محمد علوان جبر: مالذي فعلته الحرب بنا ؟

        

      محمد علوان جبر: مالذي فعلته الحرب بنا ؟

         

      

   

بغداد / الگاردينيا - عبدالرضا غالي الخياط*:هنالك ارتباط وثيق الصلة بين التجربة والفن، بل هي حقيقة لايمكن تجاوزها أو نسيانها بالمرة. فالعالم الذي ندركه نحن كبشر ونستكشفه، ذلك ان الفن يكتشف الحياة بمسراتها وأوجاعها وفق تجليها عبر الحواس والانتباه والتجربة المعاشه. ولعل من ابرز وظائف الأدب توظيف حيوات الإنسان وتجاربه. فكثيراً ما نجد الفن في حالة تماس مع واقع التجربة وتجلياتها عبر النزوع الى السرد الذي يتجلى حالة إبداع في أبهى صوره الفنية عند القاص والروائي والناقد الفني، ورئيس " نادي السرد " في اتحاد الأدباء، محمد علوان جبر، الذي كثيراً ما يقف في سردياته عند محطات الحرب وتداعياتها المجنونة، التي أحرقت ثلاثة أجيال بالكامل. فثيمة الحرب باتت عصب الحياة والبقاء للحاكم بأمر الله في وطن أكلته الذئاب. إذ مازالت موضوعة الحرب وثيمتها الصادمة سمة بارزة على لغة " السرد "، ومنها القصة تحديداً. وبما ان الحاضر هو امتداد حي وطبيعي يستمد نسغه من الماضي المتشظي بأبعاده الإنسانية والمكانية، ومن هذا المنطلق يدخل محمد علوان جبر بوابة " القص " عبر مجموعته الأخيرة " تراتيل العكاز الأخير "، مستلهماً تجربة الهامش في سنوات الحرب العراقية – الإيرانية. هذا الهامش الذي يحجز المثقف عن متن الحياة والواقع والتاريخ، الذي أكدته الحرب على الوعي الخائب. وحكي حكاية الانتماء المأزوم. وفي عمله الأخير يطفئ  نار الأمل الذي افتقده على الإطلاق ليعلن انطواء زمن البطولة. وتبدو الحرب ضجيج انفجارات تفضي الى زمن اليأس، وليس إلى مستقبل منشود، لهذا يشحن القاص والروائي البطولة والرجولة بمعنى الصمود والامتلاك الذاتي والنفسي والمعيشي. مضى يرتسم في ذهن من يعي أنه ضحية نظام هش وحرب مجنونة لا تتطلب أكثر من القدرة على تجاوزها.
يسرنا ان نلتقيه في حوار عن المشغل السردي وقضايا الحراك الثقافي في المشهد العراقي، مع التقدير له ولكل المبدعين الذين ينتجون الجمال لهذا البلد العظيم.
س: ماذا أضافت لك " تراتيل العكاز الأخير" وقد أثارت جدلاً واسعاً وما زالت ؟

                           

" تراتيل العكاز الأخير" مجموعتي القصصية الأخيرة..هي خلاصة لعنوان  ويافطة كبيرة اسمها " مابعد الحرب " الحرب التي عشت ايامها يوما يوما بل ساعة ساعة.. اجل عزيزي حاولت في هذا الكتاب " وعسى إن أكون قد وفقت  الإجابة على السؤال الكبير والأزلي " مالذي فعلته الحرب بنا ؟." كشباب خرجنا توا من تجربة انهيار ماكان يسمى" الجبهة الوطنية " شباب كنا نحمل طموحاتنا الكبيرة ومشاريعنا الفكرية والفنية..اصطدمنا بجدران رعب ودخان حرب لم تترك لنا فرصة لالتقاط الأنفاس.. فكانت القصص تشترك أو تطمح إن تجيب على السؤال الكبير..عن أثار الحرب ، فأنت ترى الحرب موجودة وغير موجودة  في اغلب القصص كخلفية ويافطة كبيرة تجري حولها الاحداث..الاحداث ابطالها المكبلين برعبها وأثارها..فكانت اشبه برواية تطمح الى إن تكون قصصا قصيرة أو قصصا قصيرة تطمح الى إن تكون رواية..ابطالها يعيشون لوثة مابعد الحرب عدا القصة الأولى " حفارو الخنادق " كانت اشبه بالتمهيد للحرب لانها كانت تتحدث عبر حوارية بين الجنود والضباط عن حرب قادمة وسط استغراب مجموعة من الجنود الذين يسخرون ممن يقول إن الحرب ستأتي..أما القصة التي حملت عنوان المجموعة " تراتيل العكاز الاخير" كانت تتحدث عن مجموعة من معاقي حرب فقدوا فيها إطرافهم واستخدموا العكاز أو" الإطراف الصناعية " وكذلك هي قصة " صهيل العربة " تتحدث عن جندي يشم رائحة الماضي حينما كان يسافر في القطار الى الجبهة وكذلك " ضوء ازرق أسفل الوادي" التي تتحدث عن مذكرات جندي إيراني يعثر عليها جندي عراقي بعد انجلاء غبار المعركة ، فيحتفظ به لنفهم فيما بعد وعن طريق المترجم الذي يترجم له مامكتوب في الدفتر .. نفهم من المذكرات إن الانسان هو الانسان أينما وجد والشعوب تتشابه تماما في خوفها ورعبها ورفضها للحرب. المهم إنا اعتز كثيرا بهذا الكتاب القصصي لان اغلب قصصه عشتها وترجمتها على هذه الشاكلة التي نالت استحسان النقاد والقراء.  
س: كثيراً ما نجد صورة الحرب تتجلى في أعمالك القصصية والروائية ، هل يأتي ذلك عن موقف سياسي، أم لأسطرة الواقع ؟
 نعم...الحرب بالنسبة للعراقي واخص هنا " جيلنا " جيل المحنة..جيل الصراعات السياسية التي كانت مهيمنة تماما على الساحة العراقية.. فكانت الستينات والسبعينات متخمة بالكثير من الحراك السياسي الذي انتهى بهيمنة الدكتاتورية التي أشعلت الحروب.. حربا تلي أخرى ، ولم يدفع الثمن غيرنا.. فقد تم حشر جيلنا في تلك الحروب حرب قاسية ممتلئة بالكثير من المعاناة الإنسانية التي تحفر وتبقى تحفر وتغوص عميقا وهي ترسم أثارها واضحة وسيبقى تأثيرها على أجيالنا.
 س: كيف ترى مستقبل القصة القصيرة، وسط طوفان الرواية، وتصدرها المشهد الثقافي ؟
القصة القصيرة فن سردي يقوم على منظومة جمالية خاصة.. لها شروطها الفنية الصعبة جداً..لالشيء إلا لأنها تعمل في المنطقة الهلامية الشفافة التي تفصل الشعر عن النثر.. فأي تمادي في الشعر أو النثر يمكن إن يؤدي بالعمل الى السقوط في دائرة من هاتين الدائرتين " الشعر أو النثر " لكن القاص المتمكن من أدواته يمكنه إن يقيم توازن جمالي والبقاء في حدود تلك المنطقة الهلامية التي تفصل الشعر عن النثر حتى يستطيع إن يقدم لنا وجبة سردية تمتلك مواصفاتها الجمالية والتي تدعى " القصة القصيرة " إذن لأخوف على مستقبل القصة القصيرة رغم هيمنة الرواية كونها تعد وبأمتياز " سيدة الفنون الجمالية ".
 س: كيف ترى ازدياد كتاب الرواية في الفترة الأخيرة بصورة لم نشهدها من قبل ؟
 كما اسلفنا حينما سمينا الرواية بأنها سيدة الفنون الادبية.. كونها تقوم على تفاصيل الفنون الجمالية بدءا من الشعر والنثر والمسرح والتشكيل والموسيقى والنحت والعلوم.. منظومة تستطيع ان تستوعب كل هذه الحيوات الجمالية، ولقد مر الوطن بأقسى المراحل، مراحل الكبت الثقافي والرقيب المخابراتي الذي يتغلغل في أدق تفاصيل الكاتب بدءا من تأويل مايكتب ومراقبة مايكتب ويصرح سواء في المقهى او على صفحات الجرائد الورقية المحدودة.. هذا الكبت فضلا عن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الصعبة التي مر بها مجتمعنا بدءا من الحروب وإنتهاءا بالحروب ، مرورا بفترات الحصار الصعبة ، كل هذا تحول الى مادة خصبة للكتابة ، خاصة بعد الانهيار الكبير للدكتاتورية وانفتاح هائل لم يشهده إي بلد في العالم ,, فلا رقيب سياسي او فني يقف حائلا إمام الكتابة الروائية التي استسهلها البعض.. متمثلة بسهولة النشر.. فيمكن ان يكتب أي شخص..أي شيء حتى إذا كان هراءا ويقدمه الى الناشر الذي لايكلف نفسه عناء قراءة المادة المقدمة اليه.. فدور النشر او " دكاكين النشر " إذا صحت التسمية تنشر أي شيء مادامت تقبض من الكاتب ثمن الكتاب.. لكني اثق كثيرا في اغلب الروائيين العراقيين او على الأصح " بعضهم " في تقديم نصوص روائية ترقى الى مصاف الرواية العالمية..اذن هذه الكثرة يمكن ان نعدها ظاهرة صحية يمكن ان تنعكس ايجابيا على مسيرة السرد العراقي  وماحدث في العام الماضي حينما نالت رواية " سعداوي " جائزة البوكر ووصول ثلاثة او ربع من كتاب الرواية القوائم القصيرة والطويلة من الجائزة ، كل هذا هو حراك يؤدي الى تحقيق الكثير على صعيد الانتشار.

        
س: إلى أين تتجه الرواية العراقية اليوم ؟
 نحو العالمية..فالرواية العراقية تشق الطريق بقوة نحو التتويج والرواج العربي والعالمي، وهناك أمثلة كثيرة، فاغلب كتاب المهجر استطاعوا إن يحققوا الكثير للرواية العراقية كنجم والي وعلي بدر وحميد العقابي وصموئيل شمعون وحسين الموزاني وعبد الله صخي ولؤي عبد الإله وسلام إبراهيم.. من جانب فضلا عن كتاب الداخل  وما حدث كما اشرنا الى وصول رواية " سعداوي " الى الجائزة الأولى في مسابقة البوكر ومحاولات كثيرة أنتجت لنا روايات مهمة استطاعت إن تشكل علامة مميزة في مسيرة السردية العراقية ولااريد هنا إن اذكر أسماء لأنهم كثر وأخاف إن أنسى أحدا ولكن هناك انجازات مهمة تحققت على يد روائيين عراقيين حفروا اسمهم في صخر السردية كخضير فليح الزيدي في رائعته " فندق كويستيان " وحميد الربيعي واسعد اللامي وسعد محمد رحيم وغيرهم الكثير.
س : هل هناك قنوات تواصل بينك وبين أدباء العراق في الخارج ؟
 بالتأكيد...عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية ، فانا على اتصال مع الكثير من الأصدقاء ، اتصال شبه يومي بالشاعروالمترجم والناقد حسين عجه  و لؤي عبد الإله وحسين الموزاني ومؤيد الراوي وصموئيل شمعون والقامة القصصية الكبيرة معلمي جمعة اللامي وهناك الكثير الكثير اعتذر إذا نسيت بعضهم.
س : ماذا عن الجوائز التي تمنح، وهل تعتبر مؤشرا حقيقيا إلى وجود حركة أبداعية ؟
هناك الكثير من اللغط الذي يثار دائما حول الجوائز. عن حياديتها..عن موضوعيتها..عن دقتها في اختيار الكتب التي تفوز وهذا ينسحب على اغلب الفنون لكن أهمها هي الجوائز التي تمنح للرواية والقصة القصيرة.. تبقى مسألة المعايير التي تعتمد في تأشير رواية ما من بين عشرات الروايات لتعد هي الفائزة بالجائزة الأولى، مع يقين اللجان أحيانا في أحقية روايات أخرى لكنها تهمل لهنات بسيطة لكنها تعد كبيرة  في نظر لجان التحكيم  وتتلخص هذه " الهنات " الاقتراب من بعيد أو قريب من التابوات الثلاث " الدين والجنس والسياسة " كأن يرد مشهد فاضح هناك ضرورة له لأنه يكمل مايريد إن يوصله الكاتب..أو موقف من الدين أو السياسة لتوضيح شأن مهم يراه الكاتب مكملا ضروريا.. تبقى اغلب اللجان إن لم اقل كلها محكومة بهذه المعايير..حتى" جائزة نوبل " التي تمنح سنويا لمجمل إعمال كاتب ما.. فإنها تأخذ بنظر الاعتبار موقف الكاتب من قضية ما أو انحيازه لهذا الحدث أو ذاك.. وكذلك بالنسبة لجوائز " الغونكور " و" البوكر " العربية. فالجوائز رغم مالها وماعليها فإنها تعد مصدرا مهما من مصادر الترويج لكاتب ما.
س : تكتب الرواية والقصة القصيرة، أيهما أقرب أليك ؟
 اجد ان القصة القصيرة تمثل بيتي وحبيبتي التي لااستطيع منها فكاكا، رغم تلذذي الكبير في كتابة الرواية، الرواية تمنحني الكثير من الحرية والتوسع واستخدام الأساليب التي أراها تتناسب مع مااريد إن أقوله.. لكني اجد إن القصة القصيرة تشبه مقطع حياتي بكل مافيه.. فإذا اعتبرنا القصة القصيرة مقطع نهري يحتوي موجودات الحياة حول النهر،ضفتيه.. الجرف والزوارق... هذا هو المقطع للنهر يمثل القصة القصيرة إما الرواية فهي متابعة النهر من المنبع الى المصب.. ولك ان تقارن الفارق مابين القصة القصيرة والرواية.. فلكل منهما سحرها وجمالها شروطها اعيدها عليك..أحب القصة القصيرة كثيرا لكني أتلذذ في كتابة الرواية رغم الصعوبة التي يواجهها من يكتب الرواية.
س : للمرأة دوراً حيوياً في حياة الكاتب، فماذا عن المرأة في حياتك ؟
 تمتلك المرأة أهمية كبيرة في حياة المجتمعات الإنسانية. فهي الحياة والجمال والروح التي تنبض.. مكملا أول للحياة.. حارسة حقول المعرفة واللون والحب   فلا يمكن للحياة إن تستقيم دون وجودها.. فهي الحل للكثير من أسئلة الوجود.. وفي الكتابة الابداعية نجد إن النصوص التي لايعطي فيها الكاتب أهمية للمرأة تبقى نصوصا قاصرة ولا تمتلك مقومات عمقها.. فهي حياة بقطب واحد يمكن إن تتحول ثيمتها الى دوران في مسالك متداخلة يحس القارئ النقص فيها سريعا.. واعتقد إن الكاتب مهما حاول إن يغفل دور المرأة في القصة أو الرواية سيجد نفسه منساقا الى محرابها وحضورها المفروض عليه.. فهي كامنة في المعنى واللامعنى في وعينا ولاوعينا..لاتكتمل دورة الحياة دونها.. قطب العالم الأخر دونه لاتكتمل ثيمات قصصنا ورواياتنا وقصائدنا. هكذا هي دورة الحياة الطبيعية.. صعود اقطاب الحياة ومكملاتها الرجل والمرأة. كذلك يعد الأمر قاصرا في إعمال الكتابة النسائية أو مايسمى الأدب النسوي إذا لم يتم طرح الرجل أو عدة رجال في الثيمة القصصية أو الروائية.. ونحن ككتاب ندين للمرأة منحها السعة والعمق فيما نكتب.

*مدير مكتب الگاردينيا في بغداد  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

768 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع