السعادة لا علاقة لها بالمال والنجاح

  

     التواصل الاجتماعي الإيجابي مدخل للحياة السعيدة

العرب - محمد رجب:كشفت نتائج دراسة أجراها مركز دراسات تنمية الكبار التابع لجامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأميركية، أن سر السعادة يكمن في العلاقات الإنسانية الجيدة مع المحيط الاجتماعي من الأسرة والأصدقاء،

فالعلاقات الاجتماعية الجيدة تبقي المرء في حالة نفسية تغلب عليها السعادة والصحة النفسية والعضوية بنسبة 35 بالمئة، مقارنة بأولئك الأشخاص المعزولين عن المجتمع أو الذين يملكون علاقات اجتماعية سيئة وسلبية، والذين يكونون أقل سعادة حتى وإن امتلكوا المال والشهرة والنجاح، وتبدأ صحتهم بالتدهور في منتصف العمر، وقدراتهم العقلية ودرجة تركيزهم تبدآن بالتراجع الشديد مع تقدم العمر ويعيشون حياة أقصر.

فعبر الفحص الدقيق والمباشر وما نتج عنه من عشرات الآلاف من الأوراق البحثية كانت النتيجة أن الأشخاص الذين كانوا في علاقات جيدة ويعانون من آلام جسدية وأمراض كان مزاجهم أفضل حالا وأكثر سعادة، مقارنة مع أولئك الذين يعيشون في علاقات تعيسة لأن إحساسهم بالألم الجسدي تضاعف بسبب آلامهم النفسية والتي جلبت أيضا لهم المزيد من الأمراض النفسية والعضوية.

واعتمدت أبحاث الدراسة على مشاهدة ومتابعة كيف يعيش الآخرون؟ ودراسة حياتهم منذ سنوات مراهقتهم حتى بلوغهم سن الشيخوخة لمعرفة ما الذي جعلهم سعداء وأصحاء خلال 75 عاما بما يعادل قرنا إلا ربعا من الزمان.

وبدأت الدراسة في عام 1938، وتتبعت حياة العينة المختارة والتي أجريت عليها الأبحاث، بحيث تم تقسيمهم إلى مجموعتين: المجموعة الأولى هم طلبة في السنة الأولى من المرحلة الجامعية أنهوا دراستهم أثناء الحرب العالمية الثانية، وهم من طبقات غنية إلى حد كبير، أما المجموعة الثانية فتضم عددا من الشباب والفتيات الذين ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والأقل من المتوسطة.

وقال روبرت والدينجر، رئيس مركز دراسات تنمية الكبار بجامعة هارفارد، والقائم على الدراسة إنه كان يتم سؤال الـ724 شخصا عن عملهم وحياتهم الشخصية وحالتهم الصحية، موضحا "نحن لا نكتفي فقط بإعطائهم استفتاء يجيبون عليه، ولكن كنّا نقوم بعمل لقاءات شخصية دورية معهم ومع عائلاتهم في منازلهم، كما حصلنا من أطبائهم على تقاريرهم الطبية، ولم نكتف بذلك بل قمنا بإجراء فحوص طبية لهم تشمل أشعة على أدمغتهم، وتصوير بالفيديو لكيفية تعاملهم مع زوجاتهم والمحيطين بهم".


وأشار الباحثون إلى أن الأشخاص الذين كانوا يتمتعون بعلاقات جيدة مع الأشخاص المحيطين بهم وهم في سن الخمسين كانت حالتهم الصحية وذاكرتهم أفضل عندما بلغوا سنّ الثمانين، فالعلاقات الجيدة لا تحمي الجسد فقط، وإنما تحمي الدماغ والذاكرة أيضا.

كما أوضحوا أن الإنسان من الممكن أن يشعر بالوحدة وهو محاط بالكثير من الأشخاص في محيطه الاجتماعي من أصدقائه وأسرته، فالعلاقات الجيدة الإيجابية ليست بعددها، وإنما بنوعية هذه العلاقات ومدى قربها وعمقها وقوتها وتأثيرها الإيجابي، فالعيش في علاقة تعيسة وسيئة هو أمر مضر بالصحة النفسية، وأكثر سلبية من الوحدة.

ويوضح سعد عبدالرحمن، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة عين شمس في مصر، أن مفهوم السعادة يختلف من مجتمع إلى آخر، إلا أنه في الغالب تكون الأسباب التي تؤدي إليها واحدة، وهي المشاعر الإيجابية، لافتا إلى أنه في المجتمع العربي وطبقا للمعتقدات والقيم تتلخص السعادة في الرضا التام بما قدره الله سواء في العمل أو مقدار الدخل أو العلاقة مع الأسرة والمحيطين، شريطة أن يكون الرضا إيجابيا، بمعنى أن لا يستسلم الإنسان للواقع، وأن يبذل المجهود الواجب عليه، مؤكدا أن نتائج تلك الدراسة إيجابية وتنطبق تماما على أيّ شعب لأنه كلما كان الإنسان متكيفا مع الواقع المحيط وكان واقعا إيجابيا، ولا توجد هناك أي توترات أو مشاكل شعر بأنه أكثر سعادة، ولا يختلف في هذا الأمر بالنسبة للأشخاص في مصر أو الولايات المتحدة أو أي مكان آخر في العالم، فهذه أمور إنسانية عامة وكلما ازداد التواصل الإيجابي مع الآخرين شعر الإنسان بالسعادة.

من جانبه، يؤكد شريف محمد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، أن البلدان العربية بحاجة ماسة إلى هذا النوع من الدراسات والبحوث التتبّعية للأفراد والعلاقات الاجتماعية، كونها تساعد بشكل كبير في معالجة الكثير من المشاكل والآثار السلبية قبل وقوعها، حيث أن معظم الدراسات التي تجرى حاليا هي دراسات تقيس رأي الفرد واتجاهاته.

وأشار شريف إلى أن هذه الدراسة ستصبح أكثر منطقية وواقعية في حال ما إذا طبقت في المجتمع العربي، حيث تحاط مشاعر الإنسان بالدفء الذي يتسرب إلى جميع خلايا الجسد ويبعث السعادة في النفس، خاصة وأن الإنسان العربي صاحب مشاعر دافئة بالفطرة وودود بطبعه، وهناك تماسك بين أفراد الأسرة والمجتمع، ناصحا بالحرص على تكوين شبكة علاقات مع المحيط الاجتماعي جيدة وإيجابية، بحيث تمنح الإنسان المشاعر الإيجابية، والتي بدورها تحقّق السعادة والاتزان النفسي. وعلى الرغم من ذلك أظهر استطلاع للرأي تضمنته الدراسة أن أكثر من 80 بالمئة تمنّوا أن يصبحوا أثرياء، بينما 50 بالمئة أرادوا أن يصبحوا مشهورين، في حين فضل 38 بالمئة أن يكونوا ناجحين في حياتهم ويحققون أهدافهم بما يجعلهم سعداء.

وتعتبر تلك الدراسة هي أطول دراسة زمنية يتم إجراؤها في العالم حتى ذلك الوقت، والتي استمرت لمدة خمسة وسبعين عاما، وشملت تتبع حياة 724 شخصا في مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

575 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع