لحظة ذهول بعد ضربتين موجعتين
خسارة إيران لنفوذها في سوريا بسقوط نظام حليفها بشار الأسد وانحسار تأثيرها في لبنان بارتخاء قبضة حزب الله عليه، يزيد من إصرارها على التشبّث بنفوذها في العراق الذي يمثّل مجالا حيويا اقتصاديا وماليا لها وغلافا أمنيا لأراضيها، ما يجعل أذرعها القوية هناك أمام مهمة التصعيد ضدّ منافسيها على النفوذ في البلد وفي مقدمتهم تركيا التي لم تكن بعيدة عمّا لحق بالإيرانيين من هزيمة مدوية في المنطقة.
العرب/بغداد - تضع الهزيمة المدوية التي تلقتها إيران في سوريا بسقوط نظام حليفها بشار الأسد، والتي تعتبر تركيا مساهما رئيسيا فيها، العراق أمام حلقة جديدة من التصعيد في صراع النفوذ بين طهران التي تمتلك هناك أذرعا قوية متغلغلة في مفاصل الدولة، وأنقرة التي نجحت في الفترة الأخيرة في الدخول كمنافس جدّي على النفوذ في البلد من خلال تطويرها لسلسلة من المصالح الحيوية الاقتصادية والأمنية مع سلطاته.
ولا يمثّل التعاون مع تركيا موضع إجماع بين رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني والقوى المشكّلة لحكومته من أحزاب وفصائل شيعية ما يعني أنّه سيكون خلال ما تبقّى من فترته على رأس الحكومة تحت ضغوط كبيرة من قبل حلفاء إيران المحليين الذين سبق لهم أن اعترضوا على مشروع طريق التنمية المشترك مع تركيا والذي يهدف إلى ربط منطقة الجنوب العراقي المطلة على مياه الخليج بالحدود التركية شمالا، ومازالوا يعترضون بشدّة أكبر على تعاون بغداد مع أنقرة بشأن ملف مسلحي حزب العمال الكردستاني وتقديم تسهيلات للقوات التركية لملاحقتهم داخل الأراضي العراقية.
وسبق لميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي أحد أبرز الحلفاء الموثوقين لإيران في العراق أن وصفت المشروع بأنّه “وصمة عار في تاريخ ساسة العراق.”
وجاء ذلك على لسان النائب حسن سالم من كتلة “الصادقون” الممثلة للعصائب في البرلمان العراقي والذي قال في وقت سابق إنّ مشروع الطريق يمثل “فاتورة أخرى يدفعها الشعب العراقي بسبب الطبقة السياسية التي تشبعت بفايروس الفساد حتى جعلها لا تميز بين الضار والنافع.”
ويعكس الخطاب الإعلامي للأحزاب والفصائل الشيعية العراقية وتصريحات بعض قادتها في الوقت الحالي مزاجا سلبيا إزاء تركيا وكانت إيران نفسها وراء إشاعته من خلال تحميلها أنقرة مسؤولية سقوط نظام الأسد في سوريا.
وأصدر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي تلميحات قوية بشأن مشاركة تركيا في إسقاط النظام السوري، قائلا إن سقوط الأسد كان نتيجة لخطة وضعتها الولايات المتحدة وإسرائيل.
وأضاف أن إحدى الدول المجاورة لسوريا كان لها دور أيضا. ولم يذكر تلك الدولة بالاسم لكن بدا أنه يشير بوضوح إلى تركيا التي تدعم معارضين مسلحين مناهضين للأسد.
ويُنظر للإطاحة بالأسد على نطاق واسع على أنها ضربة كبيرة للتحالف السياسي والعسكري المسمّى “محور المقاومة” والذي يجمع تحت يافطته أذرع إيران في المنطقة بما في ذلك الميليشيات والأحزاب الشيعية في العراق.
وقال خامنئي في كلمة نشرتها وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية “ما حصل في سوريا كان مخططا له بشكل أساسي في غرف القيادة بأميركا وإسرائيل. ولدينا دليل على ذلك. كما شاركت حكومة مجاورة لسوريا في الأمر.” وأضاف أن تلك الدولة الجارة كان لها “دور واضح ومتواصل للقيام بذلك.”
وكانت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي والتي تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال سوريا، داعما رئيسيا لجماعات المعارضة المسلحة التي سعت للإطاحة بالأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية مطلع العشرية الماضية. وبذلت إيران جهودا كبيرة لدعم الأسد خلال الحرب ونشرت الحرس الثوري في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة.
ويقول متابعون لشؤون المنطقة إنّه لم يعد أمام إيران من خيار سوى التشبّث بنفوذها في العراق الذي يمثّل متنفسها الاقتصادي والمالي من العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتّحدة والتي يُتوقّع أن تزداد شدّة في عهد الرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب، كما أنّه يمثّل قاعدة متقدّمة لحماية أمنها ومقارعة أعدائها ومشاغلتهم على أراضيه بدل خوض الصراع معهم داخل مجالها.
وبينما دفعت الحكومة العراقية بقيادة السوداني باتّجاه التزام قدر من الحياد إزاء الأحداث في سوريا ومحاولة النأي بنفسها عن التورّط فيها، سارعت قوى وشخصيات سياسية شيعية مشاركة في تشكيل الحكومة إلى ملاءمة مواقفها من الأحداث نفسها مع الموقف الإيراني.
واتهم رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي تركيا بمشاركة الولايات المتّحدة وإسرائيل وضعَ خارطة جديدة للمنطقة.
وتحدّث المالكي عن وجود أزمة كبيرة واصفا ما حدث في سوريا بأنّه انهيار مؤسف وغير متوقّع. وقال في تصريحات تلفزيونية إنّ الهدف من تصعيد الأزمة السورية هو تحريك الشارع العراقي.
وتطرّق إلى سقوط نظام دمشق قائلا “لا نعرف إلى غاية الآن بالتفصيل ما حدث في سوريا من انسحابات عسكرية.” لكن الثابت الوحيد بالنسبة إليه هو أنّ “الدور التركي كان واضحا في إسقاط نظام بشار الأسد.”
ووضع زعيم ائتلاف دولة القانون أنقرة وتل أبيب وواشنطن في سلة واحدة معتبرا أنّ “المؤثرات الأميركية – التركية – الصهيونية تستهدف وضع خارطة جديدة للشرق الأوسط،” ومحذرا “من تحركات بقايا داعش في الصحراء والخلايا النائمة من حزب البعث.”
ويعتبر الربط بين اسمي تركيا والولايات المتّحدة وتنظيم داعش إحدى سمات الخطاب السياسي لحلفاء إيران العراقيين، وهو أمر برز مجدّدا في سياق تحذيرات قادة الميليشيات والأحزاب الشيعية العراقية من تداعيات الأحداث السورية على الداخل العراقي.
ولا يستبعد مراقبون أن تتّجه جهود هؤلاء الحلفاء لكسر وتيرة توسّع نفوذ تركيا في العراق ووقف مسار تعاونها مع حكومته صوب الملف الأمني الحساس الذي شهد تطورات مشهودة بتسهيل بغداد للمهمة التركية في مواجهة مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.
وتحدّث الباحث في الشأن السياسي ياسين عزيز عن احتمال دعم إيران للحزب نكاية بتركيا بسبب دورها في الأحداث السورية.
ونقلت عنه وكالة “بغداد اليوم” الإخبارية قوله “بعد خطاب المرشد الإيراني حول الأوضاع في سوريا واتهام تركيا ضمنا دون ذكر اسمها صراحة بدعم ما حصل من عملية الإطاحة بنظام بشار الأسد، فإنه من المنتظر أن يكون هناك صراع غير مباشر وبالوكالة بين إيران وتركيا.”
وأضاف “هذا الصراع قد يكون على الأراضي العراقية أو السورية بقيام إيران بزيادة الدعم لحزب العمال الكردستاني المعارض للحكومة التركية، سواء كان مباشرة عبر تماس أراضيها المباشر مع المناطق التي ينتشر فيها عناصر الحزب داخل الحدود العراقية، أو بصورة غير مباشرة عبر الجماعات أو الفصائل المقربة من إيران والتي تقوم بدعم الحزب المذكور منذ فترة ليست بالقصيرة.”
818 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع