مدحت المحمود يردّ الجميل للمالكي: لن نعتمد تقرير سقوط الموصل

            

رموز الفساد في العراق بصدد توظيف مقدّراتهم السياسية والمالية والعسكرية ورص صفوفهم وإحكام تحالفاتهم لحماية مصالحهم وتحصين مواقعهم بوجه دعوات الإطاحة بهم ومحاسبتهم.

العرب/بغداد - كشف رفض رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق اعتماد تقرير نيابي بشأن سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش صيف العام الماضي، بحجة عدم مهنيته وحياديته، عن وجود تحالف بين رجال القضاء وكبار زعماء الأحزاب الدينية وقادة الميليشيات المسلّحة يقومون من خلاله بالحفاظ على مناصبهم ومواقعهم وحماية بعضهم بعضا من المحاسبة التي يمكن أن تطالهم على خلفية مطالبات شعبية بذلك.

ومن خلال رسائل وجهّها رئيس مجلس القضاء العراقي الأعلى مدحت المحمود، إلى كل من رئاسة الحكومة والبرلمان والجمهورية، وكشفت وكالة العباسية نيوز عن جزء من محتواها، اعتبر المحمود التقرير الذي أنجزته اللجنة النيابية الخاصة بسقوط الموصل غير مهني وغير قابل للاستخدام قضائيا، متماهيا في ذلك مع رأي رئيس الوزراء العراقي السابق في ذات التقرير الذي يحمّله جزءا كبيرا من مسؤولية سقوط المدينة بيد داعش.

ويشترك المالكي والمحمود في أنّ كليهما متهم على نطاق واسع بإضعاف مؤسسات الدولة ونشر الفساد فيها طيلة سنوات توليهما المسؤولية كل في مجاله.

وقد ردّد الشارع خلال موجة المظاهرات الأخيرة المطالبة بمحاسبتهما. لكن سرعان ما تكشّف أن ذلك أمر غير متاح بفعل ما يتمتعان به من حصانة وحماية يستمدّانها من تحالف عدّة قوى نافذة في العراق وتتمتع بسلطة السياسة والمال وحتّى السلاح.

وبدا المحمود وهو يهاجم تقرير اللجنة البرلمانية بصدد ترديد ما ورد في هجوم سابق لنوري المالكي عليها والذي لم يتردّد في اتهام رئيسها حاكم الزاملي القيادي في التيار الصدري بأنّه منحاز سياسيا ضدّه وبأنه مطلوب للعدالة في عدّة قضايا.

غير أن موقف المحمود اكتسى من وجهة نظر مراقبين عراقيين، أيضا طابع ردّ الجميل للمالكي الذي وقف بقوّة إلى جانب المحمود في أوج مطالبة الجماهير العراقية بإطاحته من منصب رئاسة مجلس القضاء ومحاسبته على تسييس القطاع ونشر الرشوة والفساد فيه على نطاق واسع.

ويشير هؤلاء إلى الزيارة التي كان قام بها كل من هادي العامري زعيم ميليشيا بدر وقائد الحشد الشعبي ومساعده أبو مهدي المهندس للمحمود في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي وتأكيدهما على عدم السماح بالمساس به تحت أي عنوان، مثيريْن ضجّة كبرى مدارها “كيف يكون رئيس السلطة القضائية تحت حماية الميليشيات، وأي حظ له من الاستقلالية بعد ذلك”، وفق ما ورد على لسان أحد الساسة العراقيين.


وكانت مصادر عراقية أكّدت أن خطوة العامري والمهندس جاءت بتدبير من المالكي ذي العلاقة الكبيرة بالميليشيات وقادتها، وأنه أراد من خلالها “تبادل المنافع والمصالح” مع القاضي المحمود بحيث يحمي كل منهما الآخر.

ولحماية حليفه المالكي، لن يعتمد رئيس مجلس القضاء العراقي الأعلى التقرير النيابي في التحقيق بشأن قضية سقوط الموصل، وهو ما كشفت عنه ثلاث رسائل بعثها مدحت المحمود إلى الرئاسات الثلاث وفيها يشكك بتقرير اللجنة النيابية الخاصة بسقوط المدينة ويصفه بأنه سياسي وليس قضائيا مؤكدا في الوقت نفسه أن المحاكم العراقية لا تستطيع الاعتماد عليه أو الاستفادة منه.

وكان تقرير لجنة الزاملي قد استغرق قرابة السنة لإنجازه، وسيعني رفضه من قبل المحمود استهلاك المزيد من الوقت ما يعني بالنتيجة ضياع حقائق سقوط المدينة تحت ركام الإجراءات البيروقراطية والصراعات السياسية، الأمر الذي سيتيح للمالكي المتهم الرئيس في القضية النجاة من المحاسبة.

وذكر مراسل وكالة العباسية نيوز في بغداد أن معلومات تداولتها أوساط سياسية وقضائية أفادت بأن مدحت المحمود أكد في رسائله أن مجلسه لا يستطيع التعامل مع تقرير اللجنة النيابية الخاصة بسقوط الموصل لأن الجانب السياسي فيها كان طاغيا مع نقص في السياقات التحقيقية والإجراءات القانونية التي قال إن التقرير افتقر إليها.

وحسب ما ذكره المحمود في رسائله الثلاث إلى رؤساء الجمهورية والحكومة والنواب فؤاد معصوم وحيدر العبادي وسليم الجبوري، فإن تقرير اللجنة التي ترأسها النائب حاكم الزاملي القيادي بالتيار الصدري لم يكن مستوفيا للشروط القانونية الواجب اتّباعها في عمل اللجان التحقيقية وفيه ثغرات كثيرة كان على اللجنة الاستعانة بقضاة ومحققين مهنيين لتلافيها، مؤكدا أن قانون أصول المحاكمات الذي تعتمده المحاكم العراقية يفرض عليها أن تنظر في القضايا التي مرت بمراحل التحقيق كاملة وتحديد أسماء المتهمين والشهود والدفاع، في حين أن تقرير اللجنة النيابية هو مجرد استعراض سياسي لأحداث الموصل وسماع شهادات متناقضة وإصدار توصيات، وهذه وحدها لا تكفي لإجراء محاكمات عادلة وإدانة أشخاص وتبرئة آخرين وردت أسماؤهم في التقرير.

وحسب ما ذكره المحمود في رسائله فإنه دعا الرئاسات الثلاث إلى حماية مجلس القضاء الأعلى مما وصفه بشتائم لا تليق تلصق بالسلطة القضائية دون وجه حق، في إشارة إلى هتافات المتظاهرين وشعاراتهم، متهما إحدى القنوات الفضائية المعروفة بمعارضتها لحكم الأحزاب الشيعية بإثارة الشارع العراقي عليه بتهم باطلة وطالب بوقف بثها وعمل مراسليها في العراق لأنها ـ حسب رأيه ـ تسعى إلى تقويض السلطة القضائية والتشكيك بقضاتها والعاملين فيها واستعداء الجمهور العراقي عليها.

ونُقل عن المحامي كفاح النداوي في تعليق له على رسائل المحمود إلى الرئاسات الثلاث، قوله إن رئيس مجلس القضاء الأعلى ملزم بالنظر في قضية سقوط الموصل باعتبارها قضية وطنية عامة بعد أن انتهت اللجنة النيابية من إعداد تقريرها النهائي عنها وإحالته إلى دائرة المدعي العام، وهي إحدى مؤسسات المجلس، مضيفا أن القاضي المحمود سعى من خلال رسائله إلى التهرب من مسؤوليته القانونية والوظيفية التي تحتم عليه تشكيل لجان للتحقيق في أحداث الموصل والاستفادة من تقرير اللجنة النيابية والاطلاع على ما ورد فيه من إفادات وشهادات.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

866 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع