المقاهي مغلقة والساحات الرياضية خالية مع عودة الحرب إلى العراق

   

بغداد (رويترز) - ذات مساء في اواخر يونيو حزيران وضع ياسر النعيمي علما عراقيا على كتفه وتوجه إلى مقهى في غرب بغداد لمشاهدة مباراة في كرة القدم تعرض على شاشة التلفزيون. وقال النعيمي (20 عاما) لوالدته ان تدعو لفريقه بالفوز.

وفي وقت لاحق من تلك الليلة انفجرت قنبلة كانت مخبأة داخل حقيبة للبقالة في المقهى الذي تجمع فيه النعيمي واخرون من مشجعي كرة القدم لمشاهدة مباراة المنتخب العراقي امام نظيره المصري في بطولة كأس العالم للشباب.

وقال شهود عيان إن المتفرجين كانوا يهتفون لفريقهم وبعد دقيقة كانوا يصرخون في رعب وألم.

وقال أحمد والد ياسر "لماذا قتلوا ابني الشاب؟". وجلس الاب الحزين يبكي في منزل العائلة ممسكا بالعلم العراقي الذي كان مع ابنه والمخضب بدماء ابنه التي جفت.

وقال "كان يشاهد مباراة فحسب! قتلوني وقتلوا والدته ايضا وليس هو فقط. حطموا قلبينا."

ويعانى العراقيون من عنف حاد منذ اعوام ولكن كثافة الهجمات على المدنيين تزايدت بشكل كبير منذ بداية العام في تراجع للمنحى السلمي الذي كانت البلاد قد بدأت تشهده.

وامتدت الهجمات إلى بعض الأماكن القليلة الباقية للتسلية العامة لتتحول بغداد إلى سجن حصين ضخم من الجدران الخرسانية المقاومة للتفجيرات ولم يعد يجرؤ سوى عدد قليل من المواطنين على الخروج إلى الأماكن العامة.

وزادت الهجمات المخاوف من العودة إلى الصراع الطائفي الشامل في البلد الذي يحاول فيه الشيعة والسنة والأكراد ايجاد وسيلة لتقاسم السلطة.

وقالت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي ان اكثر من الف عراقي قتلوا في يوليو تموز ليصبح اكثر الشهور دموية منذ عام 2008.

وشهدت الشهور الأربع الأخيرة ارتفاعا في اعداد القتلى عن اي شهر آخر خلال السنوات الخمس قبل ابريل نيسان مما دفع وزارة الداخلية الأسبوع الماضي إلى اعلان أن العراق يواجه مرة اخرى "حربا مفتوحة" بعد 18 شهرا من انسحاب القوات الأمريكية.

ومعظم أعمال العنف يرتكبها جناح تنظيم القاعدة في العراق الذي دحرته القوات الأمريكية وحلفاؤها في عامي 2006 و2007 لكنه عاود نشاطه من جديد هذا العام لمحاربة الحكومة التي يقودها الشيعة.

وتصاعدت ايضا وتيرة التوتر الطائفي نتيجة للحرب الأهلية في سوريا المجاورة حيث اندمج جناح القاعدة في العراق مع قوة اسلامية سنية قوية تقاتل للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من إيران الشيعية.

وقال علي البهادلي -وهو لواء سابق بالجيش العراقي ومحلل عسكري يعمل مستشارا بوزارة الدفاع- إن المسلحين يغيرون الآن قواعد اللعبة . وأضاف ان الهجمات الاخيرة على المقاهي وملاعب كرة القدم رسالة موجهة للمدنيين مفادها ان قوات الامن عاجزة عن حمايتهم.

ويقول محللون مختصون بالشؤون الأمنية إن المتمردين السنة يستهدفون المقاهي وملاعب كرة القدم باعتباره سبيلا لتقويض حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التي يقودها الشيعة وتفنيد قولها بأنها استعادت الحياة الطبيعية بعد حرب استمرت عقدا من الزمان.

واستهدفت تفجيرات في الآونة الأخيرة رجالا يلعبون في ملاعب كرة قدم محلية وآخرون يشاهدون المباريات بعد سلسلة من الهجمات استهدفت مساجد السنة والشيعة والأسواق وقوات الأمن. وتقول بيانات وزارة الداخلية أن نحو 37 مقهى في أنحاء العراق تعرضت للهجوم منذ أبريل نيسان.

وبدأ الناس يتجنبون الذهاب للأماكن العامة مثل المقاهي والأسواق المزدحمة خشية التفجيرات والهجمات الانتحارية. وبعد أن أدى تراجع حدة العنف في الأعوام القليلة المنصرمة إلى إعادة فتح بعض الأماكن أغلقت مقاه كثيرة أبوابها مجددا بعد أن خسرت زبائنها.

وقال حيدر كاظم صاحب مقهى في وسط بغداد قرر إغلاق مقهاه "يمكنني تحمل معاناة فقداني للعمل ولكني لن أسامح نفسي أبدا إذا انفجرت قنبلة وقتلت أناسا أبرياء داخل مقهاي."

وصار الذهاب إلى المقاهي الآن مثارا للكوميديا السوداء إذ تنطوي إحدى النكات المحلية على نفور من ارتياد المقاهي وتشبيهه بالإعدام.

وقال فنان الخزف ماهر السامرائي الذي اعتاد التردد على المقاهي في شرق بغداد "مع اتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية التي تقسم بغداد إلى عدة أجزاء وشن هجمات على المقاهي والمساجد والأماكن الرياضية نشعر أننا نعيش محبوسين داخل بيوتنا."

وبات هواة لعب كرة القدم أيضا أهدافا للهجمات إذ قتل العشرات منهم في الأشهر الأخيرة.

وقال حسين عبيد علي (22 عاما) من مدينة الصدر -وهي منطقة شيعية واسعة فقيرة في شمال شرق بغداد- "اعتدت لعب كرة القدم والاستمتاع بالتسكع مع الأصدقاء ولكن والدي الآن سيعاقبانني إذا علما أنني مازلت ألعب في السر."

ولجأت أمه إلى إخفاء حذائه الرياضي لمنعه من اللعب في ملعب الحي.

وقال علي "عيوننا تركز على ما يدور خارج الملعب أكثر من تركيزها على الكرة." وفي آخر مرة لعب فيها علي فر الفريقان من الملعب في حالة من الذعر بعد سماع دوي انفجار.

وشددت وزارة الداخلية الإجراءات الأمنية قرب ملاعب كرة القدم والمقاهي والمساجد للحيلولة دون وقوع المزيد من الهجمات.

ولا تستهدف المقاهي بقنابل المتمردين السنة فحسب بل تخضع كذلك لضغوط من ميليشيات شيعية متشددة أصغر حجما تسعى لإغلاقها بالقوة.

وكانت الميليشيات الشيعية أيضا وراء حملة استهدفت بائعي الخمور في بغداد وأسفرت عن مقتل 12 شخصا في مايو أيار. وتحذر هذه الميليشيات المتشددة من ممارسات تعتبرها منافية لتعاليم الإسلام.

ومما شجع هذه الميليشيات نجاح أحزاب دينية شيعية صعدت إلى السلطة بعد سقوط صدام حسين في عام 2003.

وفي الشهر الماضي هاجمت إحدى الميليشيات عدة مقاه في وسط بغداد. واتهم منفذو الهجمات المقاهي بتوظيف نادلات لممارسة البغاء أيضا أو لبيع المخدرات. ونفى أصحاب المقاهي وزبائنها ذلك وقالوا إن الميليشيا تبحث عن مبررات لإغلاقها.

وتحول شجار إلى هجوم دام عندما حاول رجال ميليشيات اقتحام أحد المقاهي.

وقالت النادلة زينة "فجأة تهشمت الواجهة الزجاجية وسمعت رجالا غاضبين يصيحون ‭‭‭‭‭'‬‬‬‬‬احضروا البغايا وإلا سنحرق المقهى بأكمله‭‭‭‭‭'‬‬‬‬‬." وأضافت زينة وهي أم معيلة إنها تعمل نادلة كي تجد قوت يومها.

واختبأت زينة داخل مرحاض مهجور أثناء الهجوم المسلح الذي قالت مصادر من الشرطة إنه أسفر عن مقتل عامل بالمقهى وأحد رجال الميليشيات.

وقالت زينة "كدت أموت من شدة الخوف... ما ذنبي ؟ أعمل من أجل إطعام ابنتي. فهل هذه جريمة... ليخبرني أحد من فضلكم؟"

وذكر مسؤولون بوزارة الداخلية أن الهجوم نفذته ميليشيا لا تضع القانون في اعتبارها. وأصدر رئيس الوزراء العراقي بيانا مباشرا غير معتاد بخصوص هذا الحادث قائلا إنه تم اعتقال منفذي الهجوم.

وقال على موقعه الإلكتروني "لا تساهل مع الميليشيات والعصابات التي تتعدى على حريات الناس لفرض آرائهم الفاسدة على الآخرين بحجج مختلفة."

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1159 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع