رحل بهدوء تام.. الاديب والفنان التشكيلي العراقي سبتي جمعة الهيتي الذي وافاه الأجل ليلة الاثنين الماضي عن عمر ناهز الـ 65 عاما ، إثر صراع مع المرض استمر لاشهر عديدة قضاها على سرير احد المستشفيات من دون ان يلتفت اليه احد .
ايلاف / عبدالجبار العتابي:نعى اتحاد الادباء والكتاب في العراق فقيده الشاعر والرسام سبتي الهيتي بسبب الاهمال الحكومي كما اعلن الاتحاد ذلك في بيان النعي المقتضب ، ويعد الهيتي واحدا من الادباء الذين يتميزون بالنشاط الدؤوب والعلاقات الطيبة مع الوسطين الادبي والتشكيلي فضلا عن تواضعه وبساطته وروحه العراقية الجميلة وانشغالاته التي تؤكد عشقه للشعر والرسم اللذين لا ينفكان وهما بالنسبة اليه مثل عشقه لميدنته (هيت) التي اقام لها معرضا حمل عنوان " مدينة بذاكرة الفرات ".
يقول الصحافي قحطان جاسم عنه : الهيتي رسام غير تجاري لا يبحث عن ربح أو بيع لوحة كي يستفيد منها ،بل هو يرسم لإرضاء ذائقته والتعبير عن هواجسه وخلجاته، ويجمع لوحاته في منزله محملا عائلته عبئا كبيرا ، وعيناه متجهتان نحو صوب ( متحف سبتي الهيتي ) الذي كان يزمع إقامته في مسقط رأسه ( هيت ) ، بعد ان منحه رئيس الجمهورية قطعة الأرض لإنشاء المتحف عليها ، وهو ينتظر دعم الدولة في ذلك حتى تتحقق أمنيته في حياته وليس بعد مماته .. وقد أوصى الهيتي أولاده بأن لا يبيعوا لوحاته بل يحتفظون بها اعتزازا باعماله .
واضاف: الهيتي رجل صهر عمره في بوتقة الفن والأدب ، وعاش كل لحظاته بين الألوان والكلمات والمعاني الممجدة للإنسان أنى يكون ؟ سبتي هذا العاشق المهذب كالفرسان لأنه بقية خميرة نقية لا لشيء إلا لإعادة نسغ الحياة ومن منطلقات نبيلة وراقية .
حوار قبل الرحيل
قبل مرضه بمدة كنت قد التقيته للحديث عن معرض تشكيلي اقامه مستمد افكاره من قصائد الشاعر نزار قباني ، وقد اكد انه يعشق الشعر مثلما يعشق الرسم وان هذين الفنين الجميلين بدأ بهما حياته واستمر معهما ولا يمكن ان يفضل احدا على الاخر وانه بهما يعبر عما يجيش في نفسه بصدق
وقال :في هذا المعرض المتواضع اردت ان استذكر نزار قباني باعتباره شاعرا كبيرا فتحت عيني على اشعاره الاولى التي كتبها عام 1956 واصدرها في ديوان عنوانه قصائد وكانت فيها اصعب قصيدة وهي التي يصف بها السوريين عندما داهمهم مرض السل حيث قال فيها :
(في ليالي الشرق لمَّا..
يبلغُ البدرُ تمامُهْ..
يتعرَّى الشرقُ من كلَِ كرامَهْ
و نضالِ..
فالملايينُ التي تركض من غير نعالِ..
و التي تؤمن في أربع زوجاتٍ..
و في يوم القيامَهْ..
الملايين التي لا تلتقي بالخبزِ..
إلا في الخيالِ..
و التي تسكن في الليل بيوتاً من سُعالِ
أبداً.. ما عرفت شكلَ الدواءْ..)
في هذه القصيدة تعرض نزار قباني الى العتب واللوم كونه ثار على التقاليد حيث يتزوج السوريون باربع زوجات فيما هم في احوال سيئة، منذ ذلك الوقت الى اليوم والناس تلتفت الى اشعار نزار قباني وترى فيها ثورة على الواقع ، وبعد هذه الثورة اتجه نحو المرأة وأخذ يتكلم باسمها وينظم اشعاره دفاعا عنها ، ونتذكر قصيدته التي تغنيها نجاة الصغيرة (ايظن اني لعبة بيديه) .
واضاف:اللوحات تتوزع ما بين السياسة والمرأة ، وهي مستقاة من القصائد التي تأثرت بها من اشعار نزار واغلبها قصائد الحب التي غناها عبد الحليم حافظ زماجدة الرومي وكاظم الساهر وكذلك القصائد التي عبر فيها عن مأساة العرب بعد نكسة 1965 وقال عنها انها نكسة عربية بحق ،وقد اخترت نزار لانني منساق مع اشعاره ومع كل قصائده التي قرأتها كلها كما انه شاعر عربي متمكن اضافة الى ذلكم فقد سبق لي ان انتجت لوحات عن الشاعر السياب مستقاة من اشعار السياب .
وتابع : تعاملت مع القصائد باختيار الشذرات الاولى من القصيدة، الشذرات التي تعبر عن جذوة القصيدة ، فمثلا في قصيدة بلقيس فهو يخاطب زوجته التي قتلت بانفجار السفارة العراقية ببيروت (ايتها الملكة وايتها الشهيدة) ،فقد اخذت من الكلمات المؤثرة واستطعت ان اصوغ بمقدرتي الفنية المتواضعة اللوحة ، فهنك مثلا لوحة اسمها (المدينة المهجورة) وهي المدينة التي تركها العرب بعد نكسة حزيران وجعلوها فارغة وتركها اهلها المهجرون، وهناك قصائد تصبح اضافة او تحلية للوحة لان فيها (كولاج) ، فهناك صورة لممثلة جميلة وهناك كلمات لنزار تتحدث عن الجمال .
وأوضح : المعرض بحد ذاته عبارة عن استذكار لنزار قباني باعتباره شاعرا عربيا يستحق منا وان كان ناقما على العرب لانهم لم يعتبروا المرأة جزء من المجتمع.
واضاف ايضا: الصعوبة في رسم اللوحات قائمة منذ الفكرة الاولى ثم ان اللوحة ليس انتاجها بالهين فكيف اذا كانت تجسيدا لقصائد شاعر مثل نزار ، فالصعوبة تكمن في كيفية انشاء موضوع من خلال الالوان والتكنيك ، ثم حاولت ان امزج اللون الاكاديمي بالحديث واستطعت ان اضع الهارموني متشابكا ، فكل عمل يبذل فيه الانسان جهدا صعب ، لكي يبدع، فأنا مثلا اقرأ القصيدة واتاملها جيدا ، فأنا عادة ما اخذ مقطع معينا من القصيدة والمقطع الاخير فأنشيء عليهما الرسم في اغلب الاحيان .
واوضح ايضا: كل لوحة تأخذ مني وقتا ليس محددا ،فهناك لوحة انهتي منها باربعة ايام وهناك باسبوع او اكثر وحسب قناعتي باللوحة .
وختم بالقول : رسالتي من خلال هذه اللوحات تحية للثقافة العربية وتحية الى روح نزار قباني الذي ترك لنا ذخرا كبيرا واعاننا على تفهم الواقع ونبهنا الى ان العرب ينبغي لهم ان يستفيقوا لكي يحقق طموحاتهم ، كما ان رسالتي الاخرى ان على التاريخ ان يكون وفيا للمبدعين العرب .
سيرة ذاتية
وسبتي الهيتي من مواليد عام 1940 في مدينة هيت التابعة لمحافظة الانبار ، وهو عضو الاتحاد العام للأدباء الكتاب في العراق وعضو جمعية الفنانين التشكيليين العراقية وعضو اتحاد الحقوقيين العراقيين، وعضو نقابة المحامين في العراق،حاصل على شهادة البكالوريوس في القانون من الجامعة المستنصرية – بغداد،أقام المعرض الشخصي الأول له عام 1969، وشارك في العديد من المعارض داخل العراق وخارجه فضلا عن معارضه الشخصية التي كان اخرها عام 2015 .
اما نتاجه الشعري فتمثل في الديوان الشعري الأول بعنوان (( أوراق مسافر )) عن دار الشؤون الثقافية العراقية تضمن قصائد مرحلة الستينيات، وديوان المراثي بعنوان ( ذاكرة الخلود ) عن دار آراس للطباعة والنشر ، وديوان(ملصقات على أبواب المدينة) عن دار الينابيع. ثانياً وديوان (مزامير ديموزا) عن دار أمل الجديدة في دمشق ، كما صدرت له رواية "الطريق الصعب" عن دار الزاوية ، ولديه مخطوطة رواية بعنوان" الفلكة " وكتاب تحت نصب الحرية ومقالات في الادب والشعر.وله في الختام هذه الابيات :
لــك الـحمــد يــا ربي فـفضلـك وافــــرُ وعـن كل مــا أعـطيتني أنا شاكرُ
فـعـلـــمٌ وأحفـــادٌ وبــيــتٌ وجـنــــــةٌ ستبقى بها روحي إذا ما أغــادرُ
لتسكـن نفـســـي فـي جـوارك حـــــرةً وراضـيـةً عـن كلّ ما أنـت غافـرُ
رحم الله سبتي الهيتي انسانا وشاعر ورساما
430 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع