نبيل الحيدري:يعد اللواء الراحل فؤاد عارف (1913-2010) مميزا في معايشته ومشاركته في احداث مهمة في تاريخ العراق المعاصر على مدى أكثر من سبعين سنة.
فقد ولد عارف لعائلة كردية عام 1913 في احدى قرى مدينة السليمانية، ودخل الكلية العسكرية عام 1928 ضمن وجبة ما سمي بأبناء العشائر، ليزامل العديدَ من الضباط العراقيين الذين بعضهم على واجهة الاحداث السياسية والعسكرية للبلاد فيما بعد.
وصادف أن يكون التلميذ فؤاد عارف زميلا للأمير غازي بن الملك فيصل الأول في الكلية العسكرية، بعد التحاق الثاني بها إثر عودته من الدراسة في كلية سانت هرست البريطانية التي كان قضى فيها سنة واحدة.
ولتتوطد وشائج صداقة وثقة كبيرة بينه وبين الامير غازي، استمرت لسنوات ليكون مرافقه الشخصي بعد توليه عرش العراق فيما بعد، وتمتد لتشمل ثقة العائلة المالكة، التي أصبح مرافقا لها في القصر الملكي.
عندما يُفصل طالب لأن الملك فيصل الأول توسط له
يدور الحوار مع الراحل اللواء فؤاد عارف حول أجواء الكلية العسكرية في العشرينات والثلاثينات، وسلوك وأخلاق تلاميذها وضباط ادارتها، فيستشهد بحادثة رفض إدارة الكلية توصيةً شخصية من قبل الملك فيصل الأول بأحد تلاميذ الكلية، لمنحه إجازة استثنائية، ما دعا ضباط الإدارة الى الاجتماع لمناقشة طلب الملك، واتخاذ قرار بفصل الطالب إياه سنة دراسية (برغم أنه كان طالبا جيدا) وذلك "للجوئه الى استغلال العلاقة مع العائلة المالكة للتوسط في الحصول على امتيازات لا تليق بضابط ملتزم من ضباط الجيش العراقي في المستقبل".
يستذكر اللواء عارف في حديثه صفات (الأميرـ الملك) غازي التي يغلب عليها التواضع بشكل لافت، والطيبة في تعامله مع الاخرين وحرصه على دوام علاقاته الاجتماعية مع أصدقائه،واحترامه الاخلاق العسكرية، فيستذكر انه كان طالبا لا يختلف عن غيره من التلاميذ بشيء، يغسل ملابسه بيديه ويلمع بسطاله، ويؤدي التدريبات حال زملائه لم يختلف عنهم كونه أبن ملك.
يذكر ضيف برنامج حوارات، فؤاد عارف كيف ان الملك فيصل الأول جاء مرة لزيارة ولده الطالب في الكلية العسكرية خلال فترة الاستراحة من التدريبات، فجلس معه على سرير التلمذة في قاعة المنام، يرتق جواربه معه ويحثه على الالتزام بتعليمات ضباط الكلية واحترام زملائه التلاميذ.
وفي تقييم لشخصيات سياسية عراقية يتوقف عارف عند الزعيم عبدالكريم قاسم الذي كان زميله أيضا في الكلية العسكرية إذ يعتبره رجلا وطنيا ونزيها وذا قلب صاف بلا شك ولا مطامع له، لكنه بلا خبرة سياسية ومقدرة إدارة بلد، معلقاً أن قاسم قد ينجح كآمر فوج او قائد فرقة عسكرية لكن ان يكون رئيس وزراء البلاد في احرج المواقف فهو امر صعب مع انه شكل عقب ثورة 14 تموز 1958، برأي ضيف برنامج حوارات فؤاد عارف، أفضل وزارة في تاريخ العراق.
استوزر عارف أكثر من مرة خلال العهد الجمهوري بعد عام 1958، وقد زامل اغلب الضباط الاحرار، وشغل منصب متصرف لواء كربلاء، وأصبح نائبا لرئيس الوزراء، وكان ثالث اثنين هما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف في موقف النزاع والطلاق بينهما في وزارة الدفاع عام 1959. وبقي حتى آخر أيامه (توفي عام 2010) موضع ثقة واستشارة قادة العراق جميعاً، عربا وكردا.
اية دروس في تسعة عقود من حياة شاهد على الاحداث؟
يعود هذا الحوار مع اللواء الراحل فؤاد عارف الى عام 2005 في بيته ببغداد في منطقة الوزيرية ـ حي المغرب، حيث اعتاد ان يستقبل في بيته يوم الثلاثاء أصدقاءه وضيوفه، باختلاف مشاربهم، يسارا ويمينا، عربا وكردا، متدينين وعلمانيين، شيوخا وشبابا. بعد ان مُنع من ذلك في فترة من حكم حزب البعث ـ كما يروي ـ خشية أن يُطرح في تلك الجلسات ما يتعارض ويختلف مع رغبة الحكومة وسياسة قادتها.
وثق فؤاد عارف، الشخصية الكردية العسكرية والادارية المخضرمة، جوانب من ذكرياته الثرية عن شخصيات وأحداث ومواقف من تاريخ العراق الحديث ضمن مذكراته التي نشرها وقدم لها وحققها المؤرخ الأستاذ د كمال مظهر.
كان فؤاد عارف عندما التقيته قبل بضع سنوات من رحيله، يشعر بالرضا بما تحقق له خلال حياته، فلم تكن لديه مطامع ومطامح مادية، وقد أدى واجبه في خدمة بلده وشعبه، لم تغره المناصب بل كان يشعر بالفخر لتشبعه بالروح العسكرية، وحرصه على ان يكون منضبطا في جميع المواقع والمهمات التي أداها في حياته العملية.
وتمنى عارف على الاجيال الجديدة أن تقرأ بعمق سلوك وأخلاق رجالات الدولة الحقيقيين الذي مروا بالعراق، ناصحاً بالابتعاد عن الخيلاء والتباهي والتفرد والدكتاتورية، تلك الصفات التي أسقطت الكثيرين، قائلا "ليتذكروا أن أثمن ما يملكه الانسان هو الذِكر الحسَن والعمل الطيب الذي يتبقى له بعد رحيله".
924 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع