حفل رئاسي - حوار على متن الطائرة
تعيش بغداد استنفاراً كأنها في حالة حرب مع عدو مجهول، ومثلها وزارة الخارجية التي وجدت نفسها في ليلة وضحاها وسط توتر متعدد الاتجاهات، يقترب من حالة الحرب.
استدعاءات شملت جل السفراء، واشاعات زيّدت من عدد الأسماء المشاركة في المؤامرة، وتسريبات الى وسائل الاعلام، لم يعد أحد قادر على ضبطها، ومحطات مخابرات في الجانب المخفي البعيد، تنشط داخل السفارات، تتابع موضوع الاستدعاء الفوري للسفراء، تراقب حركتهم بل وأنفاسهم، تخشى أن يتمرد أحد منهم على أمر الاستدعاء، ومن فرط الخشية حصلت على تخويل هاتفي من الرئيس الجديد للجهاز، بحتمية التصفية الميدانية، لمن يشك في سيره بهذا الاتجاه. برقيات تتكدس في المكتب الخاص لرئيس الجهاز، من تلك المحطات، تحمل معلومات مفصلة لمتابعة التنفيذ، لخصها المقدم لامع، ضابط أمن الجهاز بعدة أسطر جاء فيها:
سفيرنا في العاصمة المجرية، الاستاذ شكري الحديثي غادر على الطائرة العراقية القادمة من برلين مروراً في بودابست اليوم، يصل في تمام الساعة الثانية عشر حسب التوقيت المحلي لمدينة بغداد.
سفيرنا في أوغندا جعفر الذهب، يصل يوم الجمعة القادم.
السفيران حليم وحامد، يتجهان الى باريس سيقيمان ليلة في فندق الكونكورد، يصلان بغداد غداً على الطائرة العراقية.
السفير طارق حسين دخل المستشفى جراء الاصابة بذبحة صدرية، حالته مستقرة، تركها على مسؤوليته الخاصة، وهو الآن على متن الطائرة العراقية المتجهة الى بغداد من برلين مروراً بالعاصمة المجرية، الوقت المحتمل للوصول، منتصف الليل، معه على نفس الطائرة السكرتير الاول للسفارة في برلين مع بريد خاص بالمحطة لا يحتمل التأخير.
بغداد لم تهدأ، وكذلك عواصم غادرها السفراء، بينها بودابست التي تؤشر ساعتها المحلية السادسة مساءاً، ومع اشارتها هذه، أعلنت استعلامات المطار وصول الطائرة العراقية، برحلتها المرقمة (830)، قادمة من برلين في طريقها الى بغداد، وأكدت في ذات النداء، ضرورة التوجه لعموم المسافرين على متنها، صوب الصالة المخصصة للمغادرة عند المخرج الخامس.
عشر دقائق مرت على طلب الاستعلامات، التوجه الى الصالة، بعدها مباشرة تقدم الموظف المسؤول عن العلاقات العامة في المطار الى السفير شكري، رجاه التهيؤ بغية التوجه الى الطائرة، التي بدأت تشغيل محركاتها الأربعة واحداً بعد الآخر. نهض من جلسته مودعاً الوزير المفوض في سفارته، السيد نجيب كامل، وسكرتيرها الأول كريم قادر، مسؤول محطة المخابرات، اللذان حضرا لهذا الغرض، ومن بعده تقدم باتجاه موظف العلاقات المنسب من وزارة الخارجية المجرية، كمن يريد حثه باتجاه الصعود الى الطائرة، فاستجاب له الموظف، وصحبه اليها من بابها المفتوحة على خرطوم يوصلها بصالة المغادرة، التي فرغت من عشرين مسافراً، هم من حجز تذكرة على متنها للسفر الى بغداد.
رحب به عند الباب المفتوحة رئيس طاقم المضيفين الجويين. صحبه الى الدرجة الأولى، كان مستعجلاً بعض الشيء، يعي تماماً أنها لم تتوقف في محطتها هذه سوى نصف ساعة، لا يريد أن يكون سبباً لتأخير قد يجلب الانتقاد، هو بطبيعته حساس اتجاه أي انتقاد، كما إنه دبلوماسي ضليع لا يريد مواجهة انتقاد لشخصه المعروف بشدة انضباطه.
هم بالجلوس على الكرسي المخصص له (A 2) مثلما تحدد في بطاقة الدخول "البوردنج كارت"، سمع صوتاً يناديه من قريب، أبو محمد، تعال الى هنا، فالكرسي الذي بجانبي غير مشغول.
اتجه اليه دون الاستئذان من طاقم التضييف الجوي، وكأنه وجد ضالته، وقبل الجلوس سأل مستغرباً، مالذي جاء بك وأنت مريض؟.
وجهك مازال شاحباً، يوحي بالمرض حتى هذه اللحظة.
فقص عليه قضية الذبحة الصدرية، وكيف أسقطته أرضاً، والمستشفى التي رقد فيها بجناح خاص، ومستوى الاعتناء الذي تمنى أن يكون، مثله في عراق يحاول الحزب إرساء قواعده في المستقبل القريب.
جلس شكري في مكان كان شاغراً الى جنب طارق.
سأل على الفور، متى نصل الى هذا المستوى؟.
وأجاب في الوقت ذاته وكأنه لا ينتظر الجواب، كل شيء بحساب، والانسان عندهم قيمة عليا كما يرد في أدبيات الحزب الشيوعي. أعتقد جازماً لا يمكننا الوصول الى ما وصلوا هم اليه، لأن انساننا مختلف، والظروف هي كذلك مختلفة، لهم حضارة في أوج عظمتها، ولنا حضارة تتآكل من داخلها، حتى اقتربت من الأفول.
هنا بالذات لم يتفق معه طارق، فحضارة العرب من وجهة نظره، القائمة على ما يرد في أدبيات الحزب الذي انتسب اليه فتياً لا تأفل، سوف تُبعث من جديد. هناك مقومات لانبعاثها، الحزب أولى هذه المقومات في نضاله الطويل.
حاول شكري تغيير الموضوع، لأنه لم يكن مقتنعاً بالكلام، الذي جاء من صوب صاحبه، بشأن حضارة العرب التي ستبعث من جديد، فطلب اخباره ما الذي أتى به، وسبق لسكرتيرته التأكيد حتى مساء الأمس، من عدم وجود تبليغ بالاستدعاء الى بغداد قائلاً، كم كنا متمنين أن تكون معنا، لأن وجودك يعطينا اطمئناناً، من أن الاستدعاء يتم لدواعي دبلوماسية، وليس لأغراض أخرى.
قبل أن يقص عليه استلام البرقية، التي وصلتهم ظهر اليوم، طمأنه بشأن الاستدعاء، وعدم وجود أية علاقة له بالمؤامرة، تكلم وكأنه باق في منزلته مسؤول حزبي. أكد بلغة المسؤول الحزبي القريب من الكبار، أنه إجراء مهني يتطلبه الموقف الجديد، وما حدث بعد هذه المؤامرة الخطيرة، ولمزيد من التطمين، أشار الى استلامه قوائم المشاركين بهذه المؤامرة، التي كرر وصفها بالخطيرة، وكأنه ضابط قد أشترك في التحقيق بمجرياتها، واشار أيضاً الى أن صديقه معاون رئيس المخابرات، صادق في قوائمه التي لم يكن من بين المذكورين فيها، أيا من السفراء الوارد استدعائهم في البرقيات التي وصلت تباعاً، لكنه لم يجب على سؤوال وجهه شكري، عن كون الاستدعاء جاء تباعاً، ولم يأتي بقائمة واحدة أو بتعميم واحد، كما كان يحصل من قبل. وبدلا عن الاجابة، اتجه صوب اكمال قصة تمرده على الطبيب الألماني المختص، واصراره على الخروج من المستشفى، وامتناع الطبيب عن إعطاء الاذن في البداية قائلاً، تصور حتى الطبيب الألماني علم بالاستدعاء، اذ وعندما واجه حقيقة وجود أمر هام في بغداد، تطلب السفر اليها في الحال، أذعن للأمر الواقع، وطلب التوقيع على صيغة تعهد بأن الخروج على مسؤوليتي الخاصة. وفوق هذا التعهد لم يأذن بشكل نهائي الا بعد الحصول على ضوء أخضر من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الألماني، تصرف وكأنه حزبي من العراق.
عرجَّ في الكلام على ما دار بينه وبين "أم نداء" أثناء جمعه حاجيات السفر القصير، وتأكيده على عدم جواز التأخر عن تنفيذ الأوامر الصادرة، عندما حاولت نهيه عن السفر لمرضه، أو التأني لأيام على أقل تقدير. إلا انه أصر على تنفيذ الأمر، لأنه يعرف أكثر من غيره إصرار الرئيس على سرعة، ودقة تنفيذ الأوامر، وعدم قبوله أي عذر عن التأخير.
قاطعه شكري بالقول، هكذا هم النساء، القلق في داخلهن شديد، وتحسسهن لما يجري من حولهن أشد، هكذا تصرفت "أم محمد" عندما حاولت ثنيّي، أو تأخيري، كما فعلت "أم نداء"، كأنهن سوياً خريجات نفس المدرسة.
أيده في الاستنتاج، وأكمل:
أنت تعرف جيداً أن السيد النائب، العفو السيد الرئيس، هو هكذا لا يقبل الأعذار، منذ الأيام الأولى للعمل السري، واستمر هكذا، حتى افتراقنا تنظيمياً، بعد تعييني في السلك الدبلوماسي سفيراً.
يقطع طارق حديثه بحضور المضيفة إثر طلبها بإشارة من يده. وعند وقوفها بمواجهته مبتسمةً، سأل صاحبه الرأي في طلب كأس من الويسكي، قيل له في المستشفى إن قليله مفيد لتوسيع الشرايين.
لكننا في رمضان.
أما تدري أننا على سفر، والسفر يُحل الافطار، كما أني مريض، فأصبح بحوزتي سببين للافطار. فرد شكري، طيب، أنت من أقترح، وأنت من يتحمل الذنب.
نعم سأتحمل الذنب، لقد تحملنا في حياتنا السياسية كثير من الذنوب، وما زال طريق الذنوب مفتوحاً، ومع هذا فهو طريق تحيط به الخضرة، وعلى جانبيه كثير من نقاط الغفران، الله يا سيدي غفور رحيم.
ما دام الأمر هكذا لا بأس، فالطيران الى بغداد طويل، والتوتر عالٍ، يستحق الاسترخاء بقليل منه كما ينصح الأطباء.
يطلب منها وهي واقفة بقوامها الرشيق تنتظر الأمر، قدحين من الويسكي بقليل من الثلج، ويكمل حديثه منوهاً الى اتصال هاتفي أجراه مع حليم وحامد، قبل توجهه الى المطار، والى مناقشة موضوع الاستدعاء، وشرح وجهة نظره القائمة على أساس، التشاور حول تطورات الوضع الحالي، اقتضته الضرورة السياسية، واحتمال مقابلة الرئيس. ثم أكمل حديثه مستغرباً هذا القلق، الذي لمسه على حال السفراء، الذين تم استدعائهم، وكأن ما يحصل قد حصل معهم للمرة الأولى.
القلق يا صاحبي آت من الظروف التي تؤكد وجود مؤامرة، ووجود قوائم تصدر بالمشاركين كل يوم، بل وكل ساعة أحيانا، قال شكري. فأجابه بطريقة لا تخلوا من العتب، وما علاقتنا نحن بالمؤامرة، وما يقال عنها ؟.
لم يجد في وجه صديقه شكري قبولاً تاماً للرأي الذي قدمه، فاتجه لدعم صحة رأيه هذا، ذاكراً بالتفصيل تلك المقابلة الودية التي جرت له مع الرئيس عندما كان نائباً قبل شهرين من استلامه مقاليد الرئاسة، يوم سأله عن احتمالات الحرب مع ايران واضاف، لقد أشاد بيّ مناضلاً، وأكد حاجة الحزب الى خدماتي قريباً من سلطة اصدار القرار، حتى انه قال بالحرف الواحد:
"ان المكان الملائم لك مناضلاً مخلصاً للحزب، ومبادئ الثورة، ليس في برلين، بل هنا في القصر الجمهوري بمكتب قريب من الرئيس، لأن الدولة والحزب، محتاجان الى رفاق مخلصين مثلك".
أتوقع عدم العودة الى برلين، سأكون في مكان قريب من الرئيس. فرد عليه، وأسارير الفرح باتت مفتوحة، عظيم أن يكون لنا صديقاً مثلك قريباً، يحتل مكاناً جنب الرئيس.
لكن شكري الذي لم تكفِ الاجابات المنقوصة، من تخفيض كمية القلق المكبوت في داخله، ردد العبارة الدارجة "الله يستر" التي عادة ما يكررها العراقيون في أوقات الشدة.
تأخذهم أطراف الحديث عن المستقبل، والأمل في عراق جديد، يختلف عن هذا العراق، الذي لم يستطع قادته وأد التآمر على حاله، منذ النشأة الأولى لدولته الحديثة عام 1921، وحتى الوقت الراهن. ومع هذا الانحراف عن سير الحديث، حاول طارق قاصداً، العودة الى الموضوع الذي بدأه منذ لحظة جلوسهما معاً في هذه الطائرة المتجهة الى بغداد، وذلك بالتاكيد على، وقوفه مع تحمل الشباب أعباء المسؤولية:
أرى أنهم وحدهم قادرين على ضبط الأمن، وتجنيب البلاد توجهات التآمر، والحزب بحاجة لهم لانبعاث الأمة من جديد.
وأين الحكمة في عقول الكهول، رأي أفصح عنه شكري، وعاود معه تكرار عبارة "الله يستر" ثانية.
تأتي المضيّفة حاملة قدحين أخريين من الويسكي، مما فتح مجالات عدة للحديث وقدر من الاسترخاء، وكأنها أرادت المساهمة من طرفها بتخفيف التوتر، الذي لحظته على هيأة السيدين، موجهة كلامها الى السفير شكري قائلة، سعادة السفير. اتركها على الله هو وحده العارف بالمستقبل، نحن الان مُعلقين بين الأرض والسماء، كمن يسبحون وسط بحر لا نهاية له، من يدري هل نصل بغداد الضفة البعيدة من هذا البحر؟.
دعك سيدي من الغد، وتمتع باللحظة الماثلة هنا والآن، قدحان آخران من الويسكي يناسبان الحديث، ومفيدان للشرايين، كما هي نصيحة الطبيب الألماني.
رد طارق بعد استلطافه تدخلها، واستراقها السمع قائلاً، كلامك صحيح. علميه سيدتي معنى الحياة، وكيفية التخلص من قلق يشده على الدوام، لا يعطيه فرصة لأن يفعل شيئاً لدنياه.
فقالت من جانبها، والرغبة في المشاركة بالحديث بانت واضحة على ابتسامتها المشرقة، سأعلمه الكثير إذا ما أتيحت ليّ فرصة اللقاء به في بودابست، التي يتغنى بلياليها على نهر الراين الشعراء.
سأقبل دعوته على العشاء في مطعم "بيتر" إذا ما أراد.
وعندما خاطبها شكري من انه متزوج، سألته لم الذهاب بعيداً، وكأن روح الشرق تلبسك من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين؟.
لماذا تفسرون الأمور هكذا بسهام الشك؟.
هل في لقاء رجل وامرأة ما يعيب، إذا ما خلت النفوس من الظنون؟.
لا، لا يوجد ضير ابداً، قال شكري.
ردت هي بصوت فيه قدر من الغناجة، أعدُّ نفسي أنا لمياء مدعوة على العشاء، حال رجوعك الى المجر بحفظ الله. أعرف هاتف السفارة. سأتصل بك حال التوقف للمبيت في هذه العاصمة الجميلة.
لك ذلك سيدتي.... فشكرته مقدماً على دعوة هي من أخرجها، ورجت ألا تنسيه بغداد إسمها وهذا الوعد، وختمت كلامها بعبارة رافقتكم السلامة، لقد اقتربنا من الهبوط في بغداد، عليكم ربط الأحزمة، سأعلن عن هذا بعد قليل.
تنتصف الساعة عند الثانية عشر ليلاً، تطلب لمياء بصوتها العذب ربط الأحزمة، وتعديل المساند، والكراسي الى الوضع الطبيعي، إيذانا بالهبوط في مطار بغداد الدولي، تشير الى درجة الحرارة، وقد بلغت خارج الطائرة خمس وأربعون درجة مئوية.
وقفت الطائرة في موقعها، ووقفت هي مودعة السفيرين بنظرات تقدير حتى بلوغهما سيارة المراسم، الواقفة قريباً من السلم المتحرك، وجلوسهما على مقاعدها الخلفية، كمن تريد التأكد من سلامتهما أو أن شكري نقل لها جزءاً من قلقه في أثناء الحوار المتبادل.
تنفس شكري الصعداء عند التوقف قريباً، من باب البيت الخاص بشقيقه في حي الأعظمية، لا يعير اهتماماً لكثافة السيارات، العائدة الى شرطة النجدة التي تجوب الشوارع ذهاباً وإياباً، ولم يسأل عن سيارات مدنية، وشباب يرتدون الملابس الرسمية يأخذون أماكن لهم في بداية شارع طه، الذي يسكنون فيه، بعد ان خف في داخله القلق الخاص بالاستدعاء، وبات يحيل كل المظاهر غير المألوفة، الى مؤامرة لم يعد يعير أمرها اهتماماً.
كلم نفسه كلاماً عن دوافعها، وحق القيادة في إجهاضها، ومحاسبة المشاركين أياً كانوا، وبأي مستوى حزبي يكونون. حمد الله على ابتعاد شبح الاستدعاء عن موضوعها. أنهي إجراءات السلام على بقايا العائلة الموجودين في البيت، ثم مسك سماعة الهاتف، طلب نداءً مستعجلاً الى الزوجة التي باتت تائهة في دهاليز القلق منذ أنتصاف النهار، لم تتحرك من مكانها قرب الهاتف، وقد أنتظرت هذا الاتصال بفارغ الصبر:
أم محمد أنا في بيت أخي محمد، كانت الرحلة مريحة، والاستقبال في بغداد على ما يرام مكانك خالي. ألم تعلمي المفارقة!، أن طارق كان معي على نفس الطائرة، هو كذلك قد استدعيَّ الى بغداد، قضينا حبيبتي وقتاً ممتعاً طوال الرحلة، وتكلمنا عن كثير من الأمور، أنا مشتاق اليك والى الأولاد، وددت مشاركتك هذا الاطمئنان، حمداً لله.
أجابته بنبرة صوت، يعبر تداعيه عن كثر اشتياق، وكأنها فارقت حبيباً دهر من الزمان وردت قائلة:
شكراً حبيبي، أنا جد مرتاحة، سأغير طقم الكنبات في قاعة الاستقبال، سيكون في مكانه قبل عودتك بالسلامة، يحدوني الأمل في ألا تغيب طويلاً، مشتاقة لك حقاً، ولو أن الحدس في داخلي يشير الى احتمالات وجود منصب رفيع في الأفق سيأخر عودتك اليَّ أعز حبيب. لقد اتضح تفسير الحلم الذي حلمته، أثناء القيلولة بعد خروجك من البيت، "شاهدتك من بعيد جالس في مكان واسع أشبه بالقصر، على كرسي أضخم من الكرسي الموجود في مكتبك بالسفارة، ومن خلفك أشجار زيتون، تطل على بحيرة جميلة مليئة بالأسماك". وقد قرأت تفسير الأحلام لأبن سيرين، الذي يقول إنَّ الشجر في الحلم منزلة أعلى، والماء خير وفير.
يا الله قال شكري، وبعد أن استهواه الكلام، عبر عن اشتياقه هو أيضاً، وأوضح من انه سيحاول العودة الى بودابست حال انتهاء الاجتماع، المؤمل حصوله في الوزارة يوم غد، وربما مقابلة السيد الرئيس بعد الغد.
ردت متأملة الانتظار على أحر من الجمر، سأنتظر مثل عاشق، يتأمل عودة معشوق من السماء.
عطشان وسط صحراء، تبقيه على قيد الحياة قطرة ماء.
سأنتظر عطراً ينعش روحي، ودفئ الشمس، وكثيراً من الهواء.
أغلق الخط معها، ثم التفت الى شقيقه الجالس الى جانبه، وقد سمع الحديث. حاول تبرير تلهفه، الى الاتصال بالاشارة الى شدة القلق الذي سيطر عليه، من لحظة استلامه برقية الاستدعاء، والى حد الوصول الى عتبة البيت. استأذنه الذهاب الى الفراش، فيوم مقابلات في الغد ينتظره طويل.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/35699-2018-06-01-16-21-04.html
1051 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع