عرض/حسين عبد العزيز
يقدم هذا الكتاب عرضا تحليليا توثيقيا لتجربة المقاومة العراقية للغزو الأميركي ولا سيما أثناء انطلاقتها.
يحاول مؤلف الكتاب تسليط الضوء على سرعة انطلاق المقاومة العراقية عبر مقارنة التجربة العراقية بتجارب عالمية أخرى.
دراسة مقارنة
يميز المؤلف بين الدفاع عن العراق والمقاومة تمييزا تاريخيا ومفهوميا، فالدفاع يمتد من 19/3/2003 حتى 9/4/2003 نهاية حقبة السيادة العراقية، أما المقاومة فبدأت صباح 10/4/2003.
من وقف في وجه الغزو الأميركي في الحالة الأولى كان يؤدي واجبا رسميا، فهو إما أن يكون أحد منتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والحزبية أو ضمن تشكيلات رسمية أخرى، ومن يتخاذل منهم يتعرض للمساءلة والمحاسبة، في حين كل فعل ينفذ ضد قوات الاحتلال بعد التاسع من أبريل/نيسان فهو مقاومة.
-العنوان: البركان.. قصة انطلاق المقاومة العراقية
-المؤلف: وليد الزبيدي
-الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية
-الصفحات: 192
-الطبعة: الأولى/ 2014
ومن خلال مقارنة تجربة المقاومة العراقية بالتجارب العالمية، يحاول المؤلف التأكيد على سرعة نشوء المقاومة العراقية، فالمقاومة في التجارب التاريخية بدأت سياسية ثم شرعت في تنظيم الجانب الإعلامي وتهيئة الكوادر المتخصصة بالتوثيق، ومن ثم إعداد المقاتلين، وهذا الإعداد غالبا ما يأخذ سنوات، إلا أن ما حصل في العراق هو العكس، فقد سبق الفعل المقاوم التحضيرات والتجهيزات ذات الطابع الإعلامي، وهنا يعتمد المؤلف على البيانات الأميركية وما نشرته وسائل الإعلام الأميركية.
المقاومة الجزائرية
تم احتلال الجزائر من قبل القوات الفرنسية عام 1830، لكن انطلاق المقاومة بصورتها الفاعلة تأخر حتى عام 1954 وقرأ بيانها الأول أحمد بن بيلة وشهد ذلك اليوم ثلاثين هجوما للمقاومين الجزائريين.
خلال المدة الفاصلة بين بدء الاحتلال وانطلاق المقاومة الفعلية، كانت تظهر عمليات مقاومة كل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة ثم تتلاشى.
المقاومة الفرنسية
يرى المؤلف أن تجربة المقاومة العراقية كانت الأقرب إلى تجربة المقاومة الفرنسية بقيادة شارل ديغول، فقد كانت فرنسا دولة مستقلة حين قرر هتلر احتلالها، وسرعان ما أعلن ديغول المقاومة ضد الاحتلال، لكن المقاومة الفرنسية وعلى خلاف نظيرتها العراقية لم تتمكن من شن هجوم ضد القوات الألمانية إلا بعد سنة من تشكلها.
المقاومة الفلسطينية
على الرغم من وضوح المشروع الإسرائيلي في فلسطين قبل الإعلان الرسمي عن احتلال فلسطيني عام 1948، فإن المقاومة الفلسطينية تأخر انطلاقها أكثر من 16 عاما، ويقصد المؤلف بالمقاومة، الفعل المقاوم الذي تتواصل فيه عمليات عسكرية منظمة ترسم آفاقا سياسية تتساوق والفعل العسكري الحاصل على الأرض.
لقد تم تنفيذ أولى العمليات الفدائية في 24 مايو/أيار عام 1965 بزعامة أحمد جبريل بعد عام من تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل القوة العسكرية التابعة لها تحت اسم جيش التحرير الفلسطيني.
المقاومة الفيتنامية
بعد خسارة اليابان في الحرب العالمية الثانية عادت فرنسا إلى احتلال فيتننام، واستمر الاحتلال حتى تم الحسم العسكري عام 1954 في معركة ديان بيان فو التي انهزم فيها الفرنسيون وقرر الفيتناميون إفشال تقسيم البلاد حيث قادت حركة "فييت منه" بزعامة هوشي منه تمردا في الجنوب عام 1957 ضد التوحيد.
"فالمقاومات تاريخيا بدأت سياسية ثم شرعت في تنظيم الجانب الإعلامي وتهيئة الكوادر، ومن ثم إعداد المقاتلين، وما حصل في العراق هو العكس، فقد سبق الفعل المقاوم التحضيرات والتجهيزات ذات الطابع الإعلامي"
لكن تأسيس هيكل قيادة موحدة لم يتم إلا منتصف عام 1958 وتم الإعلان عن تأسيس جبهة التحرير الوطنية عام 1960 التي تولت رسميا قيادة الكفاح الوطني والفعل المقاوم.
المقاومة العراقية في الميدان
يضع المؤلف ثلاثة تواريخ هامة لا بد منها عند الحديث عن الغزو الأميركي والمقاومة:
1ـ الأول من مايو/أيار عام 2003 وهو اليوم الذي توصلت فيه جميع القيادات الأميركية إلى قناعة تقول إن المهمة قد أنجزت، وفي هذا اليوم أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش من على حاملة الطائرات الأميركية أبراهام لنكولن انتهاء العمليات العسكرية الكبرى في العراق.
2ـ العاشر من أبريل/نيسان 2003 أي قبل عشرين يوما من إعلان بوش النصر وهو اليوم الذي تأكد فيه انطلاق المقاومة العراقية.
3ـ التاسع من أبريل/نيسان 2003 يوم دخول القوات الأميركية العاصمة بغداد.
أولى الهجمات التي نفذها المقاومون حصلت في العاشر من أبريل/نيسان بعد يوم من سقوط بغداد، واعترف بيان للجيش الأميركي بمقتل 22 في الفترة الممتدة من 10 ـ 28 من أبريل/نيسان عام 2003.
يوم 10 سقط قتيلان هما تيري همنغواي وجيفري بوه، وفي اليوم الحادي عشر قتيل هو رايان توجيدا، ويوم 12 قتيلان (جيسز غونزاليز وأوينز ديفد) ويوم 13 قتيلان (جيل ميركادو وجوزيف أكيفيدو) ويوم 14 ستة قتلى، ويوم 17 قتيل واحد، ويوم 22 أربعة قتلى، ويوم 25 قتيلان، ويوم 28 قتيل واحد.
ويرى المؤلف أن اثنين وعشرين قتيلا خلال عشرين يوما ليس أمرا بسيطا، وإنما تأكيد على سرعة انطلاق المقاومة العراقية، وقوة العمليات العسكرية الأخرى التي نفذتها.
فخلال مراجعة المؤلف للبيانات الأميركية التي صدرت في 18/4/2003 اكتشف أن هذه البيانات لم تتحدث عن واحدة من أكثر المعارك شراسة وهي المعركة التي وقعت في جانب الكرخ من بغداد، إذ هاجم مقاومون رتلا للقوات الأميركية في الشارع المؤدي إلى طريق مطار بغداد الدولي، واستخدم المقاومون قاذفات أر بي جي7 وأسلحة خفيفة وتمكنوا من إحراق ناقلة جنود من نوع همر وقتلوا جميع من بداخلها.
ملامح قوة عراقية
بدأت تتنامى في أوساط القيادات العسكرية الأميركية مخاوف من تصاعد العمليات العسكرية ضد القوات الأميركية، وبدأ جدال داخلي بشأن مقاومة منظمة تتعدى بعض الأطروحات الأميركية التي تتحدث عن جيوب قتالية.
وكان قرار البنتاغون الذي سرب إلى بعض وسائل الإعلام الأميركية بإرسال ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف جندي إضافي إلى العراق بمثابة إدراك للمخاطر والصعوبات التي تعاني منها القوات الأميركية في العراق، لكن القيادة العسكرية لم تستطع آنذاك بلورة رؤية واضحة عن حقيقة العمليات العسكرية المضادة ومن يقف خلفها، وكانت تصريحات المستوى السياسي حول تحقيق الاستقرار في العراق تجافي الحقيقة.
"أولى الهجمات التي نفذها المقاومون حصلت في العاشر من أبريل/نيسان بعد يوم من سقوط بغداد، واعترف بيان للجيش الأميركي بمقتل 22 في الفترة الممتدة من 10 ـ 28 من أبريل/نيسان عام 2003"
بعد يومين من خطاب بوش (1/5/2003) الذي أعلن فيه الانتصار في العراق، قتل الجندي شين رينولدز في كركوك، وبعدها بيومين قتل الجندي جاسون ديبلر، وفي الرابع من مايو/أيار نفذت المقاومة هجوما جريئا بالأسلحة الرشاشة وسط بغداد على دوريات أميركية متنقلة.
وفي يوم واحد قتل ثلاثة جنود أميركيين في سامراء حيث كانوا على متن طائرة هليكوبتر تم استهدافها بنيران المقاومة رغم أن الجيش الأميركي أعلن في بيان له أن الطائرة سقطت أثناء ارتطامها بأسلاك نقل الطاقة الكهربائية، وهو ما يكذبه المؤلف الذي يؤكد أن أسلاك الطاقة الكهربائية سرقت قبل حادثة الطائرة بشهر عندما قامت عصابات بسرقة جميع محطات الطاقة وأسلاك النقل.
في هذه الأثناء تم استبدال الجنرال جاي غارنر وحل محله بول بيرمر دون معرفة الأسباب التي تقف وراء عملية التبديل هذه، ولم يمض أسبوع على تسلم بريمر مهامه حتى وصله تقرير عن يوم دام للقوات الأميركية، وفصل التقرير الهجمات الليلية المتواصلة في مناطق بغداد بالصواريخ وقذائف الآر بي جي أو الأسلحة الخفيفة، ناهيك عن المناطق الأخرى من العراق.
في السادس والعشرين من مايو/أيار تسلمت قيادة القوات الأميركية خبرا سيئا مفاده أن نشاط المقاومة العراقية وصل إلى مناطق نائية، حيث شن مقاومون هجوما على دورية أميركية قرب الحدود مع سوريا في مدينة حديثة.
بدأت المقاومة تشكل ما يسميه المؤلف ملامح قوة عسكرية، وكان 12/6/2003 ترجمة واضحة لهذه القوة، ففي هذا اليوم تعرض العديد من القواعد والمعسكرات والدوريات الأميركية لهجمات قوية، ما دفع القوات الأميركية إلى استخدام القوة المفرطة فقتلت مائة عراقي واعتقلت 74 شخصا، وكان أفضل تعبير عن المأزق الأميركي ما أعلنه الرئيس جورج بوش في 21/6/2003 بأن القوات الأميركية في العراق ستواجه مخاطر وستقدم تضحيات.
575 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع