المدىـ بغداد/ حسين رشيد:في يوم افتتاح مهرجان شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري العاشر في المركز الثقافي البغدادي الكائن في شارع المتنبي ، والذي يتوسطه تمثال الجواهري "الغريب" عن واقع الجواهري الحقيقي اذ اثار هذا النصب حفيظة الادباء والشعراء بوجه الخصوص والمثقفين عامة.
اذ خلا ،هذا النصب او التمثال، من اية لمسة جمالية معرفية ثقافية تشير الى تاريخ الجواهري الكبير. فعملية نصب التمثال جرت بسرعة ودون استشارة متخصصين بهذا الشأن وحتى عائلة الشاعر. اذ كان من المفروض التنافس بتشييد نصب يليق بالشاعر الكبير الذي يمثل رمزا وطنيا وثقافيا عراقيا.
نصب الجواهري اوضح جرأة البعض من المسؤولين في العراق بتجاهل آراء الفنانين والمثقفين والأدباء وتهميش دورهم في شتى مجالات الحياة العراقية. لتكون النتائج ما نراه اليوم من خراب ودمار عام ليس في بغداد فحسب بل في كل ارجاء العراق.
إعادة تاهيل
اعلنت وزارة الثقافة العراقية في بيان لها انه تمت المباشرة بصيانة عدد من النصب والتماثيل الموجودة في ساحات بغداد والتي تضررت نتيجة الحروب والظروف البيئية. وقال بيان لوزارة الثقافة ان فريقا متخصصا من قسم المصاهر الفنية في دائرة الفنون التشكيلية ،إحدى دوائر وزارة الثقافة، وبإشراف أبرز النحاتين العراقيين، أنجز أعمال الصيانة ضمن اعداد وتأهيل النصب والتماثيل الموجودة في ساحات بغداد.
وقال مدير قسم المصاهر الفنية طه وهيب، انه "تمت المباشرة بصيانة عدد من النصب والتماثيل الموجودة في ساحات بغداد والتي تضررت نتيجة الحروب والظروف البيئية" ، مضيفا: "أنّ الاعمال التي تم البدء بها ضمن الجدول المعد لها هي سبعة عشر عملا تم انجاز ستة عشر منها." مبينا انه تم إرجاء صيانة نصب الحرية والتوصل بالاتفاق مع أمانة بغداد إلى أن تتولى شركة أجنبية متخصصة بأعمال صيانة الهيكل والجدار الخلفي. ولأهمية النصب التاريخية والفنية تم تشكيل فريق فني وهندسي، واجريت فحوصات مختبرية لمخاطبة شركة ايطالية مختصة وما زال الامر قيد الانجاز.
قوس النصر
عن اهمية هذه النصب والتماثيل وما تشكله ، بيَّن الفنان التشكيلي العراقي المغترب رضا حسن رضا:
لقد انتشرت النصب والتماثيل والجداريات في مختلف ساحات بغداد ، كما انتشرت في غيرها من مدن العراق, ولعل نصب الحرية في ساحة التحرير في بغداد للفنان الراحل جواد سليم, خير مثال على المستوى الفني الرفيع الذي بلغه الفن العراقي المعاصر. مستطردا: ان النصب والتماثيل ليست ظاهرة حضارية راقية تعمق الوعي الفني لقيمتها الجمالية فحسب ، بل هي مرآة تعكس تاريخ وتراث ذلك البلد.
واضاف رضا "للأسف الشديد هناك أحداث تاريخية مهمة وشخصيات قدمت للوطن الكثير، لكنها همشت لأسباب سياسية ولم يسلط عليها الضوء حتى بعد سقوط الصنم الذي احتكر الثقافة والفن لتمجيد شخصيته النرجسية والدكتاتورية، فمن الغريب أن نرى لحد هذا اليوم مايسمى بقوس النصر، الذي يمجد حروب الطاغية التي قادت البلد وشعبه الى الهاوية والدمار ومازال العراق يدفع الثمن."
أمانة العاصمة تنفي
وعن عائدية النصب والتماثيل ومسؤولية تاهيلها وترميمها ، نفت امانة بغداد صلتها بموضوع تأهيل وصيانة النصب والتماثيل في العاصمة بغداد، مؤكدةً أنها تقع في صلب عمل وزارة الثقافة .وذكرت مديرية العلاقات والإعلام ان امانة بغداد في الوقت الذي تؤكد فيه حرصها على الجانب الثقافي والتراثي الذي يعد من الدعامات الأساسية لتاريخ وجمالية العاصمة بغداد فإنها تبين ان موضوع صيانة النصب والتماثيل والاهتمام بها يقع على عاتق وزارة الثقافة بوصفها الجهة القطاعية المسؤولة عنها، مشيرة الى ان نصب الحرية وتطوير ساحة الفردوس يقعان ضمن أعمال هذه الوزارة .
وأضافت ان امانة بغداد تقدر جميع الآراء والملاحظات التي تطرح في وسائل الإعلام بخصوص موضوع النصب والتماثيل وتحميلها المسؤولية عن صيانتها وإدامتها ، لكن الحقيقة ان الأمانة ينصرف عملها الى أمور خدمية معروفة وواضحة للجميع بحسب القوانين التي تنظم عملها والصلاحيات الممنوحة لها . مبينة ان أمانة بغداد تؤكد أهمية اخذ الجهات ذات العلاقة دورها في الاهتمام بالنصب والتماثيل لما تمثله من معان أخلاقية وإبداعية وجمالية سامية وقيمة عظيمة تحمل دلالات كثيرة تجسد أصالة الفن العراقي والاعتزاز بمبدعيها الى جانب وقعها النفسي في شخصية المواطن البغدادي لارتباطها بحقب مختلفة من تاريخ بغداد السياسي والثقافي والفني .
دائرة الفنون التشكيلية تؤكد
وبشأن نفي امانة بغداد مسؤوليتها عن اعادة تاهيل النصب والتماثيل قال مدير عام دائرة الفنون التشكيلية د. شفيق المهدي: ان النصب والتماثيل تابعة الى امانة بغداد، وهي المسؤولة عنها وعن تاهيلها، مبينا ان دائرته مهمته بذلك الاشراف والتنفيذ.
كما اوضح المهدي: ان هناك اتصالات حالية مع امينة بغداد بهذا الشان من اجل التعاون على اعادة رونق وجمال الكثير من هذه النصب المهمة، طبعا باستثناء نصب الحرية الذي يحتاج الى شركة خاصة بهذا الشأن. مبينا ان البعض من رخامات النصب آيل للسقوط الأمر الذي يحتاج عناية خاصة وخبرة بهذا المجال.
واكد مدير دائرة الفنون التشكيلية على اهمية الاتفاق والتعاون في اقامة النصب والتماثيل بين امانة ومحافظة بغداد ودائرة الفنون التشكيلية. مشيرا الى اقامة بعض من النصب دون استشارة الدائرة. وبشأن نصب ساحة الفردوس ذكر المهدي: ان الحجة هي حجم النصب وكبر قاعدته التي لا تتلاءم ومساحة الساحة.
لجنة مشتركة
بهذا الشأن يقول الناقد التشكيلي سعد القصاب : ان عملية صيانة النصب والتماثيل، وحتى انشاء نصب جديدة، هي عملية تخصصية بامتياز. يجب تظافر جهود فنية وادارية من قبل جهات رسمية عدة لإنجاحها. متابعا: لكن للأسف ثمة اجتهادات لا تخلوا من بيروقراطية حيناً وجهل بأهمية طبيعة ما تمثله هذه النصب للفضاء العام، الساحات العامة ، واجهة الشواخص المعمارية وغيرها، على المستوى الجمالي والثقافي التي تساهم في تعزيز هوية المدينة وشخصيتها، وعبر الاعمال الفنية ، المتمثلة بالجداريات، والنصب، والتماثيل.
واستطرد القصاب: افترض أن هذه العملية منوطة بأمانة بغداد تحديداً، باعتبارها الجهة الرسمية المسؤولة والمستفيدة معاً. لذا أجد ان من الضروري وجود لجنة دائمة تتألف من فنانين أو أختصاصيين بعملية صيانة النصب والجداريات، وهذا الامر يمكن التنسيق بشأنه مع وزارة الثقافة، وكذلك الاستفادة من خبرة معماريين فيما يتعلق بجوانب انشائية وهندسية. بوجود مثل هذه اللجنة يمكن تدارك الكثير من الأخطاء التي طالت عملية صيانة النصب في بغداد.
130 مليوناً
وفيما يخص تاهيل وصيانة النصب ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية قال مدير عام دائرة الفنون التشكيلية السابق د. جمال العتابي: اخذت دائرة الفنون التشكيلية على عاتقها مهمة تأ هيل وصيانة النصب والتماثيل في ساحات بغداد اذ تعرضت للاضرار خلال العقدين الماضيين، ضمن فعاليات مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام ٢٠١٣ .واوكلت المهمة لكادر دائرة المصاهر التابعة للدائرة الذي انجز صيانة ١٦ عملا فنيا بدأت بعباس بن فرناس والمنصور والنسور والكاظمي والسعدون وشهريار وكهرمانة والرصافي والمتنبي وعنترة بن شداد ومالك الاشتر في الكاظمية اذ تمثلت هذه الاعمال بصيانة وترميم القواعد والمادة البرونزية.. متابعا: وعلى ما اتذكرفان تخصيصات المشروع كانت بحدود١٣٠ مليون دينار. واضاف العتابي: اما موضوع صيانة نصب الحرية فقد اوكلت المهمة لامانة بغداد على امل الاتفاق مع احدى الشركات الاجنبية لتنفيذ المهمة لما يتطلبه من تخصيصات مالية وخبرة متقدمة في هذا المجال، الا ان المباشرة بالعمل لم تحصل لاسباب نجهلها . ومما يجدر ذكره ان دور دائرة الفنون يختص بالجانب الفني في هذه الاعمال اما عائدية المواقع فترجع الى الامانة في العاصمة والى مجالس المحافظات في المدن الاخرى خارج العاصمة.
ونوه العتابي الى لجنة تابعة للامانة العامة لمجلس الوزراء هي المخولة الان بإقامة نصب جديدة او ازالة البعض منها وهنا تكمن احدى الاشكاليات في اختصاص هذه اللجنة اذ تضم العديد من ممثلي الوزارات ومنها امانة بغداد، في حين لايوجد ممثل لدائرة الفنون وهي الدائرة ذات الاختصاص ما تسبب بالوقوع باشكالات عديدة في التعامل مع النصب التي تعود للماضي واخرى مقترحة اذ تباينت الاجتهادات واختلفت التفسيرات لمعنى هذا النصب او ذاك ومدلولاته السياسية والثقافية. مبينا: علينا ان نتذكر محاولات ازالة نصب ساحة النسور كشاهد على ارتباك عمل اللجنة، اوفي مشروع نصب العراق في ساحة الفردوس الذي لم ينفذ لحد الان رغم وجود التخصيص المالي له في حينه، كما تتحمل وزارة الثقافة مسؤولية عدم تنفيذ اكثر من ٥٠ تمثالا لشخصيات ورموز ثقافية عراقية توجد ماكيتاتها في مخازن الوزارة اختيرت بمسابقات معلنة وكوفىء صانعوها بمبالغ جيدة.
الاختصاص وخامات النصب
الجميع يدرك ان بغداد بعد 2003 خلت من رموزها الجمالية المتمثلة بالنصب والتماثيل التي تعرضت للتدمير والإزالة او للاهمال كما هو حال نصب الحرية، النصب الأهم ليس في العراق فحسب بل في المنطقة عموما، او جدارية فائق حسن في ساحة الطيران التي تشكو الاهمال والتهميش هي الاخرى. وجدارية الرازي للفنان ناظم رمزي في مستشفى فيضي ومجهولية مصيرها بعد هدم البناية، والامر يشمل بقية النصب والتماثيل التي طالها الاهمال او التخريب ولاسباب سياسية او دينية.
يقول الناقد التشكيلي قاسم العزواي ان النصب والتماثيل وبقية مفاصل الفنون الاخرى وكل مايخلق الجمال ويجمّل الحياة ،لجدير بالاعتناء به بعد الانحناء، ونصبنا وتماثيلنا تعرض معظمها للتصدع والاضرار لعدة اسباب واحدة منها ماتعرض له العراق من احداث مدمرة اضافة الى اهمال الجهات المعنية بهذا الكنز الوطني والتقافي. واستطرد العزواي: على سبيل المثال لا الحصر نصب الحرية للفنان الرائد والمجدد جواد سليم والذي يمثل قلب العراق النابض، وماتعرض له من سقوط بعض البلاطات المرمرية المكونة لمساحته مع القطع النحتية من سقوط وتهشم، ولاعادة ترميمه على المختص بهذا ان يجلب المرمر الايطالي المحاكي والمقارب لذات القاعدة المرمرية وبدون اية اضافات اخرى من شأنها ان تغير ولو قليلا بهيبة النصب، مؤكدا على ضرورة الابتعاد عن الطلاء الكيفي للقطع النحتية وانما بطلاء خاص يحفظ القطع النحتية.. وهكذا لبقية التماثيل والنصب وكل حسب خامته المصنوع منها ،واعني البرونز والخشب والحجر وغيرها، مقترحا ارسال مختصين الى الخارج لدراسة صيانة الاعمال الفنية.
فارزة
كل الدول والبلدان ترتقي وتحتفي بمبدعيها وفنانيها من خلال تخليد اعمالهم ونتاجاتهم الابداعية الفنية او الادبية. ومن بين هؤلاء النحاتين والفنانين التشكيليين الذين طرزوا وجه بغداد بلوحاتهم ونصبهم وتماثيلهم التي يحاكي البعض منها تاريخ بغداد، واخر موروث بغداد كنصب الفنان محمد غني حكمت. بغداد التي كانت النصب والتماثيل احدى سماتها الجملية والثقافية والفنية، تشهد اليوم حملة تشويه متعمدة لبعض هذه النصب تقف خلفها اجندات سياسية وثقافية ودينية ومذهبية تعود لمئات السنين. حتى ان البعض منها هدم وخرب. فليس من المعقول ان يكون حال نصب ابي نواس كما عليه الان من خراب. وهو الذي شغل الدنيا باشعاره. على الجهات المعنية ان تعي ان بغداد ليست مدينة طارئة او حقل تجارب لبعض الافكار والتوجهات او الابتكارات السمجة، بغداد بحد ذاتها نصب خالد وتمثال مطرز بالموروث العمراني العريق. والفن التشكلي العراقي ولّاد لكل مجالات الابداع والجمال والابتكار. فليس من الصعب على هذا الفن العريق صناعة الجمال من خلال النصب والتماثيل والجداريات او اعادة تاهيل وصيانة ما تضرر منها. فلا تبخسوا حقهم في مشاريع مقبلة تعيد لوجه بغداد بعضا من نصاعته وجماله ورونقه. وبدل تشكيل لجنة من مجلس الوزراء بهذا الشأن من الممكن تأسيس مجلس الثقافة والفنون الاعلى والذي يتكون من شخصيات ثقافية، ادبية / وفنية . تكون هذه اللجنة من ضمن تشكيلته وتعمل وفق توجيهات.
900 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع