الفنان الذي رصد الشارع وهموم الآخرين
بغداد / الگاردينيا - عبدالرضا غالي الخياط *
الكاريكاتيراحد الفنون التشكيلية، لاحتوائه على عناصر الرسم من خطوط وكتل وفراغ وموضوع إشكالي متكامل، ولاعتماده على تقنيات الرسم ذاتها، وهو أيضاً من الفنون الصحفية وله القدرة على التعبير والإشارة عن فكرة نقدية بأسلوب ساخر يؤدي دور المقال الصحفي،
كما أنه يستطيع ان يصل الى جميع القراء بسهولة ويسر على اختلاف مستوياتهم الثقافية والفكرية، ويكون محل إعجاب وتقدير الجميع مهما تباينت اتجاهاتهم السياسية. ولهذا قدر للكاريكاتير أن يدخل ميدان الصحافة منذ وقت مبكر من تاريخها، ضمن رسالته الإنسانية وأهدافه السامية وأصبح احد الأدوات المؤثرة المتميزة والمهمة في عملية الانتقاد والتعبير والإشارة، عن مجمل قضايا الواقع الإنساني وما يتعلق بالظواهر المدانة والسلبيات في المجتمع التي قد تعجز عن قواها الكلمة المكتوبة ويمكن إيجازها من خلال بضعة خطوط فنطازية بسيطة وبملامح تجريدية تماهى وتستوعب هموم وطموحات الناس وترصد الواقع الراهن.
والفنان حمودي عذاب احد ابرز رسامي الكاريكاتير في العراق، عمل في جريدة القادسية بصفة رسام كاريكاتير لحد سنة 2000، نشرت رسومه في اغلب الصحف والمجلات المحلية، الجمهورية - الثورة - ألف باء - القادسية. له أكثر من 112 معرضاً شخصياً زين بها محافظات العراق، كما اشتغل في الصحف والمجلات التي صدرت بعد التغيير في العام 2003، ومنها على سبيل المثال دون الحصر، جريدة الصباح - والتآخي - والدستور- والبرلمان - ومجلة نون، وهو أول من أدخل الكاريكاتير في الإعلام المرئي عبر القنوات الفضائية، البغدادية - الاتجاه - المسار- والمسار الأولى، بعد ما كان يراوح في الصحف المقروءة، كما شغل رئيس تحرير العديد من المجلات الساخرة، التجمع - ومطرقة الجماهير- والكاروك - والفلقة، صدر له أكثر من كراس كاريكاتير، تناول فيها الفوضى والإرهاب، وبطولات الجيش العراقي والحشد الشعبي الوطني، بالإضافة إلى مظاهر الفساد والرشا وسرقة المال العام من قبل بعض القوى المتنفذة. حصل على جوائز وشهادات تقديرية من قبل مؤسسات علمية ومنتديات ثقافية رصينة، منح لقب أفضل فنان كاريكاتير في العراق من جامعة بغداد - كلية الإعلام، كما حصل على شهادة تقديرية من مهرجان سعد الدين وهبة في مصر والذي افتتحه انس الفقي في العام 2006 حيث جسد فيه تداعيات الاحتلال الأمريكي على العراق وما خلفه من آثار دمار وخراب على البنية التحتية وعلى الواقع الاجتماعي والإنساني. رسم الكثير من التخطيطات التي تدين مظاهر الفساد بكل أشكاله المعنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أدان بأعماله مظاهر الطغيان والدكتاتورية. يذكرك بنفسك، عندما تمزح بمواجهة المشاكل الكثيرة كي تتفادى البكاء أو الصراخ أو الشتيمة، تشعره قريباً وحميماً في غربتك التي تتسع وتقول من أين له كل ذلك ؟
يرسم عن الإنسان المهموم المغلوب على أمره، يرسم ضد الذين ينهبون ثروة المواطن ويتركونه جائعاً يائسا، ضد كل القوى الغاشمة التي تطحنك باسم الدفاع عن حقوق الإنسان وحريته، ضد الأنظمة البيروقراطية المتعفنة التي تمنعك عن أدنى حقوق العيش بكرامة.. يرسم عن الإنسان الموسوم بالعذاب لأن حصته من الإرث كبيرة، يحكي عن التشتت والضياع والقهر في عراق الحريق العربي. يقترب من أوجاع المحرومين بحذر، حينما لأتفرد الصحف والمجلات المحلية والعربية والدولية لجثث وضحايا المغدورين من الظهر والبيوت المهدمة الصفحات بل الزوايا المنسية من روح الإنسان المعذب، حينما تتبرأ من الدماء التي غسلت شوارعنا كل شعوب العالم المتحضر!
تجد في رسومه العبث، كأنه يعيد صياغة العالم من جديد، ويوحي لك بأن هناك بصيصا من الأمل، رسومه تعيد الى الإنسان اعتباره فهو جدير بريشته الناطقة ضد الظلم الذي استلب حرية الإنسان المعزول عن دائرة الصراع القائم على المصالح الآنية، فنان يتعاطف مع آلام الآخرين ليس عن بعد، بل عن مجاورة ومشاركة هكذا هو على الدوام. التقيناه في حوار ليجيب عن أسئلتنا في مقر عمله في " جمعية رسامي الكاريكاتير"، والفنان كان حريصاً في حديثة عن الكثير من الجوانب الفنية والموضوعية التي تخص فن الكاريكاتير ورسالته السامية وما آل إليه.
س: كيف تعرف لنا الكاريكاتير، وما هي خصائص هذا الفن العظيم ؟
الكاريكاتير فن من الفنون الصحفية المقروءة وله قدرة إبداعية بتوضيح الخبر من خلال الفكرة والخطوط ويغنيك عن كتابة موضوع كبير من خلال رشاقة الخطوط وقوة ملاحظة رسام الكاريكاتير المبدع حيث قال عن الكاريكاتير قائد الحركة السريالية سلفادور دالي: " الكاريكاتير فن المستقبل "، كونه يعتمد على الواقعية ويجسدها بالرمزية المختصرة.
س: الكاريكاتير فن له إمكانات كبيرة وواسعة في التعبير والإشارة، ربما لاتتوفر في مجالات أخرى، وقد يكون أحيانا ابلغ من صحيفة مكتوبة، كيف تفسر ذلك ؟
بصراحة الكاريكاتير في العراق مهمشّ منذ النظام السابق وحتى هذا اليوم الذي نعيشه نتيجة الفهم الخاطئ لهذا الفن الراقي الجميل وكنا نعتقد ان الذين يحكمون العراق بعد سقوط الصنم هم منفتحون أكثر من النظام السابق لكننا فوجئنا ان الذين جاءوا وحكموا العراق هم عقول يسودها التزمت والتخلف كونهم همشوا الثقافات في العراق من ضمنها الكاريكاتير، لذلك أصبح المتنفس الوحيد لرسالة الكاريكاتير هو" الفيسبوك "، وإقامة المعارض من خلال المؤسسات الحكومية وغير حكومية حيث أصبح المركز الثقافي البغدادي يأوي رسام الكاريكاتير بشرط ان تكون رسومه خاضعة للرقابة وتخدم العملية السياسية.
س: كيف استطاع الفنان حمودي عذاب ان يجسّد فكرة استيحاء قضايا الإنسان والمجتمع في العمل الفني ؟
الفكرة تأتي نتيجة المتابعة اليومية للصحف والتلفاز وأحيانا تتكون نتيجة مشاهدة موقف في الشارع العام وأجسدها بأسلوب كاريكاتير معبر باعتبار الكاريكاتير ومضة تقدح في أي وقت دون موعد مسبق.
س: ما الأهمية التي يحضى بها فن الكاريكاتير ؟
جميع الرسوم الكاريكاتيرية التي ترسم لها أهمية سواء كانت اجتماعية او سياسية لكن الأهمية الأكبر هي الفكرة السياسية باعتبار العراق يتعرض إلى هجمة استعمارية من قبل أعدائه حيث نشاهد الكاريكاتير يصب في الاتجاه السياسي كونه حدث الساعة؛ لكننا لانجد أهمية معينة من قبل الساسة والمختصين بالثقافة لذلك نجد أنفسنا خارج ما يتمناه السياسي.
س: كيف تنظر إلى الكاريكاتير في العراق وفي عموم العالم العربي ؟
مع الأسف الكاريكاتير في العراق همشّ لكنه مزدهر في الوطن العربي حيث لدينا علاقات مع مؤسسات صحفية وإعلامية عربية قيمت الكاريكاتير العراقي وضمته للمسابقات الدولية وهذا الشيء يفرحنا كثيراً أما الكاريكاتير العربي أيضاً تأثر نتيجة تداعيات ما يسمى بالربيع العربي الذي أصبح الخريف العربي وسقطت أوراقه الثقافية من خلال حكامه الجدد.
س: من هو رسام الكاريكاتير في نظرك، وما الذي يميزه عن الآخرين ؟
جميع رسامي الكاريكاتير هم في نظري يمتلكون أساليب وخطوط معينة معروفة ولهم قدرة إبداعية في تخصصهم، لكنني اجد ناجي العلي الرسام الفلسطيني الذي قتل نتيجة رسالته المعبرة والناقدة للكيان الصهيوني حيث قال عنه موشي ديان وزير الدفاع السابق : ان " ناجي العلي اكبر من ياسر عرفات "، باعتباره أعطى قيمة أساسية للقضية الفلسطينية وإيصالها إلى ابعد منطقة في العالم.
س: للكاريكاتير قدرة على الترويج يفتقدها المقال السياسي أحيانا، وبالتالي يأتي التزامك بالرسم باستمرار عن قضايا الإنسان والواقع الراهن من قبل الطرافة في تناول هذه المواضيع الحساسة أم عن موقف أخلاقي معين وواضح من الواقع ؟
أكيد فن الكاريكاتير له قدرة إبداعية واسعة من خلال ما يشاهده رسام الكاريكاتير ويجسده بخطوط رشيقة وفكرة مبسطة تصل الى المتلقي بسهولة دون ان تطرق باب قلبه باعتباره لغة عامة ممكن ان يفهمها الجميع وبالتالي اجد نفسي ارسم بشراهة وأتمتع عندما أشاهد الرسمة اخترقت قلوب الناس وأسعدتهم كونها من الواقع المرير، خاصة بعد ما همشّت نقابة الصحفيين العراقيين الكاريكاتير واعتبره فنا من الفنون التشكيلية، وعندما أكدت للنقابة بأن الكاريكاتير فن من الفنون الصحفية المقروءة، حيث كانت لدينا لجنة الكاريكاتير في نقابة الصحفيين، والتي أسست في العام 1985 على ضوء الانتخابات، لكن النقابة أحالت رسام الكاريكاتير إلى" جمعية الفنانين التشكيليين"، وقامت بإلغاء هذه اللجنة بعد العام 2005 - 2006، ومن خلال مجلة الكاردينيا الغراء أناشد كل الزملاء والمعنيين المختصين إعادة لجنة الكاريكاتير الى النقابة باعتباره من الفنون الصحفية المقروءة كما إنني أطالب اعتبار رسام الكاريكاتير صحفي مثل ما كان معمولا به حيث كان يحتسب عضوا عاملا في النقابة بصفة رسام كاريكاتير صحفي.
*مدير مكتب الگاردينيا في بغداد
604 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع