احتراق ورقة الانتخابات المبكرة يعصف بآخر الطموحات السياسية لنوري المالكي

فكرة الانتخابات المبكّرة التي حاول نوري المالكي أن يجعل منها وسيلة لفرملة الصعود السياسي اللافت لرئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني والحدّ من تمكّن مجموعة من المحيطين به من السيطرة على مقاليد الدولة، بدأت تتحوّل إلى ما يشبه سبر آراء مصغّر داخل العائلة السياسية الشيعية تظهر نتائجه انحسار تأثير المالكي في مقابل توسّع نفوذ السوداني وحلفائه.

العرب/بغداد- مثّلت مقاطعة ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لاجتماع عقده مطلع الأسبوع الجاري ببغداد تحالف إدارة الدولة المكوّن من عدّة أحزاب وقوى سياسية شيعية وسنية وكردية مشارِكة في تشكيل الحكومة العراقية برئاسة محمّد شياع السوداني، ردّة فعل متشنّجة من المالكي على تعثّر محاولته الدفع بمقترح إجراء انتخابات برلمانية مبكّرة نهاية السنة الحالية استباقا لموعد الانتخابات المقررّ سلفا إجراؤها في بحر سنة 2025.

وكان المالكي قد دعا إلى إجراء انتخابات مبكّرة مستندا إلى كون ذلك جزءا من البرنامج الحكومي الذي أقّرته القوى المساهمة في تشكيلها، لكنّ متابعين للشأن السياسي العراقي اعتبروا تلك الدعوة محاولة منه لقطع مسار صعود رئيس الوزراء الحالي ومنع تشكيله بالتعاون مع قوى وشخصيات أخرى مركز نفوذ سياسي جديدا منافسا له داخل العائلة السياسية الشيعية.

لكنّ الاعتراضات الشديدة من قبل العديد من مكونات الإطار التنسيقي الشيعي الجامع لأبرز الأحزاب والفصائل المسلّحة على المقترح أحرقت ورقة الانتخابات المبكرة بيد المالكي وجعلتها ذات مفعول عكسي عليه وعلى ائتلافه الذي بات مهدّدا بالتفكّك الأمر الذي سيعني فقدان رئيس الوزراء الأسبق لآخر أدواته السياسية وعزلته والقضاء على آخر طموحاته في العودة إلى قيادة السلطة التنفيذية في العراق وخروجه من المعترك السياسي من الباب الضيق بعد أن كان قد نجا من ذلك سنة 2014.

وانتهت في تلك السنة الولاية الثانية للمالكي على رأس الحكومة بحصيلة كارثية على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية وخصوصا الأمنية عندما هزم بضع مئات من مسلحي تنظيم داعش الآلاف من عناصر القوات العراقية ودخلوا مدينة الموصل وسيطروا على مساحات شاسعة بغرب وشمال العراق.

وحمّلت العديد من الأطراف نوري المالكي مسؤولية تلك الكارثة بسبب توقّف مسار التنمية في عهده وتنامي الغضب الشعبي ضدّ الدولة وجنوح الكثير من العراقيين نحو التطرفّ واستشراء الفساد والطائفية وتسرّبهما إلى صفوف القوات المسلّحة.

وظهرت مطالبات عديدة بمحاكمة رئيس الوزراء الأسبق ومحاسبته على هدر مئات المليارات من عوائد النفط، لكن نفوذه السياسي داخل أجهزة الدولة وقوّته المالية ساعداه على تخطّي الأزمة والتماسك والعودة تدريجيا للعب أدوار مهمّة في العملية السياسية آخرها قيادته تشكيل الإطار التنسيقي الذي تولى مهمّة انتزاع استحقاق تشكيل الحكومة الحالية من زعيم التيار الصدري الذي حقق تياره نتائج تؤهله لذلك في الانتخابات الماضية، قبل أن يتحوّل الإطار نفسه إلى مصدر قلق للمالكي بظهور تكتّل قوي داخله حول شخص رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وعارضت قوى وشخصيات مهمّة داخل الإطار التنسيقي دعوة المالكي أبرزها حيدر العبادي زعيم تحالف النصر والذي سبق له أن ترأس الحكومة خلفا للمالكي نفسه، وعمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، وهادي العامري قائد ميليشيا بدر، وقيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ.

ويعتبر هؤلاء خصوما سياسيين للمالكي ومصدرا لقلقه بعد أن أصبحوا أطرافا رئيسية فاعلة في حكومة السوداني ومساهمين في رسم سياساتها وصياغة قراراتها.

ويظل من أخطر النتائج الجانبية لتعثّر زعيم ائتلاف دولة القانون في تمرير مقترحه ما ظهر من بوادر انشقاق لائتلافه حيث أظهرت عدّة شخصيات داخله برودا إزاء المقترح بينما بدأ آخرون يستعدون لمغادرة الائتلاف والانضمام إلى معسكر السوداني وحلفائه.

وأعلنت عالية نصيف عضو مجلس النواب خروجها من كتلة دولة القانون مبرّرة ذلك بـ”اختلاف الرؤى السياسية” داخلها. وقالت في تعليق لها عبر موقع إكس “أُعلن خروجي من كتلة دولة القانون لاختلاف الرؤى السياسية للمرحلة القادمة وبسبب التمايز الموجود بين أعضاء دولة القانون وخصوصا بين المستقلين وبين الذين لديهم انتماء حزبي”.

وأضافت “هذه الرؤية موجودة لدى أغلب الأعضاء المستقلين والأيام القادمة ستكشف ما يحصل من تمايز وطبقية”.


وبدأت أطراف مقرّبة من المالكي بمحاولة تطويق الأزمة والحدّ من تداعيات الفشل في تمرير مقترح الانتخابات المبكرّة على مكانة الرجل داخل العائلة السياسية الشيعية وعلى علاقاته بمكوّناتها.

وهوّن القيادي في ائتلاف دولة القانون عبدالرحمن الجزائري من شأن غياب المالكي عن اجتماع تحالف إدارة الدولة نافيا أن يكون ذلك بسبب موقف سياسي بل بسبب “التزامات واجتماعات أخرى”.

وحرص الجزائري على التأكيد “أن المالكي مازال المؤثر الأكبر والأقوى داخل الإطار الشيعي وكذلك تحالف إدارة الدولة”.

وأضاف متحدّثا إلى وسائل إعلام محلية أن “موضوع الانتخابات البرلمانية المبكرة طرح بشكل رسمي خلال اجتماع تحالف إدارة الدولة ومازال قيد المناقشة والبحث”، مؤكّدا قوله “هذا مشروعنا ولا تنازل عنه ويعد حلا للكثير من المشكلات السياسية التي يمر بها العراق”.

ويبدو من كلام القيادي في ائتلاف المالكي أنّ الأخير بات في ورطة بسبب مقترحه غير المقبول من طيف واسع من القوى والسياسيين، ولا يملك سوى خيار الهروب إلى الأمام والتمسّك بالمقترح رغم حجم الاعتراضات عليه.

وأكّد هذا التوجّهَ عضو ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي الذي قال إنّ دعوة المالكي لإجراء انتخابات مبكرة ما تزال قائمة، وإنّ “هناك العديد من الجهات السياسية أعربت عن تأييدها للدعوة خلال لقاءاتها معه لكنها لم تعلن موقفا رسميا”.

وكرّر المطلبي المبررات التي ساقها المالكي كسند لدعوته لانتخابات مبكرة قائلا إنّ “الهدف من الدعوة وجود ضرورة لإصلاح الوضع السياسي فضلا عن ضرورة إصلاح العملية الانتخابية “.

وأرجع عدم مناقشة تلك الدعوة في الاجتماع الأخير لإدارة الدولة والذي عقد الاثنين بالقصر الحكومي ببغداد إلى عدم حضور المالكي للاجتماع.

وكانت حكومة السوداني قد نفت وجود مساندة داخل الإطار التنسيقي الشيعي لدعوة المالكي بينما جدّدت أطراف فاعلة في الإطار تمسّكها باستكمال الحكومة لولايتها معبرة عن رضاها عن عملها وإنجازاتها.

وقال فادي الشمّري المستشار السياسي لرئيس الوزراء إنّ “التصريحات التي جرى تداولها في الآونة الأخيرة من القوى السياسية حول الانتخابات المبكرة طرحت في الإعلام ولم تناقش في مطابخ القرار السياسي أو في اجتماعات الإطار التنسيقي أو ائتلاف إدارة الدولة”.

وجاء ذلك ردا على تجديد المالكي مطالبته بتقديم موعد الانتخابات البرلمانية مستندا إلى كون إجراء انتخابات مبكرة بند مثبت في البرنامج الحكومي، لكن الشمري ردّ على هذا المبرر بالقول “لم تكن هناك نية لإجراء انتخابات مبكرة لدى عدد من قوى الإطار التنسيقي عند تشكيل الحكومة”، وأنّها “رأت عند التشكيل ضرورة إعادة الاستقرار وثقة الناس بالنظام”.

ولفت إلى أن “تحديد موعد الانتخابات لا يتم بمبادرة حكومية بل من خلال القوى السياسية وبواسطة البرلمان”، وموضحا أنّ “المفوضية تحتاج إلى تسعة أشهر كإجراء عملي لإنجاز أيّ استحقاق انتخابي سواء كانت مبكرة أو عادية”.

عدّة شخصيات داخلال الائتلاف أظهرت برودا إزاء مقترح المالكي بينما بدأ آخرون يستعدون لمغادرة الائتلاف والانضمام إلى معسكر السوداني وحلفائه

وبيّن مستشار السوداني أن “اللجوء إلى تعديل قانون الانتخابات قد يستغرق من أربعة إلى ستة أشهر”، مشددا على أنّ عدّة أطراف أخرى في الإطار التنسيقي لا تدعم إجراء الانتخابات المبكرة، وهي تذهب باتجاه إجراء الانتخابات في وقتها.

وكشفت تفاصيل مقترح المالكي بشأن الانتخابات المبكرة بوضوح نيته تفكيك دوائر النفوذ المنافسة له والتي نشأت في ظل حكومة السوداني، ومنع شخصيات بعينها من ضمنها السوداني نفسه من تركيز أقدامها في السلطة.

وظهر ذلك خصوصا في مطالبته باستقالة جميع أعضاء الحكومة قبل موعد الانتخابات بستة أشهر، قائلا إنّ “عددا من الدول تعمل وفق ما نطرحه أيّ أن التنفيذي يستقيل قبل ستة أشهر من إجراء الانتخابات.. فإذا أراد التنفيذي أن يرشح للانتخابات فيجب عليه الاستقالة حفاظا على إرادة العملية الانتخابية، وهي ضرورية جدا إذا ما أردنا أن نحمي كرامة وحرمة تلك العملية”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

874 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع