في العراق.. إذا التقى سياسيان سنيان يحذف ما سبق
لا يخلو الحديث عن تغيير النظام السياسي المتداول على ألسنة عدد من القيادات السياسية السنية في العراق كجزء من المزاج المترتّب على سقوط نظام آل الأسد في سوريا من تناقض يشكّك في صدقية أصحابه متمثّل في أنّ تلك القيادات نفسها مشاركة بدرجات متفاوتة في النظام ذاته ومستفيدة منه، فضلا عن أن لها سوابق كثيرة في قطع الوعود الزائفة وإذكاء الآمال الكاذبة لدى جمهورها.
العرب/بغداد- تعمل قيادات سياسية سنية عراقية على مسايرة مزاج المكوّن الذي ترفع لواء تمثيله وذلك بالحديث عن تغيير محتمل للنظام السياسي القائم في العراق، مذكية بذلك الأمل الضئيل الذي أحياه في نفوس شرائح واسعة من العراقيين سقوطُ نظام آل الأسد في سوريا والمنتمي إلى المحور ذاته الذي تقوده إيران في المنطقة ويضم الأحزاب والفصائل الشيعية الحاكمة في العراق.
وقال أثيل النجيفي القيادي في حزب متحدون إنّ التغيير السياسي في العراق “قادم لا محالة”، متوقّعا أن تلعب التطورات الإقليمية والدولية دورا في إحداثه.
وتذكّر طريقة القادة السياسيين السنّة في العراق في رفع سقف التوقعات والآمال لجمهورهم بالوعود الكثيرة التي دأبوا على قطعها لذلك الجمهور وخصوصا في المناسبات السياسية والمواعيد الانتخابية دون أي محاولة لإنجاز شيء منها لاحقا.
ومع احتدام الجدل حول ميليشيات الحشد الشعبي وضرورة ضبط سلاحها ورواج إشاعة انسحاب تلك الميليشيات من جرف الصخر، المنطقة السنية الواقعة جنوبي العاصمة بغداد والتي كانت قد أخليت من سكانها السنّة أثناء الحرب ضدّ داعش واحتلتها فصائل الحشد، برز مجدّدا إلى السطح الوعد الذي قطعه في وقت سابق رئيس حزب السيادة خميس الخنجر بأن يصلي في الجرف، في إشارة إلى إخلائه من الميليشيات وإعادة سكانه الأصليين إليه دون أن يلقى ذلك الوعد – الأمنية سبيله للتنفيذ إلى حدّ الآن.
وكما هي حال معظم الخطابات السياسية للقادة العراقيين السنة المشاركين في العملية السياسية الجارية منذ إحدى وعشرين سنة، جاء الحديث عن التغيير في العراق غائما ومفتقرا لأي دعوة جدية إلى إنجازه أو خطوات عملية لتنفيذه، مكتفيا بالرهان على انتفاضة من داخل الحواضن الشعبية للقوى الشيعية على غرار انتفاضة أكتوبر 2019، أو تدخّل خارجي على غرار التدخّل التركي الحاسم في سوريا.
وتشكّك أوساط سياسية عراقية في جدية مثل ذلك الحديث، بل في صدقية رغبة أصحابه في التغيير الفعلي كونهم مشاركين في تلك العملية، وإنْ بشكل ثانوي، ويحصلون على حصصهم من السلطة وما تهبه من امتيازات مادية ومكانة سياسية ووجاهة اجتماعية.
وقال النجيفي في منشور على منصات التواصل الاجتماعي إنّه يتفق مع رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني بشأن استبعاده انهيار النظام السياسي، مستدركا بأن “هذا لا يعني أبدا أن تغيير الأوضاع السياسية في العراق أمر مستبعد،” مضيفا “بل على العكس، التغيير قادم لا محالة وإن لم يكن بسبب ضعف الأداء السياسي العراقي فبفعل المتغيرات الإقليمية.”
وأوضح النجيفي الذي سبق له أن تولى منصب محافظ نينوى في الفترة التي سبقت غزو تنظيم داعش لها واحتلاله لمركزها مدينة الموصل بداية من سنة 2014 بالقول رغم “كل انتقاداتنا للعملية السياسية في العراق إلا أنّها رسّخت الانتخابات البرلمانية كأساس وحيد للحصول على السلطة والشرعية. ولهذا فعندما نقول بأن المتغيرات الإقليمية ستفرض نفسها في العراق، فهذا يعني أن الأطراف التي استقوت بالمشروع الإيراني سيتراجع نفوذها لسببين، الأول داخلي بسبب فشلها في تقديم ما يستحق دعم الجماهير لها، والثاني إرادة دولية جديدة في المنطقة.”
واعتبر أنّ “الأطراف التي عانت من ضغط المشروع الإيراني ستجد لها مؤيدين يستعيدون أملهم بالتغيير، وهذا ما نتوقعه في الدورة الانتخابية القادمة كبداية تتبعها متواليات.”
وخلص في منشوره إلى توقّع أنّه “إذا حاول بعض مؤيدي النفوذ الإيراني الاستقواء على إرادة الجماهير أو منع التغيير القادم، فبالتأكيد سيواجهون إرادة دولية صارمة،” مشددا على أنّه لا يوجد بين هؤلاء “من يفكر بمواجهة الإرادة الدولية.”
وتجري في العراق منذ سنة 2005 انتخابات برلمانية بشكل منتظم لم تفض أي من دوراتها إلى تغيير يذكر في نظام الحكم والقوى القائدة له، إذ أن القوى الممسكة بزمام السلطة كانت تعرف دائما كيف تجيّر النتائج الانتخابية لمصلحتها باستخدام مقدّرات الدولة والمال السياسي وحتى سطوة السلاح.
وكان أوضح تغيير كاد يقع في الدورة الماضية عندما تمكّن تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر من تحصيل أكبر عدد من مقاعد البرلمان وكان على وشك تسلّم زمام السلطة من منافسيه من نفس العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها.
وحتى هذا التغيير الشكلي لم يسمح له بالمرور إذ سرعان ما تجمّع منافسو الصدر من قادة الأحزاب والفصائل الشيعية ضدّه في هيكل أطلقوا عليه اسم الإطار التنسيقي وشكّلوا تحالفا أوسع مع قوى سنية وكردية تحت مسمّى ائتلاف إدارة الدولة، ما مكنهم من الحفاظ على امتياز تشكيل الحكومة ومنع مرور زمام السلطة إلى يد التيار الصدري.
ويوصف دور القادة السنّة في إدارة شؤون الحكم في العراق بالثانوي إذ أن عرف المحاصصة المعمول به في العملية السياسية يمنحهم عددا من المواقع في السلطة والمناصب الوزارية والإدارية داخل الحكومة، لكن ذلك لا يكون كافيا لوضع بصمتهم على السياسات العامة للدولة ولإحداث تغييرات جذرية في أوضاع أبناء المكوّن الذي يمثّلونه.
وما يزيد من إضعاف مواقفهم بمواجهة “شركائهم” الشيعة كثرة الصراعات فيما بينهم واستعانتهم على أبناء جلدتهم بقادة الأحزاب والفصائل الشيعية.
فعلى مدى السنوات التي أعقبت سقوط النظام العراقي السابق أشعل التنافس الحادّ على المناصب السياسية وما خلفها من مكاسب مادّية صراعات حادّة بين عدد من السياسيين السنّة على زعامة المكوّن الأمر الذي صبّ في مصلحة المعسكر الشيعي بأحزابه وميليشياته وكرّس هيمنته على مقاليد السلطة.
ويتمثّل أوضح تأثير لتلك الصراعات في الحؤول دون بروز زعامات سنّية وازنة تجمع حولها أوسع طيف ممكن من أبناء المكوّن لتشكّل مركز ثقل سياسي يوازن مركز الثقل الشيعي في البلد، فضلا عن عجزها عن قيادة عملية تغيير جذري للنظام.
417 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع