عبد الكريم الساعدي..والعودة الى مواسم الخريف
بغداد / الگاردينيا - عبدالرضا غالي الخياط *:اعتبارياً، القصة فن جميل لاتختلف في منحاها وأهدافها عن بقية الأجناس الأدبية، لاعتمادها على " الموتيفات " ذاتها التي ترتكز إليها الفنون الأجناسية، وان لم تكن بتلك السعة المعهودة، كما ان القصة فن صعب للغاية وليس بالإمكان لأي من كان الخوض في عوالمها دون ان يكون على قدر كبير من المعرفة والتمكن من اشتراطات " القص". وتشهد الحركة الأدبية في العراق اليوم عودة كثير من الأسماء التي كانت الى وقت قريب يمنع نشر نتاجاتها الأدبية، وذلك بسبب وضعهم في قائمة الأسماء المشاكسة، وهذا ما جعل من القاص والمربي عبدالكريم الساعدي متميزاً في عطائه القصصي، ومبدعاً مجدداً في نصوصه، ومن خلال العتبات الأولى لنصوصه نلمس بوضوح الوجع العراقي، الذي يأخذك إلى ما هو غرائبي وعجائبي تجاوز حتى مسارات الفنطازيا، والساعدي قاص متمكن من أدواته الفنية، وإمتلاكة ناصية لغة " القص" بحرفنة تثير الدهشة والإعجاب، لما فيها من كثافة هي أقرب ماتكون الى السرد منها إلى الصور الشعرية، قدمها بمعالجات فنية ترتقي إلى مستوى الوعي النقدي، عبر شخوصها المتخمة بالآلام والأسئلة التي لاتستجيب للواقع المزري. وقد أصدر مجموعتي قصص : الأولى جاءت بعنوان " ما بعد الخريف " والثانية وسمت ب" كوميديا العالم السفلي " بالإضافة إلى " مرايا الشيب " تحت قيد الطبع؛ تناول فيها تجارب إنسانية وحيوات مختلفة سواءً في الزمان أم المكان، وما قدر لها على أرض الواقع المرّ الذي عاشته شخصيات نصوصه المثقلة بالهموم والأحزان، والمطاردة من الآخرين؛ كونها تبحث عن الأمن والدفء والاستقرار. وقد احتفت به المدونة النقدية العربية أيما احتفاء كما حصل على عدة جوائز وشهادات تقدير داخل العراق وخارجه، كما سيصدر له قريبا كتاب " ضمير الفصل في القرآن الكريم - دراسة نحوية ودلالية " وهو في الأصل رسالة ماجستير في اللغة العربية. لذا قدر لنا أن نلتقيه في " اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق " في حوار عن تجربته القصصية واشتغالاته السردية.
س: هل حققت مجموعتك القصصية " ما بعد الخريف "، أهدافها ؟
نعم، أعتقد ذلك لأنها رسالة تحمل معانات وجراح بلدي على مدى ثلاثة عقود، فكانت وثيقة سردية موشاة بالألم وحزن عميق، حاملة ملامح الخراب " الحرب- الحصار- الإرهاب" الذي خلفته أنظمة الطغاة والحكام الفاسدين، لاسيما سنين الحرب، وكما تعلمون " أن أجمل قصص الحرب هي التي تكتب لاحقاً " كما يقول د. حسين سرمك، ومن جانب آخر فقد تناول المجموعة عدد من النقاد العراقيين والعرب وقد أثنوا عليها، أمثال: الناقد علوان السلمان وهاني عقيل ومحمد يونس ويوسف عبود جويعد وأحمد البياتي وعبدالله جمعة " من العراق"، والناقد القدير أحمد طنطاوي و محسن الطوخي " من مصر" والناقد هشام صالح من المغرب، إضافة إلى القراءات النقدية لعدد من الأدباء والكتاب.
س: لماذا انقطعت عن كتابة القصة وأنت بهذا القدر الكبير من الطموح والإخلاص للكتابة ؟
أنا لم أنقطع عن كتابة القصة القصيرة؛ لكنّي انقطعت عن التواصل مع البيئة الأدبية والنشر، بسبب موقفي المعارض للنظام السابق، فقد اتخذت قراري دون أسف في عدم النشر في الصحف الصفراء، ومسايرة ما يريده النظام السياسي السابق من الكتّاب، فالكاتب ينبغي أن يكون حراً بعيداً عن الضغوط بكلّ مسمياتها، وقد كلّفني ذلك ضياع سنوات العطاء وغياب وجودي في الساحة الأدبية، وعزائي في ذلك أن الكتابة أعدها مسؤولية ووجود، وأنّ هناك فسحة من العمر أستطيع من خلالها إيصال رسالتي إلى المتلقي.
س: كيف تنظر للقصة العراقية في واقعها الراهن ؟
من خلال الحراك الثقافي، وكثرة القصاصين وتأسيس المنتديات والنوادي والورشات، وحصدها الجوائز، ونيل قسماً منها حظه في الترجمة، والنقد من قبل نقاد كبار، وكثرة الإنتاج على مستوى إصدار المجاميع القصصية ، فالقصة العراقية في توهج وتطور، وقد خاضت غمار التجريب من خلال التجديد في أشكالها وعمق المعاني من خلال الانفتاح على الأجناس الأدبية الأخرى ، وطرحها لمضامين مسكوت عنها وملامسة كثير من تفاصيل الحياة. أنا متفاءل في مستقبل القصة العراقية وأعد هذا الزمن هو زمن القصة القصيرة مستنداً على معطيات الواقع بعيداً عن انطباعاتي الذاتية كقاص. كلّ هذا التميز والإبداع في مجال القصة القصيرة جاء بجهود الكاتب الذاتية، على رغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها القاص العراقي وإهمال المؤسسات الثقافية له.
س: ثمة من يقول إن الرواية أزاحت القصة عن مكانها، هل هذا القول فيه شيء من الصحة ؟
السؤال فيه نظر، صحيح أنّ الرواية تعيش أوج ازدهارها في العالم ، ولها أهميتها الكبرى وقراءها في كلّ أرجاء الأرض، ومن النقاد من يعدّها ديوان العرب في هذا العصر، إلا أنّ تأخر القصة عن ملاحقة الرواية له أسباب أخرى، لعلّ من أهم الأسباب هو عدم الاهتمام بها من قبل المؤسسات الثقافية وعدم إدراك أهميتها في عصر السرعة، إضافة إلى عدم ملاحقة النقاد لهذا الفن الرفيع، بما يتناسب مع تطورها وغزارة إنتاجها، ومع هذا كله استطاعت القصة القصيرة أن تحصد جائزة نوبل للأدب لتستعيد مكانتها الحقيقية.
-س: من الجيل الأكثر تطوراً في القصة العراقية ؟
أعتقد أنّه جيل السبعينيات، لأنّه استند على إرث صلب ومتماسك ، هذا الإرث استطاع أن يرسم له ملامح الأسس الفنية للقصة " جيل الخمسينيات " وروح التمرد من خلال اتباع أساليب التجريب " جيل الستينيات "، إضافة إلى اطلاعه على مناهج وأساليب القص الحديث، وازدهار الحياة الثقافية والعلمية.
س: هل بالإمكان الحديث عن المجموعة القصصية الأخيرة ، الموسومة بعنوان : " كوميديا العالم السفلي ؟
" كوميديا العالم السفلي " هي المجموعة القصصية الثانية، صدرت عن دار بورصة الكتب في القاهرة / 2016، تتضمن خمس عشرة قصة ، تناولت فيها واقع الإنسان البائس ومعاناته في ظلّ قوى الفساد والإرهاب ، وما يتعرض له من ظلم واضطهاد ، حتى أصبحت حياته أشبه بحياة الموتى، إذ تحولت حاجاته البسيطة إلى حلماً يعتاش عليه.
س: ما التقنيات التي اعتمدها في معالجة نصوصك القصصية ؟
توظيف الأساطير لا سيما السومرية واليونانية في جوانب كثيرة من النص ، وطرح أحداث جانبية إلى جانب الحدث الرئيسي لأحصل على تداخل حكائي كي أرسم بعض تفاصيل الواقع الإنساني المعاش والمسكوت عنه، إضافة إلى حضور الماضي بكلّ تجلياته لإعادة إنتاجها في مخيلة المتلقي؛ وفي بعض القصص أمزج الواقعي بالغرائبي. وعلى مستوى اللغة أعمل على صياغة الجملة والعبارة بلغة مكثفة ، محاولاً التخلص من الزوائد وأدوات الربط اللغوية حسب ما يتطلبه السرد ، وأحرص على اللغة الشعرية في رسم الشخصيات والأحداث من خلال انزياحات اللغة بقدر مناسب حتى لا تفقد اللغة الشعرية سبب وجودها, كما وأعمل على تجسيد الصورة وشخصنة الجماد لإيصال رسالة النص إلى حواس المتلقي عبر بعض التقانات السينمائية، إضافة إلى استخدام الحوار المكثف في بعض القصص. كل ذلك استخدمه من أجل خدمة الفكرة أوالمضمون المراد إيصاله إلى ذهن المتلقي، وحسب حاجة النص.
السيرة الذاتية:-
*- تولد - بغداد عام 1958 .
*- مدرس - لغة العربية.
*- بكالوريوس لغة عربية - كلية التربية - جامعة بغداد.
*- دبلوم فني - قسم التربة - المعهد الزراعي الفني.
* -عضو اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق.
* - عضو اتحاد الصحفيين العراقيين.
* - عضو نقابة المعلمين العراقيين.
- : مابعد الخريف" قصص – دار أمل الجديدة – دمشق 2015.
- : كوميديا العالم السفلي " قصص - دار بورصة الكتب - القاهرة 2016.
* - حصل على درع حضارة العراق من منظمة الكلمة الرائدة عن قصة " طقس عبثي " التي فازت بالمركز الأول في مسابقة واقع الطفولة العربية عام 2015.
* - حصل على درع بغداد للتميز والإبداع عام 2015.
*- فاز بالمركز الأول في المسابقة التي أجراها " صالون مي زيادة الأدبي " عن قصة " قرابين البحر "2015.
* - فاز بالمركز الأول في المسابقة التي أقيمت في الكويت تحت رعاية رابطة أدباء الكويت عن قصة " صهيل القوافي " عام 2015.
*- فاز بالمركز الخامس في المسابقة التي أجرتها دار ضاد للنشر والتوزيع - مصر والتي تنافس فيها أكثر من 700 قاص عربي، عام 2015.
* - نشرت قصصه في اغلب الصحف والمجلات المحلية والعربية، و كذلك في المواقع الإلكترونية.
*مدير مكتب الگاردينيا في بغداد
434 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع