أحمد حرزني مناضل من أجل التغيير بقلم : لحسن وريغ
أحمد حرزني، مناضل سياسي وفاعل حقوقي وأستاذ جامعي… صفات تجعل منه اسما بارزا في تاريخ المغرب الحديث.
عاش قريبامن الأحداث والوقائع والتحولات التي ميزت مغرب ما بعد الاستقلال، بل إنه كان فاعلا فيها، ومنفعلا بها ومتفاعلا معها، سواء من خلال الممارسة السياسية أوالتأطير الحزبي أوالتدريس الأكاديمي، مما جعل تحليلاته وتفسيراته وتأويلاته لملفات وقضايا هذه الفترة من تاريخ بلادنا، تتسم بالجرأة والمصداقية والموضوعية. هذا اللقاء الحواري بالسي أحمد حرزني، لم يكن وليد سنة 2013، وإنما يعود إلى سنوات بعيدة بعض الشيء. كان المنطلق هو رغبة الاقتراب من التجربة السياسية والحقوقية عند هذا المناضل/المعارض. و ازدادت رغبتي في تعبيد الطريق نحو الوصول إلى السي أحمد حرزني، عندما سمعته يقدم شهادته أمام "هيأة الإنصاف والمصالحة" قائلا أمام الحاضرين والمستمعين بلغة منسوجة بكثير من الكلمات التي لم تكن تخطئ مكانها:« أنا لست ضحية أنا مناضل عارض ويعارض وسيعارض جميع أشكال الظلم والاستغلال والاستكبار وكذلك جميع أشكال المسكنة لأن أبوي وإخوتي وخاصة أخوي الإثنين الذين يكبرانني سنا. محمد رحمه الله وعبد الله الحاضر معنا وأساتذتي المغاربة والأجانب، كل هؤلاء علموني أن أعز ما يطلب للنفس وللغير هو الكرامة ومع ذلك فإني لم أولد معارضا». هذه الشهادة شدتني إليها صوتا وقراءة، وجعلتني متحمسا لمواصلة البحث عن سبل اللقاء بالسي أحمد حرزني من أجل حوار طويل ينشر نصه الكامل على صفحات جريدة "الأحداث المغربية" ضمن برنامج" فسحةالأحداث" لسنة 2013. وأتذكر جيدا أن أول لقاء جرى بيني وبين السي أحمد حرزني، كان بمدينة الرباط. هناك، جلست إليه واضعا أمامه مشروعي الصحفي، ومؤكدا له أن ما أبحث عنه ليس سيرة ذاتية تبدأ بسؤال عن " تاريخ ومكان الازدياد" ، وتنتهي بالصيغة الاستفهامية الركيكة شكلا ومضمونا: «ما هي كلمتك الأخيرة…؟». وإنما مسعاي حوار في قضايا وملفات حول ما جرى ويجري سواء على المستوى الوطني أو العربي، مع ضرورة الاستئناس بالذات وعوالمها. مما يعني أن السيرة الذاتية لن تكون هدف هذا الحوار بقدر ما هي وسيلة لفهم وإضاءة القضايا المثارة للنقاش.. لم يخف السي أحمد موافقته على هذا المشروع، في تصوره العام على الأقل، وهو الذي يحمل نفس الرغبة منذ سنوات، غير أن عوامل كثيرة حالت بينه وبين الوصول إلى تحقيقها. هنا أجبت السي أحمد قائلا له:« أنت صاحب رغبة وأن صاحب وسيلة لكتابة هذه الصفحات من تاريخ تجربتك في الحياة…» بعد هذا اللقاء، توالت لقاءاتنا الأسبوعية بمدينة الرباط، حيث كنت أنزل ضيفا على منزل السي أحمد، لساعة أو ساعات، تاركين آلة التسجيل تدون كل شيء غير منتبهين للزمن الذي كان يمر علينا سريعا. وبين كل لقاء ولقاء، تنقشع بين الأجوبة أسئلة لم أكن أنتظرها، وتفاجئنا ملفات فنطرق بابها منطلقين من شعار: كل شيء قابل للنقاش والحوار… هذا الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ العزيز، هو حصيلة عمل شاق ومتعب، لكنه مفيد وممتع.. إنه سفر في رحاب شخصية عارضت و ناضلت منذ الخمسينيات من أجل التغيير، وبحثت عن كل الوسائل التي تقود إلى هذا التغيير المنشود. ومن هنا جاء اختياري لهذا العنوان" مناضل من أجل التغيير" وليس "من أجل الإصلاح". وفي ذلك يقول السي أحمد:«أنا محتاج للتأكيد على أنني مناضل من أجل التغيير.. مناضل من أجل تحسين ظروف عيش المواطنين.. ولاأخفيك أن الوسيلة الفضلى أو المثلى لتحقيق التغيير هي عن طريق التغيير السياسي لكنه ليس هو المنتهى، بل المدخل الأكبر والأمثل للتغيير هو المدخل السياسي. و نفس في الوقت، أحاول ألا أسجن نفسي في المسائل المثلى، لما يتبين لي بأن الأمثل بعيد التحقيق، أقبل أن أخفض من انتظاراتي وطلباتي.. المهم هو أن يبقى المرء على السكة.. ولما تبين لي أن المدخل السياسي ليس في المتناول، أخذت في البحث عن مداخل أخرى لتحقيق الرهان السياسي بناء على مبدإ "الحد الأدنى"». خلال لحظات هذا الحوار الطويل، لم يرتد سي أحمد حرزني نظارات المؤرخ لقراءة التاريخ وفك شفرات الأحداث والوقائع، كأنه عالم في مختبر للعلوم الطبيعيةالحقة.. وإنما كنت أمام شاهد و معارض و مناضل آمن، منذ وعيه المبكر، بأن التغيير ليس فعلا مرتبطا بتاريخ ما أو جغرافية ما، ولكنه أفق انتظار كل مؤمن برسالة مجتمعه وملتزم بقضايا شعبه ومنفتح على العالم.
846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع