اذاعة العراق الحر/فارس عمر:تزخر الثقافة العالمية بالأقوال التي تلعن الفقر واسبابه والمسؤولين عنه.ومن ذلك قول الثائر الاميركي اللاتيني تشي غيفارا "على يميني مارد اسمه الفقر وعلى يساري سفاح اسمه الاستبداد وأمامي شعب يثور عليهما".
وفي تراثنا العربي الجميع يعرف صرخة الامام علي بن أبي طالب "لو كان الفقر رجلا لقتلته"و"الفقر في الوطن غربة".ومما قاله العرب ايضا "الفقر أخو الكفر" .
وفي العراق يعيش ملايين غرباء في وطنهم بسبب الفقر وما يترتب عليه من ذل وامتهان للكرامة. وما يزيد وطأة الفقر شدة ان هذه الآفة الاجتماعية تنشب انيابها في بلد غني بالموارد الطبيعية ويعوم على بحيرة من الذهب الأسود.والانكى من ذلك ان عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر في العراق آخذ في الارتفاع.
ويعزا هذا الارتفاع الى ان الخطط التي تُعد في مكاتب الوزارات للتخفيف من الفقر تتبخر في طريقها الى التنفيذ على ارض الواقع لأسباب متعددة على رأسها الفساد الذي لا يقل تدميرا عن الأسلحة الفتاكة في نسف كل المشاريع التنموية ونهب ما يمكن نهبه من الأموال التي يُفترض ان تُستثمر في فرص العمل والتعليم وبناء المصانع وتطوير المزارع وإنشاء البنى التحتية لتشغيل العاطلين وتحرير المحتاجين من عبودية الفقر.
ومن الأسباب الأخرى التي تسهم في إجهاض أي محاولة جادة لمكافحة الفقر الصراعات السياسية التي تستنزف القوى وتبددها من أجل مكاسب فئوية ضيقة على حساب المصلحة العامة.
وجاء صعود تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" مقترنا بهبوط اسعار النفط الذي تعتمد عليه خزينة الدولة ليرفد جيش الفقراء بـملايين اضافية. فان اجتياح داعش مناطق واسعة من العراق اسفر عن نزوح اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مواطن يعيشون في ظروف مزرية بسبب عجز الدولة في ظل الأزمة المالية والاقتصادية عن توفير الحد الأدنى من مستلزمات المأوى والعلاج والمأكل والملبس.
وكان من الطبيعي ان تتفاوت في مثل هذا الوضع التقديرات بشأن نسبة العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر. وعلى سبيل المثال لا الحصر فان تخمينات وزارة التخطيط قدرت نسبة الفقر في العراق بأكثر من 20 في المئة ولكن لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في مجلس النواب ترجح ان تكون النسبة أكثر من 30 في المئة. وما لا خلاف عليه ان هذه النسبة ارتفعت الى مستويات خطيرة منذ سيطرة داعش على مناطق عزيزة من العراق. وتقول وزارة التخطيط ان النازحين هم المصدر الرئيسي لزيادة عدد الفقراء الجدد في العراق.
واشار المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح في حديث لاذاعة العراق الحر الى ان في العراق اليوم خمس محافظات في حالة حرب وما ينجم عنها من نزوح وتهجير علاوة على نسبة البطالة البالغة 15 في المئة لكنها أعلى بكثير بين الشباب ، بحسب المستشار محمد صالح.
وقال محمد صالح ان هبوط اسعار النفط بنسبة زادت على 60 في المئة منذ صيف العام الماضي كان ضربة قاصمة لخزينة الدولة العراقية لا سيما وان مصادر الدخل الأخرى لا وجود لها عمليا في حين ان العراق يعيش منذ سنوات في "عطلة ضريبية" حيث ما يُجبى من الضرائب يُسهم في الميزانية بنحو 1.7 في المئة فقط لا تساوي ما ينفق لجبايتها وتعهد بأن تكون موازنة 2016 موازنة تبحث عن كل دينار ودرهم عراقي بعكس موازنة 2015 التي كانت متساهلة بعض الشيء واصفا الفقر بأنه هاجس يومي يؤرق الحكومة.
وقال المستشار مظهر محمد صالح ان الضائقة المالية لا تعفي الحكومة من التزاماتها تجاه العائلات الفقيرة ومساعدتها ببرامج الرعاية الاجتماعية التي توفر دخلا للعائلة الفقيرة لا يقل عن 440 الف دينار مع العلاج المجاني والتعليم لأطفالها علاوة على دعم الاستثمارات الصغيرة من خلال القروض لإيجاد فرص عمل وتحريك الاقتصاد.
الخبير الاقتصادي ماجد الصوري عضو مجلس ادارة البنك المركزي اوضح ان البنك قرر تخصيص ترليون دينار لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وخمسة ترليونات لتنشيط قطاعات الزراعة والصناعة والاسكان ولكنه اضاف انها تحتاج الى فترة طويلة قبل ان تظهر نتائجها لا سيما وان تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالترليون دينار بدأ في 1 تموز ولكن دعم الانتاج الصناعي والزراعي والعقاري بالتروليونات الخمسة لم يبدأ حتى الآن.
وتوقع الصوري ان يتسبب احتلال داعش مناطق واسعة من العراق في رفع نسبة البطالة الى نحو 30 في المئة مراهنا على المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي ستوفر نحو 250 الف فرصة عمل ، في تقديره.
باسم جميل انطوان نائب رئيس جمعية الاقتصاديين العراقيين شدد على العامل الأمني قائلا انه يطلق تفاعلا متسلسلا بتسببه في توقف النشاط الاقتصادي وتعطل المشاريع المختلفة وهذا بدوره يؤدي الى بطالة والبطالة من أكبر اسباب زيادة الفقر.
واشار انطوان الى ان مقاومة الارهاب والانفاق على التسليح وإعادة بناء الجيش وتوفير المستلزمات القتالية واللوجستية لقوات الحشد الشعبي ومساعدة النازحين كلها عوامل تستنزف موارد الدولة وتعرقل جهودها لمكافحة الفقر والبطالة.
وقال الاقتصادي باسم جميل انطوان ان في مقدمة شروط التخفيف من غائلة الفقر القضاء على الارهاب واستعادة الأراضي التي يسيطر عليها داعش واطلاق عملية إعادة الاعمار والبناء وما يرافق ذلك من فرص عمل توفر مداخيل ترفع اصحابها من تحت خط الفقر.
ولاحظ انطوان ان الغالبية الساحقة من الذين يعيشون تحت خط الفقر إن لم يكن جميعهم هم من القطاع الخاص حيث فرص العمل متقطعة إن وجدت والأجور متدنية في حين ان راتب الموظف في دوائر الدولة لا يقل 300 الى 400 الف دينار بالمقارنة مع خط الفقر يعيش تحته من يقل دخلهم عن 77 الف دينار شهريا.
ثائر الفيلي عضو هيئة الاستثمار والمجلس الاقتصادي العراقي من جهته رأى ان ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ظاهرة مؤقتة متوقعا ارتفاع اسعار النفط وبذلك ازدياد عائدات العراق المالية وهبوط الانفاق العسكري بحصول القوات العراقية على كفايتها من التسليح رغم توقف نحو 6000 مشروع حكومي بسبب الضائقة المالية.
وشدد الفيلي على دور الاستثمار ومبادرة القطاع الخاص في توفير فرص العمل ودفع عجلة النمو الاقتصادي مشيرا الى التعاون مع الحكومة لتصحيح الأخطاء السابقة باهمال الاستثمار الخاص في السياسة الاقتصادية العراقية.
تبين الأرقام ان جميع محافظات العراق تعاني من آفة الفقر ولكن بدرجات متفاوتة وان الفقر كان يتركز في الريف بنسبة أعلى من المناطق الحضرية ولكن وقوع مدن كبيرة تحت سيطرة داعش احدث تغييرا كبيرا في هذه المعادلة.
1336 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع