الشاعرة آخين ولات: الشاعر هو الكائن الذي يموت طفلا
رغم سطوة الرواية على المشهد الأدبي العالمي والعربي، يبقى للشعر حضوره، رغم تقلص بريقه والتناقص الكبير لجمهوره في زمن القارئ الذي يسعى فقط إلى أعمال تلبي حاجياته من المتعة السهلة، لكن لا عداء بين الأجناس الأدبية على الإطلاق إذ سيظل الشعر قائما يطوّر من نفسه كجنس من أقدم أجناس القول والكتابة الإبداعيين.
“العرب” التقت الشاعرة الكردية السورية آخين ولات التي تقيم حاليا بالسويد، وكان لنا معها هذا الحوار حول الشعر والوطن.
العرب - آرام:لا يمكن للحديث مع الشاعرة السورية الكردية أو الكردية السورية، آخين ولات إلا أن يكون شيقا وعميقا وحميميا حميمية الشعر، تلك الشاعرة القادمة من جبال الأكراد ونارهم المشتعلة، ابنة عفرين، وابنة حلب وجامعتها. هي دائما على سفر، كأنها تطارد المعنى من فوق غمامة الشعر، وكأن حياتها التي نذرتها للشعر والحب والجمال، قصيدة تقرأ من جميع الجهات وبجميع اللغات.
طريقة عيش
تقيم الشاعرة آخين ولات في السويد منذ عدة سنوات، تلك الشاعرة التي تكتب بلغتها الأم الكردية، إضافة إلى اللغة العربية التي درست آدابها في جامعة حلب، كما لها نشاط بارز في الترجمة، إضافة إلى اشتغالها على اللغة السويدية مؤخرا حيث أنها تشارك في معظم مهرجانات ونشاطات مدينتها غوتنبورغ، كذلك نشاطات اتحاد الكتاب السويديين.
من أعمالها التي تنوعت بين الترجمة والكتابة باللغة الكردية أو العربية نذكر: بالكردية “قصائد بلا لسان” سنة 2000، و”ريح الشمال” سنة 2006، وبالعربية “الموسلين الأزرق” سنة 2010، و”مشمشة وكرزتان”، و”متاهة لولبية” عام 2012. كما لها كتاب بعنوان “قصائد مترجمة إلى السويدية”، وأعمال أخرى.
لم تنشأ آخين ولات في بيئة أدبية أو فنية، لكنها برغم ذلك استطاعت أن تخلق بيئتها الخاصة وعالمها الشعري، واستطاعت أن تعيش الشعر كأسلوب حياة مع إدراكها العميق للحياة وتناقضاتها، إذ تقول: ليس الشعر أو القصيدة بالنسبة إلي سوى طريقة عيش، حيث الجميع يعيش ولكنهم لا يتشابهون كثيرا في كيفية قضاء هذه الفترة من النبض السريع البطيء.
وتواصل قولها: ربما من الغرابة أني التمست مفهوم الحياة بهذه المفارقات المتشابهة إلى حد التناقض، لكن هذه النظرة العميقة إلى الحياة كانت دهشتي الأولى في عالم الكتابة والشعر بشكل خاص، ومنها انطلقت.
كما تعتبر ضيفتنا أن تجربتها الشعرية لا تزال في طور التبلور أو هي “الجنين البالغ” وفق تعبيرها، هي التي تنتظر الآن القصيدة التي تطمح من خلالها إلى عالم آخر، يكشف لها جانبا مختلفا من ذاتها، ولا سيما أن السنوات الأخيرة كانت ثقيلة عليها حياتيا وشعريا، لما فيها من تراجيديا عالية يعيشها العالم العربي خاصة بلدها سوريا، تلك التراجيديا الدموية التي جعلت الكثير من الكتاب في حالة ذهول حملت الكثير منهم على عدم القدرة على الكتابة في خضم نهر الدم الجارف في هذا البلد الذي أنهكته الحرب.
لكن تبقى لدى الشاعرة آخين ولات، كحال كل المبدعين الحقيقيين، ثقة بالغد، وطاقة خلاقة لا تنضب ولا تستسلم للأمس، يتضح ذلك من خلال مفردات كثيرة أتت عليها مثل قولها: ما أطمح إليه وأشعر بطاقته داخلي، يجعلني دائما لا أشعر بجدوى الحديث عن تجربتي؛ أطمح إلى الغد أكثر من أن أهتمّ بتقييم الأمس.
وفي السياق ذاته تقول: الشعر هو الملجأ الأكثر مقاومة لانحرافات البشر، والشاعر هو الطفل الذي يموت طفلا بعد بلوغ قاس وبليغ.
كما تعترف ولات أن هناك تأثيرات مختلفة وعديدة على كل ما كتبته خلال تجربتها الشعرية، لكنها برغم ذلك، ترفض التأثر الذي يتحول إلى قيد، وبالتالي تصبح الكتابة عملية اجترار يتلاشى إثرها الإبداع.
تقول: أنا كائن طماع لا يحتمل قيود الأبوة ولا الانتماء التام إلى جيل معين ولا حتى إلى نوع بحدّ ذاته من الفن، لا أشعر إلّا بانتمائي إلى كل ما هو مميز وجميل، وإخلاصي هو لانتمائي اللامحدود إلى الكلمة والفكرة، واللون والمغزى واللحن والعبرة. وتضيف: أنا ابنة كل هذه المفاهيم الجمالية.
أما عن مستقبل الشعر، ولا سيما في ظل كل تلك التحولات التي تطرأ على حياة الإنسان اليومية والثقافية، وفي خضم تغييرات حقيقية تطال الإنسان خاصة في المنطقة المشرقية من الجغرافيا الكونية، تشير آخين ولات: لست قلقة جدا على مستقبل الشعر. نعم، هناك حركة تتحكم بتصدر جنس أدبي على أجناس أخرى، وهذا يبدو لي طبيعيا حسب متطلبات ومعطيات الواقع والتغيرات التي تطرأ على منهج ومنحى الثقافة والأدب.
تتابع ضيفتنا “من الطبيعي أن يقل اهتمام الناس بالشعر ويضعف إقبالهم عليه في الوقت الذي يتحولون فيه إلى مجرد روبوتات. إنها طبيعة العصر وليس العيب في الشعر بأنه فقد قيمته ودوره في التغيير، ومع ذلك يبقى الفريد هو الأثمن دائما، لأنه يبقى محتفظا بجوهره العميق”.
في حضرة المجهول
تعبر الشاعرة عن ارتيابها وخشيتها بالنسبة إلى مستقبل الحريات ومصير الإنسان في العالم العربي، وفي وطنها السوري على وجه الخصوص، فالمنطقة برمّتها أصبحت بين أرجل لاعبين كبار، آخر همهم الديمقراطية وحقوق الإنسان، في خضم مشهد معقد اختلطت فيه الأشياء، وتشعبت تفاصيله.
تقول ولات: هناك عبيد السلطة، وهناك متواطئون مع الظلم ولصوص صغار يسعون إلى النجومية في عالم الإجرام. ليس مثقفا من يتبع سلطة فاسدة، وبلادنا كلها غارقة في الفساد.
وتضيف: أعتقد أن غالبية دول المنطقة تعيش الآن على الإنعاش الاصطناعي وهذا موت محقق في حدّ ذاته، وستزداد هذه الدول موتا بقدر إقامتها في غرفة العناية المشددة.
وترى الشاعرة أيضا أن فصل الدين عن الدولة يضمن كرامة الجميع وفق تعبيرها، كما أن فرض قوانين إنسانية هو الحل لكل هذا الخراب، وتعتبر ولات أن صراع الديانات يحمل دمار الإنسانية ولا رحمة في حروب قائمة على أسس الديانات.
أما عن الوصول إلى مجتمع معافى لا يكون فيه الإنسان ضحية أبدية، كما هو الحال في الكثير من دولنا العربية، فإن الشاعرة توضح حيث تقول: حقيقة لا أرى الأمر صعبا للغاية، فقط يجب أن تتوفر النية الجادة للتغيير؛ إن سن قوانين تحترم الإنسان وتضمن حفظ كرامته لن يكلف الحكومات ثمن دبابة أو برميل متفجرات. وتربية الأطفال على أسس من الرحمة والإنسانية لن يكلف الحكام والحكومات ثمن صاروخ يحلمون به عابرا للقارات بهدف الإبادة.
398 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع