أسواقنا تغرق في فوضى الاستيراد!!


المدى/عصام القدسي:تشهد أسواقنا تدفقاً غير مسبوق للسلع المستوردة ، أضر جانب منها بالاقتصاد العراقي عموما والصناعة الوطنية والزراعة خاصة وتسببت بإهدار مليارات الدولارات .

فأسواقنا وبعد أحداث 2003 باتت تزدحم بآلاف البضائع ومن مصادر، كثير منها لم نسمع بها من قبل . البعض من هذه البضائع يلزمنا في حياتنا ويكفينا لسد حاجتنا. والكثير منها لا يلزمنا أو أننا نستطيع الاستغناء عنه ، من أجهزة وكماليات ومواد غذائية . وقد بالغنا في الاستيراد حتى وصل استيرادنا من بعض الدول إلى ثلاثة عشر مليار دولار سنويا .هذه البضائع المستوردة معظمها من الدرجة الثالثة أو الرابعة بعضها لا يستعمل في دول المنشأ لرداءتها. آلاف السيارات أزرت بشوارعنا وتسببت بفوضى مرورية عارمة حتى بات المرء يخاف على نفسه من ارتيادها ، آلات تأتي من البلد المصنع عاطلة أو لا تدوم طويلا حتى تعطل .
حتى المعمرة منها فهي ليست كما عهدناها تدوم لعشرات السنين .أجهزة كهربائية بكميات هائلة فائضة عن الحاجة أزرت بسعينا وجهودنا لإعادة الكهرباء إلينا بشكل مستمر،مواد غذائية بينها فاسدة أو توشك صلاحيتها على الانتهاء . بضائع تنافس المنتج الوطني.لقد أصبح بلدنا بلدا مستهلكا فحسب معتمدين على موردنا الوحيد ألا وهو النفط .


أحادية المورد
بينما نرى الدول ذات المورد الأحادي تعمل لمستقبلها وتجتهد في بناء قاعدة راسخة ومتينة لموارد صناعية وزراعية واستثمارات وإنشاء موارد أخرى مثل المراكز الترفيهية و السياحية كالسياحة الدينية ومواقع الآثار وغيرها لتزيد دخلها. ترى لم لا نفكر مثلها ونخطط للمستقبل البعيد ونضمن حياة كريمة لنا ولأجيالنا القادمة وأين مصانعنا المعطلة ولم لا نقوم بتشغيلها وإدخال التكنولوجيا الحديثة عليها وبناء المزيد من المصانع والاهتمام بالزراعة ونحن أصلا بلد زراعي.لقد أصبحنا نستورد حتى الفواكه والخضر بعدما كان لنا مما نزرعه اكتفاء ذاتي والى متى نظل بلدا مستهلكا .وماذا لو نضبت آبار النفط .؟


لا ضوابط على الاستيراد
فيما مضى كانت هناك رقابة صارمة على استيراد المواد باختلافها من مكائن وسيارات وآلات وأدوات كهربائية وأغذية وباختصار كانت الرقابة على الاستيراد تشمل من الآلات الثقيلة وحتى الإبرة والويل لمن يتحدى السلطة ويدخل للبلد ماهو غير مسموح به، فالبضائع التي تدخل بلدنا كانت محدودة ومعروفة ومناشئها ذات علامات تجارية عالمية ولا يمكن للمستورد أن يتجاوز الخطوط الحمر الموضوعة على الاستيراد ويستورد ما يشاء وكيفما يشاء كما هي الحال الآن وكانت البضائع تخضع لرقابة السيطرة النوعية للتحقق من صلاحيتها .أما الآن فقد أصبح الاستيراد مفتوحا ومنافذه واسعة ويستطيع كل من هب ودب أن يستورد ،حتى باتت أسواقنا تعاني فوضى عارمة ومكبا للبضائع الكاسدة .المواطن محمد عباس 55 سنة يقول الأجهزة التي كنا نسميها بالمعمرة لم تعد معمرة فقبل خمس سنوات اشتريت ثلاجة واليوم أصابها الصدأ وتعطلت أكثر من مرة حتى اضطررت إلى الاستغناء عنها وشراء غيرها، بينما ثلاجتي القديمة دامت عندي أكثر من 30 عاما وكان بإمكاني تصليحها والاحتفاظ بها ولكن جنون الاستيراد وحبي للتجديد في أغراض المنزل دفعني لهذا الخطأ الشنيع. أدوات كهربائية وآلات وعدد قد تأتي من المنشأ عاطلة أو إنها لا تدوم طويلا ، ومواد غذائية فاسدة وبمختلف الأشكال والأنواع منها ما يضر بصحة المواطن ومنها مالا يلزمه أصلا ،وملابس وأحذية وحقائب وكماليات تختنق بها سوقنا وبغيرها من البضائع المتنوعة اقل ما نقول عنها إنها أضرت بالصناعة العراقية وتسببت بغلق كثير من مصانعنا الوطنية .والأغرب من كل ما تقدم استيرادنا، للفواكه والخضر بعدما كانت زراعتنا وما تنتجه منها أرضنا يسد حاجتنا ويزيد .

   


لم لا تُفعل مصانعنا
فيما مضى كانت هناك تنمية اقتصادية وكانت لنا مصانعنا التي أوشكت أن تصل بنا للاكتفاء الذاتي فهناك الصناعات الكهربائية والأجهزة المنزلية والآلات والمعدات الثقيلة والخفيفة ومصانع للمواد الإنشائية بكافة أنواعها ومصانع للملابس الجاهزة وكانت الصناعات الغذائية مزدهرة .صناعة في تطور مستمر حتى كنا نتأهب لإنشاء مصانع للسيارات . أما الآن فان مصانعنا تعاني الإهمال فمعظمها ذات أجهزة قديمة بحاجة إلى التحديث والى الكوادر المتطورة. وسعي الدولة قاصر في هذا المجال ولم تفلح في إعادة تشغيلها بما يحقق لنا الاكتفاء الذاتي بسبب الفساد الإداري والمالي الذي ينشط في جميع مرافقها. والاستيراد لم يعد بيد وزارة التجارة فحسب أو بيد جهة واحدة أو جهتين وحتى ثلاث بل قراراته بيد مؤسسات عديدة تنفرد في عقد الصفقات التي يجد فيها البعض الفرصة المواتية للفساد المالي.إضافة إلى عدم تفعيل قانون حماية المنتج الوطني لاستفادة بعض الجهات المستوردة من ذلك . كل هذه الأسباب وغيرها حالت دون النهوض بصناعتنا الوطنية.


نأكل من أرضنا
نوزاد عمران 65 سنة يقول: في الستينات وبعد قيام ثورة 1958حاولت الحكومة آنذاك إقامة صناعة وطنية ولكن بما إن العراق بلد زراعي يتمتع بأرض خصبة وثروات مائية وفيرة منذ القدم حتى سمي في فترة من تاريخه بأرض السواد لكثرة خضرة أرضه، لذا بعض الدول الصديقة اقترحت على الحكومة تنمية الزراعة وتطويرها وإحياء مزيد من الأراضي لإنتاج ما يسد الحاجة ويتعداها إلى التصدير بدلا من إنشاء المصانع ولكن الحكومة أصرت على التأسيس لصناعة وطنية وأقامت المصانع. وكان الفقير منا لا يألو جهدا في الاعتماد على المنتج الزراعي وحده في معيشته لرخصه وتوفره بينما نحن بتنا نستورد حتى البصل. وفاكهة (الرقي)الأثيرة لدى العراقيين صيفا كانت مبذولة حتى انتهاء موسم الصيف هي الأخرى صرنا نستوردها حتى باتت تنافس إنتاج فلاحنا منها مما اضطر بعضهم إلى إهمالها.وما نذكره يؤيد مكانة الزراعة في بلدنا وإنها كانت دائما وأبدا دعامة قوية في توفير سلة غذائنا . وقد شهدت زراعتنا حتى الثمانينات ، تطورا ملموسا بزيادة مساحة الأرض المزروعة وباستخدام التقنية الحديثة وأسلوب الرش بالتنقيط وكانت محاصيلها تغرق أسواقنا بالفواكه والخضر وكل صنف بموسمه ولم نسمع يوما بأننا استوردنا محاصيل زراعية من هذه الدولة أو تلك .بل إننا أدخلنا أصنافا جديدة إلى حقولنا واستعملنا البيوت الزجاجية والمحميات لاستنبات ما لا يتلاءم مع ظروفنا المناخية كما تمكنا من زراعة وإنتاج بعض الأصناف الموسمية طيلة أيام السنة .
أين دور الدولة؟؟
كريم جعفر 51 سنة يقول : مما يشاع إن الدولة مراعاة لمصالح دول الجوار لم تتبن بجد مسألة إعادة تشغيل جميع مصانعنا وتجديدها وتحسين أدائها ورفع مستوى إنتاجها بما يسد حاجة البلد ولم تكلف نفسها بإقامة ثورة زراعية تحيي مساحات واسعة من أراضينا وإدخال المكننة الحديثة وإقامة الدورات وتعيين الكوادر الكافية واستخدام الطرق الحديثة بشكل كبير ولم تطالب دول الجوار برفع التجاوزات على أراضينا وقطع المياه عنها والتوقف عن رمي نفاياتها في مصبات أنهارنا وروافدها بل إنها قامت برفع نسبة الاستيراد حتى وصل مع بعض الدول إلى 13 مليار دولار سنويا . وها قد مرت عشر سنوات على تغير النظام السابق وتولي السلطة من قبلها فمتى تفكر بتفعيل صناعتنا وزراعتنا ولم لاتحد من الاستيراد وتقيم الرقابة على منافذه وتحدد ما يستورد وما لا يستورد ولا تترك الأمور على الغارب فقد بتنا نستورد حتى طابوق البناء .كل هذه الأسئلة وغيرها لابد من أن توضع موضع البحث من اجل النهوض بواقعنا الاقتصادي والاعتماد على أنفسنا في بنائه وعلى سواعد أبنائنا في تشغيل مصانعنا وزراعة أرضنا بوضع الخطط المحكمة لإنشاء قاعدة اقتصادية متينة تكفل لمجتمعنا حياة كريمة وتضمن لأجيالنا اللاحقة مستقبلها. وتمتص البطالة التي يعاني منها شبابنا فهناك ملايين من العاطلين عن العمل في مجتمعنا يعانون الأمرين كان بالإمكان زجهم إلى العمل في المصانع والمزارع والبناء لخدمة وطنهم وأنفسهم .


وزارة التجارة
حيدر سلمان 32 سنة يقول ..عانت وزارة التجارة من الفساد الذي طال مفاصلها وكلنا سمعنا بوزراء تجارة (لفطو) مليارات الدولارات من الأموال المخصصة للاستيراد بعضهم هرب إلى خارج البلد والآخر غطى على فساده فساد آخر على مستوى حكومي عال وأحزاب متنفذة وتستروا عليهم فلم تطالهم يد العدالة ولازالت حتى يومنا هذا قصص الفساد والمليارات التي اختلست حديث الشارع العراقي . هذه الوزارة يجب أن تحصر الاستيراد بيدها أو تحت رقابتها وإشرافها بشكل جاد وتضع الخطط المدروسة وتنفيذها بما يخدم مصلحة البلد واقتصاده ومستقبله ولا تفتح الباب على مصراعيه لاستيراد ما يضر بصناعتنا المحلية بل يجب عليها المساعدة للارتقاء بها والاعتماد على منتجها في سد بعض مفردات البطاقة التموينية والاعتماد على طاقاته التشغيلية في تلبية ما تحتاجه وزارات الحكومة ومؤسساتها وعدم اللجوء إلى الاستيراد الخارجي في كل الأوقات . ومتابعة الفاسدين والكشف عنهم وتقديمهم للقضاء .لنتمكن من إقامة اقتصاد متوازن غير مترهل كما هو عليه الآن يسهم في القضاء على البطالة وحفظ أموالنا التي باتت تهدر بالمليارات في سوق دبت فيها الفوضى وأصبحت مصدرا للاستهلاك بشكل لا يصدق ولا يمكن إن تؤسس لاقتصاد بلد ناجح يخطو نحو التقدم والرقي والبناء.


رأي المسؤول
س.ج 43 سنة مسؤول حكومي فضل عدم الكشف عن اسمه الصريح يقول :الحكومة لها مساعيها الملموسة في إقامة صناعة وطنية وزراعة تصل بنا لسد الحاجة المحلية فهذا ما لا يمكن إنكاره ومحاولاتها مستمرة في هذا المجال ولكن سعيها ليس على مستوى الطموح فهذا الأمر يتطلب تخطيطا وجهودا جبارة لتحقيق مشاريع تنموية كبيرة .أما الصفقات التجارية فقد أصبحت بيد مؤسسات عدة آثرت عدم النهوض بمصانعنا وتحديثها وإيجاد الكوادر الفنية لتشغيلها وإقامة الدورات لها في داخل البلد وخارجه لأن عودة مصانعنا إلى العمل يفوت عليهم فرص الاستيراد ومن ثم غياب عقد الصفقات الفاسدة التي تدر عليهم أموالا طائلة .فنحن لدينا مصانعنا ومنشآتنا كما يمكننا إقامة مزيد من الصناعات بما يسد حاجة أسواقنا ويمكننا من التصدير أيضا ولكنه الفساد الذي أصبح مستشريا في جميع مرافق الدولة. إضافة إلى إن كثير من المسؤولين انتماءاتهم ليس لبلدهم بل لبلدان مجاورة لذا هم يحرصون على إبقاء بلدنا بلدا مستوردا مستهلكا لما تنتجه بلدان الجوار. أما القطاع الخاص فقد كان فيما مضى له فاعليته ومساهماته في الاقتصاد الوطني فهو الساند الأمين للاقتصاد الذي تديره الحكومة التي كانت تدعمه وتحميه من المنتج الخارجي وتقدم له القروض المجزية والدعم المخلص من اجل ديمومته وفاعليته .
أما الآن فالقطاع الخاص مر بفترات عصيبة تعرضت مصانعه للسرقة والاندثار والى الإفلاس حتى بات عقيما يحتاج إلى دراسة وضعه البائس دراسة جادة ومستفيضة ووضع الخطط المجدية للنهوض به مثل مده برؤوس الأموال الكبيرة وليس القروض التي لا تغني شيئا ، فمصانعه قديمة ومكائنه تحتاج إلى التحديث ويحتاج إلى الأيدي العاملة التي تمتلك الخبرة وتجديد الأنظمة والقوانين التي تكفل حمايته وحماية مستقبل عماله من ناحية الأجور والتقاعد أسوة بالعامل الحكومي . في حين إن الدولة كما هو الظاهر ليس في نيتها تفعيله وحماية منتجه الوطني واضرب مثلا بسيطا على ذلك إن الحكومة تقوم بطبع الكتب المدرسية في بلدان مجاورة ولا تعطيها للمطابع الأهلية وما أقوله مثل واحد على أمثلة لا تعد ولا تحصى.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

893 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع