تساقط الرموز
الجامع خلال الساعة التي استغرقتها الغارة على القوة البحرية، يصبح صالحاً كمقر قيادة، يتحرك المجاهد علي في أركانه بنشاط حثيث، يحمل جهازاً لاسلكياً، لم يسكت عن المناداة... الجالس على المنبر هذه المرة، رجل معمم، يكنى بالسيد، هو من يأمر والجمع ينفذ برحابة صدر بينهم علي.
تنتهي معالم القوة البحرية قبل الوصول اليها، تصبح بعد النهب أرضا تصلح فقط لرعي الأغنام، كلام يُسمعه كريم للسيد، مؤكداً هدفهما القادم سيكون مديرية أمن البصرة، اذا ما سقطت والمخابرات، فان السلطة في البصرة تكون بحكم المنتهية، وستكون المدينة العظيمة محررة باذن الله، فيتلقى وزميله اشادة من السيد ومن المجاهد علي معا:
- بارك الله جهودكم، أنتم نعم المجاهدين.
يلتفت الى علي:
- أخ علي، أرسل معهم ثلاثة مجاهدين لمعاونتهم في مهمتهم الجهادية القادمة، مع قاذفة صواريخ اربي جي 7، ستكون مفيدة في الهجوم على المباني الحصينة.
سيارات ثلاثة تتجه الى بناية مديرية الامن، المنظر هذه المرة مختلف قليلاً، سيارة الحمل فيها ثلاثون شاباً غالبيتهم لم يمسك بندقية من قبل، والسيارتان الاخريين، لم يزد الراكبون المتطوعون فيهما عن العشرين، عدد يشك بكفايته.
سالم يسأل كريم المحارب العائد تواً من جبهة القتال:
- ما رأيك بالعدد، هل هو كاف للهجوم على بناية الامن؟.
- أنا مثلك أشك بكفايته، لكني أعتقد بأمكانية الاستفادة من الجمهور المنفعل مع أول خطوة نجاح نحققها في الاقتحام.
السير باتجاه الامن تبطؤه عوائق المارة المنتشرين بالشوارع والنهابة المحتشدين أفواجاً بانتظار خطوة اقتحام جديدة، يستثمرون فيها جهد الفوز بغنائم أكثر... دقائق لا تزيد عن العشرين تصل السيارات الثلاثة بحمولتها من الشباب المنتفض الى بناية الامن، يترجل الجميع قريباً من بوابتها الرئيسية.
يشرع كريم بتقسيم المتطوعين الى مجموعتين:
- المجموعة الاولى مع رامي القاذفة ستكون معي.
- المجموعة الثانية مع حامل الرشاشة الخفيفة مع سالم.
اطلاق نار خفيف من داخل البناية، يجعل بعض أفراد المجموعتين يتراكضون بعدة اتجاهات، والبعض الآخر القليل ممن خبر الخدمة العسكرية، يهرول صوب السياج في محاولة لاتخاذه ساتراً يجنبه الاصابة.
كريم لا يأبه لما حصل، كأنه يتوقعه، يبدأ باصدار أوامر القتال:
- تراجعوا الى الخلف، خذوا وضع الرمي، صوبوا على الشبابيك العلوية.
- سالم، ألتفْ بمجموعتك من خلف البناية، أبدأوا الرمي على الشبابيك الظاهرة.
أنت ترجل من خلف مقود السيارة، سأقودها بنفسي.
- كيف؟، أنا معكم.
- لا وقت للنقاش، ستفهم لاحقاً، ترجل بسرعة.
- كاظم، أصعد بقاذفتك الى أعلى بدن السيارة، وجه أول صاروخ الى باب البناية الداخلية، حال نجاحنا باقتحام الباب الخارجية.
يصعد مسرعاً خلف المقود، يتحرك باعلى تعجيل لمحركها المتهالك، يصدم الباب التي تنفتح صاغرة، يقترب أكثر، ينطلق اول صاروخ من القاذفة، يهدم الباب الداخلية، فاتحاً ثغرة في الجدار الكائن خلفها بقطر يزيد عن المترين.
يترجل كريم من خلف المقود، ينادي الزملاء:
- أدخلوا الان، علينا الاستفادة سريعاً من قوة الصدمة التي أحدثها الصاروخ.
يتقدم افراد مجموعته، يتكدسون قريباً منه.
ينادي بأعلى صوته:
- أبتعدوا عن المكان الذي أنا فيه، تفرقوا خلف الجدار.
يعاود المدافعون عن البناية رميهم المكشوف من برج الحراسة الجنوبي، يشاغله بالرشاش الذي معه، ويعاود هو اصدار الاوامر:
- كاظم.
- نعم.
- اضرب مبنى البرج، بسرعة.
ينهدم البرج، بعد الاصابة المباشرة، فأصبحت الساحة الممتدة أمامه آمنه.
ينادي كريم:
- تهيئوا لللاقتحام، لابد من القيام به الآن.
المعركة شرسة، ومن في الداخل يتحصن جيداً، يصر على مواصلة القتال بأمل ضعيف في النجاة، ومن في الخارج يصر على الاقتحام بمعنويات عالية، وخبرة قتال ضعيفة او معدومة، لغالبية المجموعتين.
صاروخ ثالث يوجهه كاظم الى الطابق العلوي يثير الارتباك في صفوف المدافعين، يوقف الرمي لاكثر من دقيقة، يستثمرها كريم في دخول البناية، يرمي رمانة يدوية هجومية، يتبعه افراد المجموعة، يتلقى القريب منه رصاصة في رأسه من ضابطٍ كان متخفياً بشكل جيد في غرفة الاستعلامات، يرد عليه كريم بسرعة، يرديه قتيلاً في الحال.
الرمي الشديد يجلب انتباه الجمهور الذي احتشد بالمئات خارج سياج البناية، غالبيتهم من ذوي المفقودين على أيدي رجال الأمن، وجدوا في الهجوم فرصة للتفتيش عن ذويهم في سجن المديرية او في دفاترها السرية، أملٌ ضعيف، لكنه ممكن.
يحاول البعض الدخول، لم يستطع كريم منعهم، لاندفاع غير محكوم بقدرات السيطرة في نفوسهم او لهستيرية عادة ما تصيب البعض في اللحظات الاولى للانتصار، يندفعون جميعاً بقوة اجسامهم.
الفوضى تعم المكان، رمي كثيف، يشتت صفوف الداخلين، يضعهم خارج البناية مصابين بالهلع الشديد، يستمر كريم في تنقله تحت الرمي من غرفة الى أخرى، يحضر سالم للمعاونة بعد تثبيت خمسة زملاء لمراقبة الجانب الخلفي.
تشتد المقاومة في جانب السجن، تحشد كل البنادق باتجاهها، يخرج اثنان بملابسهم المدنية مضرجين بالدماء، يُقتلان في الحال، لا مجال للاسر، ولا تأجيل في عملية القتل، اصرار من كلا الطرفين على حسم الموقف بقوة القتل.
رجال الامن، يدركون النتيجة مسبقاً، يصرون على القتال أملا في تغيير الموقف ووصول نجدات من قوات عسكرية، لا يمتلكون اي اتصال معها، ولا يعرفون شيئا عن ثكنات لها، دخل بعضها الجمهور الغاضب انتقاماً من خسارتها الشنيعة في الحرب الخليجية الثانية، وطمعاً في اسلحتها ومعداتها التي استبيحت بكل أقتدار.
رجال الانتفاضة يدركون الواقع، يصرون من جانبهم على الحسم ايضاً، فمديرية الامن رمز معروف للظلم والبؤس والشقاء، وعمود قوي يستند عليه النظام، ينتهي بانتهائها اقتحاماً باسلحة المنتفضين، نصف ساعة من القتال الداخلي العنيف، ينهى ثلاثين رجلاً أمنياً كانوا متحصنين، وخمسة شهداء من المهاجمين، وسبعة جرحى بينهم سالم أول المنتفضين، ينتهى القتال بعد هذه الخسارة.
يصعد كاظم مع قاذفته الى أعلى البناية. يُكبِرْ:
- الله وأكبر، سقط الطاغوت... أنتهى وكر الشياطين... الله وأكبر.
مئات المتجمهرين المتربصين، يقصدون البناية ركضاً، يدخلون الباب المفتوحة والشبابيك المهشمة، أوراق المديرية واضابيرها، وحواسيبها واسلحتها، ومعدات التجسس فيها لم تصمد امامهم عشر دقائق، باتت البناية بعدها بقايا هيكل تلتهمه النيران.
يشعر كريم بالارتياح، تنتهي مهمة عسيرة فكر بها قبل ساعة من الان، لا يعرف الخطوة القادمة.
أخبارٌ تناقلها الموجودون تؤكد انتهاء فاعلية المخابرات الجنوبية، وكذلك منظومة الاستخبارت، الجمهور المنتفض يدخل بناياتها ويفعل بها مثلما فعل بالامن، المقرات الحزبية انتهت بالكامل، الان يتنفس الصعداء.
للراغبين الأطلاع على الجزء السابع:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/42418-2019-12-04-07-08-35.html
378 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع