القصة بدأت من شوارع مصر
ظهرت القصة القصيرة العربية بداية في مصر مطلع القرن الـ20، وتميزت في تلك الفترة ببعض الخصائص رغم تأثرها بالقصة الغربية أسلوبيا، إذ حاول كتاب القصة الرواد التطرق إلى موضوعات من صميم مجتمعاتهم، ما ساهم في بلورة ملامح لقصة قصيرة عربية.
العرب/القاهرة- يقدم الباحث المصري مجدي شمس الدين في كتابه الجديد “القصة بين الحقيقة والخيال” دراسة أدبية عن نشأة القصة القصيرة في مصر، من خلال محاولات كل من عيسى عبيد وشحاتة عبيد، اللذين يعتبران من رواد القصة القصيرة العربية، موضحًا بعض الخصائص المميزة للقصة القصيرة في الفترة التي كتب فيها هؤلاء القصة، كما يلقي الضوء على القضايا المتصلة بالأداء الفني مثل مشكلة الحوار في القصة، وتحديد الروافد الأجنبية في الأعمال الفنية.
واقعية محسوسة
خصص المؤلف في دراسته مبحثًا عن الأسطورة، تناول فيه المتغيرات المتعددة ليصل من ذلك الفارق بين القصة الحديثة والأسطورة، فيقدم تعريفًا وتفسيرًا للأسطورة، ويفرق بينهما وبين القصة الحديثة.
وفي ما يتعلق بلغة الكتابة في القصة القصيرة خلال الفترة التي يبحث فيها مجدي شمس الدين ، فقد اتسمت، وفق رأيه، بالبساطة والسهولة والبعد عن التعقيد والزخارف اللفظية المتكلفة.
كما تميزت بالدقة الشديدة في الوصف وفي تصوير المواقف والشخصيات، وقد تخللها الكثير من المصطلحات الأجنبية والكلمات والعبارات العامية، ومن خصائص القصة القصيرة في تلك الفترة أيضًا أنها تناولت موضوعات قيمة خاصة تبرز قيمة الشخصية المصرية والمواطن العادي، وتبرز كذلك قيمة طبقة البسطاء في المجتمع، ومثال ذلك قصص محمود تيمور التي تصور هذه الشخصية البسيطة وهي توجه الأنظار إليها وتثير العطف عليها.
ويدرس المؤلف قصص عيسى عبيد وشحاتة عبيد لتوضيح إلى أي حد ساير كل من الكاتبين تيار كتابة القصة القصيرة الذي كان سائدًا في تلك الفترة، فنرى أن عيسى عبيد قام بكتابة القصة فقدم إلينا مجموعتين قصصيتين هما “إحسان هانم”، و”ثريا”، ولم يظهر للرجل غير هاتين المجموعتين.
في مجموعة “إحسان هانم” يعرض عيسى عبيد في قصة تحمل نفس عنوان المجموعة لظاهرة اجتماعية كانت تسود المجتمع المصري في ذلك العصر، وهي الفصل بين الجنسين وعدم السماح باختلاط الذكور بالإناث، ويعرض لما يترتب على ذلك من نتائج سيئة وأضرار وخيمة، حيث لا يجد الشاب أمامه حينئذ ما يشبع عاطفة الحب لديه.
وما يميز قصص عيسى عبيد أيضا أنها تتناول عددًا من القضايا السياسية التي كان المجتمع المصري آنذاك يزدحم بها، وما يميز عرضه لهذه القضايا السياسية الواقعية وتعبيرها عن واقع البيئة المصرية المحلية كتطبيق للدعوة التي كان الكاتب يدعو إليها دائمًا، وهي الدعوة إلى أدب مصري والثورة على محاكاة القديم، وقد تلقف هذه الدعوة الكثير من الكتاب مثل محمود تيمور وراح يدعو إليها ويحاول تطبيقها في قصصه.
وينتقل المؤلف إلى الحديث عن شحاته عبيد قائلًا إنه كان يشبه أخاه عيسى في أمور كثيرة كالنزعة الشامية الاتجاهات الأدبية والفكرية والفنية، فهو الآخر كان ذا ثقافة فرنسية، وقد افتتن بكاتب القصص الفرنسي غي دو موبسان ونسج على منواله في بعض قصصه.
ولشحاتة عبيد مجموعة قصصية واحدة بعنوان “درس مؤلم”، إذ خير الابتعاد عن عالم الأدب بعد وفاة أخيه عيسى شابا. وقصة “درس مؤلم”، وهي أكبر قصص المجموعة، تقع في ثلاث وثلاثين صفحة، وتدور حول درس مؤلم تلقنه طلعت بك نتيجة لمجونه وجريه وراء نزواته.
وخلص المؤلف إلى أن الواقعية هي السمة التي تميز أدب شحاتة عبيد الذي يستقي مواضيعه مما يدور في الحياة من الوقائع اليومية العادية، مخيرا الابتعاد عن الحوادث الغريبة والخيال والأوهام في الحكايات التي يقدمها.
ويتميز أسلوب شحاتة عبيد أيضًا بالدقة اللغوية، ولعل هذا يرجع إلى اطلاعه العميق على التراث العربي القديم، كما تمتاز قصصه بالدعابة والفكاهة حتى أن بعض قصصه تبدو لنا كأنها إحدى النكات المصرية القاهرية الصميمة مثل قصة “مبروك يا أم محمد”، وقصة “الغيرة العمياء”، وتمتاز أيضًا قصصه بتحليل الشخصيات تحليلًا عميقًا من داخلها كما نرى في قصة “الإخلاص”.
الحكايات القديمة
وفي مبحث آخر من الكتاب يرى المؤلف أن الباحث في الخرافات في الأدب العربي الحديث يدرك أنها تأثرت بخرافات “كليلة ودمنة”، ومعنى هذا أن خرافات ابن المقفع كانت المصدر الأول لكل من جاءوا بعده من مؤلفي الخرافات سواء في الشرق أو في الغرب، فجاءت خرافة الحيوان في “كليلة ودمنة” أي القصة على لسان الحيوان فنا قديما ارتقى على يد الأديب الفرنسي الشهير لافونتين، وصارت له خصائصه الفنية وبناؤه الدرامي.
فمثلا يتميز الإطار الفني لخرافات لافونتين بعدة سمات منها: وحدة الحكاية واستقلالها، وهذا يختلف تمامًا عن طريقة ابن المقفع في تداخل الحكايات والاستطراد من حكاية إلى أخرى، كما أن الكاتب الفرنسي يراعي الواقع في رسم الصورة الخلقية بحيث تطابق الواقع المألوف في حياتنا البشرية، لا أن تكون مجرد تصوير للخلق المثالي الذي يعز وجوده في الواقع، ويختلف لافونتين في هذا عن ابن المقفع الذي يعبّر في كل ما يقدمه عن مثالية مفرطة تبتعد عن الواقع.
أما عن الأسطورة فيقول مجدي شمس الدين إنها “أسلوب يشرح معنى الحياة والوجود، وهي منطق يمتلئ بالعاطفة ويخلو من العلل والمسببات، والأسطورة مزيج من الدين والتاريخ والعلم والخيال والواقع، فكانت الفن الإنساني الأول الذي جعل الإنسان يعيش مع الجماعة بعلاقات حميمة حارة أملًا في تحقيق تكاثره وسيادته على عالم الطبيعة العجيب الغريب.
إن المعنى الأدبي الاصطلاحي الذي يكاد يجمع عليه النقاد ومؤرخو الآداب الشعبية، هو أن الأسطورة قصة من القصص الخرافية أو حكاية من الحكايات الخيالية، لكنها لا تملك نفس خصائص القصة القصيرة الحديثة، رغم أنها أقدم مصدر مارس فيه الإنسان تأملاته بالسرد.
1116 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع