في ذكرى رحيله الـ54 أبو الزجل (بيرم التونسي) عاش مطارداً بين بلد وآخر واستقر بأشعاره في قلب مصر
الأهرام/عبد الرحمن بدوي:عندما نَتحدث عن الشاعر الغنائي وأشهر زجال في العالم العربي بيرم التونسي، الذي نحتفل يوم 5 يناير بذكرى رحيله الـ54، تكون البداية دائمًا محيرة، فقد قضى بيرم معظم حياته إن لم يكن أغلبها مرحلاً من بلد إلى آخر. عندما لفظته تونس، سعى إلى مصر، إلا أن كتاباته وأشعاره لم تكن على هوى السلطة في ذلك الوقت، فتم ترحيله إلى تونس مرة أخرى، بسبب مقالة هاجم فيها زوج الأميرة "فوقية" ابنة الملك فؤاد. ولكنه لم يطق العيش في تونس، فسافر إلى فرنسا ليعمل حمّالاً في ميناء (مرسيليا) لمدة سنتين، وبعدها استطاع أن يعود إلى مصر، فيعود إلى أزجاله النارية التي ينتقد فيها السلطة والاستعمار آنذاك. لكن يلقى عليه القبض مرة أخرى لتنفيه السلطات إلى فرنسا ويعمل هناك في شركة للصناعات الكيماوية، ثم يُفصل من عمله بسبب مرض أصابه. وبالرغم من قسوة ظروف الحياة على بيرم فإنه استمر في كتابة أزجاله وهو بعيد عن أرض وطنه. في عام 1932 تم ترحيل الشاعر من فرنسا إلى تونس، فأخذ بيرم يتنقل بين لبنان وسوريا، لكن السلطات الفرنسية قررت إبعاده عن سوريا لتستريح من أزجاله الساخرة واللاذعة إلى إحدى الدول الإفريقية، لكن القدر يعيده إلى مصر عندما كان في طريق الإبعاد لتقف الباخرة التي تُقلّه بميناء "بورسعيد" فيقف باكياً حزيناً وهو يرى مدينة بورسعيد من بعيد. ويصادف أحد الركّاب ليحكي له قصته فيعرض عليه النزول في مدينة بورسعيد، وبالفعل استطاع هذا الشخص أن يحرر بيرم من أمواج البحر ليجد نفسه في أحضان مصر. بعدها أسرع بيرم لملاقاة أهله وأسرته، ثم يقدم التماساً إلى القصر بواسطة أحدهم فيعفى عنه وذلك بعد أن تربع الملك فاروق على عرش مصر فعمل كاتباً في أخبار اليوم وبعدها عمل في جريدة المصري ثم نجح في الحصول على الجنسية المصرية فيذهب للعمل في جريدة الجمهورية. وكان لبيرم التونسي صولات وجولات مع المتألق سيد درويش ، حيث تعرف بيرم عليه، وكتب له أول قصيدة وطنية، وفي تلك الفترة اشتعلت ثورة 1919 ليجند بيرم قلمه لمساندة الثورة ويصدر جريدة "المسلة" التي حظيت حينذاك بقبول شديد من قبل الشعب. وقد انتقل بيرم التونسي إلى القاهرة، وقام بتأليف أوبريت جديد بالاتفاق مع سيد درويش ذي مضمون سياسي، وواصل نشاطه في صحيفته لينشر في العدد الثالث عشر قصيدة بعنوان "البامية الملوكي .. والقرع السلطاني" التي يتحدث فيها عن الملك فاروق. وقد سُمي بيرم، الذي وُلد في الإسكندرية في 3 مارس 1893م، "التونسي" لأن جده لأبيه كان تونسياً، وقدم أعمالاً أدبية مشهورة، أغلبها أعمال إذاعية منها (سيرة الظاهر بيبرس) و(عزيزة ويونس)، وفي عام 1960 منحه الرئيس عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية. غنّت له أم كلثوم قصائد عدة منها: "أنا في انتظارك، أهل الهوى، هو صحيح الهوى غلاب، الأمل، حبيبى يسعد أوقاته، غنيلى شوي شوي، يا صباح الخير، الورد جميل، الأولة في الغرام، شمس الأصيل، الحب كده، القلب يعشق كل جميل" ، مما ساعد على انتشاره في جميع الأقطار العربية، وظل إلى آخر لحظة في حياته من حملة الأقلام الحرة الجريئة، وأصحاب الكلمات الحرة المضيئة. كما تغنى له فريد الأطرش بأغنيات عدة منها: "أحبابنا يا عين، يالله توكلنا، بساط الريح، أكل البلح، يالله سوا، هلت ليالي، مرحب مرحبتين، الليلة نور هل علينا" ، كما قدم عدة مونولجات أشهرها: "حاتجن ياريت يا اخوانا مارحتش لندن ولا باريس، يأهل المغنى دماغنا وجعنا، يا حلاوة الدنيا يا حلاوة، ياللى تحب الفن وغاوى". كان محمود بيرم التونسي ذكياً يحب المطالعة تساعده على ذلك حافظة قوية ، فهو يقرأ ويهضم ما يقرؤه في قدرة عجيبة، بدأت شهرته عندما كتب قصيدته بائع الفجل التي ينتقد فيها المجلس البلدي في الإسكندرية الذي فرض الضرائب الباهظة وأثقل كاهل السكان بحجة النهوض بالعمران ، وبعد هذه القصيدة انفتحت أمامه أبواب الفن فانطلق في طريقها ودخلها من أوسع الأبواب. وقد اتجه بيرم التونسي إلى الزجل بدلا من الشعر ، لأن الشعب المصري في ذلك الوقت كانت نسبة الأمية عالية جدا فيه ووجد أن أقرب طريقة للوصول إليه الزجل. وقبل أن يرحل بيرم التونسي في، 5 يناير 1961م عن عمر يناهز 68 عاماً، بعد معاناته من مرض الربو، لخص قصة حياته قائلا:
الأوله آه.. والثانية آه.. والثالثة آه.
الأوله: مصر.. قالوا تونسي ونفوني
والثانية: تونس.. وفيها الأهل جحدوني
والثالثة: باريس.. وفي باريس جهلوني
959 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع