شخصيات كوميدية من الأدب العربي.. إليك قصة كل منهم
نحن شعوب تهوى النكد والهم والغم.. جملة ما ننفك نسمعها أو نرددها ساخرين عن أنفسنا. لكننا لم نكن دوماً كذلك، بل كنا من الشعوب التي تملك حس فكاهة من الطراز الأول.
أدبنا العربي خير دليل على أن العربي كان صاحب نكتة وحتى في هجائه وتهكمه كان طريفاً ولعل أشهر من إحترف هذا الفن هو الجاحظ الذي لم يترك شيئاً إلا وسخر منه حتى نفسه.
أشعب
أشعب الذي يضرب به المثل بالطمع هو شخصية حقيقية. اسمه اشعب بن جبير مولى عبد الله الزبير ورغم انه تربى على التنسك ولكن هزله منع الناس من أخذه على محمل الجد. يقال بأن كثرة القصص عن أشعب خلطت ما هو حقيقي بغير حقيقي لدرجة أنه بات يصعب معرفة أي بالفعل ينسب اليه وأي منها من خيال أحدهم.
من طرائفه
-ذكر أبو سعد الآبي في «نثر الدر في المحاضرات» عن أشعب « لم يمت شريف قط من أهل المدينة إِلا استعدى أشعب على وصيته أو وارثه، وقال له: احلف أنه لم يوصِ لي بشيء قبل موته.»
- قال جاءتني جارية بدينار وقالت: هذه وديعة. فجعلته بين ثني الفراش، فجاءت بعد أيام وقالت: ناولني الدينار، فقلت: ارفعي الفراش وخذي ولده، وتركت إلى جنبه درهماً، فتركت الدينار وأخذت الدرهم، وعادت بعد أيام فوجدت معه درهماً آخر فأخذته وعادت الثالثة كذلك، فلما رأيتها في الرابعة بكيت فقالت: ما يبكيك؟ فقلت: مات دينارك في نفاسه، قالت: سبحان الله، أيموت الدينار في النفاس؟ قلت: يا فاسقة، تصدقين بالولادة ولا تصدقين بالنفاس؟
جحا
جحا الذي ما تزال نوادره تردد حتى يومنا هذا يصعب تحديد شخصيته الحقيقية. يقال بانه ابو الغضن دجين الفزاري الذي عاصر الدولة الأموية وأقدم قصص جحا تعود اليه بالفعل، ولكن هناك فئة تنسب شخصية جحا الى أبو نواس البغدادي الذي كان الشاعر الخاص لهارون الرشيد. أما في الأدب التركي فان جحا هو من إسطنبول واسمه الشيخ نصرالدين خوجه الرومي ولكن بغض النظر عن أصله فان هذه الشخصية معروفة بحنكتها وسعة حيلتها وخفة دمها.
من طرائفه
-كان جحا راكباً حماره حينما مر ببعض القوم وأراد أحدهم ان يمزح معه فقال له : يا جحا لقد عرفت حمارك ولم أعرفك فقال جحا : هذا طبيعي لأن الحمير تعرف بعضها.
-كان قميص جحا منشوراً على الحبل، فهبت الريح وقذفته إلى الأرض فقال لنفسه: يلزمنا ان نذبح فديةً وقرباناً فسألته زوجته: ولماذا! فقال: العياذ بالله لو كنت ألبسه لتحطمت.
الجاحظ
هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، وقد حصل على لقبه هذا لجحوظ عينيه. هو أبرع من كتب في الفكاهة وكان هو «بطل» معظم الطرائف خصوصاً أنه لم يجد حرجاً في السخرية من نفسه. كان مهووساً بالكتب والقراءة ويقال بانه كان يملك ذاكرة خارقة تمكنه من تذكر كل ما تعلمه وطالعه. كتاب البخلاء يعد الأشهر ولكن ما يعنينا في موضوعنا هذا هو تحول الجاحظ الى شخصية كوميدية في كتاباته الخاصة .
من طرائفه
-روى الجاحظ فقال : ﺃﺗﺘﻨﻲ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻭﺃﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺏ ﺩﺍﺭﻱ ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻟﻲ ﺇﻟﻴﻚ ﺣﺎﺟﺔ، ﻭﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺴﻴﺮ ﻣﻌﻲ. ﻓﻘﻤﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﺗﺖ ﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﻧﻊ، ﻭﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ: ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ. ﻭﺍﻧﺼﺮﻓﺖ، ﻓﺴﺄﻟﺖ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻻ ﻣﺆﺍﺧﺬﺓ ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ، ﺇﻧﻬﺎ ﺃﺗﺖ ﺇﻟﻲَّ ﺑﺤﺼﻰ،ﻭﺃﻣﺮﺗﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﻧﻘﺶ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﺷﻴﻄﺎﻥ، ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ: ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﻓﺄﺗﺖ ﺑﻚ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ.
-توجه الجاحظ الى اليمن وتجول في الاحياء والأسواق ولكن الناس كانت تنفر من بشاعة شكله ولم يقبل أحد أن يستضيفه فقرر العودة الى البصرة. وفي الطريق قابل أحد رفاقه فسأله كيف حال اليمن وأهلها؟ فأجابه
منذأن أتيت اليمنا لم أرى وجها حسنا قبح الله بلدة أجمل من فيها انا
أبو العبر
أبو العبر هو شخصية حقيقية أيضاً واسمه ابو العباس محمد بن احمد ولقبه حمدونا الحامض. لقب أبو العبر لم يتم منحه إياه بل هو أطلقه على نفسه ثم بدأ يزيد عليها حرفاً كل سنة حتى وفاته حتى اصبحت أبو العبر طرد طيل طليري بك بك بك . كان جاداً في شعره ولكنه قرر ان يغير أسلوبه الجاد وتحول الى السخرية حتى قال عنه ابو الفرج بانه «كسب بالحمق أضعاف ما كسبه كل شاعر كان في عصر بالجد».
من طرائفه
أبو العبر كان مرحاً «مجنوناً» وانما بشكل متعمد وعن سابق إصرار وتصميم فحتى انه كان يتصيد عارياً أو يستخدم الأشياء عكس إستخدامتها فمثلاً كان يضع قلنسوتين في رجليه بدلاً من الخف لا لسبب بل لانه يريد ذلك.
ولعل أبرز مثال على جنونه المتعمد هو الحادثة مع المأمون والذي أمر بسجنه بعد إبتعاده عن الشعر الجدي معتبراً بانه عار على بني هاشم فصاح أبو العبر من سجنه بأنه يملك نصيحة للمأمون وحين احضر اليه قال «الكشكية أصلحك اللّه لا تطيب إلا بكشك». فضحك المأمون وقال له «أرى أنه مجنون»
فأجاب أبو العبر: «إنما امتخطت حوت» فرد المأمون «ويحك ما معنى قولك؟ » فأجابه «أصلحك اللّه زعمت أني مججت نون. فقلت إنما امتخطت حوت». فأطلقه وقال «أظنني في حبسك مأثوما». فما كان من أبو العبر أن قال «بل ماء بصل».
722 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع