ذخائر التراث الكردي في خزائن بطرسبورغ وفي الخزائن المصرية

   

ذخائر التراث الكردي في خزائن بطرسبورغ وفي الخزائن المصرية

  

                  بقلم: د. محمود زايد

"ذخائر التراث الكردي في خزائن بطرسبورغ" عنوان كتاب تفضل مؤلِّفُه الكاتب والمهندس "جودت هوشيار" بإرساله إليّ بريدياً من كردستان مع كتاب آخر له يحمل عنوان: "السلطة الخامسة نبض الحياة في القرية العالمية"، ولذا أبعث للمؤلف من القاهرة ورود المحبة وجزيل الامتنان.
إن "ذخائر التراث الكردي في خزائن بطرسبوغ" كتاب مكتوب باللغة العربية، قيّم في مضمونه، متنوع في موضوعاته، مؤلم في بعض الرسائل التي قدمها، يرثي حالة مريرة تتبناها بعض أنظمة الحكم في الشرق الأوسط، وهي "الاهتمام بالتافه والإغداق عليه، وترك الثمين والنفيس، بل والقضاء عليه".
الكتاب يقع في (200) صفحة تقريبا من القطع المتوسط (B5)، وطُبع في أربيل عام 2011م على حساب المؤلف! وفيه قدّم جودت هوشيار إلى المكتبة الكردية دررًا ثمينة، تشمل آثارًا أدبية كلاسيكية، ونصوصًا فلكلورية، ونتاجاتٍ لغوية وتاريخية وإثنوغرافية وغيرها. حيث أشار إلى مئات الكتب والمخطوطات التي تمثل جانبًا مهمًا من التراث الكردي باللغتين الكردية والروسية، ولا تزال حبيسة الجدران في المكتبات الروسية في عهودها المتعاقبة (القيصرية والسوفيتية والحالية)، وأيضا ما عبّر عنه جودت هوشيار بأنه عدد لا يستهان به من المخطوطات الكردية في مكتبات جمهوريات ما وراء القفقاس، في أرمينيا وجورجيا وآذربيجان...، وأن هذه المخطوطات وغيرها تنتظر من يهتم بها ويخرجها إلى النور، لأنها تتعرض للإهمال المؤدي للتلف في بعض المكتبات الروسية!
ومن أهم الذخائر الكردية الموجودة في خزائن بطرسبورغ، وتحدث عنها جودت هوشيار في كتابه: "قلعة دمدم"، و"قصة حب فرهاد (خسرو) وشيرين"، والشاعر جعفر كولي المعروف بـ "مجنون مالواري"، وعرب شمو (1897 – 1978م) وجهوده في وضع أبجدية لاتينية متكاملة للغة الكردية في أرمينيا، والمستشرقون مينورسكي ويوسف أربيلي وجليلي جليل ودورهم الكبير في خدمة الثقافة والتاريخ الكردي. كما تحدث الكتاب عن عودة الظاهرة الطريفة والظريفة "بشير مشير"، والأساطير الكردية في الأدب العالمي... إلى غير ذلك من الموضوعات القيمة التي تناولها الكتاب.
واهتم جودت هوشيار بـ "مرجريت رودينكو" 1926–1976م، جورجية المولد، وأوكرانية اللقب، وروسية التعليم والثقافة، والتي وُصفت بأنها "عاشقة التراث الكلاسيكي الكردي"، وكرست طاقاتها العلمية خلال ربع قرن من حياتها في سبيل الكشف عن ذخائر التراث الكردي، وتحقيق المخطوطات وترجمتها إلى اللغة الروسية، ودحضت مرجريت من خلال أعمالها العلمية مزاعم البعض حول عدم وجود أدب أصيل مدوّن للكرد.
كما تحدث عن العالم الكردي الموسوعي: الملا محمود البايزيدي، الذي استفاد منه المستشرق والكردولوجي الروسي الكسندر ژابا (1803–1894م)، استفادة عظمى.
وفي واقع الأمر، إن جودت هوشيار يريد أن يرسل من خلال كتابه: "ذخائر التراث الكردي في خزائن بطرسبوغ" عدة رسائل متنوعة:
- أهمية الباعث الوطني والقومي الذي يجب أن يتحلى به الطلبة الكرد الذين يدرسون في الخارج. بمعنى: عدم الانصهار في البيئة الجديدة بشكل كلي يؤدي إلى خلع ثوبهم القومي، والتعريف بقضية شعبهم وحقوقها المهدرة للمحيط الذي يعيش فيه الطالب أو الطالبة.
- ضرورة المشاركة القومية والفكرية في القضية لكل الطلاب، حتى ولو كانوا يدرسون تخصصات علمية تجريبية، كالطب والكيمياء والفيزياء ...إلخ، بعيدة عن التخصصات التأريخية والأدبية والسياسية والقانونية والإعلامية... إلخ.
- قدم جودت هوشيار رسالة قوية جدًا في نظري؛ فهو يقول: "بينما كان الطلبة الآخرون – بعد تخرجهم – يرسلون إلى العراق السيارات أو الموبيليات أو الأجهزة الكهربائية، كنتُ في السنة الأخيرة من دراستي أرسل مئات الكيلوغرامات من الكتب باللغتين الروسية والكردية، وبينها كتبٌ لمؤلفين كرد من جمهوريات ما وراء القفقاس، ربما لم يسمع بها أحد حتى عودتنا نحن الطلاب الكرد من الاتحاد السوفيتي".
- أكد جودت هوشيار أن أساس الازدهار الثقافي الكردي يقوم بالكشف عن تراث الماضي، وجمعه، وتحقيقه، ونشره للجمهور، لاسيما التراث الشفاهي الذي - يندثر بموت حاويه وراويه، بعكس الكتاب المطبوع. وتدور هذه العملية في فلك التجديد الحقيقي الذي لا يبدأ من النقطة صفر (هدم الماضي)، وإنما يُولد التجديدُ من رحمِ الأصالة. وأنا معه تمامًا في هذا الاتجاه.
إن احتواء المكتبات الروسية على مخطوطات ودراسات تتعلق بالتراث الثقافي الكردي أمر مهم، لكن الأهم منه ما ينادي به جودت هوشيار وأقرانه الجديرون على مدى سنوات، بضرورة قيام وزارة الثقافة بإقليم كردستان تشكيلَ فرق عمل متخصصة تتولى جمع ما يخص الكرد من تراث في مكتبات العالم، وتوثيق التراث والفلكلور الكردي الشفاهي، وذلك لأن حفظ التراث الثقافي هو عصب الحفاظ على الهُوية. ومع تقديره العظيم لجهود المستشرقين الكردولوجيين في إخراج الكنوز الكلاسيكية والفلكلورية الكردية إلى النور الثقافي بالكشف عنها وترجمتها وتحقيقها ونشرها، يتساءل جودت هوشيار: "إلى متى نظل نتعرف على تراثنا الشعبي وأدبنا الكلاسيكي من خلال المستشرقين الأجانب"؟
ولعلكم تعلمون أن خزائن بطرسبورغ ليست وحدها تحتوي ذخائر من التراث الكردي؛ فالخزائن الفارسية والتركية والأروربية لها باع في ذلك أيضًا، وقد أشار بعض الكتاب إلى ذلك، ومنها الكاتب والأديب الكردي أ. جلال زنگابادي حيث أشار في موسوعته "الكردولوجيا" إلى ذلك، لاسيما التراث الكردي في الخزائن الإيطالية.
جدير بالذكر أن الخزائن المصرية في دار الكتب والمخطوطات (بولاق أبو العلا وباب الخلق)، ومعهد المخطوطات بالمهندسين.. غزيرة بمخطوطات ومنظومات وأعمال كردية نفيسة، وقد لاحظتُ أنها مكتوبة بعدة لغات، مثل: العربية والكردية والفارسية والتركية، وفي مختلف التخصصات، الأدبية واللغوية، والدينية والتاريخية وغيرها. وتحتاج إلى فريق عمل متمكن لحصرها ووضع ببيلوغرافيا لها، ثم نسخها إلكترونيا وإغناء المكتبات الكردية بها. فهذه رسالة أضعها بين يدي المسؤولين في وزارة الثقافة بحكومة إقليم كردستان.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

372 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع