إيلاف / علاينة عارف/بغداد: صدرت في بغداد مؤخرا الطبعة الثانية المركزة من كتاب "حدث بين النهرين". وكانت طبعته الأولى قد صدرت في باريس عام 1994 بنسخ محدودة.
الكتاب يعالج وقائع الصراعات الحادة في الحركة الشيوعية العراقية بين 1964 و1969 ، والتي انتهت بانشطار الحزب الشيوعي في أيلول 1967 إلى تنظيمين: الأصل [حزب اللجنة المركزية]، والآخر باسم [حزب القيادة المركزية]، وكان الحاج محركها، حتى انتهت الحركة سريعا تحت ضربات النظام البعثي والأخطاء الفادحة. ومعلوم أن الحاج أعلن في حينه عن اعتزاله للعمل السياسي نهائيا، ولكنه في سلسلة من الكتب والدراسات عن تجاربه السياسية أعاد النظر في تقييم تلك التجربة، وفي الكثير من المواقف والآراء، بروح النقد الذاتي الجريء. وهذا يتجلى في المقدمة وفي الملاحق الكثيرة المرفقة بالكتاب.
بكتب الحاج في مقدمة الطبعة الثانية عما يصفه ب:
" طابع العنف في لغة المتخاصمين سياسيا في العراق، وخصوصا بين مفترقين ممن كانوا رفاق الدرب الواحد . وقد ورث الشيوعيون العراقيون تقاليد ستالينية من هذا النمط من اللغة والسجال ، باستخدام مفردات وتهم قاسية وجارحة الواحد تجاه الآخر. وهذا ما ينعكس هنا في كتابي، الذي لو أعدت كتابته، لجاء أكثر هدوءا وإنصافا واعتدالا في الخطاب. وعلما بان الحركة الشيوعية لم تنفرد بهذه الظاهرة، بل هي تكاد تكون ظاهرة مشتركة في مساجلات القوى السياسية المختلفة في العالم العربي ، ولكن الظاهرة كانت في العراق أكثر تشنجا وتوترا. وقد أعربت في السنوات الأخيرة عن عظيم ندمي على رد الإساءة بإساءة، وعلى لغة الخطاب المتوتر تجاه شخصيات مناضلة بارزة قدمت التضحيات من اجل تقدم العراق وديمقراطيته وسعادة شعبه ، ومنهم الراحل عامر عبد الله والأخ والصديق عزيز محمد . ولكن كان هذا مستوانا عهد ذاك من الصراعات، وهكذا كانت العقليات ، والمهم أن نتعلم أخيرا من أخطاء الماضي بدلا من التكلس عليها. وخلال العقدين المنصرمين كتبت أكثر من مقال ومقال عن " بؤس السجال السياسي العراقي _ العراقي " .
ويختم المؤلف المقدمة بالقول:
"إن حركة القيادة المركزية كان لها ما لها وعليها ما عليها، وهي صفحة من التاريخ السياسي العراقي المعاصر، وتستحق نظرة موضوعية وتناولا منصفا بلا تحيز، ودون منطلق الرأي في شخص عزيز الحاج ومواقفه . وعندما كنت، ولا أزال، أركز على أخطاء أمس، كتقديس الكفاح المسلح بمختلف أشكاله، أجد من بين الشباب العراقي الثوري اليوم من ينتقدون انتقادي الذاتي، ويعتبرون أننا كنا على صواب. وهذا رأيهم، وأنا احترمه، وافهم دوافعه الوطنية العميقة من رفض لهيمنة سياسة التجهيل والفساد والاستبداد ، ومن الحرص على قيام عراق جديد حقا وديمقراطي حقا يأخذ فيه الشعب بمقدراته ."
ورغم عظم وخطورة الأوضاع العراقية اليوم، فإن صدور الكتاب قد يفتح من جديد النقاش حول تلك الأحداث الماضية بين فريق من اليساريين أو المحسوبين على اليسار في العراق، وبتقييمات متعاكسة جدا. وبهذا الصدد يكتب الكاتب العراقي اليساري فلاح كاظم فرهود:"
إن المطلوب القراءة بكل إمعان، لا الحكم بلسان وعقل الموتورين ومزوري التاريخ"، "ولا بعيون الآخرين من مدعي العفة والكمال السياسيين.. ويا ويلنا، وويل تاريخنا، إذا ظل صوت الحقيقة خافتا مهما جئ بالأسانيد والوقائع...."
978 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع