نشر الباحث في شؤون الجماعات الجهادية 'د. هشام الهاشمي' مقالا مهما عن التحولات التي عاشها زعيم تنظيم مايسمى الدولة الاسلامية (داعش)، وفيما يلي نص المقال:
أشياء من حياة البغدادي
د. هشام الهاشمي
إبراهيم عواد إبراهيم البدري السامرائي الذي اعتقله الأميركان في شباط ٢٠٠٥ ولغاية شباط ٢٠٠٩، بصفة مشتبه به، وذلك لتواجده في الفلوجة ضيفا عند أحد الأهداف المطلوبة للجيش الأميركي، هذا الأمر صنع التحول الفكري والتنظيمي لديه، ولم يمنع الرجل الأكاديمي التقليدي من الانخراط مع تنظيم القاعدة ببيعة، ولم يمنعه من أن يتوجه بعد خروجه للعمل بمنصب شرعي ولاية ديالى، ثم قاضٍ في ولاية الأنبار، وبعدها في عام ٢٠١٠ عضوا في مجلس شورى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، ومن المقربين لأبي عمر البغدادي...
إلا أن الرجل الذي دخل مجلس شورى ومعه من يسانده في صناعة القرار أمثال حجي سمير الخليفاوي وأبو مسلم التركماني وأبو عبدالرحمن البيلاوي.. وكان كثير التودد لأبي عمر البغدادي من أجل الحصول على منصب قيادي ضمن مجلس الإمارة..
هذه التحولات الفكرية الساخنة، والصعود المفاجئ لشخصية سلفية أكاديمية مغمورة ذات تاريخ جهادي قصير وصلت لمجلس الشورى خلال ستة أشهر فقط، تطرح العديد من الاستفهامات، وتغري المتابع والمراقب للخوض في معرفة تلك الأسباب وجذورها.
البغدادي القادم من مدينة سامراء منطقة 'جلام' النائية ولد عام ١٩٧١لعائلة عراقية فقيرة وبسيطة لأب فلاح وملا وأم ربة منزل...
تفرد بين أخوته بالتحصيل الأكاديمي العالي، إذ درس العلوم الشرعية في الجامعة الإسلامية وحصل منها على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، انتقل الى بغداد للدراسة الجامعية وعمل إماما للصلاة في مسجد الزغل في منطقة الطوبچي.
يصف البغدادي شقيقه (شمسي عواد البدري): بأنه شخص متشدد في سلوكه داخل الأسرة وخارجها، ودائما ما يشدد عليهم في الأحكام الشرعية، وكان يعجبه التعليم والتدريس حيث عمل مدرسا في الإعدادية الإسلامية في سامراء، وهو مجتهد في الحث على التمسك بالسنة ولديه رغبة لتغيير وضعه الشخصي..
بعض من عرفه في منطقة الطوبچي من مصلي جامع الزغل؛ يقول: الشيخ إبراهيم (البغدادي) طوال تواجده في الجامع لم يتكفف الناس بطلب الصدقة أو التبرعات، وكان كثير العزلة والانطواء على نفسه، ويشارك في تعليم أبناء الحي علوم القرآن..
لم يكن البغدادي الأبرز في جامعة العلوم الإسلامية، وفي أحد أهم جوانب التحولات الفكرية في حياته في منتصف تسعينيات القرن الماضي اقتنع بعقيدة ومنهج السلف بعد أن كانت عقيدته مربكة ومنهجه صوفيا، في بداية سنوات دخوله للكلية تأثر بأقرانه وراح يطلب العلم الشرعي على طريقة السلف وكان من أبرز المشايخ الذين أثّروا به الشيخ الأصولي محمد محروس المدرس والشيخ المحدث صبحي جاسم السامرائي، في بداية عام ٢٠٠٠، تجنب البغدادي أن يبايع جماعة أنصار الإسلام وانشغل بطلب العلم الشرعي ولم تكن له أية ميول تكفيرية.
يعلم كثير من الباحثين لتاريخ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق أن البغدادي منذ انضمامه للتنظيم داخل السجن كان قريبا للشخصيات المهمة، أمثال الشيخ أبي عبدالرحمن العراقي (الدكتور وليد الجبوري) والشيخ أبو شهد (خالد المشهداني) ومناف الراوي...
البغدادي منذ دخل إلى مجلس الشورى أدرك أن مجلس الإمارة يدور داخله صراع كبير بين القيادة العربية (بقيادة أبي حمزة المهاجر) والقيادة العراقية (بقيادة أبي عمر البغدادي):
- الأول هو جيل الزرقاوي، التيار القوي داخل التنظيم بيده مفاتيح المال والتجنيد والهيئة الشرعية والتواصل مع قاعدة الجهاد العالمي وهو الامتداد إلى بقايا العرب الأفغان..
- والثاني هو جيل عمر حديد وعمر بازياني وعبدالله نجم الجواري (أبوعزام العراقي) أو ما يعرف بجيل العراقيين الذين أسسوا مع الزرقاوي كتائب التوحيد والجهاد ولديهم رؤية القاعدة في الجهاد ويطالبون بإعلان دولة إسلامية في العراق... وكان ذكاء البغدادي جعله أن يكون قريبا من الطرف الثاني (العراقي)...
وساهمت مرحلة السجن في صناعة البغدادي على ما هو عليه اليوم، وتواصله مع المجموعات القيادية داخل السجن جعل أفكار المنهج التكفيري تترسخ في عقيدته وتظهر آثارها على سلوكه وأقواله وأفعاله.. وما تزال آثار الفكر التكفيري داخل البغدادي متجذرة من خلال مرحلة سجنه..
وبعد مقتل أبوعمر البغدادي ونائب أبو حمزة المهاجر في ١٩ نيسان (أبريل) عام ٢٠١٠ وبناءً على مكانة البغدادي في مجلس الشورى وقربه من مجلس الإمارة ونسبه القريشي، اختير خلفا لأبي عمر البغدادي، وأول شيء بدأ به مكن الجيل العراقي من السيطرة على معظم المناصب القيادية داخل الهيكل التنظيمي، قيادة جديدة للدولة الإسلامية في العراق، وبعد أن أحكم سيطرته كاملة على مجلس الإمارة في منتصف عام ٢٠١١، وجعل ولاء أهم مناصب الإمارة يتبع له بما في ذلك وزارة الحرب ومجلس الشورى والهيئات الشرعية، تحوّل البغدادي من أمير يتبع قرارات مجلس الإمارة إلى المتفرد بمجلس الإمارة وقرارته هو من يتخذها حصراً، الهيكل التنظيمي لجماعة البغدادي لا يوجد فيه التعددية الفكرية ولا التعددية المنهجية ولا حتى الاجتهادات الفقهية السائغة..
نهاية عام ٢٠١١ تحول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق إلى تنظيم أحادي يسيطر عليه شخص واحد هو البغدادي الذي يهتم ببسط النفوذ والاستقلالية عن قرارات قاعدة الجهاد العالمي وجمع الثروات من أجل التمويل الذاتي.. هو ومعيته الجديدة يعمل على صناعة تنظيم قوي ومستقل أكثر من اهتمامه بالعمليات القتالية، وأصبحت الأولوية لجعل التنظيم ظاهرة دولية تشبه ظاهرة بن لادن، وكان ذلك حين أرسل كلاً من أبي عبدالعزيز القطري (محمد يوسف) وأبي محمد الجولاني (عدنان الحاج علي) وحجي بكر (سمير الخليفاوي) وأبي محمد العدناني (طه صبحي فلاحة) الذي أخذ البيعة له وتأسيس فرع لتنظيم الدولة الإسلامية في الشام وخاصة في الشرق السوري الغني بآبار النفط ومخازن الحبوب والمطارات والقواعد العسكرية.. وقد جاء نجاح الجولاني ومجموعته من التوسع وتأسيس جماعة تتبع منهج البغدادي، بالفرح الكبير له في بداية العام ٢٠١٢، لكن تمرد الجولاني وجماعته عليه.. خالفوا أفكاره وانحرفوا عنها، وأصبحوا جماعة تدير شؤونها بنفسها تمثل فرع قاعدة الجهاد في الشام.. جعل البغدادي يعلن اتحاد فرع العراق مع الشام في ٨ نيسان (أبريل) ٢٠١٣، وأن يتواجد هو بنفسه في سوريا للإشراف على الهيكل التنظيمي الجديد بعد عملية الاتحاد!
هذا الاتحاد ساهم بشدة في أن ينال البغدادي ثقة المجلس العسكري الذي يرأسه مجموعة من ضباط أمن وعسكر في النظام العراقي السابق، وهم من يسيطرون على كل مفاصل الهيكل التنظيمي المهمة، واستطاع البغدادي أن يتوسع ويسيطر على الرقة وجزء كبير من الحسكة ودير الزور، وبالتالي تحقق له التمويل الذاتي. حتى كان العاشر من حزيران (يونيو) الأمر الذي جعل البغدادي يتحدث بصوت عال ويعلن دولة الخلافة في ٢٩ حزيران... وهو الإعلان الذي تسبب في أزمة كبيرة داخل الأوساط الفكرية والتنظيرية التي تعمل على إحياء دولة الخلافة، وأثار حفيظة القاعدة وأنصارها، خاصة الفصائل والجماعات المحسوبة على التيار السلفي الجهادي، وتتبنى رؤية مغايرة لتنظيم البغدادي، أمثال أبو محمد المقدسي وأكرم حجازي والسباعي وطارق عبدالحليم والطرطوسي... حيث أصابهم هذا الإعلان بصدمة غير متوقعة.
760 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع