الباحث الفولكلوري عزيز الحجية
ضابط .. رياضي.. يجمع الفولكلورعلى مدى ربع قرن
كان لنشأة الكاتب والباحث الفولكلوري عزيز الحجية أثرا كبيرا في حياته, ومما ساهم بتغيير مسار حياته أنه عاش تحت سقف واحد مع ابن عمته الضابط والاديب الذي حبب الى نفسه الحياة العسكرية والشغف بالادب, ولكونه ابن منطقة شعبية ولترعرعه في عائلة بغدادية اصيلة فقد كرس جهوده لخدمة الفولكلور فكتب العديد من الكتب وهو لما يزل ضابطا وبعد احالته على التقاعد انصرف لكتابه الشعر والبغداديات, المكون من عشرة اجزاء والذي اصبح مرجعا مهما لكل باحث ودارس وقارئ
عن طفولته قال: ولدت في شهر رمضان عام 1921 في محلة (حمام المالح) وترعرعت فيها ونشأت في عائلة محافظة تعتز وتفتخر بحياتها البغدادية الاصيلة, تعلمت القراءة والكتابة في الكتاتيب لدى الملا ابراهيم في المسجد الاحمدي وختمت القرآن الكريم, ثم دخلت مدرسة الفضل الابتدائية فالمتوسطة الغربية فالثانوية العسكرية الدورة الأولى
أدناه الحوار الشخصي أجراه الاستاذ هاتف الثلج ولروعة اللقاء أحببت ان اعرضه ليلقي نظرة عن حياته بالتفصيل
كيف استطعت الجمع بين العسكرية والرياضة وتدوين الفولكلور البغدادي؟
كنت امارس الالعاب الشعبية في ازقة المحلة مع اقراني, وعشت تحت سقف واحد مع ابن عمتي المرحوم الشهيد نعمان ثابت عبد اللطيف وهو ضابط واديب ومؤرخ له كتاب (الجندية في الدولة العباسية) وكتاب (الجاسوسية في الجبهة) وديوان الشعر (شقائق النعمان) وعدة مخطوطات, وكان ضابطا مدفعيا وهذا الصنف كان من الصنوف الراكبة إذ يرتدي الضابط (الجزمة) وهو حذاء ذو ساق طويل, ويمتطي الحصان اثناء ذهابه الى وحدته العسكرية وعند عودته الى داره, فصباح كل يوم يقف حصانان امام داره واحد له والاخر (للسايس) الذي يقود الخيل, فكنت انتهز فرصة انتظار الخيل لامتطي احدهما في الفترة التي تسبق خروجه من البيت اذ كان ارتداؤه لملابسه العسكرية يستغرق وقتا ليس بالقصير, وظهرا حين يعود من وحدته كنت اساعده في نزع الجزمة حيث لا يتمكن من نزعها لوحده ليس هو فقط بل كل من يرتديها, وكانت بدلة الضابط في ذلك الحين مليئة بالازرار المعدنية وعلامة الصنف التي توضع على (بنيقة) الجاكيت, ويتمنطق بنطاق جلدي ذي طوق ذهبي مما يستوجب تلميع الاقسام المعدنية, اما الاقسام الجلدية فيجب صبغها يوميا مع الجزمة, كنت اقوم أنا بكل ذلك وهذه احد الاسباب التي خلقت هوى في نفسي تجاه الحياة العسكرية, كانت تبهرني هذه الملابس الجميلة فولدت عندي رغبة شديدة للانخراط في سلك العسكرية. كما أن للمرحوم نعمان الفضل الكبير علي فهو الذي غرس في نفسي حب الادب فكثيرا ما كان يعهد الي بمهمة تبييض مسوداته.
هذه الصوره بمناسبه تكريم السباح الدولي علاء الين النواب لبطوله المسافات الطويله والوالد رحمه الله كان المرافق للسباح حيث عبر بحر المانش وكرمه الملك فيصل رحمه الله
كذلك تتلمذت على يد (خالي) المرحوم عبد الستار القره غولي الذي كان معلما في مدرسة الفضل الابتدائية واخر منصب كان فيه معاون مدير معارف بغداد, وهو شاعر معروف واديب. كما شدتني الحياة الشعبية التي اكتشفت انها عفوية وبسيطة فبقيت راسخة في ذهني واحببتها وعشتها ببساطتها وصدقها, قفد تأثرت بعادات وتقاليد العائلة, من هنا نما عندي الحس الادبي والرغبة في الكتابة
تمتلك معرفة واسعة بادق تفاصيل العادات والتقاليد, ما مصدر ذلك ؟
جمعت التراث الشعبي البغدادي وتخصصت به لاني بغدادي بالولادة
احب بغداد واعتز بمحلتي و(دربونتنا..) وابناء الطرف، ولانني اشعر بسعادة ونشوة كلما كتبت موضوعا في التراث حيث اتذكر المرحومة والدتي، فاذا ذكرت البيت البغدادي تصورتها امامي وهي تنقل الماء بالسطول الى السطح العالي (حيث كانت دارنا قاطين) لرش السطح الذي كان مرشوقا بالطين (الحري) واذا ذكرت العيد تخيلتها مشغولة بتهيئة عدة عمل (الكليجة) ولوازمها
وان كتبت موضوع ترانيم الامهات تمثلتها امامي وهي تربت على كنف ابنة اخي وهي تترنم بترنيمتها المحببة
نامي وانا اهديلج
والعافية من الله تجيليج
اما اذا بدأت بكتابة احدى السواليف وجدتها اماي بفوطتها السوداء وكيشها اللماع الذي تندلي (كراكيشه) على جبينها، واذا تطرقت الى الطب الشعبي شعرت بحرارة (العطابة) وهي تضعها على (الفشخة) التي اصابت رأسي ولا زال اثرها ظاهرا حتى الان
لقد تاثرت بامي كثيرا لانني اصغر اخواني او كما كانت تسميني (بزر الكعدة) وياما سمعت منها ترنيمتها الحلوة:
بزر الكعدة وبزر الشيب
لو دللته ما هو عيب
فقد كانت رحمها الله لا ترى الهلال الا بوجه اخي (البكر) المرحوم نجيب وان لم يكن حاضرا وان شاهدت الهلال صدفة فانها تنظر في الماء او المراة او بقطع النقود الفضية وتقرأ بعض الايات القرآنية تم تبتهل اليه عز وجل ان يحفظ اولادها ويمن على الجميع بالصحة والرزق الحلال معتقدة بان هذا يجلب السعد خلال ذلك الشهر وما زلت حتى الان اتفاءل برؤية الهلال بوجه احدى بناتي كما كانت تفعل امي انذاك، اما اذا سافر احد افراد الاسرة ولو الى اقرب مكان فلابد من سكب (طاسة) الماء خلفه ليعود بسرعة وسلام
ويحلو لي مداعبتها وانا احمل الفانوس امامها ليلا ونحن في طريقنا الى بيت جدي (والدها) الاوقع في محلة القرغول حيث اقوم (بالصفير) فاذا بها تنهرني صائحة (لتصوفر لتلم علينا الملايكة) اما اذا ذكرت اسم (الحية) ليلا فانها ترتجف من الخوف وانها لا تسميها باسمها بل تسميها (الطويلة) او الحبل.. لذا تراني وقد سجلت ما جاء في (بغداديات) وانا جذلا مسرورا لانني كنت اعيش معظم اوقاتي مع اعز انسان عندي مع امي رحمها الله
متى فكرت بالضبط بكتابة البغداديات؟
- في احد الايام شاهدت بنتي حياة ودنيا يلعبن (التوكي) في باحة الدار فعادت بي هذه اللعبة الى ايام الطفولة حين كنت امارس الالعاب الشعبية فاخذت دفترا وبدأت اكتب (رؤوس اقلام) لدورة الحياة البغدادية منذ الولادة حتى الوفاة مارا بذكر كافة الالعاب والمناسبات كالاعياد وصيام زكريا والمحية والكتاتيب ثم زفة الخاتم والتقاليد والعادات والطقوس, وعرضت ما كتبته على بعض اصدقائي الذين شجعوني بدورهم على نشره في كتاب يبحث في الحياة البغدادية فكان الجزء الاول من كتابي (بغداديات) وتوالت اجزاؤه حتى وصلت الى ستة اجزاء تقوم بنشره دائرة الشؤون الثقافية
لكني اعلم انك نشرت قبل البغداديات عدة كتب اخرى هلا حدثتنا عنها؟
لقد قمت بتأليف ونشر عدة كتب اثناء خدمتي العسكرية فيما يخص عملي كمعلم رياضة ومعلم في التدريب العنيف, منها (الاشتباك القريب) و (تمارين البندقية) و (اقتل لئلا تقتل) و (السباحة فن ومتعة) وغيرها.
وكنت قد نشرت كتابي الفولكلوري الاول سنة 1958 بعنوان (المايوني يغرك) قدم له في حينه العلامة المرحوم مصطفى جواد والسيدة اميرة نور الدين وهو عبارة عن تمثيلية شعبية يعتمد حوارها على الامثال والكنايات البغدادية وساحاول اعادة طبعه بعد اضافة شروحات وهوامش
وبعده جاء (بغداديات) بثلاثة اجزاء صدرت خلال اعوام 67 ، 68، 1973 الى جانب (وعد بلفور) 1968 و(تمارين البندقية) الذي صدر خلال نفس السنة مع كتاب (الشيخ ضاري قاتل كولونيل لجمن) بالاشتراك مع الاستاذ عبد الحميد العلوجي
من أين جاء لقب الحجية؟
- اسمي الكامل عزيز جاسم الحاج محمد خلف الحجية, كانت والدة جدنا خلف قد ادت مناسك الحج وزيارة بيت الله الحرام, ايام كان الذهاب الى مكة على ظهور الجمال تستمر الرحلة ستة شهور يجهزون الحاج لاجلها بكمية من التمر و (الكليجة) والخبز اليابس, وكانت هي الحاجة الوحيدة في منطقتنا فحين يأتي احد يسال عن بيت احد الناس يصفون له قائلين اما مجاور بيت الحجية أو بعده... الخ, ومن هنا اشتهرت العائلة بلقب الحجية وهو من الالقاب التي نعتز بها وتوارثناه جيلا بعد جيل
هل هناك عوائل اخرى تحمل نفس اللقب؟
- في بغداد ثلاث عوائل تحمل اللقب ولكن ليس هناك علاقة قربى تربطنا ببعض، العائلة الاولى وهي الاقدم عائلتنا في جانب الرصافة والعائلة الثانية في الكرخ ومنهم المقدم احمد الحجية والعائلة الثالثة في الكاظمية ومنهم السيد سامي الحجية هذا فيما يخص مدينة بغداد , وفي الموصل عائلة سالم محمد سعيد الحجية فمجموع العوائل العراقية التي تحمل هذا اللقب اربع
من هم ابرز اساتذتك الذين اثروا فيك؟
- من اساتذتي في العسكرية الذين تاثرت بهم المرحوم اللواء الركن عبد المطلب الامين كان مؤلفا لعدة كتب بل عالما, وقد شغل عدة مناصب عسكرية ومدنية منها آمر كلية الاركان ثم متصرف السليمانية وسفير العراق لدى الاتحاد السوفيتي, علاقتي به قديمة منذ كنت طالبا في الكلية العسكرية فقد كان صديقا حميما للمرحوم نعمان ثابت ومن نفس الدورة, وبعد أن تخرجت وعينت في احدى الوحدات العسكرية دخلت دورة للاستخبارات وكان المرحوم عبد المطلب محاضرا فيها, وقد تأثرت كثيرا في شخصيته وحبه للتراث والفولكلور، وقد علمت من اصدقائي أنه قد سبقني في جمع الامثال والكنايات, فقدمت له دفتري الذي دونت فيه مجموعة من الامثال والكنايات, لم أكن قد قرأت ما دونه المرحوم إذ انها قد فقدت مع اشياء اخرى حين فاض النهر واغرق معسكر الرشيد, وحين سألته عن تلك الحادثة تألم كثيرا وقال فعلا لقد فقدت المخطوطة حين جرفها الفيضان. بقيت الامثال عالقة في ذهني فكتبت تمثيلية استخدمت فيها هذه الكنايات في الحوار وهذا الاسلوب جديد انفردت به.
ومن الضباط الاخرين الذين تاثرت بهم امر فصيلي في الثانوية العسكرية الملازم خليل سعيد – حاليا لواء ركن متقاعد – والمرحوم الملازم سعدون الجميلي ضابط العاب الكلية العسكرية ومن الامرين الذين عملت بمعيتهم واثروا في المرحوم اللواء الركن عبد القادر سعيد والمرحوم اللواء الركن علي غالب عزيز ومحي الدين عبد الحميد معلم الفروسية وعملت معه الى ان اصبح برتبة لواء بعدها تم تعيينه وزيرا للمعارف
العقيد رجب عبد المجيد ذكر اســمك ضمن الضباط الاحرار في ندوة مجلة أفاق عربية – هلا حدثتنا عن ذلك ؟
- كان العقيد رجب عبد المجيد آمر مدرسة الصنائع الجوية وكنت آنذاك معاونا له في المدرسة ورئيس لجنة العاب القوة الجوية في سنة 1956, وبعد أن اصبحت واحدا منهم كنت افاتح الضباط الجيدين بالموضوع واصطحبهم معي الى غرفتي لاداء اليمين, ونظمت عددا كبيرا من الضباط وكنا نقوم بتوفير العتاد وخزنه في اماكن امينة تمهيدا للثورة, انا لا اريد التحدث عن ذلك خشية أن اتهم باني استعرض ما قمت به ولا اريد أن اتجاوز حق احد, التاريخ يدون الحقائق والاخرون يعرفون دوري ولا داعي لاتحدث بنفسي عن ذلك
هل زاولت مهنا أخرى غير العسكرية والرياضة؟
- انا من المؤمنين بان العمل شرف فمنذ تقاعدت سنة 1963 وجدت من الصعوبة ان امضي اليوم بكامله في البيت وانا في اوج نشاطي وحيوتي وكنت اشغل منصب آمر مدرسة التربية الرياضية والتدريب العنيف في الجيش وبرتبة عقيد, وكان التدريب لمدة خمس ساعات يوميا, فالفيت نفسي ضجرا فلم اعتد الكسل... لذلك انتميت الى غرفة تجارة بغداد فصنفتني مستوردا درجة (13) عطاريات ففتحت مخزنا كبيرا في شارع 14 رمضان باسم اسواق عزيز لبيع التجهيزات المنزلية, فلم يكتب له النجاح لاسباب عديدة منها أن الزبائن التهموا رأس المال, أحدهم تبضع بمبلغ (30) دينارا وفي نهاية الشهر حين قبض راتبه سدد لي خمسة دنانير فقط واخذ يتبضع من غيري, فقررت اغلاقه, ثم اتفقت مع صديقي الحميم الاستاذ عبد الحميد العلوجي على فتح مكتب لتعضيد النتاج الفكري وهداية القلم الناشئ باسم مكتب العلوجي والحجية, واتخذنا له مقرا في عمارة فائق في شارع الامين مجاور وزارة المالية كان ذلك في سنة 1967, ولم يكتب له النجاح ايضا إذ لم نصدر عنه سوى ثلاثة كتب, ثم تعييني كأول سكرتير متفرغ للجنة الاولمبية الوطنية العراقية, في 1 / 6 / 1971, واستمريت في العمل احدى عشرة سنة بعدها استغني عن خدماتي
وفي ١٠ / ١٢ / ٢٠٠٠ انتقل الى عالم أفضل من عالمنا لايضيع فيه جهد وأن استغنوا عن خدماته لن تستغني بغداد الحبيبة عن عشاقها والمرحوم عزيز الحجية أفنى جل وقته في عشقها
لروحك الطاهرة الرحمة ومقامك مع الصديقين والشهداء انشاءالله
في أمان الله
إيمان البستاني
المصادر- لقاء مع الاستاذ هاتف الثلج - صوت العراق
عزيز جاسم الحجية في لقاء صحفي نادرمع الاستاذ رشيد الرماحي
شكر خاص للباحثة السيدة دنيا عزيز الحجية لرفدنا بهذه الصور النادرة لها كل الشكر والتقدير
797 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع