من تراث وفلكلور السليمانية .... الاعداد للخطوبة والزواج -الجزء الثامن

              

من تراث وفلكلور السليمانية .... الاعداد للخطوبة والزواج - الجزء الثامن

         

   

مقدمة :
المجتمع الكوردي له عادات وتقاليد تختلف كثيرا عن تلك التي تتبناها المجتمعات المجاورة له، فهي ثقافة دسمة، وأسلوب لحياة متميزة، فمن بين هذه العادات يبرز الاعداد للخطوبة والزواج الكوردي، الذي يمتلئ ماضيه وحاضره بروايات وقصص وحوادث، يحتفظ الكورد ببعض منها ويدع البعض الآخر للتاريخ، وبعض المجتمعات قد غيرت كثيرا من تلك الطقوس والعادات الموروثة، بسبب العولمة والتكنولوجيا التي عمّت العالم، في حين بقيت تلك العادات سارية وحية، قائمة لعقود طويلة من الزمن، في الكثير من المجتمعات التي تتفاخر بها، كجزء لا يتجزأ من تراثها وفلكلورها، كما في المجتمع الكوردستاني، الذي بقيت فيه تقاليد الزواج متوارثة عبر الأجيال.
(لا وفق الله قط من مشى بنميمة بين قلبين وأربع اعين) دعاء كردي.  
يتزوج كل فرد كوردي دون استثناء فقلما نجد اعزب في كوردستان، ومردودة الى المأثرة القائلة بأن ( الاعزب تنحل قواه، والعزاب تلهبها النار)، لأن المجتمع تأسست مكوناته على هذه الشاكلة، فلا مكان للعوانس، وينظر الى الأعزب  المتخاذل بازدراء ، فالكورد يتزوجون مبكرين حيث لا ينتظر الشباب الى سن العشرين، والفتاة في هذا العمر قد اكتملت انوثتها، وأصبحت ربة بيت بارعة ضليعة بالواجبات الملقاة على عاتقها، ولا ريب في أن الزواج المبكر من الاسباب التي تجعل البغاء غير معروف في المنطقة، فلا وجود لبيوت الدعارة في المدن الكوردية.
الزواج من امرأة واحدة شائع في اوساط الفلاحين والمثقفين، ولا يتجاوز عدد المتزوجين من امرأتين نسبة اثنان بالمائة، وهكذا تتجنب عامة الناس المشاكل لعدم تعكير صفوة الحياة، مستعيدين الى ذاكرتهم الحكمة التي تقول (من يتزوج امرأتين سيصبح حارسا عند الباب)، وليس الطلاق شائعا بين افراد المجتمع نسبيا، ويكون السبب عقم المرأة أو عدم انجابها الذكور، وإذا حدث وتبرى رجل من زوجته سيكون موضع سخرية عند الناس جميعا، والانفصال الذي يجري بموافقة الطرفين غير شائع، قلما تجد المطلقة زوجاً لها، والحب المتحرر غير وارد ولا يمكن ان يسمع أن كورديا اتخذ خليلة، أما الزنى يمكن القول عدم وجوده، لان المرأة تعرف وتدرك أن المصير الذي ينتظرها، عندما تنكشف هو القتل على يد الاخ أو القريب ثاراً لشرف العائلة، يذكر توما بوا  في كتابة الكورد ان رفض الفتاة للزواج من أحدهم يعد إهانة، والوالد لا يستطيع بالتأكيد إجبار ابنته على زواجها من لا توافق عليه.

                           

ليس من عادة الكورد الحد من حرية نسائهم، وذلك لأنهن فاضلات مع تأنق ولباقة وبشاشة، ويتم التعارف بين الفتيان والفتيات بصورة جيدة،  ويسبق الزواج عادة حب متبادل بين الفتى والفتاة ، ذلك أن للمشاعر الرومانسية لها سيطرة واسعة على قلوب المحبين.
هذه قصة واقعية لامرأة تدعى گوزل خاتون زوجة رجلا اسمه جرگو بسبب بطولتها وطهارتها وعفتها وجرأتها اصبحت موضع حديث من قبل الجميع، حيث سافرت گوزل خاتون الى اهلها لزيارتهم، وبعد فترة ارسل زوجها غلامه في اثرها ومرافقتها بطريق العودة الى مسكن زوجها، وفي طريق العودة راود الغلام عن نفسه (طلب أن يفْجُر بها)و وسوسه الشيطان محاولا التحرش بزوجة سيده، لكن عندما سنحت لها الفرصة، قامت بقتل الغلام وتقطيع ذراعية وجلبها الى زوجها.
لابد من أن نشير إلى ديوان الشاعر الكردي (مصباح موكري)  والذي أنشد فيه قصائد غزل عذري لحبيبته (نصرت) التي لم تصبح زوجته أبدا بل تزوّجت من شخص آخر. وخير مثال قصة الشقيقين (حسن وچلنگ أغا) اللذان يغرمان بحب (ليلى خانم)، يحتال الاخ الصغير (چلنگ أغا) على أخيه الكبير ويتزوج من ليلى، إلا أن عشقها لـِ (حسن أغا) يدفعا الى قتل نفسها بتجرع السم.
يشير باسيل نيكيتين (1915-1918)  إلى عادات كوردية طريفة في الخطوبة، تكاد تكون اليوم في حكم العادات الزائلة إلا ما ندر، فخطبة الفتاة وهي ما زالت طفلة في القماط كانت من تقاليد الماضي، وتتم الخطبة بعد ان يعقد على رأسها بمنديل، علقت عليه قطع النقود وفي كل عام يحمل الخطيب بمناسبة عيد الأضحى، خروفاً إلى خطيبته وقطعة قماش، يحكي (كامران موكري) عن زواج الاطفال في ريف مدينة السليمانية قصة مؤلمة شاهدها بنفسه، وبحضور رجل الدين ومختار القرية فوق سطوح احدى الدور، وقد اشترك (كامران موكري) في الجلسة للمصالحة بين الطرفين التي تمثل حالة مركبة، فهي حالة زواج متبادل من جهة وحالة زواج اطفال من جهة ثانية، بالرغم من عدم ذكره لتاريخ القصة، يقول:

شقيقان ارادا تزويج بنتيهما بالتبادل لابنيهما اي كل فتاة تتزوج ابن عمها والأربعة كانوا اطفالاً، وعقد القران وأصبح الزواج شرعياً ثم مات احد الشقيقين، بدأ العم يطالب بابنة اخيه لكي تتزوج من ابنه اي يطالب بحصول النكاح، لكن ارملة شقيقه لا توافق لأنها تطالب شقيق زوجها، بأن تنتقل ابنته الى دار الزوجية ايضاً، لكن الاب يرفض بسبب ان الولد عمره تسعة سنوات وابنته عمرها ثلاثة عشر سنة، لكن الارملة مصرة على حقها في انتقال زوجة ابنها الى بيت الزوجية مقابل رحيل ابنتها الى بيت زوجها. كان العم يلعن الساعة التي وافق فيها على هذا الزواج، فكيف تذهب ابنته الى زوج ما زال طفلاً، والعم لا يمانع اذا ما تقدم الطفل بضع سنوات في العمر اي متى اصبح بالغاً، وطالب بدعوة الطفل والاستفسار منه وامتنعت والدته، وقالت: لا حاجة فانا اقرر ذلك، ولكن الحضور طلبوا مجيء الطفل الذي كان عمره تسع سنوات، وعندما حضر بين الحضور كان حافي القدمين، سأله رجل الدين ما إذا كان يريد ان يتزوج من ابنة عمه، (هنا يقصد عملية النكاح لان عقد النكاح مبرم سابقاً) فأجاب الطفل وبتعليم من امه قائلاً: نعم او لست رجلاً؟

وهنا علقت والدته قائلة ان هذه البنت زوجة ابني وغداً سوف انقلها الى بيتي، لقد تبين السبب وهو الحالة المعيشية، لان الارملة عندما ترسل بابنتها الى دار الزوجية فأنها تكون قد خسرت يداً عاملة، وهي تريد مجيء عروس ابنها الطفل والتي تكبره بخمس سنوات، تعويضاً عن أبنتها ولذلك قرر المجتمعون من فوق سطح الدار في القرية، ان تقضي هذه البنت يومها في دار الزوجية وان تنام ليلاً في بيت ابيها، ريثما يصل الطفل الى سن البلوغ، فالمرأة في هذه القصة الواقعية عامل انتاجي عندما يكون عمرها بين التسع وثماني عشر سنة ويعتبر هذا الزواج استثماريا.

             

وهناك طريقة أخرى ايضاً في الخطوبة أشار اليها باسيل نيكيتين لا تقل طرافة عن الأولى، ولكنها معكوسة اي ان الفتاة هي التي تفصح عن رغبتها بأحد الشبان في عيد الخراف، وهو اليوم الذي يتخلى الرعاة عن أغنامهم ويتقاضون أجورهم، تبقى في هذا اليوم النعاج في حظائر خاصة وتطلق بينها الكباش للتزاوج، ويأخذ القرويون بإطلاق الرصاص كأنهم يحتفلون بزفاف نعاجهم، وتقدم في هذا العيد المأكولات اللذيذة والحلوى واللحم المشوي، وترفع الفتيات عن رؤوسهم المحارم الحريرية (غطاء الرأس)، ويربطنها حول أعناق الخراف المحببة اليهن فيتقدم الشبان ويأخذونها تعبيراً عن محبتهم ورغبتهم في الزواج من صاحبة المحرم،  فيما يراقب الأهل الفتى الذي التقط محرمة ابنتهم وهم يعرفون ان الاتفاق كان قد تم بينهما، فإذا لم يمانع الأهل تعقد الخطوبة بين الشاب والشابة وبعد وقت قصير يحتفل بالزواج .وإذا بقى غطاء الرأس مربوط حول عنق النعجة ولا شاب يتقدم لأخذ،ه معنى ان صاحبته لا نصيب لها ولا يوجد لها حبيب بين الشبان أو ليس لحبيبها الرغبة بالزواج هذا العام، وهناك بعض الفتيات لا تجرأن وتربطن غطاء رأسهن إذا يعلمن انهن وحيدات، أي بدون حبيب.
في حالة الزواج من غير الاقارب وعندما لا تكون هناك حالة تبادل في البنات،  فان المهر يكون عالياً، ويسميه بارث مثل غيره من الرحالة والمستشرقين ب (سعر العروس)، وان هذه الاسعار والمهور في الحقيقة تدفع وهذا المبلغ هو في الواقع يقابل القيمة الاقتصادية للمرأة المتزوجة، ان هذا (السعر) العالي هو الذي يوسع من مدى زواج ابناء العمومة والزواج بتبادل الاخوات، وفي الجانب الاخر يكون من الصعب شرح استعداد والد الفتاة للتنازل عن حقه في (سعر الزواج) في حالة زواج ابنته من ابن عمها، فهو يعد اسرة مستقلة عن اسرة اخيه وابن اخيه.
ومن التقاليد الشائعة لدى الكورد ان ابن العم يرى انه أحق بالاقتران بابنة عمه، وان هذا التقليد كثيراً ما كان سبباً من أسباب الاختصام بين أبناء العمومة، أو بينهم وبين الزوج الغريب وربما بلغ الخصام حد الاقتتال، ونجد ان مثل هذه التقاليد على الرغم من استمرارها، لكنها أصبحت اليوم اقل حده وخطورة مما كانت عليه في السابق. يقول: بارث، بإمكان أي فرد أن يقترح الزواج من اي فتاة يشاء، ولكن من الناحية العملية فهناك تفضيل قوي لابن العم وأحقيته بابنة عمه، ولابن العم الحق في ان يرفض زواج ابنة عمه ان كان هو يرغب الزواج منها، وان لهذا الرفض قيمته المعتبرة، ولأب الفتاة ان يعتذر من خاطبيها وليس غريباً ان تسمع منه امام الالحاح (اعتذر لان ابن اخي سوف يقتلني اذا زوجتك ابنتي)، والفوائد المعلقة على هذا النوع من الزواج تعود الى عدد من الاسباب منها ان والد الفتاة غالباً ما يعرف النواقص المحتملة في ابن اخيه مقدماً، مما يقلل من المجازفة بتزويجها لشخص لا يعرفه حق المعرفة وتنجم عن ذلك حالة عدم انسجام، والمقصود بمعرفة النواقص ربما تجعل والد الفتاة يعالج مع والد الفتى نواحي النقص سواء كانت مادية ام متعلقة بالعمل، اي مدى نشاطه في صناعة لقمة العيش وحتى شخصيته، فضلاً عن هذا السبب فان والد الفتاة تبقى لديه سلطة تأثيره على الفتى بعد الزواج، لأنه اساساً (عم)، اما بالنسبة لابن الاخ فانه غير مطالب بدفع مبلغ عال من المهر لابنة عمه وأحيانا لا يدفع شيئاً.
يوجد زواج اتفاق بين اسرتين على استبدال ابنتي العائلتين، لكي تصبح كل فتاة من الفتاتين زوجة لأحد ابناء الاسرة الاخرى، فإذا كان لرجل اخت او بنت وأراد التزوج وهو غير قادر على دفع مبلغ المهر، او حتى قادر على الدفع لكنه لا يرغب دفع المبلغ فقد يتفق هذا الرجل مع رجل اخر، له بنت او اخت فيقدم كل منهما ابنته او اخته للأخر ليتزوج (بها) ويدفع مبلغاً زهيداً كي يتخذ الزواج طابعاً شرعياً.
وهذا النوع من الزواج انتشر في المجتمع العربي البدوي والريفي، ويسميه العراقيون (كصة بكصة)، و(الكصة) تعني الجبهة او الناصية، هذا النوع من الزواج والذي يسميه الكورد (ژن به ژن) اي امرأة مقابل امرأة ،او الزواج المتبادل وهو يعرف بإيجاز شديد أنه (تبادل الاخوات) للرجلين ، وترتبط مصاريف الزواج مع الاحتفال بالزواج وكذلك جهاز العروس، الزواج بالتبادل قيمة المالية البحتة مسألة مفيدة، وهي تبدو امتداداً للزواج من ابنة العم وفي القرى غير العشائرية، فان هذا النوع من الزواج كثير الشيوع وعندما لا تكون هناك قرابة بين الرجلين، فإن هذا النوع من الزواج يزيد الاتحادات الاجتماعية بين الاسرتين من داخل المجتمع، ويكون الاخلاص بين النسيبين كبيراً بقدر الاخلاص بين الزوجين ولهذا فان المشاكل في احد البيتين قد تسبب مشاكل في البيت الاخر.
ان هذا النوع من الزواج محفوف بالمشاكل، وبالكثير من المعاناة، فقد لا تكون احدى الفتاتين او كلاهما راغبة في الزواج (من هذا الزواج)، ثم ان هذا النوع من الزواج يخضع الى قانون التعامل بالمثل، فإذا اختلف الاول مع زوجته وطلقها فانه يرغم الرجل الثاني ان يطلق زوجته، التي هي ابنة او اخت الزوج الاول حتى اذا كان يعيشان بسلام ومحبة. وحتى اذا كانت الزوجة راغبة في ان تبقى مع زوجها ،وإذا تخاصم احدهما مع زوجته فتركت البيت الى بيت ابيها او اخيها فعلى الاخرى ان تعود بدورها الى اهلها وتترك زوجها، وإذا تمرد احدهما عن تطليق زوجته بسبب تطليق الاخر لزوجته فعلى المتمسك بزوجته ان يزوج الاخر اي ان يدفع تكاليف زواجه الثاني.
ان هذا الزواج يجري امام رجل الدين وهو غالباً ما يعرف يقيناً انه زواج تبادلي، فيعقد الزيجة الاولى ثم يصمت قليلاً ليستريح ثم يعقد قران الاثنين الاخرين، ولكل فتاة مهرها (المتدني جداً غالباً) لان المهر هنا مسألة شكلية، المهم ان كل اسرة تدفع بابنتها الى بيت الاخر، فتصبح الفتاة نفسها هي المهر الحقيقي او السلعة الخاضعة (للمقايضة).
يذكر ادموندز (1919) من خلال ملاحظاته الميدانية ان ابناء الاسر الغنية في كردستان يميلون الى اتخاذ الزوجة الاولى وهم في مقتبل العمر، ويميل الرجال الطاعنون في السن الى اتخاذ زوجات يصغرنهم بكثير، اما بالنسبة للزوجة المترملة فان لم يكن لها والد او اخ ومتمكن بشكل جيد فإنها تفضل البقاء في بيت زوجها وفي حماية شقيق الزوج، ويمكن لها ان تتزوج منه ما لم تكن زوجته من قريباتها المقربات وما زالت على قيد الحياة .
قد يختطف الرجل المرأة بمرضاة منها حتى اصبح الاختطاف اسلوباً من اساليب الزواج، اذ تهرب الفتاة مع من تحب وبعد الزواج يحاولان ترضية والد الفتاة وأهلها وقبيلتها اذا كانت من قبيلة اخرى، ومن القصص الواقعية لشاب من عشيرة مال مزنان يخطف فتاة غجرية فيهاجمهم الغجر حين يسمعون بالواقعة، ويقتلون اربعون رجلا ويعودون  الادراج، عندما يدرك رئيس العشيرة فداحة العدد الذي قتل من أجل فتاة، يطلب الشاب والفتاة ليقتلهما، وعندما يلاحظ مدى عشق الفتاة للشاب، يتراجع عن قتلهما، رغم ذلك يرى ان الزواج من فتاة غجرية غير لائق.

         

والمجتمع الكردي شهد مثل هذه الظاهرة، ونجد في كثير من الاغنيات الفلكلورية تتغنى بهذا الاسلوب، يذكر ادموندز (في عشرينيات القرن العشرين) أن بعض القبائل يزداد فيها الخطف، ويذكر ان كثيراً من المخطوفات لم يكن ليحلمن بالزواج لولا هذه العادة، وإذا كانت هذه الظاهرة اعتيادية فهي ليست من قبيل التقاليد الشكلية مطلقا، وموضعها جدي في المراحل الاولى منها تكون محض مغامرة محفوفة بالإخطار، يجابهها العريسان في هذه البلاد، حيث ينام كل اب وأخ والى جنبه بندقية، والفرار للزواح قد يكون فيه اعتداء على حقوق الزواج من ابن عم الفتاة الذي هو احق الناس بها ، ولهذا نجد الهاربان من مراحل حياتهم الاولى يلجأن الى (الاغا) او الى شيخ محايد او شيخ ديني لكتابة عقد (الزيجة) وفق الشرع، ويقوم اغوات أو شيوخ بمعونة الوسيط عند الضرورة  بالمفاوضات لتسوية الامور بين العائلتان، ويتسلم كل منهم طبعاً اجراً. وعندما تنتهي الشكليات حسب الاصول المتبعة لا يبقى مانع من عودة العريسين الى ديار العريس بكل امان، اذ ان بعض اسباب رغبة الفتاة في ان تخطف هو محاولتها انقاذ نفسها من مأزق دبره الاب لها، كأن يقرر تزويجها من شخص لا تحبه او اكبر منها كثيراً في السن.
لقد ذكر اكثر من رحالة او زائر لكردستان هذا النوع من الزواج، هذه القصة الواقعية قصة (سوتو وتاتو) التي تجري احداثها بين عشيرتين وسوتو هو رئيس عشيرة (الدوشكان) وتاتو رئيس عشيرة (الريكان)، تشتعل بينهما حرب ضروس لا مثيل لها، وتخلف عداوة دائمة،فيعتدي سوتو  وعشيرته على تاتو وعشيرته غدرا وظلما، في النهاية يقتل الكثير من الطرفين وتبقى الحرب مستمرة لكي تأخذ كل عشيرة بثأرها، وأخيرا تتدخل اطراف اخرى ويحل السلام ويزوج سوتو ابنته الى تاتو ، وإن وهب الفتاة كزوجة للخصم  تعبيرا عن حسن النوايا، وتكفيرا عن الدماء المسفوكة هي عادة عريقة لدى العشائر، وتعتبر رمزا للسلام، لكن سوتو يتمارض في احد الايام ويدعوه تاتو مع ثلة من قومه، وحينما يخلدون للنوم ينقض عليهم سوتو وقومه ويقتلونهم شر قتلة، وبهذا الشكل ينتقم سوتو من عدوه، ثم يحمد الله على نيل ثأره .
ويحدثنا ويكرام أنه حدث في مطلع القرن العشرين أن شخصين القيا بنفسيهما تحت سنابك حصانه (طرف الحافر) قائلين: انه يستطيع ان يمر بجواده فوقهما، ولكنهما لن يتحركا حتى يعدهما بان يجبر خاطرهما ويحقق لهما طلبهما. ويتحدث عن القصة، فقد عقد (جودت) خطبة ابنته (آمنة) على جاره (توفيق) تسديداً لدين عليه، علماً ان البنت تمردت وهربت مستجيرة برجل كبير السن من الوجهاء يدعى (عبد العزيز)، ذاعت شهرته، وهو في الحقيقة من اعظم سكنة القصبة دهاء، فكر عبد العزيز البعيد النظر بان تحالفاً مع اسرة الفتاة قد يكون امراً ذا قيمة فأسرع وعقد لها على احد ابناء اخوته، وابلغ اهلها بأنها (مفقودة ولا يعرف مكانها)، ثم ما لبثت آمنة باعتبارها انثى غيرت رأيها بعدما بلغها ان خطيبها المهجور توفيق قد انفق ما يزيد عن عشرين ليرة ذهب للفوز بها، فأرسلت اليه رسالة عاجلة بصورة ما ترجوه ان يأتي لإنقاذها من نتائج أعمالها ان كان يحبها حقاً، وعندها اقبل كل من جودت وتوفيق والقيا بنفسيهما تحت سنابك حصانه، و ويكرام والقنصل البريطاني مؤكدان انهما لا يجدان معيناً لهما إلا الله ولكن ويكرام لا يتحدث عما انتهت اليه الواقعة.
يشير ريج الى نوع من الزواج التعسفي وهو لا يعبر عن حالة شائعة بقدر ما انه يعبر عن التعسف الاقطاعي او الارستقراطي، اذ يؤكد ان بعض امراء الاكراد الاقوياء المتطرفين، اذا احب فتاة غالباً ما يجبر ابويها على تزويجه منها وإذا ما ملها وطلقها، يزوجها لأحد خدمه القرويين المساكين على حد تعبير ريج المعرضين الى هذا النوع من الاضطهاد وعلى سبيل المثال ذكر ريج مثال ان عثمان بك شقيق امير بابان انه الامير الوحيد في عائلة بابان الذي وقع بمثل هذه الحدث الذي يسميه ريج بالجريمة.
يذكر الميجر نوئيل  ان طالب الزواج حر في الاختيار بمن يريدها عروساً له، وعندما تحصل القناعة عند احدهم، تقوم امرأتان من عائلة الخطيب لزيارة عائلة الفتاة للوقوف على مدى ملائمة الفتاة او جدارتها، لتكون زوجة لابنهم ويمكن ان تكون بين قرية وأخرى أو نفس القرية، وبعد الزيارة الاولى إذا حصلت القناعة تفاتح عائلة الفتاة  بشكل رسمي، وتعرض عليها اي على العائلة فكرة زواج ابنهم من ابنتهم، ولا يعطى الجواب بالموافقة او الرفض إلا بعد بضعة ايام، لان عائلة الفتاة تقوم ببحث الموضوع مع اطراف عائلة الفتاة، ويدعى كبار الاسرة او العشيرة لمناقشة الموضوع فإذا تمت الموافقة فان الفتاة تبلغ بذلك، ويبدو ان الفتاة لا تعارض هذا الاجتماع الاسري وغالباً ما تكون موافقة.

         

في اختيار الزوجة سهلة تماماً فالرجل يقرر ان يتزوج من فتاة معينة، اي فتاة، فيختار ممثلاً موثوقاً به والمفضل ان يكون قريباً له وكبيراً في السن، وهذا الممثل يزور والد الفتاة ويفاتحه في موضوع الزواج، وهناك نوع من الدبلوماسية المطلوبة من كلا الطرفين لتحديد قيمة المهر أي سعر العروس، وهذا المصطلح استخدم من قبل معظم المستشرقين الذين زاروا المجتمعات الشرقية، ان للمثل دوره الكبير في حسم موضوع الزواج، وفي بعض الحالات يرسل طالب الزواج اكثر من ممثل، لاسيما اذا كان الممثل لا يعرف الوالد جيداً، فيأخذ معه من يعرفه به، فكلما زاد التباعد بين الاسرتين كانت هناك حاجة لزيادة عدد الاشخاص، فقد نجد وفداً يذهب لخطبة يد الفتاة للشاب الذي يرغب الزواج منها، وعادة يكون اعضاء هذا الوفد من كبار السن، او مما يتيسر في القرية او المدينة من معارف لهم اعتبارهم وتأثيرهم.

            

العروس الكردية أغلى عروس في العالم بسبب مهرها.
هذه القصة الرائعة (انتارام ده تريبيزوند) لـ (بول هنري بوردو)، وهي ملحمة حب غريبة لفتاة أرمينية ارستقراطية النشأة تدعى (انتارام الطرابزونية)،كان بعض الجندرما (الدرك) الاتراك قد سبوها، وكانوا مكلفين بنقلها إلى المنفى وبيعت في طريقهم الى المنفى لشاب كردي راعي، وتروي هذه الفتاة الأرمينية قصتها على النحو التالي: ماذا كنت في الواقع بالنسبة لهذا الكوردي؟ أمَةً، خادمة، ضيفة، لماذا اشتراني؟ إن لدى هذا الانسان البدائي شعورا عميقا بالنبل الفطري، انه ضنين بتجربته ولا يفرط بأدنى جزء منها، لم يكن في بيته نساء، فمن أين له هذا الاحترام الذي يكنّه للمرأة، والذي يكاد يكون منعدما لدى الشعوب الإسلامية الأخرى؟ لقد أحببت هذا الرجل الذي لم أكن أعرف عنه شيئا، بل كنت أجهل حتى لغته وتاريخ شعبه،في الصباح أنهضني من فراشي وأخذني من يدي وراح يدور معي بتؤدة حول النار، تلك هي العادة الجارية لديهم، فعندما تتزوج فتاة تودع منزل والديها بهذه الطريقة، وبعد لحظات استدعاني مع مربّيتي إلى ساحة المنزل حيث كان قد جمع مئة رأس من الغنم وخمسة جواميس وسرجا جديدا، وأوقفنا هناك وقال لنا: كان من الواجب عليّ أن أقدّم لوالدك ثمن الزواج، ولذا فإني أقدّم هذه الأشياء لمربيّتك التي رافقتك إلى هنا، وكان ينظر إليّ بفرح ظاهر، وبطبيعة الحال لم يكن أحد ما قد أرغمه على القيام بهذا العمل، ولكنه كان يريد أن يظهر للجميع أنه لا يحتفظ بامرأة غريبة في خيمته لمتعة رخيصة، إنما اتّخذ منّي زوجة شرعية حتى يحترمني الجميع، فشعرت بتأثر شديد، وبعد مضي أسبوع، سمعت أصواتا خارج باب الخيمة كانت وقع أقدام وثغاء حملان، فخرجت لأرى مايحدث، فأخذ يراقبني، ثم قال: كان يجب أن تعودي إلى أهلك بعد العرس ليقدّموا لك البقر والفرس والماعز كما هي العادة، لتصبح مواليدها ملكاً لك، تلك هي تقاليدنا، وأنا لا أريد أن تكوني أفقر من غيرك من النسوة، لذلك فإنني أقدّمها لك بنفسي، ومرت الأيام، ورزقت طفلا أخذ ينمو بيننا، كان لا يتكلّم كلمة كردية واحدة كأنه أرميني صغير، ولم يبد والده أي تذمّر من ذلك، ولكنه قال لي ذات يوم: لقّنيه على الأقل كلمة (بابا)، لم أحقق له رغبته، إن هذه السعادة ما تزال قائمة بيننا منذ زواجنا قبل أربعة أعوام.
التكملة في الجزء التاسع.
المصادر:
تأملات في المجتمع الكردي. بدرخان السندي.
المرأة في الفلكلور الكردي .روهات آلاكوم.
الكرد-توما بوا.
الكرد دراسة سيوسيولوجية وتاريخية ، باسيل نيكيتين.
كتاب مهد البشرية.:دبليو. أي. ويكرام، أدكار .تي. أي. ويكرام.

1-كامران موكري هو الشاعر (محمد احمد طه) من مواليد السليمانية عام 1929، ويعد من ابرز الشعراء الكورد الذين كتبوا الشعر السياسي، وله دواوين شعرية عديدة ، وقد توفى الشاعر عام 1986
2-باسيل نيكيتين (1915-1918) قنصل روسيا السابق في إيران عضو الجمعية الآسيوية ، وجمعية علم الإنسان في باريس، والعضو الدائم المؤسسة العالمية لعلم السلالات البشرية ، والعضو المراسل لأكاديمية العالمية  
3-هذه القصص طبعت باللغة الانكليزية جمعها الكسندر جاتو.ومترجمة الى اللغة الكردية .
4-الميجر نوئيل: لورانس الكورد المجهول برز الميجر نوئيل(الميجر ادورد وليم جارلز نوئيل) كاحد الساسة الانكليز المؤيدين للقضية القومية الكوردية اثناءالاحتلال البريطاني للعراق ابتداء من تعيينه مستشارا للشيخ محمود الحفيد عام 1918ولحين انتهاء مؤتمر القاهرة ، او( مؤتمر الاربعين حرامي )كما وصفة تشرشل نفسةعام 1921. درس الميجر نوئيل في كلية الخطابة في برمنكهام ، وفي الاكاديمية العسكرية الملكية في كنت، ومارس عدة وظائف استخباراتية وقنصلية وسياسية، واكتسب خبرات هامة عن الكورد من خلال عمله في ايران مدة اربع سنوات.
للراغبين الأطلاع على الجزء السابع:
http://algardenia.com/2015-09-17-21-42-52/29581-2017-04-18-17-57-54.html

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1901 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع