تلك هي - رواية للدكتور سعد العبيدي / الجزء الحادي و العشرون

       

تلك هي - رواية للدكتور سعد العبيدي / الجزء الحادي و العشرون

   

مهمة سرية

الصباح أكثر هدوءا، يبدده طرق على الباب، يخرج سالم وأثر النوم باق على عينيه، ثلاثة مسلحين، يسألون عن كريم، يطلبه السيد في الجامع لأمر هام، يؤملهم بالحضور بعد الفطور. السيد في الجامع أخذ غرفة المؤذن مكاناً له، عملها كمقر لقوات الفرقان التي يدير شؤونها بالبصرة، ولحين ايجاد مقر يليق بتاريخها النضالي. غيّرَ الاثاث الموجود، ليكون أكثر رسمية، جهاز (راكال) قريب منه، يؤمن الاتصال بالمجموعات والقيادة التي لا يعرف الباقون لها مكاناً.
يبادر كريم بعد القاء السلام:
- أهلا بك وبعودتك أخ كريم، نعتب عليك عدم حضورك للسلام.
يجيبه كريم:
- سيدنا، أحداث الناصرية، مازالت ترهقنا، كانت أربعة أيام صعبة، ثم أني حضرت مستعجلاً لاطمئن على بيت خالتي بعد فقدان ولدهم الوحيد، وسأعود الى أهلي في الناصرية التي لا يطمئن وضعها الداخلي.
أجابه باختصار:
- اطمئن، ولا تقلق، كل شيء سيستقر. المهم قد تهاوى النظام في كل مدن الجنوب. عندما يكتمل سقوطه، سننعم بالعيش الهانئ، ونعود الى اسلامنا الصحيح. كلام عام، فيه مجاملة لا تخلو من تلميحات لا يفهمها كريم. يكمله بقدر من التفصيل:
- المهم هي النجف الاشرف، فيها مراجعنا، انها لم تبدأ أنتفاضتها بعد، معلوماتنا تؤكد أن الملعون هدام قد زرعها برجال الامن والمخابرات، بحيث لم يمتلك النجفيون فسحة للتنفس.
يرد كريم بمجاملة لا يمكن اخفاء مضمونها:
- الله يسهل، وينتهي هذا المجرم.
- ينتهي بأمر الله وبمشيئته، وبعمل الخير الذي أراده الله سبحانه، لا بد أن نعمل، يقول الله جل وعلى (أعمل ياعبدي وأنا معك). رباط الكلام، تدري معزتك عندنا وتقديرنا لشجاعتك، الامر الذي جعلنا نختارك من بين الجميع لمهمة خاصة بالنجف الاشرف، عسى أن تسهم في تعجيل انطلاق انتفاضتها قبل أن يستعيد النظام قدرته على الرد، وبالمرة نحصل على توجيهات تخص الادارة وشؤون المناطق التي يصعب السيطرة عليها.
- أنا جئت الى البصرة كما قلت لك في قضية عائلية، بعد أن أنجزت الذي عليّ من الناحية الشرعية، وقررت مع نفسي التفرغ لعائلتين ليس لهما سواي. قالها كريم لصياغة حجة التمنع عن أداء مهمة في معركة قرر مع سالم توديعها بسبب تكرار الاخطاء التي أرتكبت في مجالها.
لكن السيد لا يوافقه الرأي قائلا:
- أنا اقدر وضعك، والتزامك العائلي هنا في البصرة وهناك في الناصرية، لكني أسألك، ما فائدة العائلة والالتزام بها اذا لم ننه مهمتنا في القضاء على رأس الافعى صدام؟.
ألم تعلم أنه اذا ما فاق من وقعته هذه سيتابعنا لسابع جيل، وسوف لن يبقي خيرين من أهل الجنوب؟.
أسئلة يراد منها عدم إعطاء مجالاً للرفض أو حتى التأجيل، فالأمر هام وكريم الوحيد المعول عليه، وجميع الاتباع المقاتلين المجاهدين هم من العاملين في الهور أو القادمين من الخارج، الذين لا يمتلكون خبرة التعامل مع مفاجآت الطريق.
- المغادرة هذا اليوم حتماً، كل دقيقة لها ثمن من أرواح أهلنا وابنائنا.
كريم الخجول بطبيعته، لا يستطيع رفض الطلب، وان شعر بالاحراج. يناقش الامر مع سالم.
يؤكد:
- سأذهب وحدي، أنجز المهمة وأعود سريعاً الى البصرة التي لم أرتوِ من هوائها العذب.
يجيب سالم بقدر من الجدية:
- لا يا أخي، لقد تعاهدنا العمل سوية، سنفعلها معاً باذن الله، الافضل لنا أن نكون معاً، وأن نغادر بعد الظهر كذلك معاً.
يؤيده كريم قائلاً:
- لدينا فرصة توديع الخالة رضية.
- رضية وبس!.
- طبعاً رضية ومن معها.
مدينة العمارة محطتهم الاولى، كانت قد زحفت لها بنادق المنتفضين بعد يوم من انتفاضة البصرة، يدخلونها عصراً، أخبارها مدينة تمتلك ذهباً أسود، وغالبية أهلها لا يملكون قوت يومهم، تؤكد نتائج الايام الفائتة، قيام المحتاجين والمنتفضين القادمين من الاهوار باسقاط سلطتها في وقت قصير، بعد ان خرج اهلها عن بكرة ابيهم الى شوارعها غير المرصوفة، باسلوب لا يختلف عن اقرانهم في البصرة. حزبيوها وامنها قد أختفوا بنفس طريقة اختفاء الزملاء، وَقُتِلوا كذلك بنفس الطريقة.
الانتقام مارد خرج من قمقمه مسعوراً، هيّجَ عداوات كانت مكبوتة في النفوس لعشرات مضت من السنين، يتفق مع شيطان الثأر الحائر وسط احداث اختلطت فيها أفعال الثوار الساعين الى اسقاط النظام، برغبات الخارجين عن القانون. اتفاق هو الاول في حياتهما الطويلة على الاثارة والاغواء، يحثون الضعفاء على ارتكاب اعمال القتل والسلب والتخريب والاغتصاب، يدفعونهم الى ملاحقة اهدافهم الى البيوت. يمعنون. يغالون ويدَّعون انهم ثوار. يحاول المنتفضون الاصلاء ومعهم وجهاء القوم وكبارهم الاحتجاج على أعمال يرجعونها الى الشيطان، لا أحد يسمعهم فعمت الفوضى، وصرخ المظلومون نحن أبرياء.
آثار السلب في هذه المدينة تبين أنه قد تم بسرعة، والازاحة والقتل حصلت بسرعة أكبر، كأن الفاعلون من منتهزي الفرص غير واثقين من النجاح، فآلوا على انفسهم اتمام غاياتهم البعيدة عن بناء الدولة والنظام قبل استفاقة السلطان من غفوته، والتمكن من اعادة السيطرة وحرمانهم من الانتقام، أو ان البعض من فرط كرههم لسجون عذبتّهم حد الاعياء، لا يريدون استخدامها لعدوهم، مفضلين اماتته قتلاً دون تعذيبه في ذات السجون.
العمارة بعد ظهر اليوم أكثر هدوءً، سفينةٌ أتعبها الابحار وسط محيط متلاطم الامواج، رست قرب الشاطئ، مستسلمة لقدرها المحتوم، ركابها يلتقطون الانفاس، غابت عنها سلطة الربان تماماً، غاب عنها من يساعد الربان، أختفت كل الصور والجداريات والتماثيل بوقت قصير يثير الاستغراب، مثلما كان أختفاؤها في البصرة والناصرية بوقت قصير أيضاً. أنتهت الاهداف المغرية لصناعة هجوم. ظهرت مشاكل السيطرة والادارة وتصريف الهموم، تغري البعض للقيام بأكثر من هجوم. أربعة ايام كانت كافية لتصفية حسابات أرشفتها آلاف الدفاتر المطبوعة كلماتها في عقول لا تمحى من خلاياها الحسابات.
علماء دين أتقياء يَدعونَ الى التوقف عند حدود بلغها المنتقمون، آخرون سُجلوا علماء دين، كان لهم ارتباط باجهزة الدولة المنتهية سلطتها المحلية، يدفعون باتجاه المزيد سعياً منهم لابعاد شبهة الارتباط التي تحوم حولهم. شيوخ عشائر يظهرون من بين الاموات، ينادون بتطبيق أحكامهم في الفصل بقضايا الانتقام، فرصة لابد من استغلالها لكسب المال.
آلاف من حوادث الانتقام حصلت، وآلاف أخرى ستحصل، وان لم تحصل سيكونون سبباً في حصولها، بسوقٍ تفوح منه رائحة الانتقام والسحت الحرام.
الطريق منها الى الكوت مسيطر عليه من قبل المنتفضين، وكذلك حال المدينة التي اتم المنتفضون السيطرة عليها. يدخلونها ويخرجون منها دون توقف.
سالم يسأل كريم، كأنه العارف جيداً بجغرافية المنطقة:
- اي طريق سنسلك الى النجف؟.
لقد تداخلت في جميع الطرق سلطات الحكومة بسلطة المنتفضين.
يحدد كريم السبيل بالقول:
- سنأخذ الطريق الذي يمر من الكوت الى النعمانية، فالشوملي ثم الدغارة، لان جميع النواحي والاقضية على هذا الطريق أنتفضت وأخرجت سلطة الحكومة من مواقعها، تبقى لنا الديوانية، يمكن تشبيهها بكومة قش تنتظر من يوقدها.

للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:

https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/47029-2020-12-08-08-03-01.html

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

562 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع