محطات في حياة الدكتور مهدي الحافظ

 

مهدي الحافظ وذكرياته غير الكاملة من (عنبر) الشامية وانتفاضة فلاحيها.. إلى التجربة الصينية والخصخصة ورئاسة الجمهورية.

  
               عبدالزهرة محمد الهنداوي

ليس بمقدور الانسان ان يغطي جميع الاحداث والوقائع في حياته عندما يروم ان يسجل نوعاً من الذكريات او بعضها” .. بهذه الكلمات يحاول الدكتور مهدي الحافظ التنقل بين عدد من المحطات التي توقف عندها في حياته بدءاً من ولادته في الشامية عام 1937 وحتى وصوله الى محطة انسحابه من الترشيح لرئاسة جمهورية العراق عام 2014 قادماً اليها من رئاسة الجلسة الاولى لمجلس النواب في دورته الثالثة وهو النائب والوزير السابق والمتسلح بشهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية ويحمل من الخبرة الشيء الكثير جمعها من العمل في المنظمات الدولية والحركات السياسية وعدد غير قليل من المؤلفات والاعمال البحثية. .
ثمانية وسبعون عاماً من عمر الحافظ كانت حافلة بالكثير من الاحداث والمحطات المهمة التي كان لها اثراً في توجهاته ومتبنياته الفكرية او حتى في مجال تاريخ الامم والشعوب .. هذه الاحداث والمحطات نظمها الحافظ بما يشبه العقد المتكامل في كتابه الجديد الذي اصدره مؤخراً وحمل عنوان (محطات في حياتي) .. الكتاب الذي يتألف من (148) صفحة من القطع المتوسط وجاء بلغة رشيقة وواضحة يمثل اضافة مهمة للمكتبة العربية نظرًا لما احتواه من تفاصيل مهمة عن عدد من الاحداث المهمة على المستويين الوطني والدولي .. اذ يبدأ الحافظ محطاته من مدينته (الشامية) التي ابصر الشمس فيها وكان امله بالحياة يتجدد وهو يتنسم رائحة العنبر اذ تعد زراعة الشلب العلامة الفارقة التي تتميز بها مدينة الشامية .
ان (كتاب محطات في حياتي) للدكتور مهدي الحافظ يقدم معالم سيرة ذاتية غير مكتملة لانه اقتصرها على الايجابي منها وتجاهل المحطات السلبية ليس تكبراً – كما يقول- انما لاسباب تبدو معقولة من وجهة نظره بعد ان خاض الكثير من التجارب ربما يكون العالم قد تجاوزها الآن لذلك فهو يقتصر محطاته على ما هو ضروري ومؤثر في حياته والأخرين ..
تمثل الشامية التي يتناولها المؤلف في الفصل الاول تحت عنوان (مدينة الشامية .. الحس الوطني والخصوبة الاقتصادية) تمثل محطة مهمة بالنسبة له .. فهي التي احتضنت الزعيم عبدالكريم قاسم معلماً في احدى مدارسها عام 1931 .. وهي التي شهدت اول انتفاضة للفلاحين في العراق عام 1954 احتجاجاً على الظلم والتعسف الذي يعانون منه وجاءت تلك الانتفاضة معززة ومكملة لانتفاضة 1952 .. كما انها كانت منطلقاً وتأسيساً لثورة تموز 1958 .. ويتحدث الحافظ بزهو عن اثر تلك الانتفاضة ودور العشائر الاصيلة في الشامية على سيرة حياته لاحقاً لأنها علمته الكثير من المعاني المرتبطة بالنضال والثورة ورفض الظلم ..
وبعد حديث وتفاصيل كثيرة عن الشامية .. ينتقل المؤلف الى الفصل الثاني ليتحدث فيه عن الطلبة بصفتهم اداة فعالة في الحركة الوطنية ودوره في الحركة الطلابية منطلقاً من انتفاضة الشامية عام 1954 التي كانت اول محطة في تحديد توجهاته السياسية لاحقاً .. مستذكراً الدور الكبير للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي عده علامة بارزة وسنداً ثابتاً للطلبة والشبيبة في جميع الفترات .
ويتوقف المؤلف في محطته الثالثة –الفصل الثالث- عند الماركسية المتأرجحة بين الجمود الفكري(الدوغمائية) وبين روح العصر وهو يتحدث عن شعور الخيبة الذي حل في الاوساط اليسارية والوطنية بعد انقلاب شباط 1963 .. وارتفاع الاصوات المطالبة بمراجعة السياسات القديمة التي تنتهجها الاحزاب الديمقراطية ومنها الحزب الشيوعي بهدف الوصول الى البدائل المناسبة ولاسيما مع بروز مشكلة النفط بعد التأميم .
وبدا تأثر الحافظ واضحاً بالتجربة الصينية ودلالاتها اذ افرد لها محطة خاصة في الفصل الرابع من الكتاب وقد تناولها من جميع الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية وهو الذي اطلع على تلك التفاصيل في منتصف عام 1960 يوم كان رئيساً لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية فسافر الى الصين بدعوة رسمية من القيادة الصينية ليشارك ايضاً في مؤتمر جمعية الطلبة الاكراد في اوروبا الذي عقد في برلين الالمانية .. ويتحدث الحافظ عن التجربة الصينية في جانبها الاقتصادي بشيء من الاعجاب لان السياسة التي انتهجها الصينيون اثمرت عن تحقيق نجاح كبير في تطوير المناطق الريفية والحضرية بنحو لافت فضلا عن الاصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد ومعالجة الكثير من المشكلات والاختلالات البنيوية في جميع مفاصل التنمية والتحول نحو الديمقراطية وتفاصيل أخرى كثيرة تستحق القراءة فعلا .
“حتى السنوات الأخيرة من حياتي المهنية لم اكن ميالا لتطوير القطاع الخاص ،ذلك لأن نشأتي السياسية وخبرتي الاقتصادية لم تحبذ هذا المسار لاسباب فكرية تقليدية والتزام ايديولوجي جامد” .. هكذا يستهل الحافظ محطته الخامسة من محطات حياته وهو يتناول قضية الخصخصة وتطوير القطاع الخاص .. مكتشفاً ان ذلك المتبنى قد اثبتت الحياة عدم جدواه لانه اعتمد على مفاهيم قديمة لا تسمح بأي تحول فكري جديد .. ويعتقد الحافظ جازماً ان الخصخصة بالنسبة للعراق تبدو خيارًا مهما تجدر دراسته بعناية بسبب هيمنة القطاع العام على الاقتصاد الوطني ولا يمكن للقطاع الخاص في ظل الظروف الراهنة ان يؤدي دورًا ريادياً مثلما كانت التوقعات تشير الى ذلك في بداية التغيير عام 2003 .
ويفرد الحافظ محطة أخرى من محطات حياته – الفصل السادس- ليستعرض المساعي المريرة للاخضر ابراهيمي في العراق بعد 2003 .. فابراهيمي كان يمكن ان يكون العامل الاساس في التغيير المنتظر في البلاد بعد زيارته التاريخية لبغداد عام 2004 ولكنه لم يكن متفائلا بما كان يجري في العراق فأمريكا احتلت العراق وحلفاؤها المعلنون داخلياً وعالمياً كانوا يسيرون على وفق خططها واهدافها الاساسية لذا كان الامل بالتغيير بعيدا عن الواقع وامكانات تحقيقه في ضوء ماكان يأمله ابراهيمي .
وفي محطته السابعة والاخيرة يضع الحافظ رحال ذكرياته غير الكاملة في رحاب الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب العراقي المنعقدة في الاول من تموز 2014 والظرف الدقيق الذي كانت تمر به البلاد من توتر واضطراب داخلي .. وصولا مبادرته في الانسحاب من الترشح لرئاسة الجمهورية لاتاحة الفرصة امام الفرقاء السياسيين للتفاهم والتمهيد لاختيار شخص مناسب على وفق مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين واحترام موجبات الوحدة الوطنية .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

415 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع