عرض أزياء في بغداد يتحدى الحرب والتقاليد الاجتماعية المحافظة

   

بغداد ـ  (أ ف ب) – تعلو الابتسامة وجه حنين الشابة العراقية ذات القوام الممشوق عندما ترى للمرة الاولى فستانا بني اللون طرزت اكمامه باللون الذهبي سترتديه في عرض ازياء في بغداد، يمثل تحديا لمجتمع محافظ تنخره حروب دائمة.

وتواجه المشاركات في العرض الذي يقام بعد غد الجمعة بتنظيم من المصمم العراقي سنان كامل، نظرة مريبة من مجتمع غالبا ما يقرن عارضات الازياء بـ “السمعة السيئة”.
في رواق معهد للتكنولوجيا مطل على منطقة الكرادة وسط بغداد، تتقدم حنين (22 عاما) بخطى ثابتة، بفستانها الطويل الذي كتبت على جزئه السفلي ابيات من “انشودة المطر” للشاعر الراحل بدر شاكر السياب.
وتعمل حنين منذ خمسة اعوام في دار الازياء العراقية التابعة لوزارة الثقافة، والتي غالبا ما يقتصر نشاطها على عروض محدودة لازياء تقليدية.
وتقول لوكالة فرانس برس “انا لا اخبر احدا انني عارضة أزياء لأن لا احد يتقبل فكرة ان اكون عارضة ازياء. الجميع يربطونها بأفكار سيئة”.
وتضيف الشابة ذات البشرة الحنطية والشعر البني المنسدل على كتفيها “فقط امي تعرف انني اعمل كعارضة. والدي (…) يعتقد انني اعمل كموظفة في دار الازياء، لكنه لا يعرف انني اشارك في عروض”. وتتابع ان الناس “لا يعترفون بانك تتحدى او تجازف بحياتك كعارضة ازياء”.
وتقول سحر، وهي ايضا من دار الازياء، “اسمع كلاما، لكن لا اهتم”. وتضيف هذه الشابة السمراء ذات الشعر البني الناعم “يقولون (الناس) ان عارضة الازياء لديها سمعة سيئة، ومن المعيب ان تقوم بما تقوم به”، الا ان تؤكد ان عائلتها المؤلفة من شقيقتين وست اشقاء، تدعمها.
استخدم المصممون والعارضات المعهد لعقد لقائهم الاول وتجربة بعض التصاميم التي ستعرض في فندق الرشيد. ومن المقرر ان تشارك 16 شابة في عرض تصاميم ستة مصممين، غالبيتهم من الهواة، وبينهم شاب واحد.
والعرض الذي يحاول استنساخ العروض العالمية، تجربة نادرة في بغداد.
ياسمين (اسم مستعار)، طالبة جامعية ستختبر للمرة الاولى عرض الازياء، بدعم من والدتها. الا ان والدها لا يعرف ان ابنته ستقدم على التجربة.
وتقول الشابة ذات الشعر الاسود الحريري، والبالغة من العمر 21 عاما، “لا اعتقد ان والدي سيمانع″، قبل ان تضيف بعد صمت “سنرى في حينه”.
اما والدتها ثناء (50 عاما) فتعرب عن فخرها بابنتها، وان كان مشوبا ببعض القلق من ابلاغ والدها. وتقول “لا اعرف كيف سأقنع والدها. طبعه احيانا حاد لكن عنده مرونة ويتقبل، والا لما كنت انا واياها بلا حجاب، برغم انه رجل ملتزم دينيا”.
وخلال العقود الماضية، كان معتادا في بغداد رؤية نساء يرتدين تنانير قصيرة وملابس اقرب الى الاسلوب الاوروبي المتحرر. الا ان هذه العادات تبدلت مع تزايد التشدد الديني ودخول البلاد في حروب ودوامات عنف، ومعاناتها من حصار اقتصادي خانق دام نحو 13 عاما.
وتقول ثناء “المجتمع العراقي لم يكن هكذا، لكن غيّره التشدد الديني (…) في الثمانينات، كان الناس يتقبلون الأمور بنظرة اقل تشددا”.
وتتابع “بلدي العراق احبه، وهو بلد فيه حضارة وتراث وصبايا حلوين (جميلات). دعونا نعيش (…) دعوا الناس يرون ماذا يوجد لدينا”.
لا تغيب هذه التحديات عن التحضيرات التي ينجزها كامل منذ اشهر.
ويقول “رغبت في ان انقل هذه التجربة الى العراق، وان تكون خطوة اولى لمحاولة ان تصبح بغداد عاصمة للموضة”، مقرا بان هذا الطموح يواجه معوقات ابرزها ان “ثمة مجتمع قبلي في العراق، والحياة تعتبر متحفظة”.
وبناء على تجاربه السابقة، يحاول كامل انجاز الامور بشكل مختلف.
فقد طلب المنظمون من العارضات توقيع تعهد يعفيهم من اي مسؤولية “قانونية وعشائرية”، والمبيت في الفندق في الليلة السابقة للعرض برفقة من يردن، بشرط ان تكون انثى.
ويقول كامل “المشكلة التي تحصل هي بين العائلة والمصمم. هي (العارضة) تحب ان تقوم بالامر، لكن يأتيك مثلا ابن عمها ويسأل +لماذا نشرت صورة ابنة عمي؟+”، قبل ان “يهدد ويقول انه سيقوم بكذا وكذا”.
ويواجه العرض ايضا انتقادات لكونه يقام في بلد حيث يفقد المئات شهريا حياتهم جراء العنف.
على صفحة العرض على موقع “فيسبوك”، كتب المستخدم امين الحسني “ناس ملتهيه (مشغولة) بالجهاد والدفاع عن الوطن وانتوا ملتهين بل +فاشن شوو+ (عرض الازياء)؟”.
ويقر كامل بصعوبة تقبل العراقيين للعرض في ظروف مماثلة، الا انه يرى فيه محاولة لتغيير الصورة السائدة عن العراق.
ويقول ان البلاد تعاني من “ازمة نازحين، ازمة ارهاب، ازمة اقتصادية واضحة. اذا قلت للناس انا اقيم عرضا للأزياء، سيسألون +انت وين والبلد وين؟+”، الا انه يصر عليه لاظهار ان “العراق ما زال على قيد الحياة”.
تعليقا على هذه الانتقادات، تقول سحر “كل انسان يقاتل على طريقته. الجيش في ساحة الحرب يدافع عنا (…) نحن بعملنا ندعم” بلادنا. وتضيف “لا نريد ان تكون النظرة ان العراق سقط وانتهى”.
وفي المعهد، يستعد المصممون والعارضات للافتراق الى حين اللقاء مجددا في تدريب ليل الخميس الجمعة. وعلى رغم ان بعض الشابات ابدين امتعاضا من تمضية ليلة في الفندق، الا انهن وافقن في نهاية المطاف.
وتقول حنين “سأحضر امي للنوم معي، وسنقول (لوالدي) اننا سنمضي الليلة في منزل اقاربنا”. تضيف ضاحكة “حياتنا كلها كذب بكذب”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

766 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع