طفح كيل الشعب العراقي ضد الفساد والفاسدين وناهبي المال العام.. والسيد الصدر يطالب بفضح من سرقوا المليارات.. هل المظاهرات الغاضبة بداية “ثورة” تقود الى التغيير وقيام “العراق الجديد” الحقيقي؟
شخّص الرئيس الامريكي باراك اوباما الاخطار التي تواجه المملكة العربية السعودية في خطرين اساسيين: الاول خارجي يشكله الصعود النووي والعسكري الايراني، والثاني داخلي يتمثل في الشباب السعودي بسبب البطالة والاحباط والفساد، واكد ان الخطر الثاني هو الاضخم.
العراق يواجه الخطرين نفسيهما، فالنفوذ الايراني بات متغلغلا في العراق منذ الاحتلال الامريكي عام 2003، لكن الخطر الداخلي لا يقل خطورة لانه متشعب الاذرعة، فهناك نفوذ “الدولة الاسلامية” المتصاعد، وسيطرتها على نصف اراضيه، وهناك الميليشيات الشيعية التي تنضوي تحت مظلة الحشد الشعبي، وهناك الفساد المستفحل، وبات يشكل هوية وطنية لعراق ذابت كل هوياته التوحيدية الجامعة، لمصلحة الهوية الطائفية.
المدن العراقية، الخاضعة لحكومة بغداد خاصة، تشهد حاليا ثورة شعبية حقيقية احتجاجا على سوء الخدمات جميعها، باستثناء وحيد، وهو كفاءة السلطة في دفن الموتى، وما اكثرهم، فالكهرباء مقطوعة، والمياه كذلك، والعناية الطبية في اسوأ حالاتها، والجامعات تحولت الى مدارس محو امية، والقائمة تطول.
اللافت ان هذه الثورة الشعبية العفوية تتزامن مع الذكرى الـ15 لغزو القوات العراقية الكويت واحتلالها، وهو غزو كان الانهيار الاقتصادي الناجم عن حرب دموية ضد ايران استمرت ثماني سنوات من اهم اسبابه طبعا، الى جانب العقوق العربي والخليجي منه على وجه الخصوص، وهذا ليس موضوعنا على اي حال.
السيد سليم الجبوري رئيس البرلمان تعهد بالمضي قدما في كشف الفاسدين، اما السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري الذي يمثل المحرومين ومعظم فقراء العراق، فقد طالب بالتحقيق مع المقصرين في الحكومتين الحالية والسابقة الذين سرقوا مليارات الدولارات.
هذه المطالب مشروعة، علاوة على كونها منطقية، لكن تطبيقها ربما يكون تحديا صعبا، لان الغالبية الساحقة من اللصوص والمقصرين هم من النخبة العراقية الحاكمة اصحاب السلطة الحقيقيين في البلاد، وهؤلاء جميعا يشكلون خطا احمر ممنوع الاقتراب منه.
السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء كشف قبل بضعة اشهر، وفي ظل انهيارات الجيش العراقي، ان هناك 65 الف ضابط وجندي “وهمي” في الجيش يتلقون، او يتلقى البعض روابتهم الشهرية دون ان يكون لهم وجود.
السيدة ماجدة التميمي عضوة لجنة المالية في مجلس النواب العراقي اكدت ان هناك 4600 “مشروع وهمي” في ميزانية العام الماضي، كلفت الخزينة 228 مليار دينار عراقي (189 مليون دولار) لم ينفذ منها اي مشروع، واغلب هذه المشاريع اعطيت لاقارب المسؤولين، في اشارة الى حكومة نوري المالكي.
السيد حاكم الزاملي رئيس لجنة الدفاع في البرلمان كشف ان ما مجموعه 150 مليار دولار جرى انفاقها على شراء صفقات اسلحة امريكية ولم يصل منها الى العراق غير ربعها.
الامثلة كثيرة، وارقام الفساد اكبر من ان تحصى، واذا تجرأ احدهم على احصائها وكشفها فان مصيره سيكون مثل مصير رئيس لجنة النزاهة السابق، اي القتل برصاصة في الرأس.
الشعب العراقي وصل الى نقطة الانفجار، وبدأ الثورة على النخبة الحاكمة الفاسدة التي ضللته بالاكاذيب، واغرقته في التحريض الطائفي للغطاء على سرقتها لعرق الشعب العراقي، وعجزها عن تحقيق الحد الادنى من مطالبه المشروعة في الخدمات الاساسية رغم مرور 11 عاما على الاحتلال وتغيير النظام السابق الذي استخدم “كفزاعة” لكل اخقاقات ومصائب العراق.
لعل هذه المظاهرات تكون بداية “الصحوة” العراقية، ومقدمة لانقاذ البلاد من الحالة المخجلة التي تعيشها على الصعد كافة، ولعلها ايضا تفسح المجال امام قيادة عراقية غير طائفية تؤمن بالعراق الكبير، عراق التعايش والمحبة والمصالحة الوطنية والتأسيس لعراق جديد فعلا وقولا، وليس “عراق بريمر” ونخبته الفاسدة عديمة الوطنية والولاء والانتماء.
“راي اليوم”
1092 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع