على طاولة السيدة أمينة بغداد..مجسّرات العاصمة بين فوضى الإنشاء والألوان الباهتة !

     

المدى/بغداد-حسين رشيد:وانت تدخل العاصمة بغداد من جهاتها الأربع يحدوك الأمل بمدينة تحتفظ ولو بنسبة ضئيلة من جمال بعد أن تعاقبت عليها الحروب والويلات وشتى أنواع الخراب والتشويه!

صديق قادم من اوروبا دخل العاصمة من مدخلها الشمالي قادماً من كردستان، لم يكن بمقدوره تصور حجم الصدمة والهول الذي رآه في مدخل لا شيء يوحي أنه يؤدي الى مدينة شغلت الدنيا يوماً ما، فما يُعرف بالبوابة  هناك تلكؤ في العمل، مخلفات البناء تأخذ جزءاً من الشارع، فوضى المرور والطرق غير الصالحة لمرور آليات العمل وليس سيارة صالون او نقل ركاب. والشيء الأسوأ هو تلك الألوان الباهتة الترابية بكل شيء ناهيك عن اختفاء الحدائق والجزرات التي تحتضن الورود ونباتات الزينة، بعد مسافة وجيزة من المدخل تدخل حدود امانة بغداد التي تعلن لك غياب الأمانة بكل شيء، من الترميم والصيانة والمتابعة الى سوء الادارة وعبثية التخطيط وتشويه معالم المدينة بمشاريع لا فائدة منها.


 
مجسرات مثيرة ؟!
يرتبط تصميم وتشييد أي مُجسَّر بالحاجة له، كأن يكون هناك زحام مروري او شارع وتقاطع حيوي يحتاج إليه او لوجود ممر نهري وما شابه ذلك، اما بعض مجسرات بغداد برغم غرائبية إنشائها وتصميمها فهي غير مهمة ولا مفيدة، بل بالعكس إساءة أكثر. ومنها على سبيل الذكر مجسر الشعب الذي أُنشئ على شارع طويل ومستقيم يخلو من ممر نهري او سكة قطار او تقاطع حيوي ومهم، بل بالعكس من ذلك تسبب بعرقلة لكل شيء في فترة انجازه وما بعدها. وهذا ما يؤكده ابناء المنطقة الذين فضلوا اقامة مشاريع اكثر اهمية تخدم ابناء منطقة الشعب ومنها شبكة المجاري التي تتحول المنطقة بسببها مع أية زخة مطر الى بحيرة تتسبب بعرقلة السير او اقامة المجسر في تقاطع الشعب الرئيس تقاطع "شارع عدن" المكتظ دائما الذي يُعد تقاطعاً مهماً وحيويًا.
المجسَّر الآخر هو مجسر ساحة قحطان بالقرب من مستشفى اليرموك هذا المجسر يُشير الى عدم فهم مَن أشرف عليه او مَن اقترح مكانه الحالي، فمن المفترض ان يُنشأ فوق سكة القطار لا بعدها؟! الأمر الذي يتسبب دائما بزحام سير فوق المجسَّر وقبله بسبب المستشفى وعبور المراجعين، وبعدها بسبب عرقلة سكة الحديد!
قائمة المجسرات طويلة ولا تنتهي بمجسر الصالحية او العلاوي او مجسر الطالبية او البياع وساحة المتحف ومجسر المستنصرية او مجسر ونفق باب المعظم المتلكىء، الأمر الذي يطرح سؤالا مَن المسؤول عن هذه الفوضى العمرانية؟
 
ثقافـة الألوان
"الألوان احدى وسائل التخاطب والتواصل، إذ يمكن من خلال الجدران أو الحاجيات الملونة إيصال رسالة الى عدد كبير من المتلقين من دون أن يشعروا. بعض الألوان تسبب الراحة النفسية وأخرى ترفع ضغط الدم وألوان ثالثة قد تحدث العكس، وتتأثر مفاهيم الألوان بدرجة كبيرة بتقاليد الشعوب وعاداتها، يذهب بعض الباحثين الى تفسير تفضيل الألوان الى درجة حرارة المحيط الذي يعيشون فيه، إذ يُشاع تفضيل الألوان الدافئة وخصوصاً الأحمر لدى سكان المناطق الباردة في حين يفضل سكان المناطق الحارة "العراق مثلا" الألوان الباردة مثل الأخضر والأزرق، بينما أشارت دراسات أخرى الى أن النساء يفضلن الألوان الدافئة عادة على العكس من الرجال الذين غالباً ما يفضلون الألوان الباردة. وعلى هذا الاساس قامت السلطات البلدية في مدينة غلاسكو في بريطانيا في عام 2000 بنصب أضوية زرقاء اللون في الشوارع العامة فأدى ذلك الى انخفاض حالات العنف الاجتماعي المسجلة، وفي عام 2009 عمدت إحدى شركات قطارات الأنفاق في اليابان الى إنارة محطاتها بلون أزرق في محاولة لتقليل حالات الإنتحار".
ما نلاحظه اليوم من تغيير في معالم مدننا عامة وبغداد خاصة يُثير في نفوسنا ألماً وحسرة على تلك البنايات والبيوت الجميلة برغم بساطة التصميم والديكور الذي غالبا ما كان معمارياً يدوياً فنياً. إن زحف ما يُعرف اليوم بتغليف البنايات بالالكوبوند والزجاج المقوى حرارياً والمقسى والزجاج العنكبوتي في بغداد حوَّل المدينة الى مجموعة اشكال هندسية ملونة تخلو من أية لمسة معمارية او فنية وهذا يُطمس هويتها الحقيقة وتراثها المعماري، فنشاهد كذا بناية غلفت باللون الأحمر وأخرى بالازرق واخرى بلون آخر وقد يكون هناك لونان او اكثر وهكذا، وحتى لو قلنا ان الهندسة المعمارية اخذت شكلا آخر اكثر حداثة، حينها سنشكو من مسألة عبثية اختيار الالوان بين بناية الى اخرى الامر الذي يشوه المنظر العام للمدينة، وهذا الأمر وصل الى الجسور والمجسرات "المشاة والسيارات" التي غُلف بعضها بهذا المادة، التي تعلن غياب ثقافة الالوان في البناء والتشيد والتصميم لمشاريع العاصمة التي تشكو من التباطؤ أكثر من ذلك.
 
حدائق ومتنزهات
تنتشر في طرق وشوارع العاصمة بغداد عشرات المجسرات لكن كم واحداً منها تم انشاؤه وتصميمه بما يتلاءم وحاجة الناس له وحركة السير؟ وكم واحداً منها أُنشئ وفق معايير وتصاميم هندسية عالمية وفائقة الدقة؟ وكم واحداً منها تم إبرازه من خلال تصميم جمالي او تلوينه وصبغه بالوان تثير الراحة في نفوس الناس؟ وكم واحداً منها تم استغلال المساحة التي تحته بإنشاء حديقة او متنزه او نافورة او ساحة لوقوف السيارات؟ طبعا العدد غير معلوم لكنه صغير جداً ولا يتناسب مع حجم وعدد المجسرات في بغداد التي من الممكن أن تكون لها أهمية مزدوجة.
وللإنصاف مجسَّر معسكر الرشيد هناك حديقة جميلة ونافورة لا بأس بعملها، لكن ينقصه المتابعة ومعالجة ما تبقى من مساحة تحتت المجسر، ومجسر ملعب الشعب ايضا ومجسرات اخرى قليلة جدا. قياسا مع عدد المجسرات المهملة او المتروكة وأهمها مجسرات كراج النهضة وبغداد الجديدة وشارع فلسطين والدورة وغيرها من المجسرات.
 
أنفاق المجسرات
وحسب بيان صحفي: ان أمانة بغداد قامت بحملة لتنظيف وغسل الانفاق والجسور والمجسرات والمقتربات المحيطة بها ضمن قواطع بلديات المنصور والاعظمية ومركز الكرخ ومركز الرصافة حفاظاً على نظافتها وجماليتها. وذكرت مديرية العلاقات والإعلام في بيانها ان الملاكات الخدمية في دائرة بلدية مركز الرصافة نفذت حملة لغسل وتنظيف طريق محمد القاسم للمرور السريع للمقطع الواقع ضمن الرقعة الجغرافية للدائرة البلدية وغسل مجسرات ساحة المستنصرية وساحة بيروت وتقاطع شارع فلسطين قرب وزارة النفط.
واضافت ان ملاكات دائرة بلدية الاعظمية قامت بأعمال تنظيف جسر الاعظمية (14 رمضان ) الى نهاية شارع القصر ومجسرات آفاق عربية الواقعة في حي تونس وصولاً الى الوقف السني مع مدخل شارعي محمد القاسم وقناة الجيش فضلا عن اعمال تنظيف أنفاق الطالبية والمعهد القضائي والشعب عند نهاية شارع ابي طالب، مشيرة الى ان دائرة بلدية المنصور نفذت حملة لغسل وتنظيف المجسرات والانفاق الواقعة ضمن رقعتها الجغرافية بإستعمال الجهدين الآلي والبشري شملت مجسرات (الزهور- اليرموك- تقاطع مجسرات العدل – مداخل مجسر الخضراء- نفق الشرطة ونفق صلاح الدين).
وأوضحت ان دائرة بلدية مركز الكرخ نفذت حملة مكثفة شملت تنظيف وغسل مجسر العلاوي قرب ساحة المتحف ومقتربات مجسر الاذاعة والتلفزيون وتنظيف وغسل مجسر دمشق وجسور الجمهورية والسنك والشهداء والباب المعظم. لكن ماذا عن بقية المجسرات والأنفاق في العاصمة، خاصة انفاق ومجسرات شارع القناة التي تشكو الكثير من عدم الاهتمام والتهميش، فالمطبات تعيق السير لعدم وجود الانارة الكافية، الجدران مشوهة برسومات وصور المرشحين وغيره من وسائل التشويه التي بات البعض يتفنن فيها !
 
العيـن تأكـل
في وسط الاسواق الشعبية وخاصة اسواق الخضار والفاكهة تعلو صيحات الباعة كل ينادي على بضاعتها لكن يسرق السمع جملة "العين تأكل" وهي مستوحاة من قول قديم العين تأكل قبل الفم. فالمراد من ذلك ان منظر الفاكهة او الخضار الملون والمثير في ذات الوقت والمغري، يجعل العين ترسل رسالة الى الدماغ الذي يعممها على بقية اعضاء الجسد بالتالي تكون نتيجة ايجابية الى حدٍ ما. وذات الأمر يسري مع شراء واقتناء الملابس اذ يعمد أصحاب المحال الى عرض بضائعهم ذات الالوان الزاهية البراقة التي تثير المشترى وتغريه بالتبضع والاقتناء، وبالطبع الأمر يسري على بقية الاشياء التي تأخذ حيزاً في حياتنا وتدخل في شتى الشؤون.
في مدن الإقليم نشاهد تعدد الوان البنايات والبيوت التي تُثير الراحة والاسترخاء في النفوس قبل الوصول الى المصايف والطبيعة الخلابة، هذه الصورة تختفي في مدن العراق الاخرى التي تتشابه الى حدٍ ما بالوان الترابي او الخرساني الأمر الذي يُضيف هماً آخراً الى هموم الحياة فيها.
 
 
 
 
 
فارزة
للون أثر كبير في الحالة النفسية والمعنوية للشخص وتوجيه الأحاسيس والمشاعر، وهذا ما أثبتته الدراسات والبحوث التي تستند عليها الكثير من الدول المتقدمة والمتحضرة في تشييد بناياتها خارجيا وداخليا، بالاضافة الى البُعد الجمالي للعمارة.  بغداد الآن عبارة عن كُتل اسمنتية مرصوصة مع بعضها، وفراغات تكثر فيها الأوساخ وتتراكم النفايات والأزبال، فغياب التعدد اللوني في البناء والإعمار جعل منها مدينة باهتة الملامح فاقدة لكل معيار من معايير الجمال والرونق.  لقد تنبه العالم مبكراً للصلة بين اللون والعمارة وما يتركها من أثر كبير، في البعد الجمالي للعمارة او البعد النفسي عند الناس، الأمر هنا لو طبق على مجسرات العاصمة وانفاقها وتم تلوينها بألوان منسقة جميلة تبعث الراحة والاطمئان في نفوس الناس، مثلما تعطي بُعداً جمالياً ولو محدوداً للمدينة المهمشة والمشوهة، كذلك الأمر مع الساحات الفارغة التي من الممكن ان تستثمر بشكل افضل حدائق او ساحات وقوف للسيارات تشرف عليها الأمانة وليس المافيات مثلما موجود في ساحات ومرائب وقوف ومبيت السيارات.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

700 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع