إيلاف/ عبدالأله مجيد:تلقى تجارة المنتجات الحلال رواجًا في الغرب لما تؤمنه من غطاء شرعي لأتباع الطوائف الإسلامية، إلا أنها باتت تجذب مسيحيين كذلك وتسعى دبي إلى أن تكون مركز تجارة الحلال في الشرق الأوسط، وتشمل هذه التجارة منتجات غذائية وجنسية وسياحية شتى.
يقول الهولندي ذو الأصل المغربي عبد العزيز أوراغ، صاحب أول متجر لبيع المنتجات الجنسية الحلال على الانترنت، إن الجنس يُمارس في كل مكان "حتى في مكة والمدينة".
ويصرّ أوراغ على استخدام مفردة "الحسية" بدلًا من "الجنسية" في وصف بضاعته. ويبيع موقع "العشيرة"، الذي يديره أوراغ منتجاته الجنسية الحلال على الانترنت وفي مطار أمستردام. ومن المتوقع أن يبلغ حجم مبيعاته هذا العام مليون يورو أو 1.29 مليون دولار. ومن أكثر بضائع المتجر رواجًا زيوت التدليك وملابس لانجري للنساء.
لكن متجر أوراغ "الحسي" لا يشكل إلا نسبة ضئيلة من مبيعات للمتسوّقين المسلمين، البالغ عددهم 1.8 مليار مسلم في أنحاء العالم. وهي سوق من المتوقع أن تنمو بنسبة 35 في المئة بحلول عام 2030.
كسر نمطية التزمت
لكن القوالب النمطية عن مسلمين متزمتين لا يعرفون المتعة قوالب مضللة مثلها مثل الفكرة القائلة إن السوق الإسلامية ليس فيها إلا قروض بلا فوائد ولحوم مذبوحة على الطريقة الإسلامية. فالشريعة تحرّم لحم الخنزير والطيور الجارحة والدم ولحم الميت والكحول.
لكن الآراء تختلف بشأن ما ليس لتحريمه ذكر في نص ديني. وعلى سبيل المثال فإن "أنغلوت" طلاء أظافر بولندي المنشأ يُسوَّق بوصفه حلالًا لأنه مصنوع من مادة ذات نفاذية عالية، وبالتالي لا تبطل الوضوء.
لم تعد المنتجات المصنعة وحدها الموجّهة إلى المسلمين بوصفها حلالًا، بل إن سياحة الحلال تشهد هي الأخرى ازدهارًا استثنائيًا. وعلى سبيل المثال فإن وكالة سفريات الهلال Crescent Tours في لندن تحجز لزبائنها فنادق في تركيا فيها أحواض سباحة منفصلة للنساء والرجال ومشروبات غير كحولية ومطاعم لا تقدم إلا وجبات الحلال، وتوفر فيلات سياحية ذات أسوار عالية تصون خصوصية مستأجريها.
أيضًا تجذب المسيحيين
ونقلت مجلة الإيكونومست عن مؤسس الوكالة النور سيدلي أن زبائنه المسلمين يرتاحون في هذه المنشآت السياحية، لأنها تراعي مشاعرهم وحساسياتهم. وتعرض وكالات سياحية أخرى للأشد تحفظًا سياحة بلا موسيقى أو سفرات إلى معالم تاريخية دينية كالمزارات والمراقد والأضرحة. ويقول سيدلي إن غالبية زبائنه مهنيون معتدلون يريدون "راحة واستجمامًا بأخلاق رفيعة". وتستدرج عروضه السياحية هذه مسيحيين أيضًا.
ويسعى أصحاب مشاريع آخرون إلى بناء تجارتهم على التعاليم الدينية لحسن السلوك والآداب والابتعاد عن التبرج. فشركة وردة مثلًا شركة أندونيسية تبيع مستحضرات تجميل حلال، لأنها لا تُختبر على حيوانات. وشركة سافرون رود فودز Saffron Road Foods شركة أميركية تمتد منتجاتها من صلصات الطهي إلى الوجبات المجمدة.
وتقول الشركة إن بضاعتها تقدم للزبون خيارات صحية وأخلاقية، الحلال أحدها، وليس في مقدمتها، على أمل أن يجنبها هذا تهمة التملق للمسلمين. فإن سلسلة "كويك" لوجبات الهامبرغر في فرنسا تعرّضت لحملات معادية عندما فكرت في إلغاء لحم الخنزير من قائمة مأكولاتها عام 2010.
لكن الأرباح والمنافع المادية كثيرًا ما تفوق ردود الأفعال السلبية. وتتعاطى أستراليا والبرازيل ونيوزيلندا تجارة مربحة بلحم الحلال منذ زمن طويل. وكانت ماليزيا أول بلد يدرك الفرص الكبيرة المتاحة في تجارة الحلال. ففي عام 2011 بلغ حجم صادرات الحلال الماليزية ما يعادل 11.57 مليار دولار أو 5 في المئة من إجمالي صادرات ماليزيا، بينها أسبرين حلال وشوكولاتة حلال وغرغرة حلال.
دبي تطمح للتصدر عربيًا
وتريد دبي أن تصبح مركز تجارة الحلال في الشرق الأوسط. وأطلقت في عام 2008 "معرض حلال" بمنتجات من مستحضرات التجميل إلى القروض الإسلامية.
وكانت البلدان المسلمة في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا هي التي تملي اتجاهات تجارة الحلال. لكن الجاليات المسلمة في الغرب أصبحت أيضًا صاحبة كلمة كبيرة في تحديد هذه الاتجاهات. على سبيل المثال فإن شركة نستلة، التي كانت منذ عقود، واحدة من أوائل الشركات الغربية التي رصدت الفرص الكبيرة في تجارة الحلال، قررت ابتداء من ثمانينات القرن الماضي أن تكون 20 في المئة من منتجاتها منتجات حلال بالكامل، بما في ذلك كيت كات ونسكافيه.
وتستخدم الشركة السويسرية العملاقة ماليزيا مركزًا لإنتاج هذه المواد. وفي بريطانيا هناك مواقع الكترونية عديدة تدل مسلميها على المطاعم التي تلتزم بتعاليم الشريعة. تقول شركة جوهي طاهر للدواجن في شيكاغو إن أسواق السوبرماركت الكبيرة في الولايات المتحدة تقدم طلبيات متزايدة لرفد رفوفها بدواجن الحلال منها. وبدأت سلسلة أسواق وول مارت العملاقة تسويق دواجن الحلال من هذه الشركة منذ عام 2008، وهي تبيعها اليوم في 77 فرعًا. وتُقدَّم وجبات الحلال في عدد متزايد من سلاسل الأطعمة السريعة، بما فيها ماكدونالد.
إلى النقل در
تلوح بوادر وصول الحلال إلى شبكات النقل أيضًا. ونقلت مجلة الإيكونومست عن عبد الحميد ديفيد إيفنز مدير شركة استشارات الإمارات لأبحاث السوق في لندن إن ميناء روتردام الهولندي، أكبر ميناء في أوروبا، خصص مخازن ومستودعات كاملة للتأكد من عدم تماس المنتجات الإسلامية أو احتكاكها بمواد محظورة مثل لحم الخنزير والكحول.
وتبيّن مشاريع مثل موقع "العشيرة" للمنتجات الجنسية الحلال الطبيعة الفضفاضة وفرص الربح المتاحة في الحدود التقليدية بين ما هو حلال وما هو حرام. وقال إيفنز لمجلة الإيكونومست "إن الممنوع قليل جدًا في الحقيقة، وإن العديد من هذه المنتجات والخدمات الجديدة تتعلق بالتسويق والتجاوب مع تفضيلات المستهلك"، مشيرًا إلى أن تحفظات المسلمين تتفاوت تفاوتًا كبيرًا. وأبدت فاطمة زمور، التي تتسوّق على موقع العشيرة، اتفاقها، قائلة "إن الأطعمة الحلال هي الشيء الوحيد الذي أشعر بأنني ملزمة بشرائه... ولديّ فضول بشأن منتجات الحلال الأخرى، ولكني لن أشتريها إلا إذا كانت أفضل من المنتجات المعهودة".
وتتولى السلطات الرسمية في ماليزيا وبروناي بنفسها إصدار شهادات الحلال للمنتجات المختلفة، التي تُضخ في سوق المسلمين المتنامية. لكن حكومات أخرى تخشى الخوض في أمور الفقه والدين، وتترك تحديد ما هو حلال للشركات نفسها أو السلطات التجارية أو لشركات رقابية خاصة تصدر شهادات الحلال.
لكن المستهلكين قد لا يثقون باجتهادات هذه الجهات. فالمعايير تتباين بين البلدان. وفي غابة العلامات التجارية التي لا تُحصى يكون من الصعب اكتشاف المزيف. وقد يجد المسلمون متعة في مراقبة الشركات وهي تسعى جاهدة إلى تقديم منتجات حلال حقيقية تستدرجهم إلى الشراء منها.
919 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع