هكذا أسس مستشفى (التويثة) للأمراض الصدرية
من مذكرات المرحوم تحسين علي رئيس الديوان الملكي
في شهر حزيران من سنة 1944 دخل علي (وكنت رئيسا للديوان الملكي) كل من معالي محمد حسن كبة وكان وزيرا للشؤون الاجتماعية والسيد ابراهيم عاكف الآلوسي المدير العام للوزارة المذكورة وبعد السلام قالا انهما جاءا لعرض خدمة انسانية تخص البؤساء وانهما يريدان عرضها على سمو الوصي لتكون تحت رعايته. فسألتهما ما هذه قالا انهما يريدان مع بعض الاخيار من ابناء الوطن تشكيل جمعية لمكافحة السل للعناية بالفقراء المصابين بهذا المرض الخطير.
فقلت لهما انها خدمة انسانية ولا بد وان سمو الوصي سيقبل ان تكون تحت رئاسته الفخرية. ثم قالا لنا مطلب آخر فقلت لهما وما هو؟ قالا نريد ان تكون انت واحدا منا: فاجابتهما ان هذا المطلب يخصني شخصيا وانا اتشرف بان اكون احدكم في هذه الخدمة وقد قبلت ذلك. فاجابا اننا نريد ان نأخذ موافقة سمو الوصي بذلك ايضا. وبعد ان قابلا سمو الوصي ورجعا قالا انه قبل المطلبين وبها اصبحت احد الهيئة المؤسسة.
وقدمنا طلبا لوزارة الداخلية لترخيصنا بتشكيل الجمعية. ولما وقع على الطلب اعضاء الهيئة المؤسسة تركوا لي التوقيع على الطابع فوقعت وصدرت موافقة الوزارة باسمي. على ان تنتخب هيئة ادارية مؤقتة من اعضاء الهيئة المؤسسة لمدة شهرين وعلى ان نجمع هيئة عامة خلال هذه المدة لانتخاب هيئة ادارية لمدة سنة فاجمعت الهيئة المؤسسة وانتخبت سبعة اعضاء من بينهما وكنت احدهم.
ولما اجتمعت الهيئة الادارية لانتخاب الرئيس ونائبين للرئيس والمعتمد والمفتش العام انتخبت رئيسا والدكتور سامي شوكت نائبا للرئيس والدكتور ابراهيم عاكف الالوسي معتمدا والدكتور نجيب محمود مفتشا عاما.
فاستغربت من اختياري رئيسا للهيئة الادارية وخاطبتهم قائلا لماذا انتخبتموني رئيسا وانا لم اكن في بادئ الامر حاملا فكرة تأسيس هذه الجمعية. وكان الاجدر بكم انتخاب احد الدكاترة الذين كانوا يحملون هذه الفكرة قبلي فأجابوني بانك اهل لها قبلت الامر الواقع، واخذت الهيئة الادارية تعقد اجتماعاتها للنظر فيما يجب القيام به. واتصلنا بوزارة الشؤون الاجتماعية التي عينت احد اطبائها ليكون واسطة اتصال بيننا وبينهما وسألنا الوزارة عما يجب علينا القيام به في باكورة اعمالنا فاجابت انه يجب تأسيس مستشفى في العاصمة لمداواة المصابين بهذا لمرض الفتاك ويكون في الوقت نفسه مستشفى تصفية لارسال من يحتاج منهم الى المصحات حيث كانت الوزارة ترسل بعض المرضى الى مصحات لبنان قبل تشكيل الجمعية. وحيث ان الامر يحتاج الى مبالغ من المال فقد شعرت عن ساعد الجد ومعي بعض اعضاء الهيئة الادارية لمراجعة التجار والاغنياء بطلب التبرع بالمال. ولما تجمع لدينا المال حوالي الاربعين الف دينار قررنا لزوم القيام بانشاء المستشفى. وبقي علينا الحصول على قطعة ارض اطراف العاصمة وعلى ان تكون صالحة لانشاء المستشفى عليها وفتشنا على تلك الارض وانتهينا الى انشائه في مزرعة الزعفرانية التابعة للحكومة والواقعة عند ملتقى نهر ديالى بنهر دجلة فطلبنا خمسة عشر دونما من هذه المزرعة فاعطيت لنا وصدرت الاادة الملكية بتمليكنا اياها.
وكلفنا احد المهندسين المختصين بوضع التصاميم. وبينما كنا في انتظار الانتهاء من وضع التصاميم حدث فيضان سنة 1949 فغرقت اطراف بغداد وغرق معسكر الرشيد ومزرعة الزعفرانية بما فيها الاراضي التي خصصت لبناء المستشفى عليها وعندها رأينا ضرورة صرف النظر عن انشاء المستشفى على هذه الارض خوفا من حدوث فيضانات اخرى تسبب غرق المستشفى. ولذلك اخذت افتش على قطعة ارض غيرها فارشدني مدير الطابو العام السيد حامد الجادر بوجود قطعة ارض اميرية في الجهة اليسرى من نهر ديالى وعند مصبها في نهر دجلة فذهبت الى مدير الاملاك الاميرية وكان اكرم زنيل وسألته عنها. فجلب السجلات وتبين له وجود قطعة اميرية مساحتها حوالي الثمانية دونمات في الموقع المذكور فطلبت منه اصدار ارادة ملكية لمنحها و تمليكها الى الجمعية فوافق على ذلك وصدرت الارادة الملكية بذلك.
غير ان هذه القطعة ومساحتها ثمانية دوانم (والدونم العراقي الف وخمسمائة مترا مربعا) لا تكفي لانشاء مستشفى كبير مع ملحقاته لا تكفي لهذا الغرض. ومن حسن الحظ كانت هذه القطعة متصلة مباشرة بالاراضي الزراعية التي يملكها السيد منعم الخضيري. فذهبت اليه وكلمته في الامر. فاجاب بانه مستعد لمنحنا مساحة من اراضيه المتصلة بهذه القطعة والواقعة على شاطئ نهر دجلة.
وبعد ان تمت معاملة تمليك القطعة الاميرية وتحديدها باسم الجمعية اخذنا مهندسي الطابو ومعنا السيد عبد المنعم الخضيري لتحديد القطعة التي قرر المومى اليه التبرع بها مجانا الى الجمعية. واخذا المهندسون يذرعون الى ان وصلنا الى حد طبيعي وهو وجود سدة كبيرة فوقفنا عندها مكتفين بذلك. وقام مهندسو الطابو بتأشيرها على الخريطة وكانت حوالي الخمسة وعشرون دونما كلها واقعة على شاطئ نهر دجلة. وذهب السيد عبد المنعم الخضيري الى دائرة الطابو وتبرع بها الى الجمعية.
غير ان القطعة الاميرية وهذه المساحة التي تبرع بها المومى اليه كانت مسكونة فضولا من قبل اصحاب الصرائف والذي كانوا يعتبرونها ملكا لهم. وحاولنا اخراجهم منها فلم يوافقوا. وكانوا كلما ذهبنا الى هذه الاراضي للقيام بوضع الخرائط عليها يجهرون علينا مع نسائهم ويشبعوننا سبا وشتما مدعين انها اراضيهم واننا نريد سلبها منهم فراجعنا متصرف بغداد وطلبنا منه ترحيلهم عنها فلم يوافق المتصرف وطلب منا الدعوى على كل واحد من هؤلاء اصحاب الصرائف للحصول على حكم من المحكمة المختصة لاخراجه منها وكان عددهم لايقل عن خمسين شخصا وهو امر يطول تنفيذه. فرأينا الحصول على ارض اميرية لتقسيمها عليهم فننقلهم اليها. فطلبنا من الحكومة اعطاءنا خمسة دوانم من اراضي الزعفرانية التي كانت قد منحتنا اياها لبناء المستشفى عليها والتي تركناها لسبب غرقها في القيضان فوافقت الحكومة ومنحتنا خمسة دوانم منها فشكلنا لجنة من ثلاثة اشخاص وهم كل من يوسف العزاوي عضو مجلس الادارة والحاج سري مدير الادارة والمهندس السيد محمد لتقسيم هذه الارض على اصحاب الصرائف كل حسب حاجته لينتقلوا اليها وينشئوا دورهم عليها وعلى ان يأخذوا ابواب واخشاب وشبابيك صرائفهم ليستفيدوا منها وقررنا منح كل واحد منهم مبلغا من المال لتعينهم على انشاء دورهم الجديدة وهكذا انتهت هذه المشكلة ووضعت الخرائط لانشاء عشرة ردهات في بادئ الامر كل ردهة تحتوي على الادارة وصالة كبيرة للسينما والترفيه وجناح للاشعة مع صالة للعمليات الجراحية واحدى عشرة غرفة للمرضى الخصوصين وجناح خاص للاطباء المقيمين وجناح خاص للممرضات. وجناح خاص للمطابخ والمخازن مع غرف خاصة للمرضين والخدم. ووضعناها في المناقصة فرست على المهندس الشريف المخلص علي رأفت.
ثم فكرنا في امر الماء والكهرباء فقر القرار على ان نقوم نحن بانشاء مشروع الماء فباشرنا فيها وجهزنا المكائن واحواض التصفية والتعقيم واسسناه على نهر دجلة بعيدا عن مجرى ديالى لتجنب ملوحة ماء ديالى في موسم الصيف وكان ذلك في ارض عبد المنعم الخضيري الذي منحنا هذه الارض الاضافية مع ما يقع بينها وبين بناء المستشفى من اراض تكرما منه وفضلا.
اما مشروع الكهرباء فبعد مداولات كثيرة تقرر ان يطلب من مشروع كهرباء بغداد فراجعنا مديرية المشروع وبعد جهود كثيرة وافق مدير المشروع ان يمدنا بالكهرباء من مدخل معسكر الرشيد فنصبنا محولة من مدخل المعسكر ووضعنا تحديد الاعمدة والاسلاك وما يتبعهما في المناقصة وكان عدد الاعمدة حوالي المائة والثمانين عاموادا فرست على كل من السيد محمود الدره وشريكه محمد الطريحي وقاما بهذا العمل على احسن وجه.
ولما حان الوقت للمباشرة بانشاء المستشفى وكان ذلك في اوائل سنة 1948 وكنا نحن المكلفين باحضار مواد الانشاء لان متعهد البناء لم يأخذ على عاتقه احضار المواد الانشائية وانما تعهد بالبناء لا غير وكان اول عمل نقوم به هو احضار السمنت لصب الاسس فسألنا المهندس عن المقدار من السمنت الذي يحتاجه فقال انه يحتاج الى مائتين وخمسين طنا ولم يكن لديه منه الا خمسين طنا لذل فهو بحاجة الى مائتي طن وكان السمنت انذاك يستورد من الخارج اذ لم تكن معامل السمنت قد تأسست في العراق.
ولما سألنا عن قيمة الطن الواحد فقيل لنا ان قيمة الطن يساوي سبعة عشر دينارا ونصف ولايوجد الا لدى السيد سيمون كريبيان التاجر الارمني. فاخذت بعضا من اعضاء الهيئة الادارية وذهبنا الى محله. وكان الوكيل عنه ابن اخته السيد ليون ارتين ودخلنا عليها وقصصنا عليه قضية انشاء مستشفى لتداوي المرضى المصابين بمرض السل ونحن الان بحاجة الى مئتي طن من السمنت لوضع اسس المستشفى. فقام وفتح قاصته ونظر في بعض الاوراق ثم قال لنا هل يوافقكم سعر الطن الواحد احد عشر دينار ونصف؟ فقلنا نعم وكتب لنا تحويل الى المخزن لتسليمنا مئتي طن فاخذنا التحويل وخرجنا شاكرين وعدنا الى مركز الجمعية وكتبنا له صكا بالمبلغ وبهذا يكون قد تبرع المومى اليه السيد ليون ارتين بالف ومائتين دينار الى الجمعية وبعد مدة سنة او سنتين توفي هذا الرجل فجأة واقيمت له حفلة تأبينية في البصرة فطلبنا من رئيس فرع الجمعية في البصرة ان يمثل الجمعية في الحفلة التأبينية ويلقي فيها كلمة يذكر فيها احسانه للخدمة الانسانية.
اما خاله السيد سيمون كريبيان فقد قام بجلب الشيلمان لتسقيف الردهات والمرافق التي يحتاجه المستشفى من بلجيكا على حساب الجمعية بدون ربح وذلك لعدم وجود شيلمان انذاك في العراق لسبب قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وجاء وقت شراء الشبابيك الحديدية وكانت الحاجة الى مئات الشبابيك وقد علم ان انها توجد في شركة داود ساسون الانكليزية فذهبنا لمقابلة مدير الشركة واعلمناه بمشروعنا فقال اني مستعد للتنازل عن الارباح ولبيعكم اياها اربعة عشر بالمئة ناقص عن البيع في الجملة وبذلك يكون قد تنازل عن ستمائة دينار للجمعية فشكرناه واستملنا الشبابيك ودفعنا الثمن ثم قام احد اعضاء الهيئة الادارية انذاك وهو السيد يوسف العزاوي فجمع اصحاب معامل الطابوق وطلب منهم التبرع بكميات من الطابوق مجانا. فوافقوا وكان مجموع ما تبرعوا به حوالي الخمسة ملايين طابوقة.
ولما ظهرت الحقيقة للناس وشاهدوا ان الجمعية قائمة فعلا بانشاء المستشفى لتداوي المصابين بمرض السل وتخليص المجتمع من العدوى اخذت التبرعات تنهال على الجمعية واظهر بعض المحسنين رغبتهم بانشاء ردهة ذات ثلاثين سريرا على حساب كل واحد منهم. وكانت مثل هذه الردهة تكلف ستة الاف دينار. وتبرع كل من السيد ناجي الخضيري والسيد نوري فتاح والسيد عبد الهادي الدامرجي بستة الاف دينار وتبرعت مديرية السكك الحديدية العامة بمبلغ سبعة الاف دينار لانشاء ردهة خاصة لعمالها. وتبرع كل من الحاج صبيح الخضيري والسيد عبد الرحمن رؤوف بخمسة الاف دينار لانشاء ردهة باسم المرحوم والديهما. وانشاء السيد عبد الحميد الدهان على حسابه الخاص ردهة للاطفال المسلولين ذات اثنين وثلاثين سريرا. هذا والعمل قائم على قدم وساق لاكمال المستشفى باسرع وقت مع جميع ملحقاته التي ذكرتها انفا وتم انشاؤه خلال ثلاثة سنوات وتم فتحه لقبول المرضى في اوائل سنة 1951 وعين له الاطباء من جراحين وغيرهم وكذلك الممرضات والممرضين والخدم والطباخين والموظفين الاداريين من كتبة ومحاسبين.
اما الحاجة فقد كانت شديدة والمسجلين من المرضى كان عددهم كبيرا ورات ادارة المستشفى قبول المرضى حسب قدم تسجيلهم.
وقد رات الجمعية الضرورة ماسة لانشاء ردهات اضافية علاوة على الردهات العشرة التي تم فتح المستشفى فيها. ولذلك فقد قررنا انشاء ست ردهات اخرى كل دهة تتسع لاربعة وثلاثين سريرا ولا زالت الرغبة شديدة فققرنا انشاء سبع ردهات في وسط الحدائق. وبعد اكمال هذه الردهات اصبح المستشفى ذات اربعة وعشرين درهة يتسع الف سرير.
ولاتعجب ايها القارئ الكريم اذا قلت لك ان هذا المستشفى العتيد ذات الاربعة وعشرين ردهة والتي يتسع لالف سرير مع جميع ملحقاته من غرف خصوصية للمرضى والصالة والكبيرة للسينما والتسلية واجنحة الادارة والاشعة.
وبيوت الاطباء والممرضات وجناح المطابخ والمخازن ومشروعي الماء والكهرباء وغيرها من المستلزمات لم يكلف الجمعة اكثر من ثلاثمائة الف دينار وذلك بفضل اخلاص متعهد البناء المخلص وبفضل المساعدات والتسهيلات التي كان يقدمها التجار الذين تعاملت معهم الجمعية. نعم انه لم يكلف اكثر من ثلاثمائة الف دينار بل واقل من ذلك وكان ارباب الخبرة يقدرون تكليفها بمليون دينار او ما يزيد على المليون ونصف. وحيث ان مالية الجمعية والتبرعات التي تصلها لا تكفي لادارة هذا المستشفى العتيد بما في ذلك رواتب الاطباء والجراحين ورواتب الممرضات والخدم علاة على اطعام المرضى الذي يتراوح عددهم ما بين الثمانمائة والالف فقد رأت الجمعية ان تدع هذا الامر الى وزارة الصحة وتؤجر المستشفى لها بايجار حوالي الخمسة الاف دينار سنويا مع الاحتفاظ بملكيتها على ان تأخذ على نفسها جميع الاصلاحات والترميمات التي يحتاجها المستشفى من حين لاخر. وكانت هذه الترميمات والاصلاحات تكلف الجمعية مبلغا يعادل مبلغ الايجار لعدم عناية المرضى واهمالهم بجميع المرافق.
وقد سعت الجمعية وبذلت جهودا كبيرة لتامين موارد ثابتة لها وقدمت عدة مقترحات بذلك. ومن جملة تلك المقترحات هو تخصيص فلسا واحدا لكل غالون يصرف من البنزين والنفط. وتخصيص واحد في المائة من ارباح الشركات المساهمة. وتخصيص حصة لها من مشروع اليانصيب الخاص بجمعية الطيران. وعمل يانصيب خاص للجمعيات الاهلية الخيرية. وتخصيص مبلغ سنوي في ميزانية وزارة الصحة للجمعية.
وغير ذلك من المقترحات التي تؤمن واردات ثابتة للجمعية. ولم تنجح المساعي الا بموافقة الحكومة على اعطائنا حصة من ربح يانصيب جمعية الطيران وهو الربح من وارداتها حيث قسمت ارباحها الى اربعة ارباع (ربع لجمعية الهلال الاحمر وربع لجميعة حماية الاطفال وربع الى جمعية مكافحة السل في العراق) وتقرر عمل يانصيب خاص بالجمعيات الخيرية لانشاء المستشفيات الاهلية ولكن كان ربع هذا اليانصيب وضع تحت تصرف وزير الصحة ليصرفه على مشاريع الحكومة من المستشفيات ولم تستفد منه الجمعيات الخيرية وكنت ابذل الجهود لوضع مخصصات سنوية في ميزانية وزارة الصحة. وكانت هذه المخصصات تزيد وتنقص وهي تتراوح ما بين العشرة الاف والثلاثين الفا من الدنانير سنويا حسب رغبة وزير الصحة ومزاجه وكان اكثرهم غير مؤهل لاشغال الوزارة ولسوء الحظ كان اكثر وزراء الصحة انذاك يخالفون هذه الجمعية ويضعون العراقيل في سبيلها مع انها اي الجمعة اسست لخدمة الفقراء والمساكين المصابين بهذا الداء الوبيل هذه الخدمة التي هي اوجب واجبات الحكومة فخفضت عن كاهلها تلك المبالغ التي كانت تصرف على ارسال بعض المصابين الى مصحات لبنان حيث ان هذا المستشفى والعمليات الجراحية التي تجري به للمصابين والعناية التامة التي تبذل لهم فيه عوضت عن ارسال المرضى الى مصحات لبنان.
ذكرت اعلاه ان اكثر وزراء الصحة كانوا يعاكسون مشاريع الجمعة لان اكثرهم كان من غير ذوي الكفاءة لاشغال هذا المنصب الوزاري وانما كانوا يشغلونها متجه للنفود المتحكم او الطائفية وهم بعيدون كل البعد عن اشغال مثل هذه الوزارة ولذلك فهم لا يقدرون خدمات الجمعية، فائدتها للمصلحة العامة.
لما ضقت بهم ذرعا قررت ان اكلف السيد جميع المدفعي باشغال منصب رئاسة الجمعية لانه كان رئيسا للاعيان كما وانه كان مهيئا في كل حين لاشغال منصب رئاسة الوزراء التي اشغلها عدة مرات والناس كما تعلم عبيد السلطة فكلفته بذلك وكان عضوا في الهيئة العامة على ان ننتخبه اولا عضوا في الهيئة الادارية ومن ثم تنتخبه الهيئة الادارية رئيسا للجمعية. قررت هذا خدمة لمصلحة الجمعية رغم اعتراض بعض اعضاء الهيئة الادارية فوافق المومى اليه على ذلك وهو المعروف في خدمة المصلحة العامة على شرط ان ابقى نائبا للرئيس ادير شؤون الجمعية ويكون هو رمزا للرئاسة لتمشية شؤونها في الدوائر الحكومية وهكذا كان الامر منذ سنة 1952 الى سنة 1958 وهي السنة التي توفى رحمه الله فيها. وكان رحمه الله يمشي في جميع الشؤون التي كنت اكلفه فيها بدون تردد وكان وزراء الصحة العظام لا يردون له طلبا. وبعد وفاة المرحوم السيد جميع المدفعي سنة 1958 اعيدت إلي رئاسة الجمعية رغم رغبتي في التخلص منها.
من كتاب (تاريخ اعلام الطب في العراق)
للطبيب الراحل توفيق الفكيكي
المصدر: المدى
1068 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع