حوار مع الاديبة الراحلة ناصرة السعدون
وداعا يا من أحببت العراق طيفا وعشت دوامة الرحيل !
أحمد الحاج:بمزيد من الرضى بقضاء الله وقدره ، أنعى الى العراق والوطن العربي رحيل الروائية والاديبة والمترجمة العراقية الكبيرة ، ناصرة السعدون ،التي وافاها الأجل المحتوم بعد معاناة مع مرض عضال اليوم الجمعة ، أول أيام رمضان 24/ 4/ 2020عن 74 عاما في العاصمة الاردنية عمان ..وهكذا تترجل قامة عراقية جديدة من قامات الأدب والثقافة في ارض الغربة ...هكذا تموت نخلة عراقية باسقة بصمت في ارض المهجر ..هكذا تودعنا شجرة مثمرة سامقة بعيدا عن صخب الواقع ، عن موطنها ومسقط رأسها العراق منهل المبدعين ورحمهم ..قدر المثقفين والكتاب والادباء والاعلاميين العراقيين ان يموتوا فرادا ، غرباء ، بعيدا عن بلدهم، وقدرنا نحن تلامذتهم أن ننعاهم ودموعنا التي جفت حبيسة المآقي والمقل وعزاؤنا ما تركوه لنا من معين ثقافي ثر دافق يدفعنا لأن ننهل منه في كل وقت وحين ..وداعا يا من أحببت العراق طيفا وعشت وحيدة دوامة الرحيل رحمك الله واسكنك فسيح جناته !
مرفقا حوار كنت قد اجريته مع الفقيدة الراحلة في وفت سابق :
ناصرة السعدون ، نجمة متلألئة في سماء الإبداع العراقي أبت ومنذ انطلاقتها الأولى أن تقف على سفح التألق من دون قمته، من مواليد العراق عام 1946، تخرجت في جامعة بغداد سنة 1966، نشرت خلال مسيرتها الإبداعية الحافلة خمسة أعمال روائية من بين ستة وعشرين إصدارًا أغلبها من الأعمال المترجمة في الرواية والأدب والسياسة والاقتصاد، كما شاركت في كتابة العديد من الدراسات والبحوث وفي مختلف المجالات المعرفية، فضلًا عن عشرات المقالات في الصحف والمجلات المتخصصة والعامة، تلك هي المبدعة، ناصرة السعدون.
ولأهمية ما كتبت وترجمت من مؤلفات أثرت الثقافة العراقية والعربية ورفدتهما بروائع الأدب العالمي فضلا عن فوزها بأرفع جائزة أدبية عربية كانت لنا وقفة لنتحاور مع الفائزة العراقية الأولى بجائزة (كتارا) الدولية للرواية العربية في قطر 2015 ، فئة روايات منشورة عن روايتها (دوامة الرحيل) :
* لا شك أن المتتبع للحركة الثقافية في العراق يؤشر أفولًا أحيانا وارتقاءً أحيانا أخرى، من وجهة نظرك لماذا هذا التذبذب؟
- ربما يعود الأمر إلى المتغيرات العميقة والجذرية في المجتمع العراقي مما يؤثر سلبًا وإيجابًا على الأعمال الإبداعية كافة، حيث يعاني المشهد الثقافي في العراق من انكفاء واضح بعد احتلاله في 2003، ومع ذلك نرى اتساعًا كبيرًا لمساحة الإبداع العراقي في المهجر، إذ نشهد نشر العديد من الأعمال الأدبية والفنية والعلمية لعراقيين اضطروا لمغادرة العراق بعد احتلاله.
* لو استعرضنا ما قدمه العراق من كفاءات إبداعية نسوية في مجالات الأدب والمعرفة كافة لشعرنا بالزهو فلماذا لا تكون هناك خيمة أو لنقل محفلًا أو تجمعًا يضم المبدعات العراقيات على اختلاف توجهاتهن يدعم نتاجهن ماديًا ومعنويًا؟
- لا يمكن فصل الإبداعات النسوية في العراق عن الإبداع عمومًا، وهو ما يثير الزهو حتمًا، أما الخيمة، كما تسميها، فلا أظن أن من مصلحة الإبداع عمومًا التمييز بين الرجل والمرأة، خاصة في هذا المجال، فضلًا عن ذلك علينا أن لا ننسى الشتات الجغرافي للمبدعين العراقيين، فهم يتوزعون بين قارات الكرة الأرضية، ولولا الإنترنت لما عرفنا ما أنجزوا.
*أين تضعين رواياتك في خانة الأدب الواقعي أم الرمزي أم الرومانسي أم التسجيلي؟
- يجدر توجيه هذا السؤال إلى النقاد وليس للكاتب، حين أكتب عملًا روائيًا لا أستطيع حصره في زاوية تصنيف معين، أيًا كان، وأتمنى على نقاد الأدب أن يلتفتوا إلى نقد الأعمال الأدبية العراقية بدلًا من نشر الدراسات عن مشاهير الكتاب في العالم والانغمار في تنظيرات بعيدة عن واقع حياتهم.
* لقد كان لك دور خلاق في مجال البحوث والدراسات كجزء من نشاطات وزارة الثقافة والإعلام سابقًا فهل أنت مستمرة في هذا النهج؟
- تحتاج البحوث والدراسات إلى استقرار نفسي وبيئة مناسبة، وبعد 2003، لم تعد هذه البيئة متوفرة، هذا من بين الأسباب التي جعلتني أبتعد عن هذا المجال، فكرست جهدي الثقافي في أعمال الترجمة والرواية.
* ما هو تقييمكم للرواية العراقية الحديثة وهل تبوأت موقعها الحقيقي او إنها تعاني الإقصاء والتهميش أو لنقل الانحدار؟
- الرواية العراقية الحديثة تمتد بامتداد القرن العشرين وحتى اليوم، لكنها ولظروف كثيرة ظل توزيعها ضمن العراق جغرافيا ، ولم تنتشر إلى الوطن العربي، باستثناء ما نُشر في بيروت أو القاهرة، وهذا من بين الأسباب التي يمكن ذكرها لعدم شهرة الكاتب العراقي في الوطن العربي، أما (الإقصاء والتهميش) فلا أظنه متعمدًا لأن هذا الوطن باتت تمزقه الحدود والرقابة مما حدا بالإبداع أن ينحصر في الحدود التي وضعت.
*نأسف لمحلية الإبداع العراقي سواء على صعيد القصة ام الرواية ام الشعر الحر والعمودي هل هو قصور في الكاتب او القاص او الناشر او الشاعر او ماذا؟ وهل ترجمت نتاجاتنا إلى لغات العالم؟
- محلية الإبداع العراقي في المجالات كافة لا يعود إلى الكاتب بالتأكيد، فالكاتب أصلًا يعاني من صعوبة النشر، ولا أقول الانتشار، فهذا طموح كان من الصعب تحقيقه، وما يزال، لهذا أعتقد أنه يعود إلى قصور عملية توزيع الكتب بين أرجاء الوطن العربي وارتفاع تكاليفها وعدم استخدام الوسائل الحديثة في النشر، مثل النشر المشترك، أو النشر الإلكتروني، فكم من النتاج العراقي الرائع ظل محصورًا في حدود القارئ المحلي ولم يصل إلى لبنان وتونس ومصر مثلًا، ولا أقول إلى العرب المنتشرين في المنافي؟ أما بالنسبة للترجمة، فقد صدرت ترجمات قليلة جدًا لبعض كتابنا العراقيين، وبجهود ذاتية، لا غير.
* قيل قديمًا الكتاب أو الرواية تُؤلف في مصر وتُطبع في لبنان وتُقرأ في العراق هل لا يزال الوضع على ما هو عليه؟ وهل أثّرت الثورة التكنولوجية على ذائقة القارئ العربي عمومًا والعراقي على وجه الخصوص فضلا عن ثقافته؟
-هذا القول صحيح حتى نهاية القرن العشرين، أما بعدها فيصعب قياس الأمور لأسباب شتى، من أهمها الثورة التكنولوجية، واضطراب الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي في الوطن العربي ككل خاصة بعد احتلال العراق.
أما بالنسبة للثورة التكنولوجية، فقد أثرت بالتأكيد على ذائقة القارئ العربي والعراقي، فقد فتحت أمامه أبوابًا واسعة لينهل منها خصوصا بين شريحة قراء الكتب الإلكترونية، التي جعلت المثقف يتخلص من عبء الكتاب الورقي ويقلص الحيز الذي تشغله المكتبة إلى حجم طابع البريد على شاشة الحاسوب، ولا ننسى في هذا المجال اغتراب الكثير من المثقفين عن بلدانهم، مما جعلهم يتخلون عن نقل كتبهم ومكتباتهم، لصعوبة نقلها، وبالتالي حل محلها الكتاب الإلكتروني، هذا مجال جديد يستحق المتابعة والتوسع باستخدامه سواء في قراءة الكتب ام في نشرها وتوزيعها، إن وجدنا من يهتم بهذا الجانب ويكون الرائد فيه.
* الشعر غذاء الروح ودواء القلوب العليلة فهل لك سهم في هذا الفن أسوة بالرواية.. هل هناك ديوان مطبوع أو مخطوط في شتى فنون الشعر العمودي والحر والشعبي؟
- تُمتعني قراءة الشعر كثيرًا، لكنني لم أجرب يومًا كتابته، كتبت المقالة والرواية، وترجمت العديد من الكتب، لكنني لم أكتب الشعر، فهذا ليس مجال اهتمامي. أشعر أن الرواية هي ما يجعلني قادرة على التعبير عن ذاتي، أكثر من الشعر، أو حتى القصة.
* يقول هنريك أبسن عندما أستحضر شخصياتي وأعيش معهم أغلق باب غرفتي.. فهل البيئة التي تصنعينها وتكتبين عنها فضلا عن شخوص رواياتك مستلهمة من الواقع المُعاش ومستوحاة من الذاكرة الحبلى بالهموم.. وأعني بها هموم الوطن.. وهل لك طقوس خاصة في الكتابة؟
- قد يغلق هنريك أبسن باب غرفته، لكن أجد هذا مستحيلًا بالنسبة لي، كما لا أشعر بضرورته. ما أكتبه أغلق عليه باب عقلي، وبالتالي أظل أفكر بالرواية وأحداثها وأتماهى مع شخصياتها. وحين أفتح ملف (الفصل الأول) من روايتي على الحاسوب، أبدأ بكتابة ما قمت بصياغته في الليالي السابقة، وأتواصل مع شخوص الرواية، لا بل أتماهى معهم. أضحك وأبكي، وأبتسم لأفكارهم وأحداثهم. الذاكرة حبلى بالأحداث والأشخاص، فأستحضر ما أحتاجه من خزين الذاكرة لأؤثث روايتي. هموم الوطن حاضرة دومًا في أعمالي الروائية، ليس من باب الوعظ أو التوثيق، بل لأن حياتي هي جزء من هموم هذا الوطن التي عاصرتها وشاركت في الكثير منها، لهذا فما يمكن أن توصف به أعمالي الروائية، هي كونها تمزج بين العام والخاص. من البيئة وتفاعل الشخوص معها.
أما فيما يتعلق بالشطر الأخير من السؤال، بخصوص الطقوس الخاصة بالكتابة، فلا أسميها طقوسًا، فأنا أواجه الحاسوب ليلًا ونهارًا، أضخ في ذاكرته ما يجول في ذهني، وحين يبدأ مشروع الرواية بالتكامل في ذهني، أبدأ بالكتابة، الطقس الوحيد الذي لا يفارقني قط، هو سماع الموسيقى في جميع الأوقات، خصوصًا أثناء كتابة الرواية، وأظن هذا واضحًا في أعمالي التي لا يخلو أي منها من ذكر للموسيقى أو بعض الأغنيات.
*من تعتقدين جازمة الصنف الذي يقرأ رواياتك ويتأثر بها وما هي الرواية الأحب إلى قلبك؟
- لا أستطيع الجزم بكينونة من يقرأ أعمالي الروائية، لكني أعرف أن الكثير من الشباب يقرأ لي، والكثير من الشيوخ، من أمثالي، أيضًا تروق لهم قراءتها. وعرفت مؤخرًا أن أطفالًا بعمر العاشرة قرأ بعضهم أعمالي الروائية. لا أدري.. ما أحب أعمالي؟ هذا سؤال تقليدي وصعب في آن واحد، لكني أظن أن روايتي الأخيرة (دوامة الرحيل) هي أهم ما كتبت، سواء بأحداثها ام شخوصها.
* معلوم أن شكل النتاج الأدبي مهم جدا في انجذاب القارئ، كيف تختارين مصممي أغلفة الروايات؟ ولماذا اخترت وداد الأورفلي لتصميم غلاف روايتك الأخيرة؟
- لكل رواية حكايتها.. وغلافها يهمني لأنه بطاقة الدعوة للقارئ لكي يفتح الغلاف الذي يروقه، وفي الوقت نفسه يعبر عن ماهية الرواية، عادة ما أختار لوحة الغلاف، ليقوم المصمم بإضافة العنوان واسم الكاتب عليه، أما سبب اختيار لوحة الصديقة وداد الأورفلي غلافًا لرواية (دوامة الرحيل) فأترك لك أن تقرأ الرواية لتجد الجواب عن سؤالك، فإن وداد الأورفلي حاضرة فيها، ولهذا طلبت الإذن منها لوضع واحدة من أحب لوحاتها إلى قلبي، لتزيين روايتي.
* حدثينا قليلا عن هذه الرواية؟
- لا أجيد التحدث عن أعمالي الروائية، وأفضل أن أترك للقارئ الاستمتاع بقراءتها والسير مع أحداثها، بكل ما فيها من أحزان وأفراح، من حيرة وقلق. لكن يكفي القول أن (دوامة الرحيل) هي حكاية الرحيل عن العراق بعد احتلاله، والدوامة التي يجابهها العراقي، من حيوات جديدة في بلدان الاغتراب، والقرارات الصعبة التي يجب عليه اتخاذها في كل موقف. فيها بعض الاستشراف لما يمكن أن يكون عليه العراقي في حياته الجديدة بعيدًا عن بيئته التي تم اقتلاعه منها، وزرعه في بيئة جديدة غريبة عليه، وكيف يمكن أن يكون الحب لدى هؤلاء الشباب الذين اقتلعوا من أرضهم في عمر الحب، أظن أن البقية يمكن معرفتها بعد قراءة الرواية.
* لماذا برأيك لم يفز أحد من روائيينا بجائزة البوكر العربية باستثناء رواية "فرانكشتاين في بغداد؟" ولماذا لم تتحول رواية واحدة من رواياتنا إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني عربي أسوة بروايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وأسامة أنور عكاشة وغيرهم؟
- نيل الجوائز يحتاج إلى انتشار وترويج، وهذا ما نفتقده لما نشر من رواياتنا، والبوكر العربية لم يمض على قيامها سوى بضعة أعوام، أما بالنسبة لتحويل أعمالنا الروائية إلى أفلام أو مسلسلات، فعلينا أن لا ننسى أن مصر هي أم السينما العربية، لذلك من الطبيعي تحويل أعمال كتابها إلى أفلام ومسلسلات، وما يجدر ذكره في هذا المجال أن القناة الفضائية العراقية تعاقدت معي في عام 2002 على إنتاج (أحلام مهشمة) لعمل تلفزيوني، لكن الاحتلال وما تلاه وأَد الفكرة قبل ولادتها، وما يزال سيناريو (أحلام مهشمة) بصيغة كتاب ورقي، آمل يومًا إصدار طبعة ثانية منه كما فعلت مع روايتي (أحببتك طيفًا). أما تحويله إلى مسلسل، فهذا قرار يرجع للمنتجين، والقنوات الفضائية العربية العديدة، فهو سيناريو مسلسل متكامل يتحدث عن الحب في زمن الحصار، وليس هذا تشبيهًا لرائعة ماركيز (الحب في زمن الكوليرا)، بل لأن هذا السيناريو يطرح بالفعل حكاية حب شابين طموحين، يقف الحصار في وجه تحقيق طموحاتهما، هو سيناريو أتمنى إنتاجه ليعرف العالم معاناة شعب العراق وشبابه في تلك الفترة التي امتدت على مدى ثلاثة عشر عاما.
*كيف تنظرين إلى واقع الرواية العربية والعراقية في الوقت الحاضر وما هو انطباعك عما تكتبه أحلام مستغانمي؟
- الرواية العربية، هي انعكاس للواقع العربي، حاضرًا وماضيًا ومستقبلًا، الرواية العربية بخير ما دام الروائيون ينتجون أعمالًا جديدة، ولا شك أحلام مستغانمي، وغادة السمان ولطفية الدليمي وغيرهن قامات بارزة في المشهد الثقافي العربي، وثمة أسماء أخرى تستحق الذكر في هذا المجال.
* كلمة أخيرة تودين إضافتها؟
- أتمنى على دور النشر العربية أن تخطو الخطوة العملاقة الأولى في مجال النشر الإلكتروني ولا تتخلف عن ركب التقدم الذي شهده العالم منذ سنوات، فهذا المجال الحيوي يضمن نشر الثقافة العربية في جميع أرجاء الأرض، ويوسع نطاق الاطلاع عليه وربما ترجمة ما يستحق الترجمة منه إلى اللغات الأخرى، الاقتصار على النشر الورقي قد انحسر في العالم، وما نزال نصر على الاكتفاء به، برغم ما يشوبه من صعوبات وتكاليف باهظة.
تجدر الإشارة الى ان السعدون فازت ضمن المرتبة الأولى لجائزة كتارا للرواية العربية،2015 في قطر عن رواية (دوامة الرحيل) فئة الروايات المنشورة ، فيما فازت الروائية العراقية ، ميسلون هادي، عن رواية (العرش والجدول )، في فئة الروايات غير المنشورة في ذات المسابقة .
2170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع