رئيس جديد للمخابرات في العراق.. لماذا الآن؟

حامد الزبيدي - أربيل الحرة-أثار قرار رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، القاضي بتكليف، حميد الشطري، برئاسة جهاز المخابرات، اهتماماً واسعاً لدى مختلف الأوساط داخل البلاد وخارجها، ليصبح اسم الشطري محور حديث عدة وسائل إعلام، لاسيما بعد أن بقي هذا المنصب يدار بالوكالة لعدة سنوات برغم أهميته الاستراتيجية.

وقال الناطق الرسمي بإسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، إن هذا التكليف يأتي استكمالاً لدعم عمل الجهاز وخدمة للعراق وحفظ أمنه واستقراره، لما يتمتع به الشطري من الخبرة والأداء المتميز في المجال الأمني.

ويرى الخبير الأمني، علاء النشوع، أن اختيار الشطري لرئاسة جهاز المخابرات جاء بناءً على خبرته في إدارة مناصب أمنية عدة بضمنها خلية الصقور الاستخبارية التي كانت تعمل على مكافحة الإرهاب بالتنسيق مع أجهزة أمنية خارجية، إذ يعتمد جهاز المخابرات على إدارة العمليات الأمنية الخارجية لتأمين الجبهة الداخلية للبلاد.

وأكد النشوع أن الأحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة دفعت رئيس الوزراء العراقي إلى أختيار إدارة أصيلة لجهاز المخابرات الوطني الذي بقي عدة سنوات يدار بالوكالة، سيما وأن أحداث سوريا تنعكس بشكل مباشر على العراق، فقراءة المشهد في الوقت الراهن تتطلب جهداً استباقياً فاعلاً لإجهاض أي مخاطر أمنية أو سياسية ربما ترجع على العراق بشكل سلبي، وتداركها لا يمكن أن يتم إلا عبر جهاز المخابرات.

ويضيف أن اختيار الشطري لا يخرج من دائرة التوافقات والضغوط السياسية للإطار التنسيقي سيما وأنه يُحسب على حزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء العراقي بالتالي فإن هذا التكليف يأتي ضمن توجهات الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة الموالية لإيران.

فيما يشير إلى أن عملية الاختيار السريعة هذه تندرج تحت ضغط داخلي وإقليمي، واجهه رئيس الوزراء السوداني ما دفعه للإسراع بالتكليف من دون طرح أكثر من شخصية تخضع للدراسة والنقاش، خاصة وأن هذا المنصب هو من استحقاق المكون السُني حسب قوله.

ويؤكد أن جهاز المخابرات له أهمية بالغة تتعلق بالأمن القومي العراقي وحتى على الصعيد الداخلي في مسألة تصفية الخصوم السياسيين وإقصاء الذين يعارضون سياسة الدولة واستراتيجياتها، وهذه الشخصية التي اختيرت تلبي هذا الأمر وتترجمه على أرض الواقع.

سيرته الذاتية
حميد رشيد فليح ساهي الشطري، وُلد في محافظة ذي قار جنوبي العراق، وهو مسؤول أمني عراقي بارز، شغِل عدة مناصب مهمة في الأجهزة الأمنية العراقية.

تولى منصب مدير عام الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية العراقية في يناير عام 2021، وقاد خلية الصقور الاستخبارية التي وصفت بأنها من أكثر الوحدات الاستخبارية فعالية في العراق، وفي نوفمبر 2021 تم تعيينه معاونا لرئيس جهاز الأمن الوطني من ثم رئيساً للجهاز واستمر في المنصب حتى يوليو 2023، حيث نقل إلى مستشارية الأمن القومي كمستشار فيها.

وفي ديسمبر 2024 أصدر رئيس الوزراء السوداني قراراً بتعيين الشطري رئيساً لجهاز المخابرات العراقي.

ويُعد الشطري، مقرباً من الإطار التنسيقي وهو تحالف سياسي ذات توجه إسلامي شيعي يضم مجموعة من القوى والأحزاب الشيعية وهو التحالف الذي شكّل الحكومة العراقية الحالية برئاسة السوداني في 27 أكتوبر 2022 بعد أزمة سياسية أعقبت الانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر 2021.

أما بالنسبة لإنجازات الشطري والمهام التي أشرف عليها، فقد قاد عمليات أمنية نوعية عبر خلية الصقور الاستخبارية، كانت قد أسفرت عن إحباط عدد كبير من المخططات الإرهابية واعتقال قادة بارزين في تنظيم داعش وغيره.

كما عمل على تطوير أسس التعاون بين المؤسسات والوحدات الأمنية العراقية لتعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية، فيما ساهم في تحسين أداء جهاز الأمن الوطني واعتماد الجهد التقني في مكافحة التنظيمات المتطرفة على رأسها تنظيم داعش، إضافة إلى محاربة الفساد الداخلي خلال قيادته للجهاز والرفع من كفاءة العاملين فيه.

إدارة جهاز المخابرات
يعتقد عضو مجلس النواب، عبد الرحيم الشمري، في حديثه لموقع "الحرة" أن خلو جهاز المخابرات من رئيسه وإدارته بالوكالة كانت إشكالية إدارية وهو عرف سيئ اعتادت عليه الدولة العراقية في مؤسساتها للتفرد بالسلطة، لكن في النهاية اختيرت رئاسة أصيلة للجهاز وهذا من شأنه تفعيل أدوات الجهاز وتسهيل تعامل الدول الأخرى مع العراق، لاسيما في مجال التعاون عبر المعلومات في مكافحة التهديدات الأمنية.

ويرى الشمري أن هذه المرحلة حرجة بالنسبة للعراق وما يحصل في المنطقة من تداعيات وأحداث، وأنه لا ينبغي لدولة أن يدار جهاز المخابرات فيها بالوكالة، ما استدعى تعيينه لما تتطلبه هذه التطورات في المنطقة، والعراق عنصر فاعل فيها عبر العمل الأمني والجهد المخابراتي.

ويؤكد أن الشطري يمتلك خبرة في القطاع الأمني، وكان قد حقق إنجازات أمنية، لكن جهاز المخابرات له خصوصية تختلف عن بقية الأجهزة الأمنية التي تولى مهامها سابقاً، وتحقيق أهداف الجهاز بحماية البلاد من الأخطار القائمة، يراد لها العمل بمهنية عالية برفقة فريق متخصص وأن يعتمد الجهاز على الجهد التقني، معتبراً أن نجاح الشطري يرتهن بإبعاد الجهاز عن التدخلات السياسية بكافة أشكالها.

وأوضح أن تعيين الشطري لإدارة المخابرات جاء كحاجة أمنية في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر فيها منطقة الشرق الأوسط بعيداً عن حسابات التوافق السياسي بين الأحزاب السياسية التي شبه انسحبت من المشهد السياسي بعد أحداث سوريا وتضاءلت تدخلاتها بمثل هذا الشأن.

استثمار في أمن العراق
المحلل الاستراتيجي المقرب من الإطار التنسيقي، وائل الركابي، يؤكد لموقع "الحرة" أن جهاز المخابرات مؤسسة أمنية لها دور كبير وبالغ الأهمية في حماية الدولة من أي تهديدات ومخاطر أمنية وعسكرية، ولا ينبغي لها أن تدار بالوكالة وتحقق أهدافها على يد رئيس مجلس الوزراء المثقل بالجوانب التنفيذية.

ويبيّن أن هذا التكليف يأتي بالتزامن مع المستجدات الأمنية والسياسية على الساحة الإقليمية، والعراق دولة مهمة في المنطقة، ويتطلب أمنه القومي جهداً مخابراتياً يواكب هذه الأحداث ويكشف خباياها بإدارة مهنية، معتقداً أن تعيين الشطري لإدارة جهاز المخابرات توجه سليم خاصة وأنه تسلم مناصب أمنية حساسة ونجح في إدارتها.

ويشير الركابي إلى أن تعيين الشطري خطوة تهدف إلى تعزيز القدرات الاستخبارية والأمنية للعراق في مواجهة التحديات الراهنة، وهذا التكليف لم يأت وفقاً للمحاصصة الحزبية والتوافقات السياسية، بل أن شخصية الشطري متفق عليها من جميع الأطراف لاسيما وأنه نجح في إدارة هذه الهيئات والأجهزة بطريقة كفوءة، معتقداً أن المرحلة الحالية تحتاج مثل هذه الشخصيات لإدارة مؤسسات الدولة.

وعن أسباب إدارة جهاز المخابرات بالوكالة لأربع سنوات يقول الركابي إن سنتين منها في وقت ولاية رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، هو من كان يدير جهاز المخابرات قبل توليه منصب رئاسة الوزراء فأبقى على إدارة الجهاز تحت يده خشية من أن يسيطر أحد على الجهاز ويتحكم بمفصل مهم في الدولة.

وبعد تولي السوداني رئاسة الحكومة استمرت إدارة الجهاز بالوكالة نظراً للتحديات الكبيرة التي كانت تواجهها الدولة منها التحديات الأمنية، وفي ظل تحسن الأوضاع تم اتخاذ قرار بتعيين الشطري، الذي يمتلك المؤهلات اللازمة لإدارة هذا الجهاز ويعتبر مهنياً على الأقل، وفقاً لوصفه، وبذلك يبعد رئيس الوزراء هذه المؤسسة الأمنية المهمة عن المحاصصات والشخصيات الانتهازية.

وأكد الركابي أن قرار تعيين الشطري لا تعنى به الفصائل المسلحة العراقية ولا تتدخل في مثل هذه القرارات، خاصة أن عمل جهاز المخابرات يختص بالجهد الأمني خارج الحدود، وأن هذه الإجراءات بعيدة عن رؤى تلك الفصائل، بحسب قوله.

مخاطر التوترات الإقليمية
الخبير في السياسات الدولية، علي عبد الزهرة، أكد أن الأحداث الأخيرة في المنطقة، وآخرها إسقاط نظام الأسد وسيطرة مجاميع مسلحة مدعومة من تركيا على السلطة في سوريا، تشير إلى تطورات خطيرة ربما تهدد العراق، سيما وأن هناك 6 معتقلات في سوريا تحتوي على عناصر وقادة من داعش، وربما بأي وقت يتم كسر السجون وقد ينذر ذلك بحدوث هجوم جديد على العراق مشابه لسيناريو عام 2014.

ويؤكد عبد الزهرة أن هناك حاجة ماسة لاحتواء هذا الخطر من خلال ثلاثة أركان الأول سياسي والثاني دبلوماسي والثالث أمني، ويأتي على رأسه جهاز المخابرات، بالنظر إلى الخطر الداهم القادم من خارج الحدود.

وقال إن إدارة هذا الجهاز بالوكالة قد تنتج مشكلات خطيرة، ولذلك قررت الحكومة العراقية اختيار إدارة أصيلة للجهاز استناداً لتلك المخاطر.

ويرى أن في مثل هذا التوقيت القرارات لا تتم من قبل رئيس الوزراء فقط بل بمشورة وتوجيه من الحاضنة السياسية ممثلة بالإطار التنسيقي ليكون القرار محصن سياسياً، وسابقاً كان الشطري يتمتع بعلاقات وطيدة مع حزب الدعوة والتيار الصدري وحالياً قريب من الإطار التنسيقي.

وبالرغم من ذلك، فإن تكليف الشطري لم يكن ضمن خيارات الفصائل المسلحة التي كانت تمهد وتدعم ترشيح، ليث الخزعلي، لرئاسة جهاز المخابرات، وهو شقيق الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وحصلت ضغوط سياسية حالت دون تكليفه، بالتالي فإن تعيين الشطري يأتي مخالفاً لإرادة تلك الفصائل لكنها أخذت في حساباتها أن هذه المرحلة لا ينبغي لها أن تشهد تصعيداً سياسياً.

ويشير عبد الزهرة إلى أن مسألة إدارة المناصب بالوكالة لاسيما الأمنية منها تندرج تحت إطار تخبط أصحاب القرار وسوء إدارتهم لمؤسسات الدولة، ما يرجع بتأثيرات سلبية على أمن البلاد خاصة فيما يتعلق ببناء علاقات مخابراتية ومعلوماتية مع دول الجوار التي تحتاج سنوات للوصول إلى قاعدة تعاون رصينة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

332 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع