أيلاف / عبدالله مجيد:يظهر الكاتب الروسي ليو تولستوي في صورة فوعوغرافية شيخاً ذا لحية كثة بيضاء يمسك بيده مضرب تنس. واثار هذا استغراب المهتمين بأعماله لا سيما وانه في الأربعينات من العمر كان ينظر الى لعبة التنس على انها ترف وهواية يمارسها حديثو النعمة، الى جانب كونها لعبة مستوردة، ليست أصيلة بل عبث طفولي يتهافت عليه أغنياء يرفضون ان يكبروا. هذا ما قاله تولستوي في رواية آنا كارنينا التي كان يكتبها في سبعينات القرن التاسع عشر حين ارتبط تطوير لعبة التنس الحديثة بالضابط البريطاني كلابتون وينغفيلد.
من جهة اخرى يشير رئيس تحرير مجلة نيويورك تايمز السابق والكاتب جيرالد مارزوراتي في مجلة نيويوركر الى ان الصحافي بي. أي. سيرغينكو الذي عاصر تولستوي، نشر كتاباً بعنوان "كيف يعيش ويعمل الكونت تولستوي" صدرت ترجمته الانكليزية عام 1899 وفيه يتحدث عن شخصية تولستوي الذي كان وقتذاك أيقونة وطنية روسية واسماً عالميا في اواخر الستينات من العمر، عن رغبته في التنازل عن ضيعته وكل املاكه وعن نظامه الغذائي النباتي حتى انه كان يتناول القهوة بحليب اللوز، وعن تبتله. وكان ذلك كله جزء من روحانيته المسيحية التي سببت له أزمة وجودية بعد ظهور اتباع أعلنوا انتماءهم الى عبادة اسمها "التولستوية" وغضب الكنيسة الارثذوكسية عليه. في غمرة هذا الصراع الروحي واللاهوتي كانت هناك لعبة التنس. وبحسب سيرغينكو في كتابه فان تولستوي كان يقضي ساعات كل اسبوع على ملعب التنس الذي انشأه في ضيعته "ياسنايا بوليانا" على بعد نحو 200 كلم جنوب موسكو. ويكتب سيرغينكو عن لعبة تنس بعد العشاء شهدها بنفسه وكان تولستوي احد اللاعبين فيها يركض ويضرب الكرة ويهتف. ويشير الكاتب الى شغف تولستوي باللعبة "لأنها تمنح عضلاته الكثير من الحركة. وهو يلعب بحماسة وقوة دون ان يفقد اعصابه".
ومن الكتب الأخرى المفيدة في هذا الشأن يذكر الكاتب مارزوراتي الجزء الثاني من سيرة حياة تولستوي المنشورة عام 1910 بقلم الانكليزي ايلمر مود الذي ربطته وزوجته علاقة صداقة مع تولستوي وترجم عددا من رواياته ومقالاته الى الانكليزية. ويروي مود الذي يصغر تولستوي 30 عاما انه في الواقع لعب التنس معه وان تولستوي "كان قصير النظر الى حد ما لكن سرعة حركاته كانت لافتة وفاجأني بفوزه حين كان يلعب ضدي رغم اني كنتُ امارس اللعبة في احيان كثيرة وأُجيد لعبها بقدر معقول". وفي مؤتمر دولي عن تولستوي عُقد قبل سنوات في ضيعة "ياسنايا بوليانا" تحدث البروفيسور فلاديمير الكسندروف من جامعة ييل عن توجه تولستوي في السنوات الأخيرة من حياته الى ممارسة لعبة التنس.
ويكتب مارزوراتي انه لم يجد شيئا بقلم تولستوي نفسه عن اللعبة سواء في يومياته أو غيرها. ولكن الأديب الروسي الكبير تعلم ركوب الدراجة الهوائية ايضا في ذات الوقت الذي استهوى فيه لعبة التنس. وكان ابن تولستوي ذو السبع سنوات فانيتشكا توفي مؤخراً، وحزن تولستوي حزنا بالغا لوفاة ابنه. وأهدته جمعية موسكو للدراجين دراجة هوائية مع دروس لتعلم ركوبها، وأخذ يتمرن على الطرق التي تخترق حدائق ضيعته. وأحب هذه الرياضة وأصبح ركوب الدراجة الهوائية مع لعبة التنس جزء من برنامج حياته اليومية. وكان تولستوي يركب دراجته الهوائية كل يوم بعد الانتهاء من اعماله الصباحية. وأصابت هذه الهواية بعض الفلاحين بالصدمة، ويبدو انها لم تلق قبولا من بعض اصدقاء تولستوي واتباعه الذي نظروا الى ركوب الدراجة على انه ممارسة عابثة وغير مسيحية ولا تنسجم مع زهده بالعالم المادي وهو الزعيم الروحي والشيخ الحكيم الذي لا يليق به ان يركب الدراجة الهوائية "وكأنه طفل". هذا ما قالوه عن ركوبه الدراجة الهوائية ولا يسعنا إلا ان نتخيل ما كانت ألسنتهم تلوكه عن ممارسته لعبة التنس.
تناول تولستوي هذه التحفظات في يومياته. ويُلاحظ انه دافع عن نفسه كما سيفعل فرونسكي الذي هربت آنا كارنينا للعيش معه لو كان انسانا واعيا يتصارع مع نفسه قبل ان ينام، ولكنه لم يكن انسانا كهذا. أراد تولستوي ترييض جسمه وتجريب اشياء جديدة رغم تقدمه في العمر. ورأى امكانية الشعور بالمتعة والارتياح في النشاط البدني. وكتب تولستوي "ليس هناك ما يضير في تمتع المرء ببساطة، مثل صبي". فان تولستوي، الشيخ، كاتب الروايات العظيمة والمقالات الجادة، المتأمل في "أمور كبرى" مهجوساً بشبح الموت، كان مع ذلك يريد ان يلعب.
565 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع