في ذكرى إختطاف أخي الحبيب الدكتور عدي البيروتي
تمر هذه الأيام الذكرى السادسة لأختطاف أخي الحبيب وتوأم روحي الغائب الحاضر الدكتور عدي البيروتي إستشاري الأنف والأذن والحنجرة والأستاذ في جامعة النهرين ومستشفى الكاظمية التعليمي.
ولد أخي عدي في عام 1957 في بيتنا في راغبة خاتون في الأعظمية لأسرة مسلمة سنية (بالولادة). ولو كان أخي عدي قد ولد في مدينة كربلاء لكان ولد مسلماً شيعياً ولو أنه ولد في بعشيقة شمال الموصل لكان مسيحياً ولو كان ولد في السليمانية لكان كردياً علمانياً ولو كان ولد في سنجار لكان يزيدياً ولو ولو ولو ولا ننتهي من الأحتمالات الكثيرة التي يرسمها لنا القدر فنرضى بها ثم ترانا نكافؤ عليها أو نحاسب عليها وقد نقتل بسببها إذا كان القدر قد أكمل الخطة كاملة وجعلنا نعيش في بلد مثل العراق وفي حقبة زمنية كالتي مر ويمر بها هذا البلد.
أخي عدي كان معروفاً بدماثة خلقه، بعلمه، بتواضعه الجم، بحبه العميق للناس، بسلوكه المستقيم، بعملياته الجراحية وخدماته الطبية المجانية للجميع.
كان يثق بجميع من حوله ولا يسمح للشك أن يطرق باب قلبه المفعم بالإيمان.
عندما أبلغه مدير المستشفى التي كان يعمل به لعقدين كاملين أنه ممنوع من العمل في العمليات و العيادة الخارجية وبقرار فجائي لسبب بسيط وفطري وهو ( أن عدي وُلد سنياً) و أن مدير المستشفى (ولد شيعيأ وشيعة أل البيت الأخيار منه براء) لم يصدق عدي ما قاله ذلك المدير الطبيب وعندما علمت أنا بذلك من مصادر أخرى (لأن عدي لم يكن ليقص على أحد مثل هذه الترهات) إتصلت أنا ب (عدي) وتوسلت اليه أن يترك المستشفى حالاً نهرني بشدة وقال ( نحن جميعأ أهل وأحبة ولن أتخلى عن مرضاي ولا عن طلابي أياً كانت مشاربهم وألوانهم، وكيف تريدني أن أتخلى عنهم وغداً سنناقش أطروحات البورد العراقي لثلاثة من أعز طلابي من أبناءالكاظمية، كيف أتخلى عنهم في آخر مرحلة).
عدي أخي كان يقتدي بنبينا الكريم في الأخلاق السامية (وإنك لعلى خلق عظيم)، كان رحيم القلب قوي الشكيمة كأبي بكر، عنيداً صارماً في الحق كعلي إبن أبي طالب, شديداً على الباطل كعمر، حكيماً حلو اللسان كأبي ذر،محباً للفقراء بشدة كالحسن إبن علي ولكنه كان محارباً ضد الباطل كالحسين إبن علي.
كان قلبه معطر بحب آل البيت فملأ بيته بأسمائهم العطرة فكانت إسراء وعلياء وزهراء ونور بناته اللواتي تركهن في حفظ الله تعالى.
كان عدي يتغنى بحبه لرسول الله عيسى عليه السلام وأمه العذراء البتول، لأن الله عز وجل إختار المسيح ليكون الوجيه في الدنيا والأخرة، ويقص علينا دائماً وبلغة قرآنية بليغة قصة نبي الله موسى مع فرعون وقصة يوسف مع عزيز مصر. كان أخي عدي قرآنياً حتى النخاع.
لا أذكر والله على ما أقول شهيد أن أخي عدي قد تحدث ولو مرة واحدة أو نطق أو ذكر كلمة (سني) أو (شيعي) مطلقاً. لأنه ببساطه لايفكر بها ولا يؤمن بها مطلقاً. وكان الى يوم إختطافه يحتفظ بعلاقات حميمة وصدوقة مع إخوانه وأصدقائه (الذين ولدوا شيعة) بل ومع الجميع.
كان مدير الصحة قد توعد عدي إن لم يترك مكان عمله في مستشفى الكاظمية فإن بنات عدي سيصبحن (يتيمات). والسبب أن مدير الصحة كان قد ولد شيعياً وعدي ولد سنياً. ولا سبب غير ذلك ولتذهب الأنسانية والمواطنة الى الجحيم.
ولأن أخي عدي عَلَويُ في الحق، عُمَريُ على الباطل، حسيني في العزة رفض أن يذعن لهؤلاء الجهلة ولم يسمع حتى لي بل وإستمر يداوم في مستشفى الكاظمية ومن الثامنة صباحاً وحتى الثانية بعد الظهر في الوقت الذي لم يكن أحد يلتزم بدوام أو بغيره في عام 2006 الأسود. ولكن عند عدي (الحلال بين والحرام بين) ولا يمكن أن يأخذ راتبه إلا نظير العمل الحلال. ألم أقل لكم قرآنياً حتى النخاع.
المهم: أختطف عدي من بوابة المستشفى في ذلك اليوم المشؤووم وذهب ولم يعد. إختفى نهائياً. تبخر. لا يوجد في طب عدلي ولا في قوائم أخرى للمقابر الجماعية ولا ولا في قوائم رسمية للمعتقلين ولا المفقودين. قلت لكم تبخر.
في يوم الأختطاف (13/09/2006) ولأني (ولدت سنياً) لم أعرف جهة أتصل بها في العراق المنقسم قسمين تلك السنة سوى (الحزب الأسلامي) فقال لي مسؤول عندهم إسمه (عمار وجيه) إنهم غير مسؤولين لأن عدي ببساطة ليس عضواً في الحزب الأسلامي وغير مسجل فيه. والجميع وانا أولهم يعرف أن عدي لم يكن أيضاً بعثياً مطلقاً. كان طبيبا بارعاً وأباً حنوناً وعراقياً أولاً وأخيراً. زارني في دبي قبل أربعة أشهر من إختطافه ورفض البقاء فيها أكثر من سبعة أيام رغم إلحاحي عليه وقال (لا أستطيع العيش إلا في بغدادي الحبيبة بين أهلي وناسي).
هذا الطبيب الجراح ذو الخمسين ربيعاً الذي خدم المرضى والناس لربع قرن من الزمان إختفى وأختفى مثله الألوف من الأساتذة والأطباء والعلماء والمهندسين الحاملين للجنسية العراقية وممن ولدوا شيعة وسنة ومسيحيين (قضاءأ وقدراً) هؤلاء كلهم ماتوا وأختفوا ولم نسمع من دولة القانون تحقيقاً جنائياً واحداً يحدد عصابة أو قاتلا واحداً يحاسب ليشفي قلوب قوم مؤمنين. بحجة أنها كانت حرباً طائفية عشوائية خارج الدولة والمرجعيات .وبل لقد سمعت وأكاد لاأصدق أذني أن بعضاً (منهم؟؟؟) قد أصبح نائباً في البرلمان.
وفي هذا خطر كبير، لأن الأمن والأمان لايبنى فوق دماء تنساها الدولة، ذلك أن للناس حرمات حددتها الأديان السماوية والشرائع الوضعية. لا حياة كريمة لأصحاب العقول من غير قصاص.
التغاضي عن تلك الدماء العراقية التي سالت من العراقيين يإختلاف طوائفهم وأديانهم بحجة (عشوائية الحرب الأهلية) خطر كبير على مستقبل العراق.
أذكر في عام 1979 وعندما كنت أخدم العسكرية في مدينة كركوك كنا دائما نسمع إطلاقات الرصاص في القلعة ليلاً وكنا نسأل ماذا يجري وخاصة أن النظام كان صارماً في ذاك الزمان فيأتي الجواب ( الناس والعوائل تصفي حسابات مذابح كركوك عام 1959) تصوروا بعد عشرين سنة.
ولنا في لبنان عبرة لم يهدأ منذ 1975.
بريطانيا أرسلت طائرة تورنادو مقاتلة في حرب 1991 مع العراق لقصف مقهى صغير في قضاء الفلوجة وعلقت إذاعة لندن على الغارة مساءً انها كانت عن طريق الخطأ؟؟ (علماً) أن ذلك المقهى (والكلام للمذيع) هو نفس المقهى الذي قتل فيه (غدراً) النقيب البريطاني كذا وكذا عام 1932. تصوروا الأمم الحية ذات التاريخ الحي. طبعاً المقهى دمر بالكامل وقتل أربعة مدنيين عراقيين (خطاءً؟؟؟).
الدماء الزكية البريئة المراقة غدراً تظل دائماً حية.
أخي الحبيب:
والله لا أقبل فيك عزاءً أبداًً فأنت حي حي وأكاد أشم رائحتك الزكية وكيف لا وقد كنت (ولا زلت) دائم الوضوء وقلبك ملئ بالحب المعطر بالأيمان.
اللهم أحفظ العراق وأهله الطيبين بكل طوائفهم ومذاهبهم وأديانهم وقومياتهم من كل سوء وأملأ قلوبهم بالمحبة والأيمان والسكينة. آمين.
الدكتور أيمن عبد الرحمن البيروتي
دبي. الأمارات العربية المتحدة.
1332 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع