حملة "ثأر الشهداء": السلطات العراقية ترتكب جرائم ضد الانسانية
وجّه مركز جنيف الدولي للعدالة رسائل ونداءات عاجلة الى الأمم المتحدّة ممثلة بمجلس حقوق الانسان والسيدة نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الإنسان والى عدد من المقرّرين الخاصيّن والفرق العاملة رسائل تفصيلية بشأن استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في العراق وخاصّة تلك التي نجمت عن الحملة العسكرية الواسعة النطاق التي اطلقت عليها السلطات اسم (حملة ثأر الشهداء).
وطالب المركز التدخل العاجل من المفوضة السامية وهيئات الامم المتحدة لحمل السلطات العراقية على وقف هذه الحملة وما جرى فيها من اعتقالات عشوائية تعسفية طالت المئات من المدنيين الأبرياء تحت اتهامات جاهزة بالارهاب، الذريعة التي تستخدم على نطاق واسع في العراق. وبين المركز ان الانتهاكات الناجمة عن هذه الحملة يصح عليها قانوناً وصف الجرائم ضد الانسانية كونها تجري على نطاق واسع ومنتظم. وطالب الأمم المتحدّة أن تتخذ جميع الخطوات اللازمة لضمان تقديم جميع المسؤولين عن الانتهاكات في العراق إلى العدالة.
خطورة حملة "ثأر الشهداء"
وبين المركز ان ما يزيد الحملة المسمّاة حملة "ثأر الشهداء" خطورة، فضلاً عن النطاق الواسع الذي تجري فيه وما يستخدم فيها من اسلحة ثقيلة لا تتناسب مع اجراءات امنية لاعتقال مطلوبين حسب ادعاءات السلطات، هو خصائصها الطائفية الواضحة للعيان كونها تستهدف مناطق معينة من العراق. ونقلت في هذا الصدد ما اعلنه الفريق علي غيدان، قائد القوات البرية العراقية، في مقابلة أجريت في 13 آب/أغسطس 2013. حيث اكدّ أن العملية جرت في مناطق حزام بغداد ومحافظات الانبار ونينوى وصلاح الدين.
واوضح مركز جنيف الدولي ان المرحلة الأولى من عملية "ثأر الشهداء " التي استمرت من بداية شهر آب 2013 لغاية 12 منه، وتصاعدت خلال عطلة عيد الفطر المبارك، نجمت عن اعتقال ما يزيد عن 1000 شخص في أقل من اثني عشر يوماً، وقتل العشرات من الذين حاولوا الهرب خوفاً من التعذيب الذي يلقاه كل من يجري اعتقاله في العراق.
ولفت المركز ان ما يجب اخذه في الحسبان، انه وقبل ان تباشر السلطات القضائية العراقية المختصة اية تحقيقات مع المعتقلين اعتبر غيدان (قائد القوات البّرية العراقية) ان جميع المعتقلين هم "إرهابيون" وكأنه بذلك "يُبشّر" باعدامهم حيث يفتقر العراق الى القضاء المستقل وتتم الاعدامات وفقا لرغبات السلطة التنفيذية وبمجرد الصاق تهمة "الارهاب" بالشخص المتهم. كما نقل المركز تأكيد المالكي (رئيس الوزراء) في كلمة له في 14 آب 2013، ما جاء في البيانات التي ادلى بها علي غيدان، من اعتقال أكثر من 800 شخص وصمهم هو الآخر بــ "الإرهابيين" وبدا مرتاحاً لقتل العشرات مؤكدّاً أن هذه العمليات لن تتوقف.
وبين المركز بالأرقام اعداد الذين تم اعتقالهم في مختلف ساحات العمليات لغاية 20/آب/2013، حيث زاد العدد عن 1500 شخصا وبدا ان هنالك ما اشبه بالتسابق بين الجنرالات لأعتقال المزيد من الأبرياء ووصمهم بالارهاب.
هل المعتقلون ارهابيون؟
نقل المركز تأكيدات تفند المزاعم التي تصف جميع المعتقلين بانهم إرهابيين. وجاءت هذه التأكيدات من قبل أعضاء في البرلمان العراقي ورؤساء منظمات حقوقية. فقد أدلى السيد محمد إقبال، عضو البرلمان عن محافظة نينوى بتصريح مساء يوم 15/8 مؤكدّا انه في الوقت الذي يدعم فيه اية جهود حقيقة لمكافحة الارهاب، الاّ انه يشدّد على قناعته بأن المعتقلين في الحملات الأخيرة هم أبرياء، وان الاعتقالات جرت باسلوب تعسفي ودون تمييز. ويؤكد أن ما يسمّى (حملة ثأر الشهداء)، والدعاية الاعلامية المواكبة لها ما هي الا محاولة من السلطة للتغطية على فشلها في تحسين الأمن والقبض على الإرهابيين الحقيقيين، ودعا قادة الجيش ان يتحلوا بالصراحة والشفافية.
وأشار إقبال إلى أن نفس القصة تكرّرت مرارا وتكرارا منذ بداية الاحتلال حيث يتم الاعلان عن القاء القبض على مئات من "الإرهابيين" لكي يتضح لاحقاً بأنهم مواطنين أبرياء وهم في الحقيقة ضحايا لهجمات من قبل الإرهابيين والحكومة على حد سواء. ويجب ألا يسمح لهذا العمل بأن يستمر.
كما نقل مركز جنيف عن مجلس محافظة الأنبار التأكيد بان اعتقالات لابناء المحافظة جرت على ضفاف البحيرات عندما كانوا يتنزهون في عطلة العيد وان الاعتقالات طالت ايضاً صيادين ومزارعين، ودعا للإفراج عن المعتقلين متحدّياً الحكومة ان تظهر اية أدلة على أن من جرى اعتقاله هم في واقع الأمر من الضالعين في الإرهاب.
الآثار المترتبة على الحملة الحالية
اعتقالات تعسفية وعقوبات جماعية
بين مركز جنيف الدولي للعدالة ان من العواقب الفورية لحملة "ثأر الشهداء" هي الاعتقال التعسفي للمئات من العراقيين الأبرياء حيث تتم الاعتقالات بشكل عشوائي خارج القواعد القانونية ودون وجود اية أدلة او معلومات حقيقية. كما تتم دون مذكرات توقيف، واحياناً تلجأ السلطات لأصدار مذكرات توقيف بعد القاء القبض ولكن بتواريخ تسبقه. ولاحظ المركز ان عمليات "ثأر الشهداء" تستخدم إلى حد كبير تكتيكات الميليشيات. وهذا يتجاوز مسألة أن الميليشيات تشارك بالفعل في هذه العملية، بل ينصرف ايضا الى العقيدة التي تنفذ بها من قبل الضباط والجنود المشاركين ـ وجلّهم انخرط في الجيش الجديد من خلال الميليشيات ـ فهم يتعرّضون للمناطق السكنية مستخدمين اساليب لا اخلاقية ابتداءً من الكيفية التي يجري فيها مداهمة تلك المناطق، وفرض قيود على حركة العاملين ومنع ارباب العمل من مماسة اعمالهم، ثم اقتحام البيوت وتدمير الممتلكات، وغير ذلك من اساليب الإذلال والحطّ من الكرامة في عقوبة جماعية لا تستثني احداً.
الإعدامات الموجزة وخارج القضاء
اوضح المركز ان رئيس الوزراء وقادة الجيش يعترفون بقتل العديد من (الارهابيين) الذين حاولوا الهرب. ان هذا اعتراف صريح بالقتل العمد وباعدامات موجزة خارج القضاء، لأن الضباط يقرّرون قتل كل من يحاول الهرب من المواطنين العزّل خوفا من الاعتقال العشوائي ثم التعذيب الذي يفضي احيانا كثيرة الى الموت. حيث يُمارس التعذيب على نطاق واسع لإجبار من يجري اعتقالهم على تقديم اعترافات بالقيام باعمال ارهابية، وحيث تنعدم الإجراءات القانونية الواجبة التطبيق، ويعاقب بالاعدام كلّ من يُتهم بأية صلة [مهما كانت] بالإرهاب فأن هذا ما يجعل كل من يجري اعتقاله عرضةً للاعدام وبالتالي يحاول الكثيرون الهرب عند رؤيتهم للقوات العسكرية. كما ان الأسلحة المستخدمة وحجم القوات العسكرية التي تنفذ الهجوم لا يتناسب مطلقاً مع الاهداف المعلنة. فالعمليات اشتركت فيها الدبابات والمروحيات وعربات الجيش والمدفعية. ان استخدام مثل هذه الأسلحة والآلة الحربية لا لزوم له لتنفيذ اعتقالات (لو صحّ ادعاءات السلطة). والأهم من ذلك، انه يزيد من احتمال الاصابات الخطيرة وقتل المدنيين الأبرياء. كما ان المالكي ذهب إلى أبعد من ذلك في تهديداته، واعدا بانهاء المظاهرات ضد العملية السياسية في العراق كما جرى في مصر، مؤكدا ان حكومته قادرة على وضع حد للمظاهرات في أقل من ساعة. هذه التهديدات تشكل خطراً كبيراً خصوصا في بلد يتظاهر فيها الملايين ضد انعدام الخدمات الاساسيّة وانعدام ابسط الحقوق،مما يزيد ايضاً من حالات اعدام الابرياء في العراق.
التحريض على العنف والكراهية
هنالك مخاطر أعمق تكمن في ان العملية تقوم على التحريض على العنف والكراهية داخل المجتمع العراقي، وتزيد من خطورة انتهاكات حقوق الإنسان. كما ان " الثأر " في اسم الحملة، يدل على استمرار المالكي في تعزيز روح الانتقام وعدم التصرّف كرجل دولة، فهو يحرّض على الدعم الطائفي لعملية قد تؤدّي الى القتل والاعدام ظلماً . وتسهم بيانات قادة الجيش في ذلك ايضاً. ويمكن الاشارة هنا الى ما قاله الفريق علي غيدان من وصفه العشائر بانها تاوي الارهابيين، وان ابناء العشائر هم ارهابيون. وهنا تكمن الخطورة في ان يدلي قائد عسكري بحكم مسبق يفترض ان يترك للقضاء (ان كان هنالك مشتبه بهم بالارهاب)، وهو ما ولّد مشاكل مع ابناء العشائر المعنية ألأمر الذي سيزيد من حالات العنف وتنامي الكراهيّة في المجتمع بفضل السياسات المعتمدة من قبل السلطة.
الخصائص الطائفية للحملة
يؤكد مركز جنيف الدولي للعدالة ان الخصائص الطائفية للحملة لا يمكن تجاهلها، وهي من شأنها تقويض السلم الاهلي وزيادة الاحتقان والكراهية وهذا يفسرّ تجاهل المالكي لمطالب الشعب وعدم الاكتراث لجهود السلام. فقد بدا واضحا في بيانات رئيس الوزراء انه يحرّض طائفة على طائفة اخرى عندما يصف ابناءها على انهم "ارهابيون" يسعون "لخلق فتنة طائفية" في حين انه يعلم جيداً انه يقود حزباً طائفياً بامتياز وانه وصل الى السلطة من خلال محاصصة طائفية. وينقل المركز عن السيدة عتاب الدوري، وهي عضو في البرلمان العراقي في مقابلة بتاريخ 20 آب/2013 مع قناة الشرقية الاخبارية، توضيحها النهج الطائفي للحملة وأعربت عن اعتقادها بأن المعتقلين أبرياء لكن اعتقالهم يجري لاسباب طائفية. وذكرت أنه بمجرد القاء نظرة على الرقعة الجغرافية التي تنشط بها الحملة فأنه يصبح من الواضح أنها ترّكز بشكل ممنهج على المناطق التي تقطنها غالبية طائفة معينة.
تحويل الجيش الى أداة قمع بيد سلطة لا تحترم القانون
أوضح المركز ان مما يدعو للقلق هو أن الاستمرار بتكليف وحدات الجيش بتنفيذ عمليات عسكرية تستهدف المواطنين فالمالكي بذلك يحوّل تلك الوحدات الى اداة قمع للشعب وانتقام منه عكس الواجبات الأساسيّة للجيش في حماية المواطن وحماية البلاد من التهديدات الخارجية. ان تدخلاّت الجيش ادّت الى خسائر كبيرة بالارواح والممتلكات في ظل انعدام اي مراجعة واي محاسبة للأنتهاكات التي تجري خلال هذه العمليات وولّدت شعورا لدى وحدات الجيش بأنها حرّة في القتل والتخريب والاعتقالات. وبالتالي فأن لجوء السلطة الى الحل العسكري في مواجهة اي معضلة تواجهها بات من عوامل الاحتقان ويدفع ذلك بالعراق إلى وضع اكثر دموية.
الدعوة لاتخاذ اجراءات عاجلة
اوضح المركز ان الحملة تتوسع وتمتد الى مدن وقصبات عديدة. وان المالكي قد اكدّ في اكثر من تصريح اصراره على استمرارها يساعده وزير دفاعٍ لا يعرف حجم ما يرتكبه من جرائم بحقّ الانسانية اذ يؤكد بتاريخ 26/8/2013 على استمرار الحملة وتوسعها واستخدام القوة العسكرية فيها. كما ان المالكي هزأ بكل المناشدات والانتقادات والادانات التي تصدر عن الامم المتحدّة والهيئات الحقوقية او الجهات العراقيّة المعنيّة. والمؤكدّ، ان المالكي ووزير دفاعه وقادة جيشه يرتكبون ضمن ما يسمّى حملة "ثأر الشهداء" جرائم ضد الانسانية يحقّ لعوائل الضحايا ملاحقتهم عليها ان عاجلا او آجلاً. فالقانون الدولي يعتبر ان احتجاز الاشخاص او حرمانهم من حرّيتهم يعدّ جريمة ضد الانسانية عندما يتم في سياق هجوم واسع ومنظّم على المناطق المدنية وهو ما يحدث بالضبط في هذه العمليات. وان هذا الموقف الثابت قد اوضح الى مجلس الأمم المتحدّة لحقوق الانسان في الوثيقة المرقمة 44 المؤرّخة في 24 كانون الأول/ديسمبر 2012 المقدّمة من الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي . ويبدو ايضاً ان المالكي ووزير دفاعه وقادة الوحدات العسكرية يعتقدون انه بمجرد القول بان العمليات العسكرية هي موجهة ضد الارهابيين فأنهم يضعون انفسهم فوق القانون وخارج طائلة العقاب متناسين ان الأمم المتحدّة قد قنّنت ما يتعلق بمكافحة الارهاب وعينت مقرّرا خاصا لمتابعة الموضوع. واكدّت في قراراتها ان الحقوق الأساسية المبينة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لا يمكن ان تسقط او تعلّق مهما كانت الظروف. وأن جميع دول العالم يجب ان تعي ذلك في اعمالها المتعلّقة بمكافحة الارهاب وانها ملزمة باعلان معلومات حقيقية وبطريقة شفّافة. وان الحقّ في محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات، مهما كانت درجاتهم الوظيفية، والحقّ في التعويض لا يمكن اسقاطهما تحت اي ذريعة كانت.
واكد المركز ان مطالب ابناء الشعب العراقي هي بسيطة، واضحة ومشروعة، فهي تتلخص بتوفير الخدمات الأساسية مثل الغذاء والتعليم والسكن اللائق والماء والرعاية الصحية. ان الإصرار على هذه الحقوق الإنسانية الأساسية لا تعطي الحقّ في وصم الشخص بإنه ارهابي ولا تتوجب الرد العسكري العنيف انما العمل على الاستجابة لها. ان القمع في مواجهة هذه المطالب هو مدان بشدة وبالتالي يجب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي اتخاذ الإجراءات الفورية للحيلولة دون قتل المزيد من الأبرياء واستمرار الاعتقالات التعسفية والاعدامات الجماعية للعراقيين.
ويؤكد المركز على ضرورة إجراء تحقيق كامل في الاعتقالات التعسفية والإعدام بإجراءات موجزة التي نجمت عن الحملة المذكورة أعلاه، ويتوجب على الأمم المتحدّة أن تتخذ الخطوات اللازمة لضمان تقديم جميع المسؤولين عن الانتهاكات في العراق إلى العدالة، كما طلب المركز من المفوضة السامية، ان تتخذ ما تستطيع من اجراءات طبقاً لولايتها، بخصوص هذه الانتهاكات، وان تتولى تقديم تقرير عن ذلك الى مجلس حقوق الإنسان.
كما طالب المركز الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التحقيق في هذه الحالات وغيرها من حالات الحرمان من الحرية في العراق ومطالبة السلطات العراقية اطلاق سراح المعتقلين فوراً.
ودعا المركز المقرر الخاص المعني بالإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفية، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب إلى اجراء تحقيقات فورية في التقارير المؤكدة، بما فيها ما اعلنه رئيس الوزراء وغيره في السلطات العراقية، عن اعداد غير قليلة من الذين لاقوا حتفهم جرّاء تنفيذ حملة "ثار الشهداء" والاعتقالات التعسفية الجماعية التي ارتكبت تحت ستار مكافحة الإرهاب.
كما عبّر المركز عن ايمانه الراسخ بأن الوقت قد حان لعقد دورة استثنائية بشأن حقوق الإنسان في العراق وتعيين مقرّر خاص لتلك الحالة.
691 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع