العباسية/وسيم باسم:بدت "الستوتة"، وهي تشقّ طريقها بين القبور، كما لو أنّها آلة غريبة ينعكس عليها الضوء. كانت تقفز وتناور بزوايا حادّة لتتوقّف عند قبر بعيد.
وإنّ "الستوتة" هي ببساطة عربة تجرّها درّاجة ناريّة، ووصفها المهندس الميكانيكيّ عادل محمود من بابل بأنّها "مخلوق هجين غير خاضع لاختبارات علميّة في المتانة والأمان، وبات تصنيعها يتمّ حتّى في البيوت من دون إجراءات سيطرة نوعيّة".
وهذا الوصف يفسّر الحوادث المروريّة المتكاثرة، الّتي باتت هذه المركبات الصغيرة تسبّبها. وقال المهندس عادل:"لا تستطيع هذه المركبة ضبط توازنها في المنعطفات الحادّة، وهي في الغالب تنطلق بسرعة عالية لا تتناسب مع إمكاناتها الفنيّة والميكانيكيّة".
إنّ أعداد الضحايا من جراء هذه الحوادث تزداد، فهذا ما أكّده ضابط شرطة المرور في بابل علي حسين، مشيراً إلى عدم عدم توافر إحصائيّات عن أعداد الضحايا، لافتاً إلى أنّ "هذا الأمر بات ظاهرة يعرفها جميع العراقيّين ولا يمكن إنكارها"، وقال: "كلّ يوم نشهد حادث انقلاب أو اصطدام (الستوتة)، ممّا يؤدي إلى خسارة في أرواح الناس وأملاكهم".
والطريف في الأمر أنّ هذه المركبة المثيرة للجدل، رغم الانتقادات الموجّهة إليها والأوصاف المذمومة الملتصقة بها، إلاّ أنّها تغزو الشوارع في مدن العراق كافّة. ففي مدينة بابل (100 كلم جنوبيّ بغداد)، تزدحم الشوارع بها، ونراها وسط الأحياء السكنيّة، حيث يركنها سائقوها بجانب مساكنهم.
وتحدّث الناشط في اتّحاد العمّال في مدينة بابل ماجد الخفاجي عن أسباب انتشار "الستوتة" فقال: "إّنها رخيصة الثمن لا يتجاوز سعرها الـ1200 دولار في أحسن الأحوال. كما أنّ حجمها صغير، وهي سهلة القيادة وقادرة على دخول الأحياء السكنيّة ذات الأزقة الضيّقة. لهذا كلّه اقتناها الكثيرون، خصوصاً العاطلين عن العمل الذين يفضّلون الحصول على رزقهم في نقل الأحمال من مكان إلى آخر".
وتأكيداً على وظيفة "الستوتة"، اتّصلنا ببالسائق الشاب مراد حسين (18 سنة)، الّذي تحدّث عن عمله فقال: أستيقظ باكراً نحو السابعة صباحاً، وأقود المركبة إلى منطقة الأسواق الشعبيّة في بابل لنقل البضائع والسلع إلى مساكن المواطنين ومخازن التجّار.
وأشار إلى أنّ ما يحصل عليه يوميّاً لغاية الرابعة عصراً، يعادل الثلاثين دولاراً، لافتاً إلى أنّه مارس العمل في البناء وفي خدمة المطاعم ليدّخر مبلغاً قدره 700 دولار لشراء هذه المركبة، وهو بالطبع يقود مركبته بلا إجازة سوق، وقال: "إنّ الكثير من السائقين، حتّى سائقي الشاحنات الضخمة في العراق اعتادوا عدم الاكتراث إلى إجازة السوق". وفي الوقت نفسه، أشار إلى أنّ "سهولة قيادة المركبة ورخص ثمنها أدّيا إلى انتشارها في شكل مفرط"، وقال: "من هنا، بات التنافس بين أصحاب هذه المركبات في نقل الناس والبضائع شديداً، ممّا أدّى إلى انخفاض معدّلات الدخل لممارسي هذه المهنة".
وتغزو "الستوتة" مراكز العاصمة بغداد التجاريّة كالشورجة والصدريّة وشارعي الكفاح والجمهوريّة وساحتي الخلاني والوثبة. ولا منافس لها في هذه الأماكن المزدحمة بالناس والبضائع، والّتي تتفرّع منها أزقة ضيّقة. ومن الواضح أنّ الازدحام والأزقة الضيّقة
يقدّمان أفضل التسهيلات لمرور مركبات صغيرة كهذه. وإنّ التّسهيلات الأخرى تتلخّص بفوضى المرور وانعدام الرقابة، والشعور الدائم بتفاقم المشكلة الإقتصاديّة، الّذي يدعو إلى غضّ النّظر.
ووسط الفقر والحاجات المتجدّدة وغياب القانون، تظهر "الستوتة" كحلّ لمشكلات عدّة، وقال سعد الكرخي، وهو سائق "ستوتة" في منطقة العلاوي ببغداد: "هذه المركبة هي مصدر رزقي، وبسببها يقبل التجار وأصحاب المتاجر عليّ لحجز مواعيد لليوم التّالي بهدف نقل بضائعهم". وعدّد الكرخي حسنات مركبته، مقابل ما كان سائداُ في عهود سابقة، مؤكّداً أنّها "أفضل من الأسلوب التقليديّ في نقل البضائع بواسطة عربات تجرّها الخيل والحمير أو فوق ظهور العمّال وقطع مسافات طويلة مؤلمة".
وثمّة تكنولوجيا تحوّل الدراجات الناريّة إلى عربة. ومن هنا، زار "المونيتور" الحيّ الصناعيّ في الحلّة - مركز محافظة بابل، حيث التقى بالحدّاد حميد فاروق، الذي رفض الكشف عن التفاصيل الفنية لعمله باعتبارها سر من اسار المهنة، بل عن شروط انتشار هذه المركبات.
وفي هذا السّياق، قال: "انتشرت الستوتة في العراق في شكل واسع منذ عام 2004، إذ أتاحت الظروف السياسيّة الجديدة والانفتاح التجاريّ على الدول المجاورة، استيراد الدرّاجات الناريّة، الّتي كانت نادرة جدّاً في العراق بسبب ظروف الحصار الإقتصاديّ. وهنا، تمّ تحويلها إلى مركبات صغيرة".
وهذا التّحويل الّذي أعدّ للنقل، بات له خيال خاص ليقوم بوظائف عدّة، ففي المدن ذات الأهميّة الدينيّة مثل كربلاء والنّجف بجنوبيّ بغداد، لم تعد "الستوتة" فيها تنقل السلع وحدها، بل باتت الوسيلة المثلى لنقل زوّار المراقد المقدّسة، لا سيّما الكبار في السنّ الّذين يصعب عليهم السير لمسافات طويلة. وفي هذا الإطار، أشار حيدر حسين، وهو يملك خمس مركبات، إلى أنّه "يؤجّر هذه المركبات في أوقات ذروة الزيارات لسائقين بأجر يوميّ، ينقلون الزوّار لمسافات تصل إلى نحو 3 كيلومترات من أطراف مدينة النّجف إلى مركز المدينة، وبالعكس".
واذا كانت "الستوتة" ولدت عفوية على أيدي الفقراء والعاطلين عن العمل باعتبارها "مركبة" رخيصة ، الا نها يمكن ان تصبح أداة فعالة في توفير فرص العمل، والتقليص من النقص في وسائط النقل، وتوفير موارد جيدة لميزانية الدولة اذا ما تم اعتمادها كمركبة مرخّص بها، تعتمد الأنظمة المرورية القائمة، وتتبنى الدولة تصنيعها في معامل حكومية او في القطاع الخاص، معترف بها. كل ذلك سيساهم في تخفيف الفقر، وتوفير مورد للاقتصاد العراقي.
949 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع