كلام عن بغداد / الحلقه الثالثه
صفات وطبائع البغداديين
يقول الجاحظ ( الصناعه في البصره والفصاحه في الكوفه والخير في بغداد ) من هذا الوصف يستدل ان البغدادي نشأ على الخير والرفاهيه والترف وقد مهدت لهم ذلك عناصر الحياة الاجتماعيه التي تتالف من ثراء عريض في ايدي خلفائها وحياة راقيه وناضجه اقبلت على بغداد من كل الاماكن وحياة طريه بدأت في الحجاز والشام وانتقلت الى بغداد ولذلك كان تاريخ البغدادي مملوء بهذه العناصر بالرغم من توالي الاحداث والكوارث ولكن اكثر العوامل التي اثرت في طبائع البغداديين هي توارد سكان الارياف والقرى عليها واندماجهم مع سكانها ولكن بقت هذه العناصر ولو بشكل بسيط مطبوعا في ذاكرة البغداديين ..
وفي اي مقارنه لما كانت عليه بغداد ايام الرشيد والمأمون من مجالس ادبيه واماكن اللهو والطرب والترف مع احتفاظهم بصفات المروءه والشجاعه والكرم والنخوه والمقارنه عما اصبحت فيه بغداد في مطلع القرن العشرين لوجدنا تشابها يكاد يكون متطابقا لما كان ماعدا حالات الغنى والثروه فنجد ان بغداد كانت مملوءه بالمجالس الادبيه والدينيه والعلميه والفنيه وفي تاريخ البغدادي يقول ( دخلت بغداد ورايت النساء تنطق بغرائب العلوم وقد بلغت دار السلام اوجها من التقدم والازدهار ولم يكن ذلك يشمل خاصة الناس بل عامتهم ايضا ),, وقد وصف ( روسو ) المقيم الفرنسي في بغداد في كتابه ( باشوية بغداد ) يصف البغداديون قائلا : ( انهم ابعد مايكونون من العبيد الاخساء , فانهم فخورون يتصفون بالجساره مؤدبون عقلاء كرماء محسنون ) ويقول السائح الفرنسي ( اوليفيه ) ( ان سكان بغداد اكثر حلما في طباعهم من سائر سكان المدن الاخرى وليس لهم تعصب ديني ولايخلون من تسامح ) ويقول ( وقد عرف عنهم كرمهم وحسن ضيافتهم واخلاقهم فالبغدادي المعي وذكي وسريع البديهيه ومحب لكل جميل وجذاب طيبة قلوبهم ويميلون الى الظرف والطرب والعنايه بالنظافه وولعهم بالسخاء والاريحيه ) ,,
من كل هذا الخزين التاريخي للبغداديين الذي توارثوه عبر السنين كانت ولاتزال هذه طباعهم ولم يتغير الفرع من الاصل ولابد من الاشاره الى خصله مهمه وهي ان البغدادي يلتصق بالارض فهو قليل الهجره ولايستطيع البعاد كثيرا عن موطنه ,,
وظل البغدادي يميل الى الظرف والنكته والمزاح واللطافه ومن خلال ذلك يمكن للزائر ان يتعرف الى طبيعة المجتمع البغدادي بسهوله والذي اطلق عليه المزاج البغدادي وهو المقومات التي طبعت البغدادي على مر العصور واشتهر بالظرف وحسن الذوق والترفه والاستمتاع بالحياة ,,
لقد اصبح الظرف سمه تسود المجتمع البغدادي الى درجه ان الجميع كان يطمح اليها ومنهم من اشتهر بهذا الظرب وهم السقاة حتى قيل ( من اراد ان يتعلم الظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد ) ولكون الظرفاء لهم مكانه بين علية القوم والامراء والخلفاء وسبق ان كتبنا عن ظرفاء بغداد ونشرته الگاردينيا الغراء حيث كان لهم مكانه في مجالس العلماء والفقهاء والامراء ولم يكن ديوان الوالي يخلو من ظرفاء يوما اضافة الى مجالس بغداد التي كان عددها كبيرا ومن بيوتات معروفه كثيره ..
لقد اصبح الظرف والنكته والمزاح والكرم والسخاء والنخوه والشهامه والالفه والتسامح وتجاوز التعصب والمحبه صفات ملازمه للبغدادي في حياته اليوميه وتصرفاته حتى اصبح البغدادي ميال بطبعه الى الظرف والتظرف كما غدا الترف مذهبا عند البغداديين وخاصة عندما نرى نزهاتهم واحتفالاتهم وتصرفاتهم بالرغم من ضنك العيش بما يدل على وجود نزعه للترف متوارثه عبرالسنين اضافة للعلوم والثقافه والشعر وغيرها..
تغيرت طباع البغداديين نتيجه زحف الريف عليها واصبحت تقاليد القريه وثقافتها هي التي تسود واذكر جيدا ان حالات الفصل العشائري والثأر كانت محدوده جدا في الخمسينات من القرن الماضي في بغداد وبدلا من ان تختفي نراها قد زادت واستفحلت بما يعطي انطباع عن طباع البغداديين وهم ابعد عنها لسبب بسيط انهم لم يعودوا موجودين اصلا في بغداد الا القله القليله واصبحت بغداد بغير اهلها ..
مع تحياتي
عبد الكريم الحسيني
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثانية:
http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/19121-2015-09-22-18-47-19.html
3242 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع