قرن مضى والعراق يعاني لعنة ثروة النفط والغاز

          

      النفط العراقي من قبضة محتل الأمس إلى سطوة غزاة اليوم

لطالما اُعتبر العراق، حديثا، هبة النفط والموارد الطاقية، التي عوّل عليها حكامه على مدى القرن السابق، كلّ حسب رؤيته، لتحقيق قفزات تنموية نموذجية. ثروات طبيعية على الرغم من فوائدها الجمّة إلاّ أنها لم تكن خيرا صرفا، بل جلبت معها للعراقيين أطماع الطامعين منذ الاكتشاف الأوّل للذهب الأسود، وهاهو العراق إلى اليوم يعاني، في أعظم مفارقات العصر، لعنة ثروته تلك.

العرب مصطفى البزركان:ارتبط اسم العراق منذ مطلع القرن العشرين بثروته النفطية، التي كانت في بعض الفترات سببا في عملية تنمية نموذجية، لكنها كانت في فترات أخرى سببا في معظم الصراعات والحروب التي شهدها العراق خلال العقود الماضية.

ويثير التاريخ الطويل للصناعة النفطية في العراق الكثير من الأسئلة، التي تبحث عن أجوبة، والتي يتناولها كتاب للباحث غانم العناز، يحمل عنوان “العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين”.

ويقدم الكتاب تغطية شاملة لكافة أوجه صناعة النفط والغاز العراقية خلال القرن العشرين وما بعده. حيث أعطى أهمية خاصة للمواضيع التاريخية والتجارية والسياسية والفنية التي تشمل التنقيب والاكتشاف والتطوير والإنتاج، إضافة إلى المصافي ومنشآت معالجة النفط والغاز وتسويق المنتجات وتوزيعها.

ويتناول تفاصيل امتيازات التنقيب الأولى التي تم الحصول عليها لصالح مجموعة شركة نفط العراق المحدودة بواسطة الدعم والنفوذ الذي قدمته الحكومة البريطانية لها يوم كان العراق تحت الانتداب البريطاني، إضافة إلى إدراج ومناقشة 84 من حقول النفط والغاز التي تم اكتشافها حتى الآن.

ويستعرض المُؤَلّفُ خطوط أنابيب تصدير النفط عبر كل من سوريا ولبنان وفلسطين وتركيا إلى البحر المتوسط، إضافة إلى البحث عن كافة النزاعات الطويلة والمريرة في بعض الأحيان في الأمور التجارية والسياسية سواء كان ذلك بين تلك الدول أو بينها وبين شركات النفط العالمية من خلال دورها وحصصها في شركة نفط العراق.

ويغوص عميقا في العلاقات المتذبذبة بين العراق وشركة نفط العراق خلال العقود التي سبقت تأميم النفط، وما بعدها وصولا إلى تحليل طريقة إدارة ثروة العراق النفطية بعد عام 2003.

ويتناول العناز تفاصيل تلك المجمعات وطبيعة حياتها في كلّ من كركوك والبصرة وفي محطات ضخّ النفط بالقرب من بيجي وحديثة والقائم. ويقُول إنّ مجمع شركة نفط الموصل في عين زالة، كان يضمّ أشهر تلك البلدات والتّجمعات السكنية، وأنّه كان أشبه بمنتجع سياحي أقيم على تلال عين زالة المرتفعة ذات الطبيعة الجميلة والمناخ المعتدل.

بداية التسابق الغربي

تم اكتشاف النفط بكميات تجارية كبيرة في العراق لأول مرة في التاريخ في حقل كركوك العملاق من قبل شركة النفط التركية (شركة نفط العراق لاحقاً) عندما انفجرت البئر الأولى فيه في 14 نوفمبر 1927.

وقد أكّد ذلك الاكتشاف، وفق الكتاب، تكهنات عدد من الدول العظمى في ذلك الوقت مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة التي تتعلق بوجود احتياطات كبيرة متوقعة في العراق.

وأشار المؤلف إلى أنّ ذلك فتح شهية تلك الدول للتسابق والمساهمة في الحصول على امتيازات نفطية لشركاتها أسوة بشركة نفط العراق. وتم على إثر ذلك في عام 1928 تشكيل شركة جديدة باسم شركة إنماء النفط البريطانية للحصول على امتيازات نفطية في العراق، والتي أصبحت تدعى فيما بعد بشركة نفط الموصل.

وأوضح المؤلف أنّ ممثل شركة إنماء النفط البريطانية قام بتقديم عرض شفوي إلى الملك فيصل الأول في مايو عام 1928 تضمن اقتراحا جديدا غير موجود في اتفاقية 1925 مع شركة النفط التركية لإنشاء خط للسكة الحديد من العراق إلى البحر المتوسط، وهو ما كانت الحكومة العراقية تسعى لتحقيقه.

وفي ديسمبر 1928 قامت الشركة البريطانية بتقديم عرض جديد تضمن تقديم قرض للحكومة العراقية بمبلغ 2.1 مليون جنيه استرليني لمدة 30 سنة بفائدة قدرها 5.5 بالمئة.

وعرضت على الحكومة العراقية فرصة للمشاركة في أسهم الشركة بنسبة 25 بالمئة، لكن مجلس الوزراء رفضه لكونه كان مبنيا على مبدأ إعلان المناقصات ومشروطا بنتائجها.

ويذكر الكتاب أن انتشار خبر إنشاء شركة إنماء النفط البريطانية وسعيها للحصول على اتفاقية لاستكشاف النفط في العراق، كان له وقع كبير في الأوساط الدولية، ممّا دفع الحكومة الإيطالية، بعد حرمانها من المشاركة في شركة نفط العراق، للمطالبة بالمساهمة في الشركة.

ويضيف أن ذلك أدى في وقت لاحق إلى منح شركة النفط الوطنية الإيطالية (أجيب) حصة تبلغ 40 بالمئة من شركة انماء النفط البريطانية في أغسطس عام 1929.

ويشير العناز إلى أنّ الألمان شعروا بالغبن أيضا لعدم إعطائهم فرصة للمشاركة في الشركة، بعد أن خسروا حصتهم فيها نتيجة خسارتهم للحرب العالمية الأولى. وقد تمت ترضيتهم في أبريل عام 1930 بـ15 بالمئة.

وبعد ذلك طالب الفرنسيون والسويسريون بإشراكهم في الغنيمة فتم لهم ذلك وأعيد توزيع أسهم الشركة بشكل نهائي كالتالي، لتحتفظ بريطانيا بحصتها عند 51 بالمئة وتنخفض حصة الإيطاليين إلى 25 بالمئة، ويحصل الألمان على 12 بالمئة، ويتقاسم السويسريون والفرنسيون الحصة المتبقية البالغة 12 بالمئة.

وأشار المؤلف إلى أن “شركة النفط التركية وقعت مع الحكومة العراقية اتفاقية النفط الأولى في مارس عام 1925 لكن الشركة لم تستطع الالتزام ببعض شروط تلك الاتفاقية بالرغم من منحها سنة إضافية. وقد نتج عن ذلك إلغاء الاتفاقية في نوفمبر عام 1928 والدخول في مفاوضات جديدة.

ويقول إن إلغاء تلك الاتفاقية كان من حسن حظ الحكومة العراقية، لأن مفاوضيها تمكنوا بعد إبرام اتفاقية شركة إنماء النفط البريطانية، من تقليص حقوق الشركة التركية والحصول على شروط أفضل في اتفاقية مارس عام 1931.

وتمّ بموجب الاتفاقية الجديدة تحديد منطقة امتياز الشركة التركية بالأراضي الواقعة شرق نهر دجلة من شمال العراق بمساحة قدرها 32 ألف ميل مربع لتصبح بموجب ذلك الأراضي الواقعة غرب دجلة متوفرة للاستثمار من قبل شركات أخرى.

نظرة شاملة

يقدم كتاب غانم العناز نظرة شاملة وفريدة عن أوضاع العراق النفطية، مما يجعله كتابا مرجعا مهما للمهتمين بشؤون النفط العراقي من خبراء ومؤرخين وسياسيين وأكاديميين وباحثين وحتى شركات نفط دولية. كما تضمّن الكثير من الخرائط التاريخية والجداول الإحصائية والصور النادرة المتعلّقة بصناعة النفط والغاز في العراق.

وسعى العناز إلى أن يكون المُنطلق عرضا تاريخيا لصناعة النفط في العراق منذ ولادتها وحتى الآن، إضافة إلى ما شهدته منطقة الشرق الأوسط من تنافس وسباق على استخراج النفط منذ بدايات القرن الماضي، مستعرضا الجهود التي بذلت من جانب بريطانيا وشركات النفط الغربية للمشاركة في التنقيب على الثروات العراقية والتنازلات التي قدمها العراق للشركات العاملة في ميدان النفط.

ويقدم من ثمة تحليلا لتاريخ العلاقات بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق (آي.بي.سي) خلال فترة الحكم الملكي، ليتناول فيما بعد ما استجد بعد ثورة عام 1958 ونظام عبدالكريم قاسم، من خلال تقديم عرض تفصيلي لتوتر العلاقات بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق بعد نجاح الثورة.

وحظيت ثورة عام 1968 ونظام حزب البعث الذي تبوأ السلطة بعد 17 يوليو 1968، باهتمام الكاتب. حيث تناول بالتفصيل ما سبق وتزامن ونتج عن قرار تأميم النفط العراقي في عام 1972 والمباحثات التي جرت بين ممثلي الحكومة العراقية وممثلي شركات النفط الغربية التي كانت عاملة في العراق.

ليتطرق بعد ذلك إلى تاريخ تأسيس وزارة النفط العراقية وشركة النفط الوطنية العراقية منذ تأسيسها وكذلك إصدار القانون رقم 80 في 12 ديسمبر عام 1961. ولفت بعد ذلك إلى تفاصيل الجهود التي بذلت لتطوير إنتاج الحقول العراقية. وتناول في الفصول الأخيرة تفاصيل شبكات خطوط أنابيب نقل النفط من مناطق المنبع إلى المصب. ليخلص إلى تناول تطورات إنتاج النفط العراقي السنوي خلال القرن العشرين، متوسّعا في ذلك ليتناول بعد ذلك المرافق السكنية والاجتماعية التي توفرت للعاملين في ميدان صناعة النفط في العراق.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1397 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع