من تراث وفلكلور السليمانية ..الحادي عشر
العائلة وتربية الاطفال
المقدمة:
زوجان في ريعان شبابهما وقد استقرا في بيتهما الجديد، الذي يكون احيانا عبارة عن دار يملكها الشاب، وربما يكون جزء منفصل عن منزل والده، تبدأ حياتهما بالسير على وتيرتها اليومية وهما في نعيم متواصل، وإذا كان للمرء تصديق الاقوال (فالمرأة دعامة البيت) و(قلعة يحبس الرجل فيها)، وإن (المرأة الفاضلة باهظة الثمن) ، و(الرديئة تصفد اليدين بالأغلال)، وهي (بحيرة والرجل نهر) ،وصفوة القول انها محافظة اكثر من زوجها في إتحادهما بأواصر المحبة والإخلاص الى نهاية العمر .
الزوجين بالمعول والمسحاة اللذين يحفران قبرهما ،ولاشيء غيرها يفرق بينهما حتى اخر رمق من الحياة، فلا ريب وهما في هذا الانسجام والنعيم يستمعان بلحظات كثيرة من الهناء والسعادة ، ففي نظرات العيون تظهر سعادة القلب ،ويخاطب الزوج قرينة الفؤاد (من اجل ينابيع المياه عشقت الجبال)، كل هذا الحب ولا يدعها تأخذ زمام الامر من يديه لتقوده لأن كليهما يعرفان موقعهما الصحيح، فالمرأة الخجلة تضاهي مدينة بأسرها وأما الرجل الخجول فلا يساوي معزة، وليس طبيعيا أن يقبع الرجل في عقر داره بينما المرأة تلبي نداء الحرب، ولا ينبغي له ان يصبح ديكا ليوم واحد ودجاجة طول ايام السنة، وكذلك الرجل يخنع ويخضع لزوجته شبيه بجذع شجرة مهجورة، إذا لا يمكن قيادة المرأة بالتعاويذ، ولا مبالغة في النساء الكرديات يتمتعن بالحرية اكثر مما تتمتع به اخواتهن في بلدان اخرى.
كيفما كانت قيمة المرأة في نظر العالم فالمرأة الكردية ملكة متوجة في بيتها، (خلق الباري المرأة لكي تخلق بيتا)، هذه حكمة كردية (يسبغ الله نعمته على امرأة تلد غلاما) لتكتمل سعادتها وتصبح اماً ، أليس هذا هو السبب في زواجها المبكر ؟ (تزوج في شبابك كي تتمتع مبكرا بصحبة اولادك)، وهناك قول حكيم يتحدى كل شعور بالأنانية (لا يزور الشيطان داراً فيها طفل) .
بجانب المهد :
اي سرور ينتاب الوالدان عندما ينثنيان على المهد، ويلمحان أول ابتسامة من طفلهما عندما يداعبانه ويسمعاه ينطق لأول مرة، وإذا كان الوالد فظا سيصبح وديعا هادئ عندما يصغي الى اغنية المهد تتمتم بها الام، التي تهدئ الطفل وتساعده على الاسترخاء والنوم، وتحمل هذه الأغاني كلمات ذات بعد رمزي، تؤدي الأم لحنها ذي الطابع الفني الكردي الموروث بصوت هادئ، فتصور واقعها الاجتماعي ووضعها النفسي وتتغنى بأمومتها، وتختلف هذه الأغاني من قرية إلى أخرى خاصة في الكلمات، ولكنها تشترك في ما تحمله من فوائد للطفل، ورثتها الام عن الجدة وثمة اغاني المهد الكردية كثيرة الفتها الجدات ويشترك في نظمها في بعض الاحيان الاباء .
لا بدّ من الإشارة إلى أنه في أغاني المهد تندمج النغمات مع الكلمات في وظيفة شديدة الخصوصية، تتمثّل لمساعدة الطفل على النوم، وهو ليس بالأمر الهيّن دائما، فاللحن والصوت أساسيان للاضطلاع بهذه الوظيفة التي تشغل بال الأم، والوالدين عموما، في المرحلة الأولى من نموّ طفلهم.
هذه الاغاني لا مثيل لها في تلقائيتها وعفويتها وفي سهولة شكلها ومضمونا، ذات وسيلة نفسية بمثابة مهدّئ لا نظير له، وذات غاية تربوية في توجهها إلى الطفل، كما هي وسيلة للتأمل والتفكير بالنسبة إلى الكبير، إضافة إلى كونها مرآة عاكسة للمجتمع وقضاياه ولعلاقة الأم بطفلها.
نم ،نم ، يا عزيزي
عيناك ينبوعان دافقان يتلألأن
تحت قوسين من حاجبيك
حينما اتطلع عليها يملأ الحب قلبي
فنم هنيئاً هادئا يا حبيبي
يا طفلي الغض الرقيق
اكبر سريعا وأصبح لأبيك ظهراً
فأكبر بسرعة، لتكن شجاعا قويا
لتحفظ عالمنا الجديد
نم هنيئاً هادئاً يا حبيبي
ها قد اتي الليل ، ونام والدك
ونام الغزال الصغير بجانب امه
وغابت الانجم وطلع القمر
ورقدت الهضاب والجداول
فنم هنيئاً هادئاً يا حبيبي، يا طفلي الصغير
عادات وتقاليد قديمة:
إنّ جميع شعوب الأرض لهم عادات وتقاليد يتّبعونها ، تكون كمثل الموروث الشعبي المتناقل من جيل إلى جيل وللعائلة الكردية تراث قديم ربما اندثر بعضها فمثلا، لاجتناب ما لا يحمد عقباه تلبس المرأة الحامل في السليمانية تعويذة (دوعا به ند) عبارة عن آيات قرآنية كريمة ، ولا يجوز استنساخها من قبل امرأة اخرى لأنها إذا فعلت ذلك لن تنجب ذرية في هذه الدينا، تبقى المرأة اثناء المخاض والولادة في بيتها تحت رعاية القريبات والجارات، اللاتي يملكن الخبرة الواسعة في هذا العمل، وذلك لندرة القابلات المهنية، وعند الحالات الصعبة في الولادة يتم اللجوء الى الوسائل المستندة على الخرافات كليا أو جزئياً، فنجد في السليمانية أدعية محفورة على قطع من الاحجار تجمع من المساجد، وتوضع على ظهر الحامل أثناء مخاضها، لتسير الامور وتسهيلها، ونلاحظ بين نساء عشيرة شمس الدين عندما تحدث مثل هذه الحالات يوضع سيف (خان لب زيرين)، اي ذو الشفتان الذهبيتان بطل ملحمة دمدم، فوق راس المرأة التي تعاني المخاض، ويعتقد المسيحيون بأن مجدلة الكنيسة لها الخصائص السحرية الضرورية لهذا الغرض وهي صلاة خاصة ( المجد لله في العلى... الخ).
يقطع حبل المشيمة بواسطة مقص او حجر حاد، ولكن بحذر شديد لئلا يقع الحجر على موقع خطر، وعند اتمام عملية القطع تكون القابلة حذرة لئلا يقع الحبل على صحن عن طريق الصدفة، يعتقدون ان سينمو الطفل نهما اكولاً ، وإذا وقع على سلاح فسينمو الطفل محاربا عظيما ، ومن الضروري في جميع الاحوال اتحاذ الحيطة أيضا من الارواح الشريرة، ويعتقد في السليمانية (الغول) (شه وه) يريد القضاء على الطفل بمجرد إيواء المرأة الى فراش الولادة . ولمنع هذا الخطر ، توضع نسخة من القرآن الكريم فوق فراشها ومعه سيف وقطعة حديد، وعدد من التعاويذ لإبطال وجود أي سحر ، إذا كان المولود ذكراً يتناوب الرجال في العائلة على حراسته مدة اسبوع ليلاً ونهاراً في غرفة الولادة ، ولا تستطيع القابلة والنساء الحاضرات مغادرة المنزل أثناء هذه الفترة التي يليها النفاس ، ولا يجوز لهن استعارة شيء من الحاجات المستعملة للولادة، ويمنع كل امرأة تعاني الآم المخاض الدخول على الام حديثة الولادة، لان ذلك يجلب لها النحس، ويدثر الطفل بعد الولادة بقماط ثم يوضع في سريره الصغير ، وهناك ثلاثة أنواع من أسرَّة المنام الخاصة للأطفال عند الكورد، وأكثر شيوعا هو المهد الهزاز والأرجوحة الشبكية المعلقة على عمودين والمهد الثابت المخصص لطفل كبير السن، توضع داخل المنام (دوشك) الذي ينام فوقه الطفل في المهد فتحة لإدخال (بلوير) وهو انبوب خشبي لتفريغ البول الى الخارج.
تحظى الام بتقديم الهدايا اليها اذا كان المولود ذكراً، وتختلف الهدايا حسب تقاليد العشيرة ومركز العائلة الاجتماعي، ويمكن تقديم الذهب للوالدة أو كبش للذبح ، أما هدية الطفل فهي عبارة عن مهر أو مسدس صغير أو خنجر ، ويجري الاحتفال بولادة الطفل دون استثناء بتنظيم مأدبة عشاء لعقد ليالي السمر وإطعام الضيوف.
والشائع ان تختار الام اسما لابنها وللملا رأي في ذلك، وهناك اسماء مشتقة من الاسلام مثل ( محمد ، محمود ،صالح,,الخ) وكذلك توجد اسماء كردية خالصة مثل (سند ،مند، خدادة ) وهناك اسماء اسلامية محورة الى كردية مثل ( حمة ، يعني محمد ، خولة يعني محمود ...الخ) وتوجد اسماء تاريخية التي لم يقدر لها ان توضع في حساب النسيان وهي (خسرو ، قباد ، جمشيد، فريدون...الخ). ويشير الاسم احيانا الى فضائل يتمناها الوالدان لمولدهما الجديد، أو الى انواع مختلفة من الازهار والفواكه مثلا (گول تعني وردة ،نركز تعني نرجس) ، أو حتى الحيوانات المتميزة بصفات مرغوبة عند الناس ، مثلا (غزال ، قمري ...الخ)، وهذه الاسماء مخصصة للبنات وأما بالنسبة للذكور يسمى (شير تعني الاسد وشاهين تعني الصقر ...الخ).
عملية الختان سنة الزامية تتم في اليوم الخامس أو السابع لولادة الطفل وربما يقوم بها الملا بنفسه ، وفي السليمانية كانت العملية قبل خمسة وعشرين سنة، تجري عندما يبلغ الفتى سبع او عشرة سنوات، وتصبح مناسبة سعيدة لحفلة صغيرة يلبس الاطفال سراويل قصيرة وقمصان بيضاء وأحزمة معقوفة على الاكتاف، تزينها الفصوص بانسجام مع أغطية الرؤوس الفضية، والمتكفل برعاية تلك الحفلة ليس ضروري أن يكون فرداً من العائلة ، ربما يكون ذات سمعة حسنة ، وما هو اغرب من ذلك أن يكون واحداً من بين الذين اغترفوا ما الينابيع السبعة ،رمز العلم والمعرفة ، وثمة كرد لا يترددون في الطلب من المسيحيين الذين هم أهل الثقة ولاشك بأن مبادرات كهذه تساعد قي عقد اواصر المحبة والصداقة بين الطرفين. اما الفتيات قد يكون من المحبذ اعلان بلوغهن بوشمهن وتتولى ذلك امرأة متخصصة، ويمثل الوشم سابقا علامة صغيرة على اليد او العنق او الوجه اما الآن فلقد انقرضت هذه العادة الى حد كبير.
ويتأخر الفطام لأمد طويل يرضع الطفل مدة عامين أو أكثر ، وتوحي الى المرأة بأنها لا تستطيع الانجاب ما دامت مستمرة في ارضاع طفلها، ويكون الانجاب متعاقب على الاغلب لا تتخلله الفترات الطويلة ،لان المنع ممقوت عند العامة من الكرد ، وفي حالة ارضاع امرأة اطفالا متعددين سيصبح هؤلاء اخوة بالرضاعة التي تخلق اسساً للقرابة وتمنع سبيل الزواج في المستقبل.وحينما يظهر السن الاول من اسنانه توزع اسرته الطعام على الجيران والأصدقاء.
الاطفال وتربيتهم (عادات وتقاليد قديمة ليس الان).
يميل الكردي الى تكوين عائلة كبيرة ، تحاول الام بكل عناية أن تحصن اطفالها من الارواح الشريرة ، لذا تزودهم بالرقي والتعاويذ فتعلقها على أغطية رؤوسهم وأكتافهم لإبعاد الشر عنهم وتضع على قبعات الصغار الادعية التي تتنوع أشكالها، ويتم أعدادها من أسنان الذئب والعقد والنفل والعقيق وسمك سليمان والعقيق اليماني وجذور اللفاح اي ثمر اليبروح وأنواع أخرى من الاحجار والأخشاب ، وتحمل أذرع الاطفال حقائب صغيرة متعددة نقشت فيها الايات القرآنية ، وهناك جراد البحر يتم تغليفها بخرقة تخاط بثياب الطفل لأنها تعتبر الى الوقت الحاضر بأن لها تأثير فعال ضد نكد العيون ، وبالرغم من أن الطفل لا ينال قسطاً من الملاطفة والتدليل، إلا أنه نادراً ما يعامل بقوة على اعضاء جسمه وأما اللعب فغير معروفة عمليا، ولكن الطفل يصنع لنفسه عربة صغيرة من الخشب والأسلاك وتصنع الفتاة الصغيرة الدمى من اقمشة قديمة ، ويقضي الولد أيامه جمعيا بين النساء ولكنه بمجرد أن يستطيع الركض يظل طول الوقت خارج البيت يلعب في الشارع مع اقرانه.
لا وجود للمدارس في أغلب القرى الصغيرة، وفي الحالات القليلة عند وجودها يقوم احد الملالي أو الشيوخ المتحمسين بتدريس الصغار الاذكياء قراءة القران الكريم، وعندما توجد المدارس فحالة البيت وأوضاعه لا تناسب الدراسة، حيث لا يوجد مكان ليضع الطفل كتبه ودفاتره، وليس هناك خلوة أو جو مناسب ليطالع التلميذ دروسه .
او يعد واجباته اليومية بهدوء، فهو غالبا ما يرسل الى الخارج ليعتني بقطيع الغنم، ويقضي بقايا اوقاته وسط البالغين يصغي الى أحاديثهم ويستفيد الى درجة أنه حينما يبلغ أشده، لا يكون جاهلا بأسرار الحياة وشدة مصاعبها، وإذا جاء الوقت المناسب يكون قد جهز نفسه بالسلاح المناسب لمجابهة عاديات الزمن بعد أن تربى على هذا الاسلوب الخشن.
كلمات تستعمل اثناء تربية الطفل الصغير
صياح (زريكة) : تقال عندما يصاب الطفل بحالة من البكاء والصراخ ولا يعرف الاهل السبب.
حم: تقال للطعام هذه الام تقدم الطعام لطفها وهي تقوم تفضل هذا طعامك.
خوخه: كلمة تقال عندما تشير الام بإصبعها الى حشرات او فراشة او نمل حتى ينتبه الطفل لهذه الحشرة.
تاتا:كلمة تقال لتنبيه وجلب النظر للطفل الى مفتاح او العاب الاطفال بعض الادوات ، وفي نفس الوقت تصنع تاتا وهي عصى من القصب تستعمل لربط كسور العظام.
ئغه :كلمة تستعمل لمحاولة اضحاك الطفل وتشير بإصبع الام الى شفة الطفل.
چاچا: تقال عندما يبدأ الطفل بالمشي وتقال عندما تمسك الام يد طفلها (اي اعطني يدك).
ياع: وسخ ، انتبه هذا وسخ لا تلمسه ولا تقدر أن تأكل منه .
بفا: كلمة تنبيه تقال للطفل عندما يحاول مسك اي شيء حار مثل القوري او السماور او المدفئة
كخ + ياع : كذلك كلمة تنبيه تقال للطفل و زجر للطفل عن تناول شيء لا يُراد أن يتناول الطفل شيء قذر أو مؤذ.
نلتقي في الجزء الثاني عشر
المصدر
پرياسكة(باللغة الكردية) : علي حاجي عبدول 2013
الكرد ، توما بوا
1910 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع