العراق أمام تحد وجودي: تزايد سكاني سريع وتآكل أسرع للموارد

حفاظ التزايد السكاني على نسقه السريع رغم التراجع الطفيف في معدله لا يمثّل بشرى للعراقيين بقدر ما يمثّل إنذارا بتفاقم المشاكل الاقتصادية والمعيشية وحتى الأمنية التي يواجهونها، الأمر الذي يحتّم على السلطات سرعة التحرّك للحدّ من النمو الديمغرافي في انتظار تنفيذ سياسات حقيقية لتنمية الموارد وتنويعها والحد من التدهور السريع للبيئة بعيدا عن الشعارات التي ترفع والوعود التي تقطع دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ العملي.

العرب/بغداد – لا يمثّل التزايد السكاني السريع بالنسبة للعراق ميزة تسعى بعض البلدان الأخرى لتحقيقها تبعا لثرائها المادي وازدهارها الاقتصادي وحاجتها المتنامية إلى الأيدي العاملة، بل تحدّيا كبيرا يلقي بظلاله على مستقبل البلد ومصير سكانه وذلك بالنظر إلى أن تزايد عدد السكان لا تواكبه تنمية للموارد وأساسيات الحياة بل يترافق، على العكس من ذلك، مع تآكل سريع لها في ظل حالة من الركود التنموي والتعثّر في تنويع مصادر الدخل وحماية البيئة من حالة التردي التي تشهدها بثبات منذ سنوات.

وأصبحت قضية المياه بمثابة تلخيص بليغ لتناقص الموارد في العراق حيث باتت هذه المعضلة تؤثر بوضوح على الوضع الاقتصادي للبلد بسبب تراجع النشاط الزراعي وانحسار المساحات المخصصة له، وتهدّد الأمن الغذائي للسكان، بالإضافة إلى الاختلال الديموغرافي الذي بدأ ينشأ عنها بسبب تسارع ظاهرة النزوح من المناطق المعرّضة للجفاف صوب مدن متخمة أصلا بسكانها وتعاني ضعفا في بنيتها التحتية وضغطا متزايدا على الخدمات العامّة وارتفاعا في معدلات الفقر والبطالة، وحتى الجريمة بنوعيها الفردي والمنظّم.

ويقول خبراء القضايا السكانية إنّ العراق إذا لم يبادر بخطوات سريعة للحدّ من تزايد سكانه أو تنشيط اقتصاده وتنويع مصادره وحماية موارده ووقف التدهور السريع في بيئته سيكون مهدّدا بقنبلة ديموغرافية لن تتأخر كثيرا في الانفجار بوجهه.

وتدعم هذا التحذير الأرقام الرسمية وأحدثها ما نشرته وزارة التخطيط العراقية مرفوقا بتوقّعات ببلوغ عدد سكان البلاد نحو 49 مليون نسمة عام 2028، وذلك بالاستناد إلى المؤشرات والأرقام التي سجّلت في التعداد العام الذي أجري مؤخرا.

ونقلت الصحيفة الرسمية العراقية عن المتحدث باسم الوزارة عبدالزهرة الهنداوي قوله إن “العراق يتميز بأنه ذو تركيبة سكانية فتية ترتفع فيها معدلات الخصوبة، وعلى الرغم من الانخفاض التدريجي الملحوظ في تلك المعدلات، والتغيير الديموغرافي الذي بدأت تظهر ملامحه في زيادة متواترة للفئات العمرية في سن العمل، إلا أنه يبقى من الدول ذات النمو السكاني المرتفع في العالم”.

وأضاف أن “معدل النمو السكاني انخفض خلال سنوات خطة التنمية السابقة 2018 – 2022 من 2.6 في المئة إلى 2.5 في المئة وبمعدل زيادة مقدارها 840 ألف نسمة سنويا تقريبا، وبلغت تقديرات عدد سكان العراق بما في ذلك محافظات إقليم كردستان وفقا للإسقاطات السكانية نحو 42.3 مليون نسمة عام 2022 بعدما كان 38.1 مليون نسمة عام 2018″.

وتابع الهنداوي أن “الإسقاطات السكانية تؤشر على أن حجم سكان العراق سيتزايد خلال سنوات خطة التنمية الوطنية 2024 – 2028 وما بعدها حتى عام 2030 من 46 مليونا و180 ألف نسمة – بحسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن الذي أجري في نوفمبر 2024 – إلى 48.9 مليون نسمة عام 2028، وبمعدل نمو متوقع 2.4 في المئة، وهذه الزيادة تتطلب توطين المتغير الديموغرافي في الخطط والبرامج والسياسات القطاعية وزيادة الاستثمار في رأس المال البشري”.

وأكد أن “من أبرز تحديات الخطة هو استمرار ارتفاع معدل النمو السكاني، نتيجة ارتفاع معدلات الخصوبة، الأمر الذي سيسبب مضاعفة الضغوط على معدل استهلاك الموارد، وعلى توفير البنى التحتية وضمان شمولية خدماتها لجميع السكان، فضلا عن استمرار الحراك السكاني، الذي يتسبب بمضاعفة مشاكل الاكتظاظ السكاني في المدن، وانعكاساته السلبية على الخدمات المقدمة في الحضر من قبل الدولة، وبروز ظاهرة العشوائيات، فضلا عن مشكلات اجتماعية سلبية أخرى”.

وأوضح الهنداوي أن “إجمالي القوة العاملة في القطاع الحكومي بلغت 4 ملايين و74 ألفا و697 موظفا، يعملون في مؤسسات التمويل المركزي بحسب قانون الموازنة العامة لعام 2023، بينما بلغت أعداد العاملين في القطاع الخاص والمسجلين في الضمان الاجتماعي بحسب البيانات الرسمية 370 ألفا و470 عاملا لسنة 2023”.

وتضع الحكومات العراقية منذ سنوات تنمية الموارد وتنويع مصادر الدخل في اتّجاه الحدّ من التعويل بشكل شبه كلّي على موارد النفط، ضمن برامجها دون أن يتحقّق شيء ملموس في ذلك الاتجاه، إذ لا تزال التنمية تراوح مكانها رغم التقدّم الطفيف المسجل في عهد الحكومة الحالية برئاسة محمّد شياع السوداني دون أن يحقق الجهد المبذول من قبلها الأهداف المرسومة.

وفي مقابل العوائد المجزية التي يوفّرها النفط لخزينة الدولة العراقية فإن استخراجه وصناعته يسلطان ضغوطا شديدة على البيئة التي أصبحت تتضرّر بشدّة في بعض المناطق النفطية مثل محافظة البصرة التي بدأت تُلحظ بين سكانها عوارض صحية لم تكن مألوفة لديهم ومرتبطة مباشرة بظاهرة التلوث.

ومع ذلك تظل المياه بمثابة معضلة المعضلات في العراق والعامل الرئيسي لتسريع موعد انفجار القنلبة الديموغرافية بوجه البلد.

وإذ تعتبر أزمة المياه في العراق نتيجة لإكراهات جيوإستراتيجية أهمها الإقبال الإيراني وخصوصا التركي على استغلال مياه الروافد المائية المتجهة نحو الأراضي العراقية وأهمها على الإطلاق نهرا دجلة والفرات، فإنّها لا تنفصل أيضا عن ظاهرة التغير المناخي التي لا تكاد توفّر منطقة في العالم لكن وقعها بات محسوسا بحدّة أكبر في بلدان الشرق الأوسط.

وبات العراقيون يواجهون تأثيرات التغيّر المناخي على حياتهم كواقع يومي معيش لم يتوقّعوا خلال سنوات قليلة سابقة أن يكون بتلك الحدّة، حيث كان أمر تلك التغييرات مهملا في السياسات الرسمية للدولة في ظل النظام القائم منذ أكثر من عقدين.

وخلت السياسة العراقية على مدى تلك الفترة من العمل المستقبلي وتراجع العمل التنموي إلى مراتب متأخرة في سلم اهتمامات الدولة في ظل انصراف القوى المتحكمة فيها إلى الصراع على السلطة وتنفيذ الأجندات الضيقة الخاصة بها وبالجهات الخارجية التي تقف وراءها في أغلب الأحيان.

وازداد طقس العراق المعروف باشتداد حرارته في فصل الصيف تطرّفا إذ ازدادت الحرارة ارتفاعا وقلت التساطقات المطرية وتفاقم الجفاف وتأثرت الروافد المائية بذلك حيث لم يعد نهرا دجلة والفرات يفيان بحاجة السكان من المياه النظيفة الضرورية للشرب والزراعة وتربية الماشية.

وتطرح مشكلة المياه التي تنامت خلال سنوات قليلة بشكل سريع فاجأ السلطات العراقية على البلد تحديات كبيرة مؤثرة بشكل مباشر على حياة سكانه وأنماط عيشهم فضلا عن تأثيراتها الخطرة على مسار التنمية الضعيف والمتعثّر أصلا في البلاد.

ويهدّد شح المياه الأمن الغذائي للعراقيين بتأثيره على الإنتاج الزراعي، كما يهدد استقرار بعض المجتمعات المحلية المعتمدة على الرعي والزراعة ويدفع أعدادا من أبنائها إلى النزوح نحو مناطق أخرى وخصوصا باتجاه المدن الكبرى غير المفتقرة بدورها أصلا لمشاكل الاكتظاظ والبطالة وسوء الخدمات.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

960 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع