقر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي قبل ظهر يوم الخميس 18-4-1974.. وعلى هذا الأساس فقد وضع خطة القيام بالعملية مساء يوم الأربعاء – حسبما ورد باعترافاته امام المحكمة – حيث يستطرد في القول شارحا تفاصيل الخطة:
«بمجرد دخولنا القاعة تسارع مجموعتان منا بقيادتي شخصيًّا إلى منصة رئيس الجمهورية لنعتقله على الفور.. وفي هذا الوقت فيه مجموعتان أخريان سوف تتجه إحداهما إلى يمين القاعة والأخرى إلى يسارها للسيطرة على القاعة.. ثم أتقدم إلى الرئيس بمطلب التنازل عن الرئاسة.. وأكرهه بالقوة المسلحة على التخلي عن رئاسة الجمهورية.. وأن يذيع بنفسه بيانًا على الشعب بالتخلي عن الرئاسة.. فإن رفض الرئيس فسوف نطلب من وزير الإعلام أو غيره من المختصين في الإذاعة تحت ضغط القوة المسلحة بإعلان وقوع ثورة مسلحة استولت على الحكم في البلد»، ويقرر في موضع آخر من اقواله وبعد ذلك أجري بصفتي رئيسًا للجمهورية تشكيل وزارة جديدة.
استغرقت تحقيقات القضية حوالي 60 يومًا، وقدمت النيابة العامة في الجناية رقم 81 لسنة 1974 أمن الدولة العليا- إلى محكمة أمن الدولة العليا 92 متهما، معظمهم طلاب بالجامعات المصرية وبالكلية الفنية العسكرية، يتصدرهم زعيم التنظيم صالح عبد الله سرية، وأمراؤه الأربعة طلال عبد المنعم الأنصاري، كامل محمد عبد القادر، وحسن محمد هلاوي وكارم عزت حسن عبد المجيد الأناضولي، ووجهت للمتهمين من الأول وحتى الرابع والسبعين (تهم محاولة تغيير دستور الدولة وشكل الحكومة فيها بالقوة، و تشكيل تنظيم سري مسلح يستهدف إسقاط الحكومة القائمة بانقلاب مسلح للاستيلاء على زمام الحكم في الدولة، وقد تولى المتهمون الخمسة الأوائل قيادة هذا التنظيم. وقد وقعت نتيجة ذلك جرائم قتل عمد والشروع فيه مع سبق الإصرار، وجرائم سرقة أسلحة جنود الحراسة، واحتلال مبنى الكلية الفنية العسكرية).
وعقب فشل عملية الفنية العسكرية أدلى صالح سرية باعترافات مثيرة، منها قوله: «أنا اللي أنشأت هذا التنظيم.. وأنشأت فكرته وأنا خارج مصر.. ودي مسألة في دمي.. وجيت مصر سنة 1971.. وفي سنة 1973 في أوائلها بدأت أجند أعضاء له في مصر بقصد قلب نظام الحكم والإطاحة بالمسئولين فيها.. وتكوين حكومة برئاستي».
ويشرح في ص 510 من التحقيقات: مفهوم القوة اللازمة لتحقيق هذا الهدف، فيقول: «وأقصد بالقوة.. القوة المسلحة التي تعد إعدادًا كافيًا لأفراد التنظيم بأن يتسلحوا في البداية بأي شيء مثل الخناجر والبلط.. وعن طريق التكتيك السليم وعنصر المفاجأة يستطيع هؤلاء الأفراد مهاجمة أي مخزن ذخيرة ويستولون على ما فيه من سلاح.. وبذا يستطيعون بعد ذلك أن ينتقلوا إلى مجالات أكبر يكون فيها رءوس البلد.. وفي مقدمتهم بطبيعة الحال السيد رئيس الجمهورية وأعضاء الجهاز التنفيذي.. ويستولوا على هذا المكان.. ويعتقلوا رئيس الجمهورية وقادة البلد؛ وبهذا نضمن السيطرة على البلد».
ولم تكن لدى صالح سرية أي خطة أو برنامج كان يعتزم تطبيقه في حالة نجاحه في تحقيق حلمه في الاستيلاء على نظام الحكم بالقوة، فقد سئل ص 546 عن الأفكار التي كان ينوي تنفيذها عند ذاك، فأجاب: "معنديش أفكار محددة".
وعقدت محكمة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار برهان العبد وعضوية المستشارين عبد اللطيف المراغي ووجدي عبد الصمد- عدة جلسات لنظر القضية استمعت خلالها إلى مرافعات النيابة العامة والدفاع عن المتهمين.
وقد شهدت جلسات المحاكمة واقعتين مثيرتين، الأولى عندما وجه وكيل النائب العام حديثه في المرافعة لصالح سرية، قائلا: "وإليك يا صالح. أما زلت تزعم أنك قد ابتغيت بعملك الرخيص.. أن تقيم دولة الإسلام في أرض السلام.. هل صدقت نبوءة المهدي المنتظر يا صاحب الأحلام.. من أنت أيها الإرهابي المتآمر.. أما كان الأحرى بك أن تتآمر على أعداء بلادك.. أعدائنا.. أعداء الدين، بدلا من أن تسفح دماء المسلمين في ديار المسلمين.. هل تعرف من أنت..؟؟».
وفوجئ الحاضرون بالقاعة بقوله صائحًا: «أنا كنت هحكمكم وأحاكمكم».
في قفص الاتهام بالمحكمة
أصدرت المحكمة حكمها بإعدام كل من صالح سرية وطلال الأنصاري وكارم الأناضولي وبمعاقبة قيادات التنظيم بعقوبات تتراوح بين الأشغال الشاقة المؤبدة والسجن، وبالبراءة لأربعين متهمًا من بينهم المتهم حسن هلاوي أمير التنظيم بالقاهرة. وقد استندت في حكمها بتبرئة هذا العدد الكبير من المتهمين إلى عدم كفاية الأدلة بالنسبة لبعضهم، ولصغر سن البعض الآخر، وقام الرئيس السادات بتخفيف عقوبة الإعدام الصادرة في حق المتهم طلال الأنصاري إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، نتيجة وساطة والده الشاعر السكندري عبد المنعم الأنصاري، بينما تم تنفيذ حكم الإعدام على كل من صالح عبدالله سرية وكارم الأناضولي.
كان صالح سرية يتمتع بشخصية كاريزمية نادرة فقد كان له تأثير قوي على كل من يلتقي به، كما يقول عنه رفيقه والقيادي الثانى بالتنظيم "طلال الأنصاري" في كتابه "صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة": "كان صالح سرية شخصية كاريزمية، لا يملك من يقابله فكاكا من أن ينبهر به.. خلقه.. شخصيته.. علمه.. قدرته الفائقة على الإقناع بأبسط الطرق وأيسرها، وقدرته على صياغة أعقد القضايا وعرضها في كلمات بسيطة وموجزة".
قالوا عنه
كان سرية يتمتع بشخصية كاريزمية فقد كان له تأثير قوي على كل من يلتقي به، فقد قال عنه "أيمن الظواهرى" زعيم تنظيم القاعدة في كتابه "فرسان تحت راية النبي": إن صالح سرية كان محدثاً جذاباً ومثقفاً على درجة عالية من الاطلاع والمعرفة، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس، كما كان متضلعاً في عدد من العلوم الشرعية، وإنه التقاه مرة واحدة أثناء أحد المعسكرات الإسلامية في كلية الطب، وحين دعاه أحد المشاركين في المعسكر إلى إلقاء كلمة في الشباب، وبمجرد استماعي لكلمة هذا الزائر أدركت أن لكلامه وقعاً آخر، وإنه يحمل معاني أوسع في وجوب نصرة الإسلام. وقررت أن أسعى للقاء هذا الزائر، ولكن كل محاولاتي للقائه لم تفلح.
كما يقول عنه رفيقه والقيادي الثانى بالتنظيم "طلال الأنصاري" في كتابه "صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة": "كان صالح سرية شخصية كاريزمية، لا يملك من يقابله فكاكا من أن ينبهر به.. خلقه.. شخصيته.. علمه.. قدرته الفائقة على الإقناع بأبسط الطرق وأيسرها، وقدرته على صياغة أعقد القضايا وعرضها في كلمات بسيطة وموجزة".
مؤلفاته
تلخصت أفكار صالح سرية في وثيقة فكرية مهمة بعنوان رسالة الإيمان قام فيها بتلخيص أهم الأفكار المتعلقة بالجوانب السياسية على النحو التالي:
1- الجهاد هو الطريق لإقامة الدول الإسلامية.
2- الحكم بتكفير الحكام وجاهلية المجتمع واعتباره دار حرب.
3- كل من ينفذ أوامر الدولة الكافرة ضد الإسلام والحركة الإنسانية فهو كافر.
4- التفريق بين الامتناع الجماعي والامتناع الفردي بمعنى أن الترك. الجماعي لأي ركن من أركان الإسلام كفر.
ومن مؤلفاته كتاب "الاسلام بين الاتباع والتقليد".
وهكذا انتهت قصة هذا الشخص الاسطورة النادرة الغريبة، وهو بعمر37 عاماً، حاز العديد من الشهادات الاكاديمية وتخرج ضابطا بالكلية العسكرية العراقية، ةتخصص متطوعا في علم الحديث وبرع فيه، وحاز الماجستير والدكتوراه في العلوم التربوية من بغداد والقاهرة، واتهم بالتورط في خمس مؤامرات انقلابية آخرها كانت عملية الكلية الفنية العسكرية في عهد السادات، حيث تمكن من تشكيل تنظيم شبابي فاق المائة شاب من الجامعيين ومن طلبة الكلية الفنية العسكرية المصرية استطاع جذبهم وتجنيدهم والتاثير عليهم باسلوبه الساحر النادر، وتم اعدامه بسببها وباعدامه طويت صفحات شخصية غير عادية لم يتجاوز عمره السابعة والثلاثين عاما.. شخصية ليس لها مثيل ولا اعتقد انها ستتكرر.
https://www.youtube.com/watch?v=TYwBu5uxe1c
لمزيد من لبمعلومات عن جيش التحرير الفلسطيني الذي اسسه عبدالكريم قاسم يرجى مراجعة مقالتنا في موقع مجلة الگاردينيا:
https://www.algardenia.com/mochtaratt/19962-2015-11-07-11-20-57.html
في قفص الاتهام بانتظار قرار الحكم بالاعدام
غلاف كتاب برزان التكريتي (محاولات اغتيال الرئيس) تطرق فيه الى محاولة صالح عبدالله سرية لاغتيال الرئيس احمد حسن البكر.
378 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع