"بيت العائلة" يعود للمجتمعات الغربية.. هل بدؤوا تلمس المأساة الاجتماعية؟

          

سمية عارف - الخليج أونلاين:في منزل من الطراز الفيكتوري مكوّن من ثلاثة طوابق، في مدينة بريستول بالمملكة المتحدة، تعيش منذ 4 سنوات كاثرين وعائلتها المكوّنة من زوجها وطفلتين، مع والدتها الثمانينية ريتا، وذلك بعد وفاة والدها.

وبهذا المنزل المكون من ثلاثة أجيال ترى الجدة ريتا أنه من الرائع أن تعيش في بيت فيه ضجيج وحركة، معبّرة عن فرحتها بحصولها على شركاء في المنزل وأنها لم تعد بمفردها.

وترى الجدة أن "الحياة هكذا أفضل"، وتقول في حديثها مع صحيفة "الغارديان" البريطانية: "نحن نتعاون في كثير من الأمور الحياتية، ونجتمع على المائدة مرّتين في الأسبوع، يمكنني أن أُحضر الأطفال من المدرسة وأسهم في بعض الأعمال المنزلية كالغسل والكيّ".

أما عن كاثرين ذات الخمسين عاماً، والتي تعلِّم اللغة الإنجليزية للأجانب، فتقول إن قرار مشاركة المنزل مع والدتها كان مُربكاً لها في البداية؛ من حيث اختيار المنزل المناسب الذي تجتمع فيه ميزات الخصوصية، من انسيابية الحركة والراحة لأمها المسنّة، ومن حيث كيفية التعامل من جديد مع والدتها وتحقيق انسجام بينها وبين زوجها.

وتتحدث كاثرين عن طفلتيها البالغتين من العمر 11 و9 سنوات، مبيّنة أنهما تعلّمتا من جدّتهم القليل من اللغة الإسبانية، وأخبرتهم عن أيامها الماضية، وتشير إلى أن بعض الحكايا تافهة (لا تستدعي الضحك)، قائلة: لكننا نضحك سويّةً، وغالباً ما تُمضي الطفلتان الوقت مع جدتهما لمشاهدة البرامج التلفزيونية المفضّلة لديهم.

   

من جانبه يرى برايت، المحاضر في كلية التصوير الفوتوغرافي، أن سكن أم زوجته في جناحها بالطابق الأرضي يضفي سكينة على المنزل، ويقول: "نحن نتشارك معها المدخل الرئيسي وغرفة الغسل".

وفي الواقع نموذج حياة كاثرين الجديدة يتشابه إلى حدٍّ كبير مع النمط السائد في حياة الغالبية العظمى من الأسر العربية الذي نعيشه تلقائياً دون تخطيط مسبق.

وحول استقرار أكثر من جيل في نفس المنزل تقول جيما بورغيس، المديرة في مركز كامبريدج لبحوث الإسكان والتخطيط، بعد أن أجرت عشرات المقابلات مع عائلات متعددة الأجيال: "من اللافت في هذه العائلات متعددة الأجيال ارتفاع مستوى الثقة، والافتقار المطلق لأي تخطيط مالي أو ميراث، أو أي إجراء قانوني لترتيبات معيشتهم".

وتبيّن بورغيس أنهم "استثمروا مدخرات حياتهم في منزل مع أولادهم البالغين دون أي أوراق قانونية ثبوتية".

نسيج عمراني حضري جديد
وفي سياق عمراني، فإن نمو هذه الظاهرة أدّى إلى تشكّل نسيج حضري جديد، بعد أن كانت المدن معزولة بحسب العمر.

وفي مركز مدينة مانشستر تقول مانيشا باتيل، مستشارة رئيس بلدية لندن: "هناك الكثير من الشقق المكوّنة من غرفة نوم واحدة أو غرفتين، لكنني لست متأكدة من أنك ترى عدداً كبيراً من العائلات عندما تتجول فيها".

وتبين باتيل أنه "في هذا المكان من الضروري التحول للعيش في حياة العائلة للتقليل من الشعور بالوحدة"، وتؤكد: "نحن بحاجة إلى مزج الشباب والكبار معاً، كما أقترح تصاميم معمارية جديدة مبدعة تناسب وتشجّع الانتقال إلى الحياه الأسرية متعددة الأجيال".

وأشار بحث نفّذه مركز كامبريدج للإسكان والتخطيط إلى أن أعداداً متزايدة من الأسر تحوّلت للعيش معاً، ووفقاً للمكتب الوطني للإحصاء فإن عدد العائلات المكونة من ثلاثة أجيال -من نفس العائلة- التي تعيش في منزل واحد ارتفع من 325 ألفاً في عام 2001 إلى 419 ألفاً في عام 2013، فضلاً عن الأنواع الأخرى من العائلات المنتشرة؛ كالعائلات المكوّنة من جيلين، فالكثير من الشباب يعيشون مع والديهم المسنين، والكثير من الأطفال الراشدين يعودون إلى منزل العائلة.

    

ومن اللافت أن معدّل التحول إلى نمط الأسر متعددة الأجيال في المملكة المتحدة ما زال أقل منها في الولايات المتحدة، فقد أشارت إحصاءات مركز "بو" للأبحاث في أمريكا إلى أن نحو 20% من السكان يعيشون في أسرة متعددة الأجيال تحت سقف واحد.

وفي العام 2009 كان 51.5 مليون أمريكي، أي ما يعادل 17% من السكان، يعيشون في منزل واحد مع أسرتهم، أما في 2016 فقد ارتفع إلى 64 مليون شخص، ما يعادل 20% من السكان، في حين كان في عام 1980 نحو 12% فقط.

تحول غربي
وعن هذا التحول عبّرت الصحف الأمريكية قائلة: "إذا طُلب منك تصوير منزل أمريكي نموذجي فإنك تتخيل مسكناً لعائلة واحدة يضمّ أماً وأباً وأطفالاً، وربما حيواناً أليفاً في العائلة، أما اليوم فإن الصورة النموذجية لمنزل الأسرة هي منزل الأجداد وشخص بالغ أو اثنين".

وأخذت التصاميم المعمارية للبيوت الأمريكية بالتغيّر لتكون بشكل "بيت داخل بيت"، ويكون فراغ المطبخ هو المشترك بين جميع أفراد العائلة، أما الغرف فتتوزع بما يحقّق الراحة والخصوصية للأفراد.

إن السكن ضمن أسرة متعددة الأجيال الآن هو اتجاه متنامٍ أصبحت له معانٍ بالنسبة إلى الكثيرين، وبالنسبة إلى البعض هو نمط هام لتخفيض النفقات، وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية التي حدث في العام 2008، ويأخذ لدى البعض الآخر أبعاداً اجتماعية تعاونية.

وتتنوع الآراء تجاهها؛ فمنهم من يشيد بمزاياها كرعاية الأطفال، فالسيدة كوني نيلسون تقول: "منزلي أصبح أكثر توازناً ورعاية في ظل وجود والدتي منذ 9 سنوات، بعد أن كان من الممكن حدوث نقاشات حادّة حول طريقة غسل الصحون بين أمي وابنتي، إلا أن العلاقات لا تلبث أن تعود جيدة".

أما الجدّة لين فينر التي تعيش مع ابنتها وحفيدها، فرأت أن عليها أن تؤدي دور الوالدين في أوقات الدوام بدلاً من أن تستمتع بكونها جدّة، ولكن الأمر الإيجابي لها أنها يمكن أن تحتضنه كل يوم.

جدير بالذكر أن هذه الظاهرة لاقت دعماً مجتمعياً كبيراً من مؤسسات المجتمع المدني، كيف لا وهي تسهم في رفع واحد من أهم المؤشرات التنموية للبلدان المتقدمة؛ وهو متوسط العمر المتوقّع عند الولادة.

ونُظّم عدد من المبادرات لدعم التحوّل إلى الأسر المتعددة، وتقديم نصائح واستشارات لسدّ الفجوات بين الأجيال؛ منها حملات توعية لكل من الشباب وكبار السن في كيفية التعامل في مثل هذا النمط المعيشي الجديد.

وأُسّست مؤسسات مثل منظمة "اتحاد الأجيال" شعارها: لأننا أقوى معاً، تنظّم مشاريع وبرامج من شأنها تحقيق النفع لكافة الأجيال.

كما نُشر أكثر من 6 آلاف كتاب على موقع أمازون، ولاقت رواجاً كبيراً لنشر هذه الثقافة والتعامل مع التحدّيات المتوقّعة من هذا النمط الأسري الجديد في العالم الغربي.

وكانت هذه العودة إلى العائلة متعددة الأجيال استجابة لضرورات حياتية واجتماعية ، وقد تمّ تحفيزه ودعمه؛ لما أسفر عنه من نتائج إيجابية على الصعيد الاجتماعي والنفسي والمالي والعمراني لكافة الأطراف، فقد تم تحوّل أنماط الحياة وفق متغيرات.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

863 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع