لقاء نادر مع الدكتور علي الوردي

            

                    

* س : عـلمْـنا أنـَّك سـافرْتَ  إلى ( بولندا ) ، بناءً على دعوة تلقيتها من جامعة ( وارشو ) ، فأرجو أنْ  توضِّح لنا العلاقة بينك وبين هذه الجامعة ، وما هو سبب دعوتها لكَ في هذه  السنة ؟ .

جـ : الواقع إنَّ العلاقة بيني وبين جامعة ( وارشو ) قديمة  تعـود إلى عام 1962م ، حينَ حضرْتُ مؤتمر ( ابن خلدون ) الذي عُقِدَ في  القاهرة ، فقد كان  من بين المشاركينَ في ذلك المؤتمر البروفيسور (  بيلوفيسكي ) رئيس القسم العربي في جامعة ( وارشو ) ؛

 وقد تعرَّفـْتُ عليه في أثناء المؤتمر ، وتوطـَّدَتْ الصداقة بيني وبينه منذ ذلك الحين ، وأذكر أنـَّه زار العراق عام 1975م ، بناءً على دعوةٍ من وزارة الإعلام العراقية ، وكنتُ مرافقاً له في بعض جولاته في العراق ، واستطعْتُ أنْ أدخِله إلى داخل الحضرة المقدَّسة في المسجد الكاظمي ، وكان هو قادرا على التكلم بالعربية وسمَّيته الشيخ يوسف ، فلم يتعرَّض به أحد ، وهو مازال يذكر تلك الحادثة ويتندَّر بها ، ومن الجدير بالذكر أنـَّه قام بترجمة القرآن إلى اللغة البولونية ، وسوف تصدر الترجمة قريباً ، إنـَّه الآن يرأس القسم العربي في جامعة ( وارشو ) ، وذلك لكبر سنـِّه ، حيث جعلوه رئيسا فخرياً ، وحلَّ محلـَّه في رئاسة القسم أحد تلاميذه ، وهـو : البروفيسور ( دانيتسكي ) ، وقد زار هـذا الرئيس الجديد العراق أيضا ، ورافـقـته في بـعـض جـولاتِـه ، وأدخـلته الحـضـرة الكـاظـمـية كـذلـك ، إنَّ ( دانيتسكي ) يتقن العربية كأحد أبنائها ، وهو محبٌّ للعرب مولع بالثقافة العربية .
وعلى أيَّة حال فإنَّ القسم العربي في جامعة وارشو كان في عهد رئيسه القديم ، وما زال في عهد رئيسه الجديد متعاطفاً معي ، وكثيراً ما يدعوني ويشركني في بعض أعماله الأكاديمية ، ولا سِيَّما لجان الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه التي تكتبُ بالعربية ، وقد دعاني في هذه السنة وكان مكوثي هناك في هذه السنة أطول منه في السنوات الماضية ، وذلك بسبب مشكلة حدثتْ لأحد الطلاب العرب ، وهو من القطر المصري الشقيق ، فقد كتب هذا الطالب أطروحة أراد بها نيل شهادة الدكتوراه ، وكنتُ عضوا في لجنة الإشراف على الأطروحة ، وكان لي رأيٌ معيَّنٌ فيها يختلف عن رأي الآخرينَ من أعضاء اللجنة ، ثمَّ تعقـَّدَتْ المشكلة ممَّا لا مجال لشرحه في هذا المجال ، وأحمد الله أنـِّي استطعْتُ أنْ أخرج من تلك المشكلة بهدوء ، ورجعْتُ إلى الوطن وأنا مرتاح الضمير .

* س : في أثناء غيابك عن الوطن نشرَتْ جريدة العراق ثلاث مقالاتٍ في مناقشة مقالاتك السابقة أو في انتقادها والردِّ عليها ، هي بأقلام الأساتذة : مهدي شاكر العبيدي ، محمد جواد الغرابي ، عبد الحميد المحاري ؛ فهل قرأتَ هذه المقالات ؟ ، وما رأيُكَ فيها؟.
جـ : قرأتُ هذه المقالات بعد عودتي إلى الوطن ، لأنَّ جريدة ( العراق ) لا تصل إلى ( وارشو ) مع الأسف ، وإنـِّي في الحقيقة أشكر هؤلاء الأخوان الفضلاء على ما كتبوا لأنـَّهم لم يخرجوا في نقدهم عن نطاق ما ينبغي لهم من التزام أدب النقد والمجادلة ، وإنـِّي حين أقارنُ كتاباتهم بما قرأته في جرائد أخرى من نقداتٍ شخصيةٍ وعاطفيةٍ أحمَدُ لهم موقفهم ورصانة أسلوبهم .
هناك محوران تدور حولهما مقالات هؤلاء الثلاثة ، هما : كتاب ( وعَّاظ السلاطين ) ، و ( عقدة الزيَّات ) ؛ وإنـِّي ما زلتُ عند رأيي في كتاب ( وعَّاظ السلاطين ) ، وكذلك ما زلتُ عند رأيي في ( عقدة الزيات)  .
إنَّ الأخ محمد جواد الغرابي يشبِّه موقفي تجاه كتاب ( وعَّاظ السلاطين ) بموقف ( غاليلو ) عندما تبرَّأ من نظريَّته في دوران الأرض خوفا من القتل في محاكم التفتيش ، مع أنَّ ( غاليلو ) كان في قرارة نفسه واثقا من صحَّة نظريَّته ، وقد جاء الأخ مهدي شاكر العبيدي بمثل هذا القول الذي جاء به الغرابي ؛ وهو قولٌ لا أوافقهما عليه ، أو لعلني أستغرب منه وأستنكره .
 والواقع أنَّ ندمِي على كتابة الكتاب ليس من جرَّاء خوف أشعر به ، فليس هناك أيّ خطر أخشى منه بعد أنْ مضَتْ تلك المُدَّة الطويلة على صدور الكتاب ، وأنا سليمٌ معافى والحمد لله .
إنَّ ندمِي ناشِئٌ في الحقيقة من كونِي قد تغيَّرْتُ في كثير من آرائي ونهجي الفكري ، وهذا أمرٌ طبيعي في البشر ، لأنَّ الإنسان عند تقدُّمه في السنِّ  قد يتغيَّر كثيرٌ من أفكاره التي كان يتبنـَّاها في شبابه ؛ قلتُ مرارا ، وأعيدُ القول الآن : إنَّ الهزَّة الاجتماعية التي شهدها العراق في 14 / تموز / 1958 م ، قلبَتْ كثيرا من مفاهيمي ونظريَّتي إلى الحياة والمجتمع ، فقد كنتُ قبل ذلك أنظر إلى الناس والمجتمع نظرة معيَّنة ، ثمَّ شَهدْتُ الأحداث الصاخبة التي  حدَثتْ في تموز 1958م ، وما بعده ، وأدركتُ عند ذاك أنـِّي مخطِئ في نظريَّتي القديمة في طبيعة البشر بوجهٍ عام وطبيعة المجتمع العراقي بوجه خاص .
 أترك هذا الموضوع لأنتقل إلى موضوع ( عقدة الزيات) ، وأقصد بها العقدة التي ابتلِيْتُ بها في الثلاثينيات ، وابتلي بها أمثالي من الشباب في تلك الفترة ، حيث كـُنـَّا نحاول تقليد الزيات في أسلوب الكتابة ، الذي كان هو نفسه يحاول تقليد الجاحظ وأبي حيَّان التوحيدي فيه.
إنـِّي في الواقع لا أبخس قيمة الجاحظ والتوحيدي ، وأعتبرهما من عمالقة الأدب والفكر في عصريهما ، وهنا أحبُّ أنْ أؤكـِّد على تعبير ( عصريهما ) ، وأقصد بذلك أنَّ أسلوب الجاحظ يمكن اعتباره عظيما بالنسبة إلى عصره ، وكذلك أسلوب التوحيدي ، ولكن هذا لا يعني أنـَّنا يجب أنْ نقلـِّدهما في عصرنا هذا ؛ يجب أنْ لا ننسى في هذا الصدد المقولة التي أصبحَتْ بديهيَّة ، وهي : إنَّ الشيءَ الذي يعتبر صالحا في زمان ما قد يفقد صلاحيَّته بمرور الزمن ، وإنَّ التقدُّمي في زمانه قد يصبح رجعيا في زمانٍ تالٍ .
 إنـِّي أذكر ما كنـَّا فيه في الثلاثينيات من هـذا القـرن ، عـندما صـدَرَتْ مجـلة ( الرسالة ) لصاحبها أحمد حسن الزيّات ، فقد أصبحَتْ هذه المجلة رمزا للأدب الرفيع لدى الأدباء والمتأدبينَ ، وراجَتْ في الأوساط الأدبية في مختلف الأقطار العربية شرقا ومغربا ، وكان من علامات الأديب والمثقف حينَ ذاك أنْ يدأب على مطالعة ( الرسالة ) ، ويجادل في المواضيع التي تثار فيها ؛ ومن الأمور التي أفتخر بها أنَّ مجلة ( الرسالة ) نشرَتْ لي مقالتين في عام 1942م ، فكنتُ أتباهى بذلك وأتحدَّى الخصوم والحُسَّاد ، وكذلك كان يفعل جميع الأدباء الناشئينَ الذينَ نشرَتْ لهم المجلة مقالة أو  مقالتين ، ثمَّ تغيَّرَتْ الدنيا وماتتْ مجلة ( الرسالة ) ، وعفا عليها الزمان ، وقد حاول الزيات في الخمسينيات إصدار المجلة من جديد بتأييد من الحكومة  المصرية في عهد الثورة ، ولكنَّ المجلة لم تستطع الصمود طويلا ، فماتتْ مرَّة أخرى ، وكـان موتها في هذه المرَّة نهائيا ، إنَّ تيَّار الزمن لا  يمكن الوقوف ضِدَّه .
أستطيع أنْ أقول : إنَّ فنَّ الكتابة قد تغيَّر في عصرنا على نحو ما تغيَّر فنُّ التمثيل ، فقد كان الممثل في عصر مضى يبهرج نفسه ويتصنـَّع في حركاته وسكناته بغية إظهار العواطف بشكل صارخ مثير ، فتراه يحرِّك يديه وعينيه وحاجبيهِ ، وينفخ في أوداجه ، ويتلاعَب بنبرة صوته ، ويجعل أضلاع صدره صاعدة نازلة ليدلَّ بها على شِدَّة ما انتابه من عاطفة ، وكلـَّما ازداد في تصنـُّع ذلك ازداد المتفرِّجونَ إعجابا ووصفوه بالبراعة التمثيلية التي لا تـُضاهَى ، أمَّا الممثل اليوم فهو على النقيض من ذلك تماما ؛ إنَّ من صفات الممثل البارع في عصرنا أنـَّنا عندما ننظر إليه وهم يمثل نكاد ننسى أنـَّه يمثل ، فهو مندمج في دوره إلى درجةٍ ، يجعلنا نندمج معه .
إنَّ الكاتب الحديث ينبغي أنْ يكون كالممثل الحديث ، فالكاتب الناجح في عصرنا هو الذي يندمج معه القارئ أثناء القراءة ، ولا يكاد القارئ يبدأ بقراءة السطر الأوَّل حتى يشعر أنـَّه مشدود لمتابعة القراءة ، وإذا انتهى الكتاب بين يديه يشعر بالأسف ويتمنـَّى أنْ يكون الكتاب أطول .
إنَّ الكتابة الحديثة فنٌ صعبٌ جدا ً ، فهي كالتمثيل الحديث ، لا يقدر عليه إلا مَن يملك المواهب اللازمة له ، ومن المؤسف أنْ نرى بعض أدبائنا لا يزالونَ يعيشونَ في نفس المناخ الفكري الذي كان يعيش فيه القدماء ، فإذا كتبوا نسوا القارئ واهتمُّوا بأنفسهم ، حيث يحاول كلُّ منهم أنْ يظهر نفسه للقارئ كأنـَّه الأديب العظيم واللوذعي الفهيم .
* س : ما رأيُكَ فيما أورده الأستاذ عبد الحميد المحاري في مقالته التي نشرَتْ في ( العراق ) في 17 / 8 / 1983م ، حيث دافع عن البلاغة والأسلوب البليغ واعتبرهما من التراث الذي يجب المحافظة عليه والاعتزاز به ؟ .
جـ : إنـِّي أخالف الأستاذ المحاري في رأيه هذا ، فالتراث العربي كتراث أيَّةِ أمة من أمم الأرض فيه الجوانب الحسنة والسيِّئة ، ولا يجوز لنا ونحن نريد السير في سبيل الحضارة الحديثة أنْ نحافظ على التراث كلـِّه في جميع جوانبه .
جاء الأخ المحاري في مقالته بقول أثار دهشتي ، فهو إذ يدافع عن الأسلوب البليغ ، ويقصد به أسلوب الجاحظ والتوحيدي والزيَّات ومَن لفَّ لفـَّهم ، ويقول : إنَّ هناك دعوات وحملات غادرة نشأتْ في الغرب لمقاومة هذا الأسلوب ، وقام بها أناس مناهضون لتطلعات العرب للوحدة والحرية والانعتاق إلى آخره .
في رأيي إنَّ المناهـضـينَ لتطـلـُّعـات الـعـرب هـم الذينَ يحرصـونَ عـلى إبقاء ( الأسلوب البليغ ) لدينا ، فهذا الأسلوب ضارٌ بنا معرقلٌ لمسيرتنا الحضارية ، ومن الأفضل لأعدائنا أنْ نبقى متمسِّكينَ بهذا الأسلوب الذي يجعلنا نعيش في عالم غير عالمنا الحقيقي .
 من الأقوال المأثورة في تراثنا قولهم : ( خير الكلام ما قلَّ ودلَّ ) ، وهذا هو ما سار عليه العرب في صدر الإسلام ، وهو يشبه ما يُسمَّى اليوم : ( الأسلوب التلغرافي ) ، حيث يحاول الكاتب أنْ يضع اللفظ على قدر المعنى ، فلا يزيد أو ينقص فيه ، وهو الأسلوب السائد في الحضارة الحديثة .
من المؤسف حقا ً أنْ نرى مدارسنا وكلياتنا ما زالتْ في الغالب تلقن طلابها نماذج من ( الأسلوب البليغ ) الذي يدعو إليه الأخ المحاري وأمثاله ، فإذا تخرَّج الطالب أخذ ينحو في كتابته أسلوب الجاحظ والتوحيدي والزيَّات ، وتراه عند ذاك يُحَـلـِّق في عـالم ( النثر الفني ) كـمـا يُحَـلـِّق الشـعـراء ، ويهيم بـنا فـي وادي الحـماس والطوبائيَّات التي لا صِلة لها بما نحنُ فيه من مشاكل طاحنة وأزمات ، إنَّ ( الأسلوب البليغ ) في النثر هو كالشعر يرفع الإنسان عاليا ً ويجعله ينسى واقعه الراهن ، وهذا من أسباب ما نحنُ فيه اليوم من وضع رديء عجيب .

* س : ليسمح لي الدكتور الوردي أنْ أتحوَّل عن الموضوع إلى موضوع آخر لا صلة له به ؛ فقد قرأنا في مجلة ( التضامن ) التي تصدر في لندن  بالعربية عدَّة مقالات بقلم الدكتور لويس عوض ، حول جمال الدين الأفغاني ، فهو يعتبر الأفغاني رجلا ً غامضا ً لا يخلو من صفة التجسُّس أو العمالة  للدول الأجنبية ، فما رأيُكَ في هذا الاتهام ، لا سِيَّما وأنتَ قد كتبْتَ عن الأفغاني بحثا ً مطوَّلا ً نشرته ملحقا ً في الجزء الثالث من كتاب ( لمحات اجتماعية  من تاريخ العراق الحديث ) ؟ .
جـ : إنـِّي تابعْتُ قراءة هذه المقالات قبل سفري ثمَّ انقطعْتُ عنها أثناء السفر وحاولتُ بعد عودتي أنْ أحصل على ما فاتني من المقالات ، فلم أوفـَّق إلا جزئيا ً ، وأتمنـَّى أنْ أحصل على جميع المقالات لكي أتمكـَّن من إبداء الرأي فيها .
وعلى كلِّ حال ، فإنَّ المقالات التي قرأتها جعلتني أعتقد بأنَّ الدكتور لويس عوض قد تجنـَّى على الأفغاني ، لا شكَّ عندي أنَّ الأفغاني قد نال بعد موته من الشهرة أكثر ممَّا يستحق ، ثمَّ جاء الدكتور عوض أخيرا ً فنزل به أكثر ممَّا يستحق ، إنَّ رأيي في الأفغاني أنـَّه وسط بين الطرفين ِ ، فقد أخطأ الذينَ رفعوا مكانته أعلى ممَّا هي في الواقع ، وكذلك إنَّ الأفغاني لم يكن جـاسـوسا ً أو عميلا ً ، وكذلك لم يكن رائدا ً جبَّارا ً ، ويمكن القول : إنـَّه كان ذا مواهب عظيمة وذكاء مفرط ، ثمَّ حلـَّتْ به ظروف مكـَّنته من استثمار مواهبه وذكائه ، ثمَّ جاءَتْ بعد ذلك ظروفٌ أخرى ساعدَتْ على ذيوع اسمه وشهرته .
ذكرْتُ مِرارا ً في مناسبات سابقة أنَّ مواهب الإنسان وحدها لا تكفي لرفع مكانته أو إشهاره ، ولا بُدَّ أنْ تأتي ظروف تساعد تلك المواهب على الظهور ، ويجب أنْ لا ننسى أيضا ً ما للمصادفات من دور بالغ في هذا المجال
 درس الأفغاني في النجف في بداية حياته ، فاستفاد ممَّا في حلقات النجف من دراسات فلسفية قديمة ، لا أنكر أنَّ هناك كثيرينَ درسوا معه ، ربَّما كلنا في مثل ذكائه أو أذكى منه ، ولكنَّ الظروف قد لا تساعدهم فبقوا في محيطهم المحدود لا يعرف الناس عنهم إلا قليلا ً ، أمَّا الأفغاني فقد شاء القدر أنْ يسافر إلى الهند واحتكَّ هناك ببعض معالم الحضارة الحديثة ، ثمَّ سافر إلى أفغانستان وشارك في بعض معاركها الحربية والسياسية ، وكانتْ أفغانستان يوم ذاك ميدان صِراع عنيف بين بريطانيا وروسيا ، ثمَّ وصل الأفغاني أخيرا ً إلى مصر ، وكان في مصر يومذاك تيَّاران متصارعان ، أحدهما : ديني متزمِّتْ ، والآخر عصري متفرنج ؛ وهنا لعب الأفغاني دوره إذ حاول التوفيق بينَ التيَّارين ِ على طريقة ابن رشد ، والتفَّ حوله شبَّان أعجبوا به وبطريقته .
يمكن القول على كلِّ حال : إنَّ هناك عوامل أدَّتْ إلى ذيوع شهرة الأفغاني بعد موته ، هي كما يلي :
1-إنَّ الشبَّان الذينَ التفوا حول الأفغاني في مصر وصلوا بعد إذن إلى الدرجة العليا في عالم الفكر أو السياسة : من أمثال : الشيخ محمد عبده ، وسعد زغلول ؛ وقد أشاد هؤلاء بعبقريَّة أستاذهم وجـعـلوه عبقريا ً فذا ً لا مثيل له .
2-عاش الأفغاني في أواخر أيَّامه في كنف السلطـان عـبد الحـميد في إستانبول ، ثمَّ مات فيها من جرَّاء سرطان نشأ في فكـِّه ، وأشاع خصوم السلطان أنـَّه دسَّ السمَّ للأفغاني وقتله ، ولمَّا جاء الاتحاديونَ بعدئذٍ  وعزلوا السلطان ، صاروا يرفعونَ من شأن الأفغاني ، حيث اعتبروه من ضحايا السلطان السابق ، وبهذا أصبح الأفغاني في نظر الناس شهيدا ً قتله السلطان لجرأته في قول الحق ومحاربة الاستبداد .
 أستطيع أنْ أقول بوجهٍ عام : إنَّ كثيرا ً من المشاهير في التاريخ هم كالأفغاني قد ساعدَتهم الظروف على الشهرة ، ولولا تلك الظروف لمَا عـرف التاريخ  عنهم شيئا ً .
وأعيد الآن ما قلته في مقالتي الأولى التي نشرتها في جريدة ( العراق ) في : 21 / 1 / 1982م :
إنَّ الإنسان في معظم الأحيان ليس إلا ريشة في مهبِّ الرياح ! .
 

                       

نصِّ المقابلة الفريدة التي أجراها مع الدكتور علي الوردي الصحفي المرحوم أحمد شبيب ( أبو صارم ) في ( النافذة الفكرية ) من جريدة العراق  بتاريخ 7 / كانون الأوَّل / 1983م

المصدر: المدى   

         

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

765 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع