منشي سوميخ: كان عدد كبير من يهود العراق يعملون بالصحافة
حاوره: مازن لطيف
أمضى عدة سنوات في العمل الصحفي في العراق، وانتمى الى الحزب الوطني الديموقراطي وعمل في صحيفته "صوت الأهالي" وكان الموظف الوحيد في مركز الحزب عند تأسيسه، ولكن في عمله الصحفي وفي نشاطه الحزبي كان مجهولا. لم يكن هناك خارج دائرة العمل الصحفي والحزبي من يعرفه شخصيا ويعرف نطاق العمل الذي كان يؤديه وحين انتقل للعمل في جريدة "الشعب" كان مركزه ونطاق عمله يأتيان بعد رئيس التحرير. كان صاحب الجريدة ورئيس تحريرها المرحوم يحيى قاسم يعتمد عليه في كل ما يتعلق بالتحرير والإدارة والاصدار. ولكن اسمه لم يكن معروفا خارج نطاق الجريدة لأنه لم يضع اسمه على مقال او تقرير أو خبر.. انه منشي سوميخ الذي توفي قبل ايام .. كان انساناً عصامياً بأخلاقه لم يوافق أن أكتب عنه مقالا أو أنشر حوارا وقد عاهدته على ذلك أثناء حياته، أما الآن فقد خنت العهد لكن الخيانة هذه المرة من أجله لكي يطلع القراء على هذا الرجل المجهول منشي سوميخ..
* لماذا كان اسمك مجهولا؟
- أنا لم أستعمل اسمي الصريح لأن بداية علاقتي بالعمل الصحفي كانت تقتصر على ترجمة مقالات وتقارير من الصحف الأجنبية. وكان ذلك عملا هامشيا. أما عملي بوظيفة كاملة فقد كان حين انتقلت الى جريدة الشعب، وفي تلك الفترة بالذات (1946-1947) كانت الأجواء السياسية تزداد تلبدا بسبب القضية الفلسطينية. في مثل هذا الوضع لم يكن مستساغا الإعلان بأن يهوديا اسمه منشي سوميخ يتولى عملا مركزيا في الجريدة. وكان إخفاء اسمي بتفاهم تم بيني وبين الأستاذ يحيى قاسم الذي كنت وما زلت أكن له ولذكراه كل تقدير واحترام.
* لماذا لم تنشر باسمك الصريح؟
- كان لعدد كبير نسبيا من يهود العراق علاقة بالعمل الصحفي، ولكن عددا قليلا من هؤلاء اتخذوا الصحافة مهنة أساسية ومصدرا وحيدا للرزق. كان هناك من يكتب مقالا او يترجم قصة او ينشر بحثا في موضوع يختص به. وكان منهم من ينشر باسمه الصريح او باسم مستعار. ويلاحظ ان الذين كتبوا باسمهم الصريح كانوا إما من الشخصيات المعروفة ومن ذوي المراكز الاجتماعية واما ان اسماءهم لا تدل على يهوديتهم.
* من هم أقرب الصحفيين الذين عاصرتهم ومن هو أقرب صحفي لك في تلك الفترة؟
- هناك حقائق واقعة لا بد ان تؤخذ بنظر الاعتبار عند الحديث عن اوضاع اليهود في العراق، ولعل من اهم هذه الحقائق كانت نظرة المجتمع بشكل عام الى اليهود. ان الدستور العراقي الذي شرع في بداية الحكم الوطني يعد اليهود متساوين في الحقوق والواجبات كسائر المواطنين، بيد ان الوضع من الناحية العملية كان يختلف عن ذلك. اليهود تعلموا من تجاربهم التاريخية ان هناك حدودا ليس من صالحم تخطيها اذا ارادوا العيش بسلام كأقلية في مجتمع ذي أكثرية إسلامية. ذلك ان الاسلام يعد اليهود من اهل الذمة. ولهذا كان على اليهودي ان يحتاط في تصرفه ويمتنع قدر الإمكان عن التدخل في امور يعدها المسلم خاصة به. ولا أريد هنا الإطالة في اعطاء الامثلة ويكفي ان اشير الى امر واضح ومثبوت وهو تصرف النواب اليهود في البرلمان العراقي. فنحن اذا تصفحنا محاضر مجلس النواب خلال ثلاثين عاما، اي منذ انشائه وحتى الهجرة الجماعية لليهود عام 1950 نجد ان هؤلاء النواب على اختلافهم لم يشتركوا في نقاش حول موضوع سياسي داخلي، واكتفوا بإبداء نشاطهم وخبرتهم في التشريعات المالية والاقتصادية والقانونية.
وهناك حقيقة مهمة أخرى جديرة بأن تؤخذ هنا بنظر الاعتبار وهي ان الانكليز الذين احتلوا العراق في الحرب العالمية الاولى استعانوا في ادارة شؤون البلد بالمثقفين اليهود الذين يحسنون اللغتين العربية والانكليزية، الأمر الذي لم يرق في اعين المسلمين لسببين – الاول انهم اعتبروا اليهود متعاونين مع المستعمر وثانيا ان اليهودي باشغاله مناصب عالية اصبح له نفوذ في ادارة شؤون بلد يخص المسلمين. وعلى الرغم من ان ذلك لم يدم طويلا الا انه ترك أثره في اذهان المسلمين بان اليهود تجاوزوا حدودهم وتعاونوا مع المستعمر. وكان ذلك احد اسباب التحفظ من اليهود وعدم اسناد مناصب هامة لهم اثناء الحكم الوطني.
* هل تواصل معك أحد الصحفيين من العراق بعد خروجك من العراق؟
- لم يكن لي اي اتصال مع صحفي عراقي بعد مغادرتي العراق، وذلك الى ان التقيت ثانية مع مراد العماري وسليم البصون وصالح نعيم طويق الذين غادروا العراق في سبعينيات القرن الماضي.
* من مثلك الأعلى في الصحافة عراقيا؟
- خلال السنوات التي عملت فيها في صحيفة "الشعب" تعرفت اولا على المحررين والمراسلين العاملين في الصحيفة نفسها، كما تعرفت على عدد من العاملين في صحف أخرى. كان هناك من له مستوى عال في اللغة وكان هناك من له لياقة عالية في مهنة الصحافة. ولكن الصحفي الذي تأثرت به وتعلمت منه الكثير من افانين العمل الصحفي كان الاستاذ يحيى قاسم. كان يحيى قاسم يتمتع بذكاء خارق ونظرة ثاقبة للامور. وكانت سنوات عملي معه من اغنى ما اجتزته من تجارب في العمل الصحفي.
* لماذا خرجت عام 1951 وبقى صحفيون كبار امثال العماري والصوت وطويق؟
- غادرت العراق عام 1951 مع ان آخرين آثروا البقاء، اذ تكونت لدي قناعة ثبتت صحتها فيما بعد، وهي ان اي يهودي مهما كان مركزه ومهما كانت مكانته وامكانياته لايمكن ان يعيش ويعمل بكرامة وسلامة في بلد عربي بعد التطورات التي اسفر عنها النزاع العربي – الاسرائيلي.
* هل انت راض أن اسمك بقى مجهولا إلى الان لدى العراقيين؟
- لا ينكر بان هناك اهمية في حياة الانسان للشهرة ونظرة الناس اليه، ولكن الاهم من ذلك هو ان يكون الانسان نفسه راضيا عما فعله وانجزه تجاه الاسرة الكبيرة التي ينتمي اليها والاسرة الصغيرة التي انشأها. وانا راض عن نفسي بما فعلته وانجزته والحمد لله.
332 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع