كان يحب"الفسنجون"و يكره عبد السلام عارف وسعد قاسم حمودي!
الشيخ جلال الحنفي البغدادي هو العلامة الشيخ جلال الحنفي بن محي الدين بن عبد الفتاح بن مصطفى بن ملا محمود البغدادي. لقب الشيخ جلال نفسه بالحنفي اعتزازا بالامام الاعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي سلطان الفقهاء وفقيه السلاطين.
ولقب نفسه أيضاً بالبغدادي لاعتزازه بتاريخ بغداد عاصمة الدنيا أيام زمان وبتراثها، بغداد المجد والحضارة والعلماء والشعراء والنخيل الباسقات ومنبع الخيرات هو فقيه وعالِمأ موسوعي وكاتب وصحفي ومؤرخ ولغوي, ولد عام 1914 في محلة البارودية ببغداد ، وتوفى فيها يوم 5 آذار من عام 2006م. شيخ بغداد وعاشقها..
فقيه ذو لون مميّز، جمع إلى الفقه، جمع المختص الخبير: علوم الفقه، والعروض، وتميز على نحو خاص بالتاريخ المحلي وعلوم المقام العراقي، حتى امتزج اسمه بهما، وكما
امتزج بجامع الخلفاء، أقدم جوامع بغداد وأجملها عمارةً، لعمره الطويل الذي قضاه فيه معلماً وإماماً وخطيباً، بل حتى حارساً وخادماً، لفرط عشقه لهذا الجامع التاريخي العريق, كعشقه الكبير لبغداد التي عاشت في دمه وليس في عقله فقط.
ولما بلغ عهد الصبا قرأ القرآن الكريم على الملا ابراهيم الافغاني محلة الميدان، كما تعلم بعض علوم القرآن في كتاتيب البصرة، حيث كان والده موظفاً بالبصرة أبان العهد العثماني ومن رفاق ومؤيدي الزعيم العراقي طالب النقيب، ثم عاد والده الى بغداد فدرس جلال في مدارس البارودية والمأمونية والحيدرية الابتدائية وحصل على مائة في المائة في الامتحان الوزاري سنة 1929م.
أشتغل أيام شبابه مصححاً ومحرراً في المجلات الاسلامية ويدرس في المساء وواصل دراسته العلمية، حيث دخل دار العلوم العربية والدينية وأثناء ذلك كان يتصل بعلماء عصره منهم الشيخ محمد القزلجي والشيخ رشيد آل الشيخ داود والشيخ كمال الدين الطائي والشيخ العلامة سسليمان سالم الكركوكلي والشيخ عبد القادر الخطيب والشيخ محمد سعيد الاعظمي والاستاذ رشيد شلبي والاستاذ عبد اللطيف أثنيان والاستاذ محمد شفيق العاني والاستاذ محمد فهمي الجراح وغيرهم.
وفي عام 1939م سافر في بعثه دراسيه الى الازهر الشريف حيث دخل كلية الشريعة مع بعض الفضلاء ومنهم السيد شاكر البدري. ولما قامت الحرب العالمية الثانية وأغلقت الكلية أبوابها عاد الى العراق مع زملائه العراقيين في البعثة وزاول العمل الذي يناسبه في
العراق.
صفاته الشخصية
كان جلال الحنفي كريم النفس، مضيافاً للزائرين، زاهداً في الحياة لذا تميز عن الاخرين من علماء الدين بهندامه وعمامته الصغيرة، صريحاً اذا أجاب، وسئل يوماً عن ذلك فأجاب بصراحة الواثق من نفسه عن ذلك، فقال: نشأت زاهداً في الحياة فكنت أعزف عن كل مظاهر الحياة ومباهجها ومغرياتها فكنت ألبس (الدشداشة) وأرتدي فوقها العباءة وعمامتي البسيطة هذه التي لا تشبه العمامة المصرية والشامية والعراقية فانفردت بها. فكان بهندامه هذه يدرّس ويعمل ويتصل بالوزراء والمتنفذين في البلد، ويحاضر فيها ويقابل الاصدقاء والزائرين ويحضر بها الاجتماعات العامة والخاصة، الرسمية والشعبية، وقال: أنا استغرب وأتعجب من الائمة والخطباء الرسميين الذين يرتدون اللباس الاوربي (السترة والبنطلون) وفوقها الجبة يخنق رقبتهم (الباينباغ) وغير ذلك من اللباس الذي ابتدع عندهم
ومن صفاته الشخصية أيضاً أنه عصبي المزاج اذا خاصم.
تزوج عراقية وانجب منها: لبيد الذي كان يكنى بها وواعية وداعية.
وظائفه في بغداد بعد عودته من مصر
بعد العودة من مصر اشتغل في دائرة الاوقاف إماماً وخطيباً في مساجدها فعين عام 1937م خطيباً في جامع عطا في الكرخ وإماماً في جامع نعمان الباجه جي في الرصافة، ثم نقل الى جامع الوصي (الحرية حالياً) في محلة العيواضية عام 1949م وبعدها نقل الى جامع أمين الباجه جي عام 1953م ثم نقل الى جامع كوت الزين في البصرة ثم الى جامع الكهية في الميدان عام 1957م، ولتدخله في شؤون الاوقاف فصل من وظيفته عام 1959م حيث وقع بينه وبين مدير الاوقاف العام آنذاك خصام شديد وبقي بعيدا عن الاوقاف مدة طويلة فتوسط له بعض معارفه واصدقائه حيث صدر مرسوم جمهوري بإعادته الى وظيفته فرفض أن يباشر، وفي عام 1966م انتدب مشرفاً لغوياً في وزارة الاعلام العراقية، ولم يلبث في هذه الوظيفة الا قليلاً حيث انتدب الى جمهورية الصين الشعبية لتدريس اللغة العربية في معهد اللغات في (شنغهاي) وبقي في الصين يدرس حتى عام 1969م.
أتقن خلالها اللغة الصينية أحسن إتقان، وكتب مسودات لقاموس (عربي – صيني) لم يُسبق إليه، وقيل: ظل الشيخ يتحدث باللغة الصينية مع زوجته العراقية التي كانت تعمل في سفارة العراق بالصين. وحصل أن سمعه رقيب الهواتف يتحدث بهذه اللغة مع أهله، فشك في أمره، وقال له: أتتحدث ياشيخ بلغة الطيور؟ وقطع عليه سلك الهاتف!!!
ومن نشاط الحنفي في بغداد أنه أسس جمعية الخدمات الدينية والاجتماعية وكان رئيساً لها، وكان من أهداف هذه الجمعية مكافحة المخدرات والمسكرات، وسعى الى نشر العلم بصورة متطورة فقد درّس في مدارس وزارة المعارف عام 1950م، كما درّس في كلية الإمام الاعظم مادة القروض في الشعر والادب العربي من عام 1973م الى عام 1978م، كما حاضر في معهد النغم العراقي وبجهوده تأسس المركز الاقرائي العراقي للقرآن الكريم عام 1977م في جامع الصرافية وكان مديراً له. كما كان يلقي الاحاديث في اختصاصه من دار الاذاعة العراقية، ويكتب المقالات الطويلة في الصحف والمجلات العراقية والعربية مما يدلّ على طول باعه وسعة اطلاعه وثقافته الموسوعية العالية وهو يحسن عدة لغات فهو يجيد الانكليزية والصينية والتركية والكردية والفارسية وقليلاً من الاسبانية والفرنسية والالمانية والعبرية. ولهذه المكانة المرموقة صدر له عام 1947م أمر من لجنة الحكام والقضاء بتعينه قاضياً في محاكم العراق الشرعية إلا أنه آثر الأستمرار في نهجه فهو عالم موسوعي كبير ومفسر ومحدث وخطيب وأديب وشاعر وكاتب وله هوايات متعددة منها: أنه عالم بالانغام والموسيقى والالحان وله مؤلفات تنيف على الثلاثين في شتى فنون المعرفة. حتى قال في وصفه صديقه الاديب الكبير أنور عبد الحميد الناصري في كتابه الموسوعي (سوق الجديد) والذي قدم له الحنفي: أنه العالم الجهبذ النحرير وعالم العلماء البصير، كما أشرف الحنفي على موسوعة آخرى للاستاذ أمين المميز هو بغداد كما عرفتها.
ويعتبر الشيخ العلامة جلال الحنفي البغدادي شخصية فذّة لم ينافسه أحد جمع علوم الدين والدنيا بجدها وهزلها وأصبحت له مكانة وله سمعة واسعة عربياً وعالمياً. لقــّبه اللغوي الكبير الأب انستاس ماري الكرملي،الأب انستاس ماري الكرملي بالشيخ العلاّمة.
الأب انستاس ماري الكرملي
ورغم تقدمه في السن ظل المرحوم جلال الحنفي مواظبا على امامة المصلين في جامع الخلفاء وسط بغداد فضلا عن استمرار مقالاته في الصحف والمجلات ، ولعل عموده الشهير في جريدة القادسية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ( رؤس اقلام ) كان من اكثر الاعمدة شهرة وقراءة واقبالا لبساطته وتنوع موضوعاته التي ينقلك فيها الحنفي من الدين الى اللغة الى الغناء الى النقد الفني والى الموسيقى والتجويد ولا تنتهي الجولة بفن صناعة الطعام الصيني والبغدادي ودعوته لاستخدام حب الرمان في طبخ الطعام بدلا من الحامض الصناعي الذي يسميه العراقيون (الليمون دوزي)
كان جريئاً في مواقفه ومنها دعوته من على منبر جامع الخلفاء الذي كان خطيبا فيه لمنع استعمال مكبرات الصوت في الجامع قائلاً:
إن المكبرات تزعج غير المسلمين والأطفال والمرضى وكبار السن وليس لها داعٍ فكل الناس يمتلكون ساعات ويعرفون أوقات الصلاة من الراديو والتلفزيون!.
يستذكر ألصحفي ألبارز زيد ألحلي ذكرياته عن شيخ بغداد ويقول:
يبدو الشيخ جلال الحنفي ، وهو يطوي شوارع بغداد وأزقتها بجلبابه وعمامته الضامرة، كأنه أثر عباسي يُذكر بشيوخ علم الكلام وفقهاء المناظرات، التي كانت تُعقد بدار الخلافة أو بصحن المدرسة المستنصرية، وقد تداخلت الأزمنة فتأسست مجالس أدب وفكر كان الشيخ نجمها اللامع. ويجد الناظر في سلوك الشيخ، وفي مؤلفاته أنه أمام رجل دين من طراز آخر، حاول الجمع بين الدين والدنيا جمعاً مريحاً، توسطاً واعتدالاً، ولم يصل إلى لحظة تسييس العلاقة بينهما..
كان لا يرتاح لشخصين، لا يجمعهما جامع، بل إنهما على النقيضين تماماً من بعضهما. وقد حاولت معرفة السبب منه فلم أفلح، فعدما كنتُ أنطق باسميهما أمامه، يزّرق لونه، وتعلو العصبية وجهه. كان لا يطيق الرئيس الراحل عبدالسلام محمد عارف ونقيب الصحفيين العراقيين ووزير الإعلام سعد قاسم حمودي! طيب الله ثرى الثلاثة الذين أحبوا بغداد..
ذهب الى ربه يشكو اليه ظلم الانسان لاخيه الانسان وذلك يوم الاحد في 5/ 3/ 2006م الموافق 5/ صفر/ 1427هـ في ظروف ضاع في الامن وشيع الى أقرب مقبرة الى بيته هي: مقبرة عمر السهرودي، وأسدل الستار على حياة عالم عراقي كبير.
و قد كتب الدكتور الحقوقي أكرم عبدالرزاق المشهداني في رثاء الشيخ الحنفي عند وفاته في 5 اذار 2006
رزئت بغداد بفقد أحد أبرز عشاقها.. كما فقد الأدب العراقي واحدا من رموزه.. وفقد الفن أحد أعمدته الفكرية..وفقد الفولكلور واحدا من أبدع رواده.. وخسرت الصحافة أحد رواد الكتابة الصحفية، وغاب عن جامع (الخلفاء) راعيه وحارسه الهمام وخطيبه وإمامه ومؤنسه.. و خسر العراق واحدا من ألمع شخصياته الفكرية والأدبية والدينية والتراثية، إنه حبيب بغداد وعاشقها الشيخ جلال الحنفي الذي كان يصرّ إلا أن أن تقترن بغــــداد مع أسمه فسمى نفسه بالبغدادي..
وقد ذكره ألبروفسور سامي موريه في كتابه بغداد حبيبتي بأن ألشيخ جلال ألدين ألحنفي هو من أوقف ألفرهود يومي ١و٢ حزيران 1941م وكذلك شهادة ألمحامي أنور شاؤل حيث يقول:
وأن أنس لا أنس المبادرة الفريدة الحميدة التي قام بها الواعظ الشيخ المفضال الأستاذ جلال الحنفي إذ توجه عن طريق الإذاعة إلى جماهير الشعب العراقي ظهر اليوم الثاني من حزيران, والنظام في بغداد وسائر مدن العراق ما زال سائباً والغوغاء ما زالت تتحين الفرص, بنداء بليغ حذر فيه الناس من مغبة الاعتداء على اليهود..
مؤلفات الحنفي التي تركها بعد وفاته
ترك الشيخ الحنفي من المؤلفات في شتى فنون المعرفة الانسانية الدينية منها والدنيوية ما ينيف على الثلاثين مؤلفاً وهي:
1- آيات من سورة النساء- طُبع ببغداد عام 1951م.
2- احاديث من وراء المايكرفون -طبع ببغداد عام 1960م.
3- أعيان البصرة: لعبد الله باش أعيان البصرة – تحقيق- طبع ببغداد عام 1960م.
4- الامثال البغدادية ج او 2 بغداد 1962- 1964م. الايمان البغدادية – بغداد 1964م.
5- بقايا ديوان –ديوان شعر- بغداد 1956م.
6- التشريع الاسلامي –تاريخه- وفلسفته- ج1 – القاهرة 1940م.
7- ثلاث سنوات في جوار الميتم الاسلامي ببغداد – بغداد 1955م.
8- الدر النقي في علم الموسيقى لاحمد عبد الرحمن القادري الرفاعي الشهير بالمسلم الموصلي- تحقيق – بغداد 1964م.
9-رسالة اجتماعية خالدة – بغداد 1953م.
10- رسالتان وأطروحة – نقد – بغداد 1955م.
11- الرصافي في أوجه وحضيضه – بغداد 1962م.
12- الروابط الاجتماعية في الاسلام – بغداد 1956م.
13-الزكاة وفلسفة الاحسان في الشريعة الاسلامية – بغداد 1955م.
14-الزواج الدائم – رد على كتاب منافع الزواج المؤقت – بغداد 1967م.
15-صحة المجتمع – بغداد 1955م.
16-الصناعات والحرف البغدادية – بغداد 1966م.
17-طالبة متشككة – بغداد 1955م.
18-الفلسفة الصحية في الاسلام – بغداد 1957م.
19-قصائدي في الزعيم – بغداد 1960م.
20-لا صلح مع اسرائيل – بغداد 1956م.
21-المراة في القران الكريم- بغداد 1960م.
22-معاني القرآن – بغداد 1941م.
23-معجم الالفاظ الكويتية – بغداد 1964م.
24-معجم اللغة العامية البغدادية ج1 و 2 – بغداد 1963م – 1966م.
25-المغنون البغداديون – بغداد 1964م.
26-مقدمات الجنوح في حياة الاحداث – بغداد 1957م.
27-مساجلات مع الشيخ الخالصي – بغداد 1953م.
28-العروض في الشعر- بغداد 1978م.
29-الامثال البغدادية ثلاثة أجزاء – بغداد 1979م.
30-ديوان شعر كبير – بغداد 1980م.
رحم الله شيخنا الجليل واسكنه فسيح جناته
871 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع