الدوحة ما بعد المونديال
زرتها لأول مرة كان سنة 2006 وقد كانت مدينة صغيرة هادئة وقد بدأت للتو بحملة تطوير في وسط البلد وقد شهدت لها في تلك السنة انشاء باصات وسيارات تكسي كروة وقد ابهرتني لحداثتها ولونها الجميل الذي يشبه مياه بحرها الجميل وقد كان سوق واقف في مراحل انشائه الأخيرة , وقبل انقطاعي عنها ثماني سنوات قبل زيارتي الأخيرة لها فقد كانت آخر مرة زرتها في منتصف 2014 وقد كانت ورشة عمل كبيرة لإزالة المباني القديمة وانشاء مباني حديثة محلها وكانت معظم الشوارع تشهد اعمال انشاءات وفي زيارتي الأخيرة لها بداية هذا الشهر كانت الدوحة مدينة أخرى غير التي اعرفها , أتذكر أسماء المناطق فيها فقط لكني لم اجد تلك الأبنية والبيوت البسيطة بل وجدت أبراج وحدائق وشوارع عريضة محلها واينما توجهت وجدت معالم حديثة وتطور هائل في البنية التحتية , حتى الطيور قد زاد عددها وكبر حجمها بسبب توفر المساحات الخضراء والظل في جو الخليج الساخن معظم اشهر السنة, وكل شيء فيها مبهر فالشوارع والارصفة التي بنيت بعناية فائقة وبجودة عالية والحدائق المنتشرة في كل مكان والابراج الجميلة المنثورة على سواحلها بشكل يسحر الأنظار وحتى المترو الجميل الذي تجاوزت اطواله وكفاءته وجماله مترو دبي، اما متاحف الدوحة فهي من حيث المواد المعروضة فيها وطراز البناء والإدارة والجهد المبذول في تجميع وعرض المواد لا يمكن مقارنتها باي متحف في الشرق الأوسط وهي ترقى الى مستوى المتاحف العالمية ومتاحف الدوحة قد تنافس متاحف عريقة لدول كبرى قضت عشرات السنوات في تجميع محتويات متاحفها.
تاريخ جديد للدوحة ولقطر بعد المونديال وقفزة عمرانية هائلة تحتاج الى جهد كبير لسنوات عديدة ليتم استغلالها بشكل يتناسب مع حجمها وحداثتها وانا الذي كنت اتنقل بين دبي والدوحة بحكم عملي كمدير لإحدى الشركات القطرية في دبي خلال خمسة عشر عاما وبعين الباحث كنت اقارن دائما كل التطورات التي كانت تحدث في المدينتين، فدبي قد نمت تدريجيا عبر سنوات قد تتجاوز الثلاثين عاما وقد قامت حكومة دبي وشركات القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب ببنائها بشكل تدريجي , لكن الدوحة الجديدة المدينة التي بدأ نموها العمراني فعليا منذ الاولمبياد قد ساهمت حكومة قطر في معظم التطورات العمرانية بمشاركة بسيطة لشركات القطاع الخاص مما يحمّل إدارة مدينة الدوحة مسؤولية كبيرة في اعداد خطط وبرامج جديدة تقوم باستغلال منشئات المونديال من جانب وفتح باب الاستثمار في تلك المنشئات وغيرها من جانب اخر وعمل مناطق اقتصادية ومناطق حرة فيها وتطوير القوانين والأنظمة السائدة بما يتناسب مع تلك التطورات الاقتصادية العالمية وزيادة تدريب وتأهيل الموظفين القطريين في دورات محلية وعالمية ليتمكنوا من الارتفاع لمستوى البنية التحتية الهائلة لمدينتهم ولكي يختصروا الزمن .
ان انشاء شارع بجودة عالية مثلا سيوفر لمن يستعمله الراحة والأمان وتقليل الخسائر لأقصى درجة سوف يبقى ذلك الشارع سنوات عديدة يخدم مستخدميه دون ان تقوم الدولة بدفع أي مبالغ لصيانته وهذا المثل ينطبق على معظم البنية التحتية في الدوحة وكذلك ينطبق على المترو الذي قلل نسبة الازدحام والذي سيتم استخدامه من قبل المستثمرين القادمين من الخارج , فتوفير البنية التحتية اساس لإنجاح أي تطور او استثمار في الموارد المادية والبشرية , وقد لا يشعر سكان الدوحة بقيمة البنية التحتية الان لكن عندما يتم تطوير الاقتصاد سيكون كل شيء متوفر وسهل ورخيص الثمن , وعلى المواطن القطري العمل ليل نهار لاستغلال البنية التحتية التي وفرتها له الدولة والاعتماد على النفس والاطلاع على خبرات وتجارب الاخرين.
ان فترة ما بعد المونديال شهدت ارتفاع في الأسعار وذلك شيء طبيعي لأنه تم تشغيل البنية التحتية الجديدة فالمدينة الحديثة وشوارعها وحدائقها ومواصلاتها وابراجها وخدماتها تتطلب أسعار جديدة لكن على الجهة المسؤولة عن الاقتصاد في المدينة تشغيل البنية التحتية لمرحلة ما بعد المونديال واستعادة المبالغ التي صرفت عليها وهذا يتطلب تطوير الاقتصاد والسياحة وسيؤدي ذلك بشكل اوتوماتيكي الى رفع الرواتب والأجور بما يتناسب مع الأسعار.
لقد كان للازمة التي حصلت بين قطر ودول الخليج العربي في سنة 2014 والتي أدت الى مقاطعة اقتصادية لقطر دورا إيجابيا كبيرا في بناء اقتصاد قطري قوي يعتمد على الصناعة والزراعة المحلية وتنوع مصادر الأسواق العالمية وقد تسببت تلك المشكلة في رفع كفاءة وخبرة المواطن القطري وانفتاحه على افاق اقتصادية واستثمارية جديدة لم يكن يعرفها من قبل والصناعات الغذائية الوطنية القطرية اليوم على سبيل المثال تسد معظم احتياجات السكان وهذا لم تصل اليه دبي مثلا لغاية اليوم فدبي تستورد تسعين بالمائة من الأغذية من الخارج , ان سواحل قطر الواسعة مع توفر البنية التحتية والفنادق العديدة تبشر بمستقبل استثمارات سياحية هائلة واستثمارات في مجال الطاقة المتجددة ،واستثمارات في مجال المؤتمرات والتجمعات الدولية والاستثمارات السياحية واستثمارات الطاقة المتجددة سوف ترفع من كفاءة الاقتصاد بشكل متسارع وتجعل له قاعدة متينة يعتمد عليها الاقتصاد القطري في حال أي متغيرات عالمية في مجالات أسعار الطاقة والغاز والذي يعتمد عليه الاقتصاد القطري بشكل كبير ولو تم توسيع خطوط قطر البحرية والجوية وتطوير قوانين الاستثمار بشكل مستمر بما يتناسب مع التطورات الاقتصادية العالمية سيساهم الى جانب الموقع الجغرافي لقطر في ان تتمكن من ان تكون محطة لتداول السلع والخدمات في محيطها وجسرا اقتصاديا وثقافيا بين القارات .
أتمنى ان أزور قطر مرة ثانية وارى فيها خلايا نحل تعمل ليلا ونهارا من اجل استغلال البنية التحتية التي وفرتها الدولة للمونديال لتبقى قطر على موعد دائم مع مونديال دائم هو مونديال التطور والنمو الاقتصادي والسكاني والعلمي والثقافي.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
805 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع